Ads by Google X

رواية ندوب الهوى الفصل السادس عشر 16 - بقلم ندا حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ندوب الهوى الفصل السادس عشر 16

 “وما به القلب سوى الهوى، الهوى للمُحبين القادرين

على التخطي وما به سوى العذاب الممزوج بالهوى

للمُحبين الراغبين الندوب بعد الجروب”

ضغطت على الكتب التي بيدها بقوة شديدة وهي تتابع تقدمه منها والذي أوحى إليها باشياء عدة وهو بهذه الحالة الغريبة عليه وعليها..

استشعرت أن هناك خطب ما ومؤكد الآن أنها هي من فعلته فلو كان أحد آخر لما كان يأتي إليها هكذا وملامحه لا تبشر بالخير أبدًا بل كل شيء به لا يبشر بالخير..

أسرعت تخفض بصرها عنه وبدلته إلى صديقتها وأردفت بتوتر وقلق وهي تبتعد عنها هي وشقيقها متقدمة منه:

-طب عن اذنكم أنا لازم أمشي جوزي جه

لم تعطي إليهم الفرصة للرد عليها بل ذهبت إليه تتقدم منه لتقطع طريقه إليهم حتى لا يتحدث أمامهم بشيء، لا تدري ما الذي ممكن أن يفعله هي فقط تستنتج من ملامحه التي لا تبشر بالخير..

وقفت أمامه بعد أن قطعت المسافة بينهم وثبتت أقدامه بالأرضية بمجرد وقوفها معه، حركت عينيها عليه بقلق وجدية شديدة وربما هناك رهبة بنسبة واحد بالمئة من مظهره هذا..

أردفت بتردد وهي تضع يدها اليمنى على ذراعه بتلقائية تتسائل عما به:

-مالك؟. شكلك متعصب أوي كده ليه

رفع نظرة إلى خلفها بعد هذا السؤال ورأى زميلتها وشقيقها قد صعدوا إلى سيارتهم وبدأت بالتحرك مغادرين المكان، ضغط بقوة على كف يده أخذًا نفسًا عميقًا أمامها جعل صدره الضخم يرتفع وينخفض بقوة…

نفض ذراعه من يدها وبدل الأدوار تحت نظراتها المتعجبة لما يحدث ثم جذبها من يدها إلى إتجاه السيارة وهي تجاريه في السير وعقلها منشغل بما يفعله وما حدث له..

فتح لها باب السيارة وجعلها تجلس في مقعدها بعد أن أشار لها ثم أغلق الباب بقوة جعلتها تنتفض بتلقائية لفعلته المباغتة، استدار حول السيارة تحت أنظارها المتعجبة، صعد إلى مقعد السائق وتولى القيادة عائدًا إلى الحارة كما أتى إلى هنا مع حدوث تغير كبير ومؤثر واضح كثيرًا عليه وهو شعوره بالغضب والعصبية التي احتلت أوردته وتود الانفجار الآن بوجه أي شخص كان..

أمسكت بحقيبتها الصغيرة وتلك الكتب التي كانت تحملها على يدها واستدارت بجسدها تُميل إلى ناحيته وهو يقود السيارة وألقتهم بالمقعد الخلفي، أعتدلت مرة أخرى في جلستها نظرت أمامها بتوتر كبير وهي تراه عاقد حاجبيه بقوة ووجه يحمل انزعاج لم تراه بحياتها منه بهذا الشكل لأنه من الأساس ليس من هؤلاء سريعين الغضب..

حركت رأسها إليه مستديرة لتنظر إلى وجهه وقد جذبتها يده الذي تضغط على المقود بقوة جعلت عروقه بارزة بشكل غبي!..

أغمضت عينيها العسلية تضغط عليهما بقوة محاولة أن تتشجع وتقترب منه لتعلم ما الأمر ولكن للحق!.. كان مظهره مخيف للغاية!..

فتحت عينيها بهدوء ووضعت يدها اليسرى على ذراعه الموضوع على المقود بحدة وهتفت بلين مع ابتسامة هادئة وهي تتسائل عما يحدث معه:

-مالك يا جاد؟.. في حاجه مضيقاك؟..

نظر إلى يدها الموضوعة على ذراعه ثم إلى وجهها بنظرة خاطفة وأعاد بصره إلى الطريق يعطيه تركيزه الواهي أمامها، ألا تدري حقًا ما الذي فعلته؟ ألا تدري أنه منزعج منها بشدة؟.. لما تقف مع ذلك الشاب مرة أخرى؟. ألم ترى غيرته عليها منذ أول يوم رآها معه؟.. الآن هي زوجته ما الذي تنتظره منه؟.

أبعدت يدها عنه ونظرت أمامها مرة أخرى تبتلع غصة حادة تشكلت في حلقها، ضغطت على يدها كما المعتاد في تلك الحالات المتوترة ومن ثم مرة أخرى عادت تتسائل باهتمام وهي تنظر إليه بتمعن:

-جاد أنا بكلمك!. مالك؟ فيك ايه

تحدث من بين أسنانه بحدة حاول أن يخفيها ولكنه لم يستطيع، لم يكن ذلك الرجل المتشكل يومًا بل كان واضحًا كوضوح الشمس:

-رنيت عليكي مردتيش مع إنك مكنتيش مشغولة بالعكس كنتي واقفة مع زميلتك

استدار ونظر إليها بجدية ثم أبعد بصره عنها مُكملًا بغيظ وضيق:

-وأخوها.. مش أخوها بردو؟.

أبعدت وجهها إلى الناحية الأخرى تنظر من النافذة وودت لو تبتسم أو تضحك بقوة! هل كل ذلك لأجل وقفتها مع زميلتها وشقيقها؟.. الآن فهمت حقًا لما يأتي هكذا ومظهره يدعوه لقتل أحدهم.. لم يكن هكذا في الصباح لذا كان عليها الاستغراب عندما أبصرته يتقدم منها…

استمعت إلى سؤاله الذي أتى بصوت خشن قوي منه يليه هذا التهكم الواضح:

-ما تردي عليا ولا مسمعتيش

هتفت مُجيبة إياه بجدية وبساطة وكأنها لم تستشعر تلك السخرية في حديثه:

-لأ سمعت.. الموبايل بتاعي كنت عملاه صامت علشان المحاضرة

أكملت وهي تستدير إلى الخلف:

-أنتَ أصلًا فكرتني أنا كنت ناسيه خالص

مدت يدها إلى المقعد الخلفي وجذبت حقيبتها من عليه ثم استدارت مرة أخرى تجلس معتدلة براحة وهي تخرج الهاتف من الحقيبة، عبثت به قليلًا ثم وضعته مرة أخرى في الحقيبة وأعادتها في الخلف كما كانت..

نظرت إليه باستغراب اصطنعته بإتقان وهي تسأله مضيقة ما بين حاجبيها:

-هو أنتَ مضايق علشان مردتش عليك؟..

لم يُجيبها بل بقيٰ كما هو يقود السيارة وجسده مشدود حتى أنه لا يستطيع الجلوس براحه مثلها!.. نظر إلى عينيها العسلية نظرة خاطفة عندما رآها تنظر إليه مطولًا تنتظر منه إجابة..

وضعت يدها مرة أخرى على ذراعه وهتفت برقة ولين وهي تعتدل لتقابله في جلستها:

-أنا بجد مكنش قصدي والله بس الموبايل كان صامت.. مش مستاهلة كل ده يا جاد

لم تتلقى منه ردًا مرة أخرى، هو لا يستطيع الحديث معها الآن بشكل طبيعي، لا يستطيع حقًا ولا يود أن يغضب فيتهور في حديثه أو أفعاله يعلم أنه لا يفعلها ولكن هذا وارد!.. وأيضًا لا يريد النظر إلى هاتين العينين العسليتين، كم أنها صافية! يمكنك أن تبحر داخلها أو تستقر دون خروج.. بل كلما نظرت إليها أردت الهروب من الواقع وتكن حبيس هذه النظرات الساحرة..

بقيٰ على وضعه ينظر إليها من الحين إلى الآخر نظرات مسروقة دون أن تشعر وداخله يود أن تفهم وحدها دون شرح منه لما هو على هذه الحالة.. أهي غبية أم تتفهم ما يحدث جيدًا وتتصنع الغباء؟.. ربما تكن تفعل هذا لن يستبعد أبدًا فهو يعرف زوجته جيدًا ويعرف تصرفاتها الغريبة هذه.. على الرغم من أن زواجهم لم يمر عليه كثير ولكنه يعرف كل تفاصيلها منذ أول وهلة شعر بها أنه يحبها.. إذًا بالضبط منذ أكثر من أربع أعوام.. منذ أربع أعوام وهو غارق بحب هذه الصبية الجميلة التي تحمل نقوش بنية هادئة على وجهها تجعله يتوه في صنعها..

هي الأخرى أبعدت نظرها عنه إلى الناحية الأخرى وتركته وحده بهذه الانفعالات الظاهرة عليه وداخلها تود أن ترقص من هنا إلى المساء، إنه يشعر بالغيرة وهذا ليس أول موقف تقع به معه وترى كم يغير عليها ولكن في كل مرة تشعر أنها الأولى وتشعر أيضًا بلذة غريبة تجتاح جسدها وتشعرها بكم يريدها له وحده!.. لا يريد لأحد غيره أن يراها أو يتحدث معها أو يستمع إليها!.

يشعرها هذا دائمًا بالانتشاء والسعادة تجاهه وتترك كل ما يأتي منه خلف ظهرها ناظرة فقط إلى كل ما هو إيجابي رائع به لتحافظ عليه وتحفظه جيدًا وقد كان هذا صعب للغاية.. لأن كل ما به جيد بل ممتاز ورائع..

❈-❈-❈

دلفت إلى داخل شقتها بعدما تركت حذائها بمكانه، تقدمت إلى الصالة وتركت حقيبتها وكُتبها على الأريكة بهدوء، استدارت تنظر خلفها إليه وكادت أن تتحدث ولكنها وجدت الصالة فارغة!..

نظرت إلى جانبيها ولم تراه، تسائلت داخلها أين ذهب في هذه اللحظات؟.. تقدمت تسير بثبات متجهة إلى غرفة النوم التي استشعرت وجوده بها وقد كان حقًا..

رأته يبدل ملابسه بسرعة، يبعد القميص عنه بهمجية ويرتدي آخر لونه أسود قطن بيتي بنصف كم يلائم هذا الجو الحار، ثم فك زر البنطال الجينز أمامها بعد أن نظر إليها بقوة وحدة وعينيه ترسل إليها شرر يود أن تراه جيدًا، أزاله عنه وهو يبعد نظرة عنها إلى البنطال البيتي الآخر ذو اللون الأسود كما القميص..

اشاحت وجهها عنه وهي تشعر بالاستغراب حقًا هذه المرة ليس تصنعًا، وقفت أمام المرآة وهي تزيل الحجاب عن وجهها ثم حررت خصلاتها بضيق وانزعاج وهي تشعر بسخونه تحتاجها..

عادت للوراء مستديرة تتقدم إلى الخزانة وهي تسير من خلفه ببطء حيث أنه كان يقف أمام الفراش في منتصف الغرفة بين الحائط والفراش..

شعر بها وهي تمر من خلفه فابتعد إلى الجهه الأخرى وهو يمسك بالبنطال الذي خلعه عنه ويأخذ منه النقود الموجودة به وما يلزمه ويضعه في البنطال الذي ارتداه..

رأته يخرج من الغرفة إلى المرحاض وهي تسير خلفه بخفه وتروي لترى إلى أين يذهب، حركت رأسها يمينًا ويسارًا والابتسامة تغزو وجهها شاعرة بالراحة تحتاجها وهي تراه بهذه الحالة.. أخذت قميص مريح بنصف كم وصدره يشكل رقم سبعة ويصل طوله إلى بعد ركبتيها بقليل..

جمعت خصلاتها وربطتها أعلى رأسها تاركة خصلتين على جانبي وجهها، خرجت من الغرفة تتقدم إلى المطبخ فقابلها وهو يخرج من المرحاض يجفف يده بمنشفة صغيرة..

-عشر دقايق والغدا يكون جاهز

أجابها بجدية واقتضاب وهو ينظر إليها بعد أن وقف أمامها:

-مش واكل.. أنا نازل

سألته باستفهام وهي تُبصر ملامحه وتعابيره بدقة وتمعن شديد:

-مش هتاكل ليه؟. هو أنتَ كلت عند ماما فهيمة

أجابها مرة أخرى وهو يضع المنشفة الصغيرة على أحد كتفيها بلا مبالاة متوجهًا للخارج:

-مكالتش بس مش جعان… ماليش نفس

أمسكت بالمنشفة بيدها وسارت خلفه إلى الخارج ووقفت في الصالة تنظر إليه يرتدي حذاء رجالي مفتوح من الأمام والخلف:

-إزاي بقى ما إحنا بناكل كل يوم في نفس المعاد الله

أبصرها بجدية وتحدث بحزم وهو يأخذ مفاتيحه:

-مش جعان قولت

أخبرته بعناد وهي تأكد أنه يريد أن يأكل حتى يرضخ لها ويبقى ليتناول الطعام كي لا تشعر بالذنب لأنها من ازعجته وجعلته يذهب:

-إزاي مش جعان إحنا فاطرين الصبح الساعة سبعة مع بعض وإحنا دلوقتي الساعة أربعه معقول مش جعان

بجدية شديدة تحدث وهو يومأ برأسه:

-آه

أكمل حديثه وهو ينظر إليها بعينيه الرمادية بتركيز ونبرته تحمل حنان ورجولة لا تصف حتى وهو غاصب منها:

-أنا نازل الورشة عايزة حاجه من تحت وأنا راجع

استدارت لتذهب مرة أخرى إلى داخل المطبخ وأجابته بجدية وبساطة وهي تبتعد لأنه ازعجها هو الآخر:

-لأ شكرًا هبقى أنزل مع ماما فهيمة

وقف مكانه ينظر إليها وهي تستدير وتتحدث بهذه الثقة الكبيرة عن نزولها مع والدته!، أردف متسائلًا باستنكار:

-مين اللي قال كده؟

أدارت جسدها مرة أخرى بعد أن استشعرت في نبرته الاستنكار أو الرفض ربما، وتحدثت بهدوء ولين:

-عادي أنا وهي اتفقنا ننزل سوا نجيب شوية طلبات

أردف بجدية لا تحتمل النقاش وهو يتقدم منها خطوة واحدة يستند بيده على ذلك الكومود الكبير عند الباب:

-مفيش نزول ابقي اكتبي اللي أنتِ عايزاه في ورقة وأنا هجيبه

حركت عينيها بضيق على المكان من حولها ومن ثم أعادت نظرها إليه قائلة بضيق وهي تضع يدها أمام صدرها بقوة:

-أنا عايزة أنزل يا جاد فيها ايه دي كمان

ابتسم بسخرية أمام وجهها ثم لاحت الجدية مرة أخرى عليه وأردف مُجيبًا إياها بحب ومعه نبرة رجولية خشنة:

-فيها أنك تطلبي وأنا أنفذ ولما معملش كده أبقي انزلي براحتك لكن طول ما أنا موجود متنزليش تشتري حاجه كله هيجيلك لحد عندك

تذمرت وهي تضرب الأرض بقدمها ثم هتفت بصوتٍ حاد قليلًا يوضح مدى انزعاجها منه:

-على فكرة وأنا في بيتنا كنت أنا اللي بقضي طلبات البيت وأنتَ عارف كده

تهكم عليها ثانيةً وهو ينظر إليها من الأعلى إلى الأسفل بوضوح مردفًا بقوة وجراءة:

-والله لو كان ليا حكم عليكي كنت حبستك في البيت أصلًا.. فكرك يعني مش عارف وساخة نص البياعين ولا بصاتهم للستات

أخذت نفس عميق وزفرته تحت نظراته ثم لانت نبرتها متناسية حديثهم الغبي هذا وأردفت بلين ورقة تُجيدها جيدًا وتكن الأولى بها دون منازع:

-جاد!..

-نعم

ابتسمت وهي تطلب منه بدلال:

-أقعد اتغدا معايا

نظر إليها بجدية ومن هنا ومن هذه النظرة التي ترتسم على وجهها وتغيرها للحديث علم أنها تتفهم جيدًا لما هو مزاجه معكر هكذا!.. تتلاعب به ربما أو هو مخطئ.. ليس مخطئ!.

أردف بقوة قائلًا بعد أن فتح باب الشقة:

-بالهنا والشفا يا هدير قولتلك مش جعان ده غير أن عندي شغل في الورشة ولازم أنزل علشان عبده وحمادة مش تحت.. سلام

خرج من الباب ثم أغلقه خلفه بهدوء وهو يفكر في نظرتها البريئة المماثلة لنظرة الأطفال عندما تريد منك شيء لا تريد تنفيذه.. حقًا من لا يعرفها يعطيها شهادة الأولى في الرقة والهدوء ومن يعرفها يعرف كيف تحمل داخلها شراسة لا نهاية لها وكأنها وَحش كما لقبها، حقًا هي كذلك مُتشكلة، تستطيع أن تفعل ما تريد أن كان يأتي باللين أو الجدية، بالضعف أو القوة..

تستطيع أن تتشكل في الثانية الواحدة خمسون مرة وفي كل مرة تحمل اختلاف لا يوصف يجعلك تنبهر بها.. هو منذ قليل كان غاصب بشدة لما شاهدها به ومازال إلى الآن غاصب ولكن هذا ليس من طباعه ولا بحبه أبدًا يريد الهدوء ويحبه ويفكر كثيرًا في كل شيء يريد أن يفعله، كان يود أن يعاتبها على فعلتها ولكنها لم تبدي أي ردة فعل تشعره بأنها مخطئة بل تظهر وكأن لم يحدث شيء ولم يراها تقف مع رجل غريب عنها..

على الرغم من أنها لا تفعل هذا أبدًا وهو يعلم ذلك جيدًا ولكن الأمر ازعجه وجعله يشعر بأنه لا فرق لديها من الأساس فاختار أن يصمت إلى أن يرى متى ستشعر بأنه منزعج منها هي ومن خطأها الذي لا تراه من الأساس.. أو تراه وتتغاضى عنه أو حتى تعانده به..

نظرت في أثره بذهول وهي تحاول استيعاب ما الذي حدث!..

لقد رحل!.. تعتقد أنه حقًا منزعج منها بشدة، لما لم تغير له الأمر هذه الغبية! لما تركته يذهب دون طعام ودون أن تطيب خاطرة وتجعله يتفهم موقفها! لما جادلت وأكملت هذه اللعبة السخيفة منها!.. ما الذي كانت تظن أنه سوف يفعله؟ يثور عليها؟. يتسائل بحدة وعصبية ليظهر غيرته عليها أنها حقًا غبية لقد انتظر منها تفسير لما حدث ورأته بعينيه وهو يطالب به ولكنها تجاهلت ذلك وأكملت بسخافة لتزعجه وتجعله يشعر بالغيرة أكثر…

غبية!… ازعجته وهو لا يستحق منها هذا..

❈-❈-❈

في مكانها المعهود خطت خطوتها الأولى لتتقدم إلى الداخل في الفراغ الواسع، والهواء الطلق المباشر من السماء، الذي عبث مع حجابها المُلتف بأحكام على رأسها ويتدلى طرفه أمام جانب صدرها، دلفت “مريم” إلى السطح وبيدها الهاتف تضعه على أذنها تتحدث مع “سمير” بابتسامة عريضة مُرتسمة على شفتيها وهي تستمع إلى صوت حبيبها الذي تعاهدت معه على التكملة إلى الأبد وليكن لها الداعم الأول والأكبر والسند والزوج والحبيب..

-أنا أصلًا واقفه على السطح.. النهاردة الهوا حلو أوي

قضبت جبينها بعد أن استمعت إليه يقول لها أنه سيصعد فصاحت سريعًا:

-لأ لأ سمير أنا هنزل

تقريبًا لم يستمع ما قالته فهي استمعت إلى صوت صافرة إنهاء المكالمة الهاتفية، أبعدت الهاتف عن أذنها ونظرت إليه لتراه أغلق بوجهها ثم لحظات وكان خلفها يتحدث بعبث ومرح:

-الجميل بتاعنا بيعمل ايه هنا لوحده

استدارت تنظر إليه بسماجة قائلة وهي تضيق عينيها عليه بتهكم:

-بيلعب.. تلعب معاه

نظر إلى وجهها بالكامل مُمررًا عينيه على كل أنش دون خجل ثم هتف بقوة معهودة منه ونظرة خبيثة:

-ياه والله ياما نفسي اديني فرصتي بس

نظرته إليها ونبرة صوته لم تجعلها تفهم إلى أي حديث يشير هو، لقد كانت تمزح وهو كذلك ما الذي يقصده الآن بهذه الملامح والحركات:

-اديك فرصتك في ايه

رفع أحد حاجبيه باستنكار معقبًا:

-في اللعب.. الله

رفعت أحد حاجبيها هي الأخرى متوقعة شيء داخله لم يكن ما هتف به وقالت:

-حاسه إن نيتك مش سالكة

تقدم خطوة ثم أخرى وعينيه تخترقها قائلًا دون خجل وداخله يود لو كان يقبلها أو يحتضنها الآن:

-طول ما أنا بفكر فيكي بتبقى سواد والله يا مريم

اتسعت عينيها العسلية وهي تبتعد عنه إلى الخلف قائلة بقوة مشيرة إلى نفسها بإصبعها السبابة مستنكرة حديثه أمامها:

-وبتقولها في وشي!

غير ملامح وجهه وهو يتهكم بوضوح قائلًا يلوي شفتيه:

-أكدب عليكي؟

ضغطت على شفتيها السفلية بأسنانها بقوة كبيرة وهي تنظر إليه بغيط لأنها أصبحت تعلم أنه منحرف متسرع في الحديث تفكيره معروف إلى أي إتجاه يذهب ولكن يحبها:

-لأ إزاي خليك صريح

وضع يده الاثنين بجيبه وهو يرفع وجهه ورأسه بشموخ أمامها معقبًا على مظهرها غامزًا بعينيه:

-بس ايه الحلاوة دي، بدر منور في عز النهار

تقدمت هذه المرة ناظرة إليه بحدة واردفت بنبرة جادة لكي لا يتغزل بها بهذه الطريقة ويلزم حده وحديثه معها، فمازال لا يجوز لها أي شيء معه:

-سمير!.. لسانك

تغيرت ملامح وجهه بطريقة مضحكة:

-ماله لساني قال حاجه غلط

بنفس النبرة الجادة قالت وهي تسير إلى باب السطح:

-احكمه.. يلا سلام أنا نازلة

استدار معها بلهفة ينظر إليها وهي تبتعد فقال بنبرة راجية:

-استني شوية طيب

أكملت سيرها وذهبت إلى الباب وأصبحت تهبط على الدرج وقالت بدلال مصطنع وهي تبتعد:

-لأ مش هينفع عايز تشوفني تعالى عندنا

صاح عاليًا وهو يبتسم بسعادة لدعوتها له ونظرتها وحديثها وكل ما بها:

-طب استنيني بالليل بقى

وما به القلب سوى الهوى، الهوى للمحبين القادرين على التخطي وما به سوى العذاب الممزوج بالهوى للمحبين الراغبين الندوب بعد الجروح

❈-❈-❈

“في المساء”

دلف “جاد” الشقة بعد أن مر على والده ووالدته في البيت الثاني، علق المفاتيح جوار الباب في تلك العلاقة التي يضع بها مفاتيحه وهي أيضًا، دلف إلى الداخل متوجهًا إلى غرفة النوم مباشرةً.. فتح بابها ودلف إلى الداخل وأغلق الباب إلى المنتصف، أزال قميصه القطني عنه ووضعه على المقعد ليبقى بالقميص الداخلي ثم تقدم وصعد على الفراش متمددًا عليه..

كانت هي في غرفة الصالون، استمعت إلى صوت الباب وهو يُفتح ويغلق وانتظرت إلى أن يأتي إليها فقد كان صوت التلفاز بها عاليًا ولكنه لم يأتي، دقائق ووقفت بخوف ورأسها داخله أفكار خبيثة تجعلها تشعر بالهلع ليس الخوف فقط، تقدمت من باب غرفة الصالون ببطء وهدوء ثم نظرت إلى باب الشقة رأته مغلق ومن ثم أبصرت علاقة المفاتيح ورأت مفاتيحه بها.. إذًا هو من أتى، هنا بالداخل!..

ذهبت إلى الناحية الأخرى ربما يكون بالمرحاض ولكنه ليس فيه هو الآخر، تقدمت إلى غرفة النوم ودلفت إليها وجدته ممدد على الفراش في مكان نومه يوليها ظهره..

ابتلعت ما وقف بحلقها وتقدمت إلى الداخل تلتف حول الفراش ثم صعدت عليه تجلس جواره بهدوء وأردفت قائلة باستفهام:

-جاد!. مالك أنتَ تعبان

هتف بجدية يُجيبها وهو مغمض العينين وقارب على طردها من الغرفة:

-لأ أنا عايز أنام.. ولو مش هتنامي اطلعي برا

نظرت إليه بدهشة وتعجب، ضربته بقبضة يدها في ذراعه الذي يضعه أمام وجهه وقالت بحدة:

-ايه قلة الذوق دي.. أنا عايزة أتكلم معاك

استدار للناحية الأخرى بجسده ليبتعد عنها مردفًا بارهاق وصوتٍ خافت:

-وأنا عايز أنام يا هدير

أخذت الوسادة من أسفل يدها وضربت ظهره بها عدة مرات وهي تردف بعناد ضاحكة كي تجعله يستجيب لها:

-لأ مش هتنام يا روح هدير

وجدته لا يتأثر بهذه الأفعال فتركت الوسادة مكانها مرة أخرى وزفرت بضيق وانزعاج وهي تسترسل بالحديث اللين الهادئ:

-هو أنتَ زعلان مني؟. على فكرة أنا مابحبش أشوفك زعلان خصوصًا لو مني… أنا مكنتش أقصد على فكرة

استدار بجسده مرة أخرى ينظر إليها وهو ينام على ظهره متسائلًا بجدية حتى يعلم ما الذي تقصده بحديثها الآن وهي تفهم ما الذي ازعجه:

-مكنتيش تقصدي ايه؟

رفعت حاجبها الأيمن ولوت شفتيها بحركة شعبية وهتفت قائلة بمرح وكأنه سيمزح معها:

-أنتَ عارف بلاش بقى نلف وندور على بعض

اعتدل في تلك النومه وارتفع على الفراش يجلس نصف جلسه ليقابلها بوجهه متسائلًا بجدية وصوت رجولي خشن لم يهتز:

-لأ مش عارف يا هدير عرفيني

وضعت يدها على ذراعه مرة أخرى تمررها بهدوء وحنان وهي تردف بجدية ومعها هدوء حذر بينما تنظر إليه:

-أنتَ زعلان علشان شوفتني واقفة مع أحمد أخو نورا زميلتي مش كده؟

تهكم بوضوح وهو يبعد وجهه عنها هازئا وقد علم أنها تفهمت هذا منذ الصباح ولم تتحدث كما توقع:

-ما شاء الله عليكي طلعتي بتفهي أهو

تركت تهكمه الصريح جانبًا وأكملت حديثها بصدق ونبرة حادة:

-أنا مكنتش واقفة معاهم أصلًا

نظر إليها رافعًا أحد حاجبيه متحدثًا بسخرية مرة أخرى وهو يسألها:

-لا يا شيخه

أردفت بصدق ونبرة جادة وهي تقترب منه تنظر إليه منتظرة منه أن يصدق حديثها ويهتف بذلك:

-آه والله أنا كنت خارجه علشان استناك في طريقي للبوابة قابلتهم فخرجت معاهم مش أكتر

قابلها بسؤال آخر يحمل حدة حاول أن يخفيها لكنه لم يستطع:

-وكنتي بتقهقهي ليه إن شاء الله

ضحكت بوجهه وهي تتذكر زميلتها السخيفة وقالت مُبتسمة:

-لأ دي نورا قالت نكته بايخه فضحكت

أبصرها بعتاب ونظرته ناحيتها مرهقة قائلًا بتهكم:

-النكته البايخه بقت بتضحك اليومين دول

أقتربت منه أكثر إلى أن قطعت المسافة بينهم، وضعت كف يدها على وجنته اليسرى تمررها بحنان ورقة وهي تهتف قائلة بجدية:

-خلاص بقى بجد مكنتش أقصد.. أنتَ عارف إني مش بكلم حد غريب عني خصوصًا لو راجل وعارف كمان إني بحترمك أوي في حضورك وغيابك ودي مش أول مرة أخرج وأروح الكلية الله

لم يُجيبها بل كانت ملامح وجهه عابثة وداخله يثور لأجل وقوفها معه وضحكاتها التي رآها هو الآخر بوضوح، نظر إليها بجدية ولم يردف بأي شيء فأكملت هي بعتاب ولين:

-علشان خاطري أنا مش حابه أشوفك زعلان مني.. يعني يرضيك بعد كل اللي بتعمله علشاني ارضهولك بالزعل؟..

مطت شفتيها للإمام في حركة عابثة، وعينيها تتحرك على ملامح وجهه وتتثبت على عينيه من الحين إلى الآخر وهتفت قائلة بدلال واضح:

-طب يرضيك أنام والملايكة مش راضيه عني علشان أنا مزعلاك؟..

نظر إليها متعمقًا أكثر ولكن لم يُجيب على حديثها وتركها تأتي بكل ما لديها فأكملت بمرح وداخلها تعتقد أنها هكذا ستنهي المسألة:

-على فكرة أنا فاهمة من الصبح إنك مضايق علشان كده بس كنت عايزاك تتكا على الصبر شوية وأشوف اخرك فين

أمسك بيدها الموضوعه على وجنته وأبعدها عنه بحدة وقوة لتستقر على الفراش جوارها وقد ظهر أنه الآن غضب حقًا وهو يعتدل في جلسته أمامها ليجلس مقابلًا لها مستقيم:

-أخري مايتشفش في حاجه زي دي.. أنا مش راجل عصبي ولا متهور بس لما بتعصب بتجيب دورفها معايا واظنك عارفة كده كويس وشوفتي ده كام مرة

تحدثت بضجر عندما وجدته يريد أن يطيل الأمر أكثر من هذا وتظهر عليه بوادر العصبية ثانيةً:

-ما خلاص بقى يا جاد مش حوار هو أصلًا

أشار إليها بإصبعه السبابة بقوة وحدة وهو يتحدث بنبرة رجولية جادة خشنة واضحة للغاية ليس بها أي شيء من اللين:

-لأ حوار.. دخول اسم أي جنس راجل في حاجه تخصك يبقى ستين حوار ولو مش علشاني ياستي اعتبريه علشان ربنا

نظرت إليه باستغراب وشعرت بالانزعاج منه فتحدثت بجدية قائلة وهي تبصره بقوة:

-فيه ايه يا جاد متكبرش الموضوع

لف وجهه للناحية الأخرى ضاغطًا على نفسه مُتصنع الهدوء وقال بقوة:

-تمام.. انتهى الموضوع تصبحي على خير

علمت أنه يقول هذا فقط لينهي الجدال بينهم، ورآته يتمدد مرة أخرى لينام فأخذت نفسٍ عميق ثم قالت بحنان وهي تضع يدها على ذراعه العاري:

-مش هتاكل…. أنتَ مكالتش من الصبح

أجاب باقتضاب وحدة:

-مش جعان

أبتعدت عن الفراش وهي تتحدث ببساطة وتود أن تراه يأكل، قلبها ناحيته كقلب الأم التي تدور حول طفلها ليأكل:

-طب ومال الأكل بالموضوع بس… أنا عامله صينية مكرونه بالبشاميل تحفه هتاكل صوابعك وراها… هقوم اجبلك

مرة أخرى بضيق وجدية ليس مراعي ما تفعله لأجله:

-هدير.. مش عايز

صاحت بانفعال وقوة وهي تشيح بيدها أمام وجهه وتبتعد عن الفراش واقفة على قدميها:

-يووه… أنتَ غريب جدًا هو كان ايه حصل لكل ده

ضايقته بشدة هذه الحركة الغبية منها، جلس ثانيةً ناظرًا إليها بقوة وصاح بعصبية وهو يجذب يدها لتجلس مقابلة لها على الفراش مرة أخرى:

-متعليش صوتك والزمي حدك.. إياكي تعلي صوتك ده قدامي تاني

صاحت بقوة أكبر وهي تحاول جذب يدها منه لتذهب بعيد عنه لأنه من الواضح يريد الإنفعال والعصبية:

-أنا معلتش صوتي يا جاد بس الموضوع مش مستاهل… كل ده علشان ايه يعني

ضغط على شفتيه بأسنانه أمام وجهها وأردف بحدة مُتسائلًا:

-عايزة تعرفي علشان ايه؟..

جذب يدها بقسوة فاقتربت من وجهه أكثر وأصبحت المسافة منعدمة فصاح بقوة وحدة افزعتها قبل أن يكمل حديثه ونبرته تحمل لوعة قاتلة ربما قتلته بسببها لسنوات:

-علشان بحبك.. بحبك ومش عايز أي بني آدم مكتوب في بطاقته دكر يلمح طيفك حتى

لجمت الكلمات لسانها، شعرت بأنها شلت وهي ترى صدره يعلو ويهبط أمامها من شدة الإنفعال، لقد صرح بحبها، يحبها!.. صاح مُكملًا:

-مستكتره عليا إني أغير عليكي؟.. غيران، غيران على حبيبتي.. غيران على مراتي

تسائل مرة أخرى بتهكم وهو يضغط على يدها بقوة شديدة ناظرًا داخل عينيها بتركيز وتمعن:

-ايه مش من حقي ده كمان؟

تاهت في حديثه، وتلبكت من هذه النظرات، ضاعت وهي لا تدري كيف يكون طريق العودة، يحبها!.. لقد استمعت صحيح أليس كذلك؟. تسائلت بلهفة وتوتر وعينيها مثبتة عليه تنتظر إجابته التي ستأكد أنها لا تحتاج لطبيب أذن:

-أنتَ… أنتَ قولت ايه؟..

وبدوره هو لم يبخل عليها بهذا التأكيد بل أعطاها أكثر مما تريد وهو يضع كف يدها الممسك به بين كفيه ينظر إليها متحدثًا بشوق للاعتراف بهذا وحنين يغلبه في كل مرة:

-قولت إني بحبك.. بحبك يا هدير وعمر عيني ما شافت غيرك وعمر قلبي ما حب غيرك وعمر عقلي ما فكر في غيرك حتى لساني عمره ما نطق اسم واحدة ست غيرك في صلاتي

جذبت يدها من بين كفيه وهي تنظر إليه باستغراب، غرابة كبيرة حلت عليه أم عليها هي؟!.. هذا الإعتراف الذي انتظرته منذ زمن، نعم هذا هو، منذ الكثير وهي بانتظار هذا الإعتراف من “جاد الله رشوان أبو الدهب”، أدمعت عينيها العسلية وهي تطالعه بقوة وتسائلت بضعف وتردد:

-دي أنا؟… أنا يا جاد بتحبني أنا بجد؟.. يعني، يعني أنتَ عايزاني بجد

أبصر تلك الدموع الحبيسة داخل عينيها وابتسم بسخرية قائلًا:

-معقول لسه بتسألي؟.. بتسألي واحد الهوى جاب أخره معاه وقتله وهو بيحب في بنت الجيران

في لحظة خاطفة خرجت تلك الدموع الحبيسة داخل عينيها غير مصدقة ما الذي تستمع إليه منه وفي نفس اللحظة وبينما هي تخرج تقدمت منه بسرعة تقبل شفتيه بقوة وهي تلف ذراعيها الصغيرة حوله تحتضنه..

لقد كان هذا ما ينقصهما حقًا، هذه الكلمات البسيطة فقط والآن هو الآخر تأكد بعد فعلتها وحديثها أنها تحبه.. تحبه ولا تريد سواه..

استقبل عاصفتها بسعادة وصدر رحب، وضع يده الاثنين خلف ظهرها يحتضنها بقوة مبادلًا إياها تلك القبلة التي قطعت أنفاسه بعد أن قادها عنها بشراسة معبرًا عن كم الحب والرغبة القابعة داخله..

وإلى هنا وقد بدأ رحلة جديدة معها إلى عالم جديد أخذها إليه من قبل ولكن هذه المرة ستكون الأجمل على الإطلاق وستحمل كافة الاختلافات بينهم بعد هذه الإعترافات المخفية خلف الأبواب..

ألا تدري أن القدر يقول لك أفعل ما تريد وأنا سافعل ما أريد، قدرهم قد كُتب وظهر هذا بوضوح وذلك الذي قال سأنتظر قليلًا واعترف تحدث في لحظات خاطفة بينهم وهي التي قالت ساتحلى بالصبر الآن ننظر إليها.. أنها ليست هنا من الأساس..

ربما يكن “جاد” زوجها وهي زوجته وقد حصل عليها منذ الكثير ولكن اليوم هو اليوم الأول حقًا الذي يشعر فيه أنها ملك له قلبًا وقالبًا، حبيبته وزوجته وعالمه الخاص به، اليوم فقط ظهر شعور المتعة الحقيقية بينهم، وبدأ الشعور بالسعادة والانتصار يحالفهم..

❈-❈-❈

خرج “جمال” من أحد محلات بيع الذهب والمصوغات وبيده ظرف أبيض متوسط الحجم، وضع عينيه على الظرف الذي بين يديه مدققًا النظر به، وداخله يشعر بالندم والسعادة في ذات الوقت، ندمه لأنه فعل شيء كهذا وأخذ ما لا يحق له من شقيقته بل ويكون ملك لزوجها هو الآخر وإن سأل عنهما لن تستطيع الجواب..

وسعادته لأنه سيعطي “مسعد” ماله ويجعله يذهب بعيد عنه هذه المرة، لا يهدده بأي شيء بعد الآن..

دلف إلى محل “مسعد” يسير بثبات متجه إليه، وقف أمامه ووهو يراه يجلس على مقعد مكتبه في الداخل..

ألقى “جمال” بظرف المال على الطاولة بقوة لتستقر أمامه ثم صاح بحدة:

-فلوسك عندك أهي كده خالصين

عاد “مسعد” بظهره إلى ظهر المقعد وهو ينظر إلى المال الملقى أمامه مُبتسمًا بسخرية وتهكم واضح وهو يصيح بنبرة حماسية فظة ناحيته:

-يا جمال الجمال يا جمال… سرقت مين المرة دي

-مايخصكش اللي يخصك أن فلوسك جاتلك على الجزمة

تقدم ناحية المكتب ثم أمسك بالمال بيده وهو ينظر إليه بدقة ووضعه مرة أخرى على الطاولة متحدثًا بسخرية شديدة:

-تكونش سرقت أبو نسب!

تقدم “جمال” إلى الداخل قليلًا ثم مال بجذعه العلوي للأمام ناظرًا إليه بقوة وتحدث بجدية ونبرة خبيثة:

-أبو نسب يا جدع يعني واخد أختي… لو طلبت عينه مش هيتأخر

أبصره بقوة وهو يشير بيده إلى جانب رأسه مُكملًا الحديث بشفقة وكأنه يقول لقد فعلها وأنتَ لا:

-فكر يا جدع واصحى للكلام…. سلام يا… يا رجولة

استدار وذهب من أمامه إلى الخارج وتركه وحده والنيران تأكل ما بداخله وتنهشه عن حق، ولكن ألم يقولون الصبر جميل؟..

ابتسم بهدوء مستفز وهو يعود للخلف بالمقعد وما برأسه مؤكدًا لن يأتي على خلد أحد..

إنه من يتحدث ويفكر أكثر مما يفعل، يهدد ويكثر الحديث أمام الآخرين عن قدرته الكبيرة في أذية الغير ولا يفعل ولكن عندما يقرر عن حق تأتي لدغته كلدغة أفعى عملاقة محترفة في ذلك وتنثر سمها في الجسد في لحظات تعد أو لا تعد، فمن من الممكن أن يعد لحظات تمر!.. الأهم من كل ذلك أن لدغته القادمة ستكون مُرة ومُرهقة على الجميع..

❈-❈-❈

google-playkhamsatmostaqltradent