Ads by Google X

رواية ندوب الهوى الفصل الثالث عشر 13 - بقلم ندا حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ندوب الهوى كاملة بقلم ندا حسن عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية ندوب الهوى الفصل الثالث عشر 13

 

“يُسر جمالها أعيُني، فتنظر رمادية عيناي عليها

شوقًا ولهفةً، يدق قلبي عنفًا لحبه في قربها،

تتعالى وتيرة أنفاسي بعد النظر لفتنتها،

ما السبيل لـ للتخلص من كل هذا حتى بعد

الزواج منها”

“بعد مرور يومين”

وقفت “هدير” في مطبخ شقتها القديمة، منزل والدتها في بيت والد “جاد”، كانت تعد الطعام مع شقيقتها ووالدتها في المطبخ إلى حين وصول زوجها حيث أنها اليوم ستتناول الطعام هنا هي وإياه بطلب من والدتها..

لقد أعدت والدتها الكثير من الأصناف الشهية والمحبوبة لدى “جاد” بالأخص وقد علمت ما الذي يحبه من ابنتها لتقوم بالترحاب به في منزلهم لأول مرة بعد زواجه من ابنتها..

هناك سعادة ليست غريبة على “نعمة” بل كانت تعلم كيف تشعر بها على الطريقة الصحيحة دون أن تخلق أسباب واهية تُحيدها عنها، بعد أن تزوج ابن عائلة “أبو الدهب” من ابنتها العنيدة الشرسة الرقيقة الجميلة بنفس الوقت..

وقد كان هذا حلم بعيد صعب المنال، من المستحيل أن يحدث ولكن وضعت الأسباب ونُفذت القرارات لتكن الآن متزوجة منه وأصبحت من أهم الأشخاص في هذه الحارة، بعد أن أصبحت فرد منهم، فرد من أهم العائلات وأفضلها هنا..

دعت كثيرًا بأن تصبح شقيقتها الصغرى لها حظ مثل “هدير” ويأتي إليها شاب صالح متقي ومقتدر بذات الوقت ليعوضها مثل شقيقتها، وليجعلوا كل منهن تتناسى كل ما رأته في حياتها هنا فلم تعيش أي واحدة حياة طبيعية مثل أي فتاة في عمرهم، تمزح وتمرح وتتلقى كل مطالبها وتكن أمامها مُجابة..

ابتسمت “مريم” بسعادة كبيرة وهي ترى والدتها متلهفة هكذا أن تجعل كل شيء على قدر عالي من الاستحسان، غمزت “هدير” بعينيها وهي تقف تقلب الطعام ثم أردفت بنبرة ماكرة وهي تتهكم على والدتها بطريقة مازحة:

-عقبالنا يارب.. عقبالي كده يا هدير لما اجي زيارة للبيت وأمي تلف حوالين نفسها علشان تعمل لجوزي أكل حلو من ايديها

ابتسمت “هدير” بغرور أمامها، رفعت كتفيها وأخفضتهم مصطنعة التعالي والكبرياء:

-دي حاجات بتظهر لناس ناس ايش فهمك أنتِ

أردفت والدتهم بعد صمت وهي تتابع حديثهم الذي تفهمه من البداية، هتفت بابتسامة ساخرة وهي تتحرك في المطبخ بجسدها الممتلئ قليلًا:

-هاتيلي عريس زي جاد، ابن ناس ومحترم ومتربي وأنا أعمله الحلو كله

وضعت “مريم” يدها في خصرها ونظرت إليها بضيق مصطنع وهي تتابع قائلة بذهول:

-لا واللهِ دا على أساس يعني إن أنا اللي هجيب العريس

أردفت والدتها بفتور قائلة:

-اومال

كادت “مريم” أن ترد عليها ولكن “هدير” أردفت بسرعة وهي تبتعد عنهم إلى الخارج قبل أن ينشب عراك بينهم ككل مرة:

-بقولكم ايه أنا رايحه اتوضا وأصلي أحسن

خرجت من المطبخ فاستمعت إلى صوت الباب يطرق من الخارج فعلمت أنه جاد قد حضر لأن “جمال” معه مفتاحه الخاص، صاحت لـ “مريم” أن تفتح له الباب حتى لا تتقدم من الباب بملابسها هذه وتظهر إلى ردهة المنزل من الخارج..

فتحت له “مريم” ورحبت به كثيرًا ثم جعلته يدلف إلى الصالة يجلس بها ودلفت إلى والدتها في المطبخ والتي خرجت هي الأخرى بعد أن غسلت يدها وعدلت هيئتها لتسلم على زوج ابنتها التي لأول مرة يدلف منزلهم بعد الزواج وبعد ذلك تركته وعادت لترى ما الذي تفعله في المطبخ من طعام وأصناف ستقدم إليه..

لحظات ووجد زوجته تخرج من المرحاض ووجهها مبلل بالمياة وقدميها كذلك ويدها الاثنين، توصل إليه أنها كانت تقوم بالوضوء لتصلي ربما..

لفت نظره ما ترتديه هنا!.. لقد كانت ترتدي بنطال بيتي قصير يصل إلى ركبتيها ويظهر باقي قدميها البيضاء بسخاء مغري وكأنها عرض للجميع ليرى ما يريد!.. يعلو البنطال تيشرت من نفس لونه يصل إلى خصرها عنوة عنه ومقدمة صدره مفتوحه للغاية وكذلك ذراعيها مثل قدميها يظهران بسخاء بسبب انعكاس اللون الأسود مع بياض بشرتها!..

غير خصلاتها الظاهرة التي ترفعها فوق رأسها بكعكة يخرج منها خصلات متمردة..

نظر إليها بغضب وهو ليس سريع الغضب ولكنها حتمًا ستجعله يجن من حديثها قبل أفعالها الغريبة هذه..

اقتربت عليه بابتسامة هادئة وهي تنظر إلى عينيه الرمادية التي تسحرها، أقتربت منه إلى أن وقفت أمامه وهتفت بلين ودلال:

-حمدالله على السلامة

أمسك معصم يدها ووقف على قدميه دون سابق إنذار ودون حديث متقدمًا إلى غرفتها فصاحت بقوة وهي تضغط على أسنانها ولكن بصوت خافت حتى لا تستمع شقيقتها أو والدتها:

-جاد.. بلاش جنان بقى أنتَ هتفضحنا

ظنت أنه يريد أن يفعل مثلما فعل بمنزل والده وتحت أنظار والدته، التي كانت خجلة منها للغاية عندما خرجت أمامها بعد ربع ساعة أو أكثر..

فتح باب غرفتها الذي كان نصفه مغلق وكاد أن يدفعها قبله للداخل ولكن توقف سريعًا يغلقه مرة أخرى عندما وجد نافذة الغرفة التي تتطلع على الشارع بالخارج مفتوحة..

نظر إليها بقوة وحدة وعينيه غابت رماديتها واحتلها لون آخر حاد غير ذلك الذي تحبه، أبعد نظرة عنها ودلف إلى الغرفة مغلق الباب خلفة، تقدم إلى الداخل وثني قدمه على الأريكة لكي يغلق النافذة التي طل منها عبده أمام الورشة يبتسم إليه عندما رآه..

بادلة ابتسامة باردة ثم أغلق النافذة وعاد لتلك المسكينة التي لا تفهم شي مما يفعله، فتح الباب الغرفة وجذبها للداخل تحت نظراتها المندهشة من أفعاله الجنونية، أغلق الباب مرة أخرى بعد أن دلفت وقال بصوت قوي حاد:

-ايه اللي أنتِ لبساه ده؟. هو أنتِ مفكرة نفسك فين بالظبط.. أنتِ مش في شقتك يا هدير علشان تلبسي كده

نظرت إلى نفسها بدهشة واستغراب شديد وهي تعيد كلماته داخل رأسها مرة أخرى، كيف ليست بشقتها إذًا شقة من هذه؟. رفعت نظرها إليه وتساءلت باستفهام وهي تلوي شفتيها:

-اومال أنا فين يا جاد؟ منا في بيتي أهو وبعدين مفيش حد غيري أنا وماما ومريم وأنتَ لسه جاي ومريم اللي فتحت الباب فين المشكلة بالظبط مش فهماك

أقترب منها وقلص المسافة بينهم وهو يتحدث مشيرًا بيده بحدة ونظرته مثبتة على عينيها العسلية الصافية التي تبادله باستفهام:

-هي المشكلة هنا بس يعني! وجمال أخوكي عادي يشوفك بالمنظر ده ولا الشباك المفتوح على آخره في اوضتك ولا أي حد من الجيران اللي بيقعدوا مع أمك

أبصرته باستغراب شديد وهي تفكر داخلها هل هو طبيعي أم ماذا؟. يتحدث بأي شيء ليقول إن هذه الملابس غير مناسبة وحسب، رفعت حاجبها الأيمن إلى الأعلى عن الآخر وقالت بقوة تماثله:

-جاد أنتَ بتقول ايه بجد هو أي هبل وخلاص.. جمال أخويا ده أولًا ثانيًا الشباك أنا عارفه أنه مفتوح ومكنتش هدخل أنتَ اللي دخلت زي الطور الهايج وجيران أمي ستات… ستات

استفزه حديثها وتبريرها الواهي، يعلم أن جمال شقيقها هل هو لا يعلم؟ إنه يعلم ولكن لا يحق له رؤيتها هكذا وهي أيضًا كان من الاحترام أن تخفي جسدها هذا عنه وعن شقيقتها ووالدتها حتى، أهو مجنون مثلًا.. إنه فقط لا يريد أن يراها أي شخص هكذا حتى وإن كانت امرأة..

دفعها بكف يده بخفه في كتفها ولكنها هزيلة أمامه تفاعلت الدفعة الخفيفة معها لتعود للخلف بقدمها تلتصق بالحائط فشهقت متفاجأه من فعلته المباغتة وأردف هو أمام وجهها بجدية:

-ما أنا عارف أنهم ستات وعارف أن جمال أخوكي بس ده مش منظر تطلعي بيه ولا تقعدي بيه كده هنا والحاجات دي متعملتش علشان تلبسيها هنا ولا جبتيها في جهازك علشان تلبسيها هنا وبلاش تخليني اتغابى بسبب كلامك المستفز ده..

أشار إلى جسدها بيده يتحدث باستهزاء وسخرية يملؤها الغضب المكبوت:

-وبعدين بصي كده الشوية اللي هي مخبياهم مش قادرة عليهم… شفافة وكله باين من تحتها ولا استعميتي دلوقتي

دفعته بقبضة يدها عنها لكي يبتعد وتتقدم إلى داخل الغرفة ولكنه لم يتزحزح من أمامها فتحدثت بحدة وعصبية ساخرة مثله تمامًا:

-استعميت ايه أنتَ اللي حساس زيادة عن اللزوم.. دي برمودا عادي يعني ومفيش حد غريب قاعد علشان تعمل كل ده.. وأبعد بقى علشان عايزة أصلي

قالت أخر جملة بين كلمتها وهي تدفعه بيدها من أمامها لتذهب ولكنه تمنع عن فعل ذلك وضايقها أكثر عندما وضع يده الاثنين من الناحيتين على الحائط يحاوطها بهما وأقترب أكثر وهو يبتسم بمكر مقرر أن يزعجها أكثر..

-واللهِ.. طب ايه رأيك مش هتطلعي من الاوضه باللي أنتِ لبساه ده

وضعت يدها الاثنين أمام صدرها وتحدثت بسخرية وتهكم واضح أمامه:

-كده بقى هطلع من غير خالص

-هدير!..

نطق اسمها بحدة وهو يأخذ يديه جانبه مرة أخرى ووقف شامخًا أمامها بطوله وجسده العريض الذي تقف أمامه كابنته..

استمعا من الخارج صوت والدتها وهي تنادي عليهم لتناول الغداء بصوت عالي:

-يلا يا هدير جمال وصل وهنحط الأكل

وضع يده بجيب بنطاله وهو يبتعد عنها قائلًا بجدية:

-غيري الهدوم دي يلا

ابصرته بجدية شديدة وهي مندهشة منه حقًا، إنه يعطي الأمر أكبر من حجمه بكثير، أقتربت من الفراش وجلست عليه قائلة بفتور محاولة أن ترى أين آخره وكيف ستتخطى هذا الموقف معه:

-مجبتش هدوم غير دي

نظر إليها بهدوء وهو يعلم أنها فقط تجادله لترى ما الذي يفعله أن لم توافق، جلس جوارها بهدوء وأردف مُجيبًا إياها بجدية:

-البسي اللي جيتي بيه

امتنعت قائلة بحدة وهي تقف على قدميها مرة أخرى:

-ده دِرس أبيض هيتوسخ

وقف خلفها وعلى حين غرة أمسك بيدها ليجذبها إليه فاقتربت منه ولامست يدها الأخرى صدره وهي تستند عليه، استمعت إليه وهي تنظر إلى عينيه بعمق يهتف بجدية واضعًا النقاط فوق الحروف:

-لو بتفكري تمشي كلمتك عليا فده مش هيحصل يا هدير.. جاد الله مش هياخد أوامر ولا هيسمع كلام واحدة ست لو مين هي، حطي ده في بالك أنا هنا الراجل وكلامي هو اللي هيمشي وإذا ملبستيش حاجه محترمة وخرجتي نتغدا مع أهلك يبقى هتلبسي هدومك اللي جيتي بيها ونرجع بيتنا

وجدها صامتة تنظر إليه ببلاهة ومازالت يدها على صدره وهو ممسك بيدها الأخرى مقربها منه بحدة، استدار بناحيته الأخرى إلى الفراش وأخذ إسدال الصلاة الذي أبصره قبل قليل ووضعه على صدرها بقوة لترفع يدها التي اخفضتها من على صدره تتمسك به كي لا يقع أرضًا..

استمعت إليه يكمل حديثه بقوة وهو يقرب وجهه منها ويوزع عينيه على كامل ملامحها:

-أنا عارف إن اللي بره أخوكي بس ده مش مبرر أنه يشوف مفاتنك بالشكل المغري ده وعارف كمان أنك عمرك ما لبستي كده وياريت تستمري في اللي كنتي بتعمليه أنا مش عايز حد يشوف أي حته من جسمك وحتى لو هي ست زيك يا هدير.. ياريت يكون كلامي مفهوم..

ترك يدها واستدار وذهب ناحية الباب ثم هتف قبل أن يفتحه قائلًا بجدية ورفق وكأنه سيحاسب مكانها إن أجلت الصلاة:

-صلي قبل ما تخرجي

فتح الباب ثم خرج وأغلقة خلفه بهدوء بينما بقيت هي بالداخل تبتسم ببلاهة بعد خروجه.. هل يغير عليها إلى هذا الحد؟.. هل يحبها حقًا!.. أجل يحبها فليس هناك أكثر من ذلك يثبت حبه لها سوى الكلمات المتبقية..

الكلمات التي تموت في سبيل الاستماع إليها منه، يتغاضى عن الحديث بها ويبدلها بأفعال جميلة ورائعة، تعلم ذلك ولكنها من مُحبي الاستماع والتمتع بلحظة نطق الكلمات المعسولة التي تدل على الحب والهوى القابع داخل القلوب..

لقد أظهر رجولته عبر حديثه عن أنه لن يستمع لامرأة مهما كانت من هي، وأظهر عنفوانه عبر حركات جسده وتعبيرات ملامحه المنزعجة من مراوغتها ومجادلتها معه في أمر يرفضه، يتمتع برجولة شديدة الظهور وحديث ناضج واضح وأفعاله ليست لها مثيل غير تلك النظرات التي تخرج من عينيه الرمادية ترمي بسهام الهوى وكأنها لم تقع به لتسقط أكثر وأكثر والعشق يأتي بآخره معها منتظرة من مُعذب الفؤاد أن يتحدث..

❈-❈-❈

“في المساء”

وقفت أمام المرآة تنظر إلى ما وضع عليها بتركيز شديد وكأنها تبحث عن شيء ما!. وكان بالفعل كذلك وهي ترفع الأشياء الموضوعة عليها أكثر من مرة وتنظر بتركيز شديد وتزفر بضيق وانزعاج حضر إليها الآن..

أمسكت بصندوق الحلى الخاص بها والموضوع به ذهبها بالكامل وذهبت إلى الفراش وافرغت كل ما به لتبحث عن أساورها المفقودة..

بحثت بينهم مرة واثنان وثلاث اعتقادًا أنها لا ترى جيدًا، ذهبت إلى خزانة الملابس وأخذت تبحث بين ملابس الخروج التي قد أتت إليها من قبل وفتحتها، ربما وقعوا هنا وهي تعدل ملابسها!.. مالت بجذعها للاسفل وهي تبحث بتركيز وتدقق في الأشياء ربما هي لا تراهم..

رفعت خصلات شعرها التي تنسدل على كتفيها وبجانب وجنتيها تعيق حركتها وتزعجها أكثر، زفرت بحدة وعصبية وهي لا ترى أي أثر لهما..

ذهبت إلى المرآة مرة أخرى وانحنت بجسدها على الأرضية تبحث أسفلها وبجوار المقعد ولكن دون فائدة..

دلف زوجها الغرفة وهو يزيل عنه قميصه البيتي ذو اللون الرمادي كـ عينيه ليبقى عاري الصدر بينما يرتدي بنطال أسود قطني يسير حافي القدمين..

نظر إليها باستغراب بعد أن جلس على الفراش ورأى الذهب الموضوع بإهمال هكذا، لقد كان يدلف لينام قليلًا لأنه لديه عمل كثير في الصباح في الورشة وحقًا هو مُتعب للغاية من كثرة الأعمال المتراكمة عليه..

أردف قائلًا يتساءل عن سبب هذه الفوضى وحيرتها الواضحة:

-مالك بتدوري على ايه

نظرت إليه بعد أن رفعت رأسها ووقفت على قدميها أمامه، تقدمت منه وجلست جواره على الفراش تستدير بجسدها لتنظر إليه وبالمنتصف الذهب الذي أخذت تضعه في الصندوق مكانه مرة أخرى، أردفت بانزعاج وضيق:

-في غوشتين مش لقياهم

استلقى على الفراش في مكانه ولم يعطي الأمر أهمية معتقدًا أنهم في مكان ما وهي قد نسيت، أجابها بفتور:

-هيروحوا فين يعني أكيد هنا ولا هنا.. وتلاقيكي أصلًا شيلاهم وناسيه

صاحت بحدة بسبب توترها وانزعاجها من هذا الموقف واختفاء الأساور المفاجئ:

-نسيت ايه يا جاد أنا كنت لبساهم

وضع يده الاثنين أسفل رأسه ليعلو قليلًا وينظر إليها وتحدث باهتمام حاول إظهاره حتى لا تنزعج:

-وبعدين راحوا فين بالراحة بس وأنتِ هتلاقيهم

تركت ما بيدها وجلست على الفراش نظرت أمامها في الفراغ وهي تحاول أن تتذكر أين وضعتهم بالضبط:

-أنا كنت لابساهم وأنا عند ماما وجيت خلعت كل دهبي اللي كنت لابساه وحطيته هنا على المراية وقعدنا بره… دلوقتي وأنا برتب الهدوم وبحطه في الصندوق لقيت الغوشتين مش موجودين

سألها باستفهام وهو يستدير على جانبه الأيسر يتكئ على ذراعه وينظر إليها:

-بس أنا مشوفتش في إيدك دهب وإحنا هناك

أجابته وذهنها يفكر أين قد تكون وضعتهم أو أين اختفوا منها وهي لم تذهب إلى أي مكان بعيد:

-ما أنا كنت خلعاه

عاد يستلقي على الفراش بهدوء ولا يعطي للأمر بداخله أهمية من الأساس لأن من المؤكد أنها نسيت مكانهم ولكنه يتحدث معها باهتمام حتى لا تنزعج:

-طيب ممكن يكونوا هناك نسيتيهم أو وقعوا يا هدير

أردفت بتشتت واضح وحيرة من أمرها لا تستطيع أن تخفيها وهي تود معرفة أين الأساور:

-أنا مش عارفة… أنا حتى مش فاكرة خلعتهم هنا ولا لأ

استدار للناحية الأخرى ينام على جانبه الأيمن يوليها ظهره قائلًا بنبرة ناعسة، فقد تخطت الساعة الواحدة صباحًا وهو يستيقظ باكرًا لعمله:

-ابقي اسألي مريم أكيد نستيهم هناك

وقفت على قدميها وهي تتوجه إلى خارج الغرفة وخصلاتها تتطاير خلفها بقوة، هتفت بجدية وهي تخرج:

-أنا هكلمها فعلًا..

زفر بحنق وهو يستمع إلى صوتها العالي بالخارج بعدما تحدثت مع شقيقتها ولا يستطيع النوم بسبب هذه الأساور الملعونة، وضع الوسادة فوق رأسه لكي يختفي صوتها ولكن ذلك لم يحدث وكان حقًا في أمس الحاجة للنوم..

زفر بضيق وضجر مرة أخرى وهو يقف على قدميه متقدمًا من الباب ليغلقه حتى يستطيع النوم، ولكن عندما أمسك به وقارب على غلقه كانت هي تدلف إليه تهتف بحنق وانزعاج شديد:

-مش هناك.. أنا هتجنن راحوا فين بس

أمسك بكتفيها معًا بيده الاثنين ثم ابتسم بهدوء رغمًا عنه وتحدث بجدية ونبرة خافتة ونظرته إليها رائعة بعينه الناعسة:

-ممكن تدوري عليهم بكرة ولا حتى متدوريش هيظهروا لوحدهم صدقيني، بس أنا تعبان واللهِ ومحتاج أرتاح شوية يا هدير

ابتلعت تلك الغصة التي تشكلت بحلقها بحرج وتوردت وجنتيها بخجل شديد منه، إنها تزعجه دون أن تلاحظ وهو يريد النوم، حقًا استيقظ اليوم مبكرًا ويومه كان حافل بالعمل حتى بعد عودتهم من عند والدتها هبط إلى الأسفل أكثر من مرة إلى الورشة ليريهم أشياء كثيرة وغدًا أيضًا لديه عمل وهي لا تشعر:

-أنا آسفة يا جاد ماخدتش بالي والله

أخذها ناحية الفراش وهو يهتف بصوتٍ حاني:

-هقبل آسفك لما تنامي في حضني وتسيبك من كل اللي بتعمليه ده

ابتسمت إليه وهي تسير معه، صعد على الفراش وهي جواره، أغلق ضوء الغرفة من مفتاح الكهرباء المجاور للفراش ثم استلقى براحة وهو يفرد جسده عليه وأخذها في أحضانه يقربها منه ويستنشق رائحة خصلاتها الجميلة بالنسبة إليه والمنعشه أيضًا، وضع يده أسفل رأسها والأخرى فوق جسدها القريب للغاية منه..

ابتسمت هي بسعادة وهي تقترب أكثر تستنشق رائحته الرجولية المباحة لها وحدها، ربما هناك كثير من الأشياء داخل عقلها تريد لها إجابة واضحة لتستطيع العيش معه بذلك الحب دون خوف، ولكن كلما رأته يتهرب من نظراتها المتسائلة عادت تتعايش معه دون تساءل وتبعد تشتت تفكيرها عنها لتنعم بالراحة معه..

وضعت يدها فوق صدره العاري الأملس الذي يبدو أسفل يدها كشيء صلب للغاية كالحجر بسبب هذه العضلات والرشاقة التي يحافظ عليها، رفعت قدمها اليمنى ووضعتها فوق قدميه الاثنين من الأسفل ليرتفع القميص عن جسدها مظهرًا ساقيها بسخاء..

❈-❈-❈

“قبل اذان الفجر”

وقف “سمير” في شرفة منزلهم شارد الذهن وصوت القرآن يعلو في ميكروفون المسجد ويستمع إليه جيدًا ولكن تركيزه لم يكن عليه، هو كان بالفعل يستمع لكن تفكيره بها هي!

لا يدري ما الذي حدث إليه هكذا في أيام معدودة وقليلة للغاية بالنسبة إلى موضوع كهذا!.. إنه لا يفكر إلا بها وحدها ولا يوجد سواها من الأساس ليفكر بها، قبل النوم وعندما يستيقظ وهو يأكل وهو يجلس مع أصدقاءه في المقهى وفي كل وقت يراها ويفكر بها وآخر مرة تمتم باسمها في صلاة العشاء أمس!..

إلى هذه الدرجة تستحوذ على تفكيره!.. كلما رآها دق قلبه بعنف وازدادت وتيرة أنفاسه وكأنه في سباق لا يدري من شدة جمالها وفتنتها أم لأن قلبه يكِن داخله شيء لها؟..

هو ليس كـ ابن عمه ينتظر سنوات كي يعبر عن حبه ويبقى بانتظار الفرصة المناسبة، وهو ليس مثله أيضًا يبتعد عنها ويبقى حبها داخله حتى لا يغضب الله عليه، نعم يخاف الله ولكن هو ليس من هذا النوع أبدًا مادام نيته سليمة وواضحة وتفكيره به خير حتى ولو لم يكن هناك شيء رسمي بينهم فليحدثها وينظر إليها ويفعل ما شاء مادام هو لم يفعل الحرام..

ما هذا هل يفكر في الزواج منها!.. يا الله ما هذا التشتت الغريب؟.

أخرج سيجارة من علبة السجائر أشعلها ثم قال لنفسه بأنه سينهي كل هذا الأن ويأخذ قرار يخصهما!.

إنه يريد رؤيتها دومًا، يفكر بها كثيرًا، يود حمايتها من أقرب الأشخاص إليها، يود أن يكون أقرب إليها من نفسها، يود أن تكون معه بمكان واحد يفعل ما يحلو له معها كأي زوجين، زوجين؟!….

إنه يحبها، ويريدها بكل جوارحه ولن يؤجل ذلك بعد الآن أبدًا وأول من سيعرف “جاد” لكي يساعده في ذلك..

أخذ الهاتف من على سور الشرفة ثم أتى برقم “جاد” وألقى اتصالًا به ثم وضع الهاتف على أذنه ينتظر رده

على الناحية الأخرى كان “جاد” نائم مثلما هو وبجواره زوجته على نفس الوضعية، استمع إلى صوت رنين هاتفه والذي كانت هذه المرة الثانية له حتى يستفيق، لقد كان مرهقًا بالفعل..

مد يده المحررة إلى الكومود وأخذ الهاتف ناظرًا إلى شاشته بنصف عين من أثر النعاس، وضعه على أذنه قائلًا بنعاس وصوت خافت حتى لا تستيقظ زوجته:

-أيوه يا سمير مالك

أتاه صوت “سمير” الواضح منه أنه لم ينم من الأساس وقال بجدية لأول مرة هو يطلبها منه، بل كانت هذه مهمة “جاد”:

-قوم يا جاد نصلي الفجر

على الرغم من استغراب “جاد” لهذا ولكنه ابتسم بسعادة لأن ابن عمه بدأ بالتقرب الحقيقي إلى الله، ولكنه أردف بصوتٍ مُنهك خافت:

-هصلي هنا يا سمير مش قادر أنزل

هتف سمير هذه المرة بإلحاح قائلًا:

-معلش يا جاد أنزل هنصلي وهكلمك في موضوع مهم وضروري

زفر “جاد” نفسه بهدوء وهو يُجيبه بالموافقة ثم أغلق الهاتف ووضعه مكانه، أخذ يده من أسفل رأسها تاركها على الوسادة ثم أبتعد عنها ساحبًا ذلك الغطاء الخفيف من آخر الفراش وقام بفرد طويته ليغطي جسدها المكشوف به..

تقدم منها مرة أخرى ووضع قبلة رقيقة حنونة على شفتيها بهدوء وخفة وهي نائمة، ابتسمت في نومها وهي تفتح عينيها بصعوبة وتنظر إليه من بين ذلك النعاس الذي يسرقها بادلها الابتسامة هو الآخر ثم خرج من الغرفة ليذهب إلى المرحاض وتركها تدلف إلى نومها مرة أخرى وهو يعلم أنها بعد قليل ستستيقظ بفعل المنبه المضبوط يوميًا ليستيقظوا في وقت صلاة الفجر ويقوموا بالصلاة معًا كالمعتاد..

من الجيد أنها مستيقظة وانتبهت أنه كان يتحدث إلى سمير عبر الهاتف وسيصلي معه جماعة في المسجد حتى لا تقلق عليه..

بعد انتهاء صلاة الفجر وخروجهم من المسجد سويًا ليعودوا إلى منازلهم، سار “سمير” جوار “جاد” بتوتر وتردد في أن يتحدث لا يدري لما ولكن قلبه يخفق بعنف بسبب مصارحته لأحد غير نفسه بحبها لأول مرة

سأله “جاد” باستفهام وهو يسير جواره عن ماذا كان يتحدث:

-موضوع ايه اللي مهم وضروري ده

ضرب “سمير” حجارة صغيرة بقدمه بقوة وهو يسير في الشارع ونظر إليه بتردد هاتفًا بنبرة هادئة قليلًا:

-موضوع يخصني يا جاد

رفع “جاد” نظره إليه وعينيه متسعة على ذلك الغبي الذي يهتف بشيء يخصه! وما هو إذًا، سأله مرة أخرى مستنكرًا بضجر:

-أيوه ايه يعني.. مالك

أخذ نفسًا عميقًا وهو يسير بهدوء وتروي جواره كي لا يصلوا قبل انتهاء الحديث بينهم، ألقى ثقلًا من على صدره مرة واحدة قبل أن يتردد مرة أخرى:

-بصراحة كده أنا… أنا بحب واحدة وعايز اتجوزها

ابتسم ابن عمه بغرابة من تصرفاته الغير طبيعية بالمرة فـ “سمير” لم يكن هكذا يومًا ولم يتردد بأخبار “جاد” أي شيء عنه! رفع حاجبه الأيمن وهو يستدير بوجهه ينظر إليه قائلًا بصوتٍ جاد:

-وأنتَ مالك كده ياض خايف ووشك مخطوف ما تفرح دا يوم الفرح كله لما تتجوز وتنقل فوقي أنتَ ومراتك

ابتسم “سمير” بتهكم وكأن “جاد” سيمانع عندما يعلم هويتها:

-مش لما تعرف أنا عايز مين الأول وبعدين تبقى تقول كده

استنكر “جاد” حديثه بالفعل هذه المرة أكثر وعينيه الرمادية تنظر إلى الطريق ولكنه يفكر بهذا الأبلة، سأله بهدوء:

-هتكون مين يعني؟

وضع يده في جيب بنطاله وأخرج علبة سجائره بقوة ومعها القداحة، وضعها على فمه وأشعلها ثم أخذ يدخنها بشراهة وكأنه يهرب من الإجابة على ابن عمه لسبب لا يعرفه ولكنه على أي حال أجابه بفتور مُصتنع:

-مريم أخت مراتك

-مريم!.

نطق اسمها باستنكار بعد أن وقف في منتصف الطريق وكأن قدميه ثُبتت هنا واجتاحته الصدمة بسبب إظهار “سمير” هوية من يحبها، هو لا يمانع ذلك ولكن منذ متى من الأساس، لم يشعر أبدًا أن “سمير” يميل بقلبه إلى شقيقة زوجته!. و “سمير” لم يظهر هذا أبدًا كيف هكذا؟

وقف الآخر جواره وهم على مقدمة الشارع الخاص بمنازلهم ناظرًا إليه بجدية شديدة وملامحه تتحدث بالصدق قبل أن تقوله شفتيه التي أردفت بقوة:

-أيوه مريم يا جاد.. أنا بحبها، بحبها وعايزها في الحلال زي ما أنتَ عملت بالظبط

أردف مُجيبًا بجدية بعد أن فكر بالأمر قليلًا:

-مفيش مانع يا سمير بالنسبة ليا أنا موافق جدًا كمان.. مريم بنت محترمة ومتربية وهتصونك بس الكلام ده مش أنا اللي أقوله دا لازم يكون من عندهم هما وهي بالأخص

نظر إليه بعينين خائفتين من القادم، أخذ يتحرك مرة أخرى في الشارع سيرًا وفعل الآخر مثله، لم يستطع أن يخفي ذلك الخوف القابع بداخله بعد كلمات “جاد”، فسأله بقلق ولهفة ظاهرة:

-أنتَ شايف أنها ممكن ترفض؟..

مط شفتيه للأمام بعدم معرفة لما يقوله وأردف مُجيبًا وهو يستنتج بالمواصفات التي أمامه وما يعرفه:

-أنا مش عارف بس يعني هترفض ليه، أنتَ عندك المواصفات اللي أي واحدة تتمناها شاب كويس ومحترم وعنده شغله وبيته

مرة أخرى بقلق أكبر تسائل وهو ينظر إليه مضيقًا عينيه عليه بتدقيق منتظر إجابة منه:

-وسني؟..

وصل كلا منهما أمام أبواب منازلهم المقابلة لبعضها البعض فوقف “جاد” يفكر بهدوء ثم استرسل قائلًا بجدية واستنتاج توصل إليه:

-ماله سنك!. علشان أنتَ عندك تمانية وعشرين وهي عشرين بس؟ يعني معتقدش أنها ممكن ترفض علشان سبب زي ده يا سمير… على العموم اللي فيه الخير يقدمه ربنا

تحدث بآخر جملة بهدوء وهو يأخذ نفسًا عميقًا ويزفره، فتسائل الآخر بجدية أكثر وهو ينظر إليه:

-أنتَ هتعمل ايه؟

حرك “جاد” عينيه الرمادية عليه وأردف مُجيبًا إياه قائلًا بنبرة رجولية جادة وهو يسعل قليلًا:

-هكلم مراتي واخليها تشوف الدنيا وأرد عليك وبعد كده نمشي في الموضوع بشكل رسمي لو فيه نصيب

ابتسم “سمير” بسعادة دقت قلبه وظهرت أسنانه البيضاء من خلف شفتيه ثم أقترب من “جاد” يعانقه بقوة عنوة عنه وهو يقول بخفة ومرح:

-أنا قولت جاد اللي هيخلص

ابتسم “جاد” هو الآخر لرؤية هذه الفرحة عليه وشعر بسعادته الغامرة وهو يحتضنه بهذه الطريقة معبرًا عن فرحته الكبيرة بحديث “جاد” وأنه من سيبدأ بالحديث وفعل ما ما يلزم..

❈-❈-❈

بعد أن أدت “مريم” صلاتها، خلعت إسدال الصلاة عنها ثم استلقت على الفراش لتذهب إلى النوم مرة أخرى، أخذت هاتفها من جوارها على الفراش قبل أن تنام وفتحته قد ولجت إلى موقع من مواقع التواصل الاجتماعي المستخدمة في المراسلة عبر رقم الهاتف وكان الواتساب..

ضيقت ما بين حاجبيها بعفوية وهو تفتح الرسالة الخاصة به لترى ما بها والتي كانت عبارة عن صورة مرفقة ببعض الكلمات التي تجعل القارئ لها يرتعش من كثرة الرعب..

كانت الصورة عبارة عن زجاجة غريبة المظهر تبدو متوسطة الحجم ولكنها غريبة وأسفلها كلمات تهديد صريحة وواضحة تخصها هي فقط، وكانت عبارة عن

“مريومة حياتي.. أحب افكرك أن وشك وجمالك ده كان هيروح قبل كده لولا ستر ربنا معاكي وبصراحة أكتر أنا كمان كنت مستخصر المهلبية دي تروح هدر كده لكن المرة دي مش هتفلتي من تحت ايدي بعد اللي عملتيه.. البلاغ اللي قدمتيه فيا ده تبليه وتشربي ميته، هو محدش قالك اني مدوخ الحكومة ورايا ولا ايه.. خافي على نفسك يا قطة وأنا مستني إتصال منك”

جلست على الفراش بهلع وخوف وهي تنظر إلى الرسالة عدة مرات متتالية وتقرأها مرة خلف مرة أخرى غير مصدقة ما الذي يقوله هذا الأبلة الحيوان، لقد فزعت من هذا الحديث وهي تعلم أنه مجرم يستطيع فعلها وهذا ليس تهديد فقط بل يستطيع التنفيذ بكل سهولة دون أن تطرف عينيه..

تسارعت دقات قلبها وتضاربت الأمواج داخله بشدة وسارت الرعشة داخل جسدها بخوفٍ وهلع، تركت الهاتف من يدها على الفراش ونظرت أمامها بعينين متسعة غير قادرة على الاستيعاب وما الذي ستفعله الآن!..

لم يأتي على خلدها غير “جاد” و “سمير” هم فقط الذين يستطيعون مساعدتها لتخرج من هذا المأزق الكبير الذي وقعت به دون مجهود يذكر فقط جمالها من جذبه إليها وقلة دينه وإيمانه..

حاولت أن تهدأ نفسها وهي تأخذ أنفاس عميقة متتالية وتزفرها بقوة وهدوء معًا، ثم استلقت على ظهرها في الفراش ونظرت إلى سقف الغرفة وأخذت تتمتم بذكر الله حتى يطمئن قلبها ولو قليلًا..

❈-❈-❈

google-playkhamsatmostaqltradent