Ads by Google X

رواية الحب اولا الفصل الخامس 5 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الخامس 5

 

رواية الحب أولا الحلقة الخامسة

كان كل شيءٍ واضحاً ، لكننا

لا نفهم بالاشارات ، اننا نفهم بالصفعات

#نجيب_محفوظ

…………………………………………………………..

عندما فتح عاصم الباب أضاء الغرفة وهو يخلع

سترة الحلة……..

لكن لم يلبث إلا وانعقد حاجباه بشدة…..وبرزت عروقة في لحظة وتحولت نظراته الفاترة الى

نظرات سفاح على وشك ارتكاب جريمة……

التوى فكه بتشنج وازداد سعير انفاسه الغاضبة

وهو يرى (رُفيدة…)تستلقي على سريره بمنتهى الاريحية ترتدي قميص نوم قصير يشع اغراء ويكشف عن الكثير ……

شعر فجأه بثورة عارمة تهدر في اعماقه…..وطاقة عنيفة سوداوية مرتسمه على وجهه المتصلب

ولم يتابع اكثر في مشاهدة عرضها الرخيص

المبتذل لذلك نداها بصوتٍ أجوف كالحجار

الصلب……

“روااااافيدة……روااافيدة…….”

تمايلت على الفراش وقد ارتجفت داخلياً بخوف إلا

انها حاولت السيطرة على اعصابها لتكمل خطت

إلهام بحذافيرها كما امرتها…….

عندما تلاقت أعينهما بصراعٍ عنيف من قِبله

وضعت يدها على صدرها تلقائياً قائلة بصوتٍ مغوي…….

“عاصم…….سوري……راحت عليا نومه وانا قاعده

على سريرك…….”

نظر عاصم اليه بعينان عاصفتان….غير

متهاونتان أبداً…..

“واي اللي دخلك اوضتي……وازي تنامي بشكل ده……”

شعرت رُفيدة بموجة من الاحباط تجتاحها…..

لكنها نهضت واقتربت منه قائلة بصوتٍ يحمل

اغراء العالم بأكمله…..

“كانت من ست شهور اوضتنا احنا الإتنين….كانت

من ست شهور بس ياعاصم…….بنام في حضنك على السرير ده…… معقول نسيت الليالي الحلوة اللي قضيناها سوا…..أمتى قلبك كان قاسي أوي كده…

إمتى…..”

أثناء حديثها كانت تلامس لحيته الحالكة بيداها..

تداعبها بحب…..بينما حديثها المحمل بأنين التوسل

يزداد كلما استمر صمته المبهم….. والغير معبر عن

ما يدور بعقله………

“عاصم متبعدنيش عنك اكتر من كده….انا مش قادرة

اعيش من غيرك….صدقني انا متعذبة في بعدك يابيبي………وحشتني….ووحشتني حياتي معاك….”

نزع يداها بنفور ثم ابتعد عن عيناها الجريئتين……المحمله من بين بؤرتيها خبثٍ

دفين……

“وانتي جايه لحد هنا وقلعه هدومك…عشان تقوليلي الكلمتين دول…….كان ممكن تقوليهم… من غير ما ترخصي نفسك اوي كده…….”ثم تأتأ بشفتيه وهو يجلس على أقرب مقعد ويخلع حذائه الأسود

متجاهل النظر لها……..

“…شكلك وحش اوي وانتي بتعرضي نفسك لواحد غريب عنك… ”

“غريب عني !!….عاصم انت جوزي……”

اقتربت منه وجلست على ركبتيها أمامه

متحسسه ساقه باغواء……

“الكلام ده من ست شهور…..دلوقتي انا

طليقك….”نزع يدها مجدداً بمنتهى النفور وهو

ينهض بعد ان تخلص من حذاءه ووضعه جوارها !…..

احنت براسها في جلستها تقول بنشيج

حارق…

“ياااه لدرجادي……معقول كل اللي عملته فيا ده

مش مكفيك….لسه بتعاقبني…….”

قال عاصم بصوتٍ أجوف…..

“بعاقبك ؟!…..مين قال اني بعقبك….انا قفلت اللي بينا من ست شهور ياروفيدة…….ولو انا بعاقبك يبقا ناوي اسامح ورجع….لكن انا لا هسامح ولا هرجع…..احنا

اللي بينا انتهى لحد كده…وانا اديتك حريتك….عايزة إيه تاني…….”

نهضت عن الأرض تنظر اليه بعيون باكية

تتوسل اليه بشكلاً مهين……

“عايزاك ترجعني لعصمتك…..بقولك حياتي صعبة

من غيرك…انا بحبك…… بحبك عاصم…..”

ابتسم عاصم باحتقار…..وبسوداوية مزدرية

واجهها بحقيقة ما بينهما والذي لا يحمل اي

نوعاً من الحب……

“بتحبيني؟!…..ولا بتحبي اسمي وفلوسي…..بتحبيني

ولا بتعملي دا كله عشان تفضلي ماشيه تحت ضل

أختك……انتي عمرك ماحبتيني ياروفيدة….انا كنت فرصة حلوة بنسبالك….وبنسبة لاختك…فقولتوا زيادة الخير خيرين……واهوه هنكون كوشنا على عيلة الصاوي من الناحيتين……..”

تراجعت رُفيدة بصدمة وشعرت بنيران تكوي امعائها

وكانه وضع جذوة حارقة تلتهم اعماقها ببطئ شديد….اهتزت حدقتيها بارتياب وبدات تزدرد

ريقها بصعوبة…..فارادت ان تزور الحقائق……

قائلة……..

“انت فاهم غلط……ليه دايما بتلمح لكده….انت

عارف اني بحبك…..يمكن إلهام كانت السبب في جوزنا…….يعني هي اللي قربتني منك بكلامها

عنك….وبكلامها عني ليك…ودا شيء طبيعي

بين الاخوات…..يعني هي شافتك مناسب

ليا…….فقررت تقربنا من بعد….ليه شايف انها عملت

كده عشان الفلوس……هي مش محتاجة.. دي مرات عمك وام ابنه يعني ليها زيك تمام….وكمان انا

مش محتاجة فلوسك ياعاصم…..انا عندي شغلي وحياتي……..ومعايا فلوس تعيشني مرتاحة……..”

التوى ثغره ساخراً….. “زيادة الخير خيرين……..”

صدر صوتها كالأنين وهي تهمس بتعب

حقيقي…..من تصلب رأسه معها………

“انت بقيت صعب…..صعب أوي……وظلمني

وظالم اختي…….”

التوى ثغره وهو يقول بسخرية سوداء….

“بجد ظلمها……..جايز………قدامك خمس دقايق تلبسي هدومك وتخرجي…..اطلع من الحمام

ملقكيش…….”

اتجه ناحية باب الحمام المتواجد بغرفته….فوجدها تعترض طريقه قائلة برجاء…

“عاصم احنا لسه مكملناش كلمنا….لازم تفهم ان اللي بتعملوا فيا دا بيدمرني…ولو حصلي حاجة ذنبي هيكون في رقبتك…….”

هتف بصوتٍ كالجليد المسنن……

“اطمني محدش بيموت ناقص عمر……اخرج ملقكيش…….”القى نظرة حازمة مهيبة ثم دلف للحمام واغلق الباب خلفه بقوة…….

انتفض جسدها في مكانه وسريعاً بدأت في ارتداء ملابسها على عجله…….فهي لا تضمن أبداً اي جنون

سيفعل ان خرج ووجدها بانتظاره…..غضبة غير متوقع وقد تصادفت به كثيراً في فترة

زواجهما….

ان غضب ينقلب المكان راسٍ على عقب…..ولا تدرك

اي جحيم سيدفعك به ….لكن سواء علمت او

لأ ففي النهاية يبقا الجحيم وصف غير مستحب

ومخيف لاي شخصاً وهي على رؤوسهم……….

أنار الهاتف باتصال من (الهام…)عضت رُفيدة على شفتها وهي تسمع صوت خرير الماء بداخل…..

اخذت نفساً مرتجف وهي ترد بصوتٍ محبط…..

“ايوا يالهام……”

قالت إلهام بحنق شديد…..

(أيوا يالهام إيه؟!… انتي فين يارافي عملتي إيه…)

حانت نظرة من رُفيدة للخلف فوجدت الباب مزال مغلق والصنبور مفتوح…. جلست على حافة الفراش زافرة….

“كل اللي قولتيلي عليه عملته…..كل حاجة عملتها….بس مفيش فايدة…….انا تعبت يالهام….

انا حسى اني برخص نفسي…….”

اندفع فضول الهام فسالتها بقلق…..

(بترخصي نفسك ليه بس هو اي اللي حصل..مش عملتي اللي اتفقنا عليه…….)

اتاها صوتٍ خشن مهيناً… جفلت معه حواسها

فجأه…..

“الشهادة لله يامرات عمي اختك مقصرتش…بس

انا اللي بقيت اكسل اوطي اجيب حاجه رمتها

تحت رجلي……..”

تداركت الهام الموقف الذي وضعوا فيه

فسريعاً قالت مبررة…….

(عاصم….انت فاهم غلط احنا كنا بنتكلم عن….)

قاطعها عاصم بصوتٍ حازم…..

“عني…….سمعتك وسمعتها…….انتي عارفه اي

اخرت الحوار ده يام يزن…….”

سالت إلهام بتوتر……(إيه…..)

رد بصوتٍ غريب…..خالي من التعبير……

“انك تركزي مع عمي وابنك…….وطلعيني من حساباتك…..أهوه تريحي دماغك شوية من

التفكير واهوه تريحيني انا كمان……اي رأيك…”

على الناحية الاخرى ارجعت الهام شعرها للخلف

بعصبية وهي تدور حول نفسها في غرفتها

محاولة السيطرة على الموقف المخزي التي

وضعت به مع اختها الغبية………

(عاصم انا بعمل كده عشان خاطر اختي…رفيدة بتحبك وطلبت نصحتي فـ….)

قاطعها عاصم متابع بسخط……

“فقولتلها اقلعي ونامي في اوضته…ونعمه نصايح الاخوات…..”

القى عاصم نظرة ازدراء على رفيدة التي تسمرت مكانها بوجنتين حمراوين بالغضب والحرج ورأس شبه منحني بالهزيمة……وقد بدأت تتمنى في تلك

الوقفة ان تنشق الأرض وتبتلعها الان بعد تلك النظرات السوداء والكلمات المهينة……ان الموقف

باكمله قلل منها بكل المقاييس…….

القى عليها نظرة مشمئزة وهو ينهي المكالمة

بنبرة نافرة منهن…….

“اخر مرة هقولهالك……واختك قدامي وسمعتها وهتسمعها تاني….طلعوني من حساباتكم…اللي بيني

وبين رُفيدة انتهى من يوم ممات ابني في بطنها بسبب جشعها وكدبها عليه……..”

وقبل ان يغلق الخط في وجه الهام أمر رُفيدة

المتسمرة امامه بقهر……

“اطلعي برا……….كلامي خلص خلاص…..”

اطرقت رُفيدة براسها وهي تاخذ الهاتف منه وتخرج

راكضه لغرفة اختها تجر الخيبة والخسارة في قدميها……

اغمض عاصم عيناه بقوة شاعراً بكم هائل من الاختناق…وتشنج قوي في عضلة فكه…بينما

النفس في صدره يتردد كآتون حارق….

ارجع شعره للخلف وكان على غير هدى يترنح

بين أفكاره وعواصفة…..

الم ينتهي من تلك القصة ويرتاح…أصبح وجودها

هي واختها يسبب له عدم الراحة والمواصلة في سلاماً نفسياً……

يجن جنونه عندما يراها مزالت تلعب لعبتها المكشوفة هي ورأس الحية الكبرى…..مزالت

السذاجة تحيط بهن…..بان يوقعنا به مجدداً في

فخ الهوى الكاذب…….ويغرق في حب مطصنع

بنى هل أهداف انانية محددة بالمال والجاه…..اما

عنه ، فهو الصورة التي تحمل كل ما سبق…. فلِما

لا يكن جزء مما يريدون ؟!……..

خرج للشرفة يستنشق بعض الهواء لعله يهدأ مشاعرة

الثائرة بالغضب…..بعينين نافذتين شاردتين ظل ينظر اللاشيء والغضب مزال يحرق فتيل صبره……وفي سهوة من الشرود تنشط عقله فجأه و ذكره

بمقتطفات لعيون عسلية براقة قابلها في يومه بنظراتها الغاضبة……وأحياناً الملوله…..الحانقة…

والمتعجبة….المصدومة…والقانطة…..وأخيراً الهادئة………هدوء يعبر عن صفاء عينيها وخبايا طباعها…..

لفظ إسمها بعيون سابحة في ذكرى

عيناها….. “شهد…….”

تذوق احرف إسمها على لسانه ببطءٍ شديد اصابه بعدها بشعور غريب لأول مرة يطرق بابه ؟!….

……………………………………………………………..

خرجت من المطبخ تجفف يداها بالمنشفة الصغيرة

حانت منها نظرة على اخيها……الجالس على أحد الطاولات في ردهة المطعم……..

وقفت للحظات تتأمل صمته وشرود الحزين البادي على ملامحه وعيناه….يتألم……الالم يسكن عيناه

بوضوح…والحزن مسيطر على المتبقي منه……

يؤلمها قلبها لعجزها عن مساعدته لو كان بيداها

لفعلت الكثير حتى ترضي والدة حبيبته…

لكن ما باليد حيلة….هي أيضاً تسعى للاستقلال بعيداً عن عثمان الدسوقي….. كما يريد حمزة… وكم

تود كيان……..

وان وصل احدهم لهذا الاسقلال والاكتفاء الذاتي

سيمد لأخيه يد العون……وهذا لم يكن وعد بينهم

بل أصبح حق مكتسب اتخذاه الثلاثة مع مرور سنوات عمرهم معاً ……

جلست امامه على المقعد وسندت يدها على سطح الطاولة لتضع ذقنها على كفها المضموم…..ناظرة

اليه بصمت له الف تعبير واولهم…..الشفقة……..

.

“مالك ياعم المكتئب……..”

رفع حمزة عيناه العميقتين بالحزن اليها…ثم

تمتم بابتسامة باهته……..

“مكتئب مرة واحده……فين الإكتئاب ده مانا

كويس اهوه…….”

هزت شهد رأسها بتصميم…….

“لا مش كويس…….احكيلي اي اللي مضايقك…”

رد هارباً من عيناها….. “ولا حاجة……”

لخصت الاجابة بـ…. “نجلاء تاني وامها صح…….”

أسبل عيناه وهو يلعب في سلسلة المفاتيح

مضيف بضجر…….

“ادتني مهلة شهر اجيب الشقة…….في شهر هجيب الشقة؟!…….شفتي استهبال اكبر من كده…..”

زمت شهد شفتيها بعدم رضا…….

“دي قصدها تعجزك…..طب ونجلاء رايها إيه….”

راقبت شهد عنفوان ملامحه واستياءه

وهو يخبرها……

“نجلاء ملهاش رأي……مانتي عارفه أمها…..”

سالته شهد بجزع…. “وهتفضل في الهم ده كتير…..”

اندفعت عيناه اليها كالسهام… بينما سالها بصوتٍ

مجهد من كثرة صراعته مع نفسه……..

“عايزة تقولي اي ياشهد…….”

اندفعت بصوتٍ قوي تواجهة بالحقيقة…..

“عايزة اقولك انك بتقوح ياحمزة….سبها تشوف نصيبها……..انت مش هتقدر على طلبتهم…..”

ومن بين ثنايا قلبه اخبرها بخفوت…..

“بس انا بحبها….ومن زمان….من قبل حتى ماخطبها وانتي عارفه كده كويس….”

اومات شهد بتعاطف لتقول برفق….

“عارفه…..بس ماباليد حيلة…..أبوك مش هيحن قلبه ولا هيغير رأيه….لو كلمنا مين بالذي هيصمم على اللي في دماغه………وانا مصدقت انه رضي عنك وخلاك ترجع تبات في البيت من تاني…….”

وهجت النظرات بحدقتاه واندفع يخبرها

بعنف……..

“انا مش هسبها ياشهد……انا بحبها….بحبها ومش هسبها تروح لغيري…….”

اومات مجدداً براسها قائلة…..

“عارفه….وعشان كده بقولك سبها….قبل ماتسمع

كلام امها وتكسرك……”

هز حمزة راسه سائلاً بشك…

“انتي تعرفي حاجة ومخبيها عني..”

اهتزت حدقتاها واشاحت بوجهها دون

تعقيب….

فسالها حمزة مجدداً وقد ازداد سعير غضبها….

سائلاً اياها بعذاب…

“شهد ردي عليا……انتي تعرفي حاجة…. ”

نهضت شهد وهي توليه ظهرها قائلة بمنتهى

الوضوح….

“معرفش حاجة…..انا بس شايفه اللي انت عامل نفسك مش شايفه….فوق ياحمزه……وشيل الغمامه

دي من على عينك….نجلاء مصيرها تمشي ورا

كلام أمها…….و…….”

قاطعها وهو يضرب سطح الطاولة نهضاً بعدها بعصبية وكان الشياطين تتراقص امام عيناه

فبدون قصد اشعلت اخته جزءاً يحاول إخمادُ

منذ أيام……

“مش هيحصل….انتي كده متعرفيش نجلاء….نجلاء

بتحبني………بتحبني… ”

واجهته شهد بعينيها بقوة عرت المشاعر

المتذبذة داخله…….

“وليه عمال تكررها……اللي واثق من حاجة…مش بيعيد ويزيد فيها…..”

نظر لها بحدة وساد الصمت بينهما……والنظرات كانت

كفيلة بتدمير مايسعى للحفاظ عليه……

القى عليها نظرة أخيرة ثم تحرك مغادراً…فمسكت شهد ذراعه وقد انقبض قلبها فجأه و سالته…….

“رايح فين…….”

ابعد حمزة يدها قائلاً بصلابة….

“روحي مع بشير وخلود…..”

سالته برعب……. “وانت رايح فين……..”

لم يرد عليها بل خرج من المكان في

سرعة الريح……

ركضت للخارج مناديه

عليه……

“حمزة………حمزة………”

ضربت فخذيها بعصبية وهي تلوم نفسها

بقوة…..

“استرها يارب……… استرها……”

دخلت خلود المطعم وسألتها بفتور…..

“ها ياشهد خلاص…… بشير دور العربية برا ومستنينا…….”

“آه خلصت……… يلا بينا…….”اومات شهد وهي تخلع المريول بيد ترتجف ………

بحثت خلود بعيناها في انحاء المكان

سائلة بتعجب….

“هو حمزة راح فين……..”

قالت شهد وهي تطفئ الأنوار وتحمل سلسلة المفاتيح والحقيبة قائلة بعجلة……

“يلا بينا ياخلود……..خليني الحقه قبل ما يعمل

معاهم نصيبة……”

سألتها خلود بتعجب وهي تخرج معها……

“مين دول……..”

سحبت شهد الباب الزجاجي واغلقته

بالمفتاح قائلة……..

“هقولك في السكة……. يلا بس…….”

بعد اغلاق المطعم اتجهت الى السيارة بسرعة واضعه يدها على قلبها بخوف…..هل أخطأت حينما واجهت

اخيها بالحقيقة…..هل ادعت على نجلاء بالباطل…

هل فعلاً ستكون مستعدة للتخلي عن اي شيءٍ

لأجل اخيها ام انها ستظل تضغط عليه كأمها….

……………………………………………………………..

وصل أسفل العمارة الذي يقطن بها……ترجل من السيارة التي يعمل عليها بعد ان صفها جانباً…..

ثم استقل المصعد للدور السادس حيثُ شقتها….

كانت نظراته مخيفة قاتمة….تبعث رجفة رعب في

عينا الناظر……ملامحه متحجرة مهيبة…..وانفاسه

متصاعدة محملة بالغضب والعدائية لكل من سيقف

أمامه الآن…….غضبه يوشك على احراق المتبقي

من صبرٍ وعقلٍ داخله……..

سحب نفساً حاداً بعد ان فتح باب المصعد وقبل

ان يتخطاه سمع صوت ضحكاتها العالية وهي تودع

ضيفها من على الباب قائلة بصوتٍ مائع…..

“مكنتش أعرف ان دمك خفيف اوي كده….”

لمعة عينا سامح وهو ينظر اليها بقوة هائماً في

هذا الجمال المشع من كل زاويا بها….فقال وهو

يميل برأسه عليها بخبث…….

“مانتي اللي كنتي مصدره ليا الوش الخشب…. هتعرفي منين بس…….بس ملحوقه… ”

بميوعة اكبر سالته….. “مش فاهمة…..تقصد إيه بملحوقه…. ”

ابتسم سامح بسماجة قائلاً بمداعبة…

“ملحوقه يانوجا….مصيرك تعرفيني أكتر…وتحبيني اكتر……..ولا إيه…….”

تلونت الشفاة بإبتسامة خجولة….فقالت…

“واثق اوي من نفسك…..وافرض مقدرتش أحبك..”

تأتأ سامح بشفتيه وهو يستند على إطار الباب الواقفة أمامه مائلاً عليها قليلاً……..

“كده أزعل….. احنا اتفقنا على إيه جوا….. تديني فرصة عشان نعرف نقرب كويس من بعض…….وانا

واثق انك هتحبيني.. ”

ظهر حمزة من العدم فجأه….وخطى نحوهما قائلاً

بنبرة قاتمة عنيفة……

“هي من ناحية هتحبك… فهي هتحبك….مش بيقولوا الطيبون للطيبات برضو… والطيور على اشكالها تقع……..”

انتفض سامح بخوف ينظر إليه….. وارتجفت نجلاء

كذلك متراجعه خطوتين للخلف بينما وصلت خفقاتها

المرتابه للعنان بقوة تكاد تقسم انها ستمزق

صدرها من شدتها………….

وكانها ترى النهاية الحتمية على يد سفاح يقترب

منها ببطئ شديد يتعب الأعصاب ويوقف القلوب…. فملامحه كانت سوداوية تنذر بالشر….. وعيناه كانت هائجة بجنون عاصف يكاد يزهق روحها في رمشت عين هي والمدعو سامح الذي يقف الان مرتاعٍ

يخشاه أكثر منها !!……

هتف سامح بشجاعة مفرطة حتى يرسم الدور

امام نجلاء المتسمرة مكانها بصدمة…..

“انت اي اللي جابك هنا…. انت عايز تتهزق

وتطرد زي المرة اللي فاتت…….”

مسكه حمزة سريعاً من ياقة قمصية صائحاً في

وجهه بوحشية………

“آآه عايز اتهزق وانضرب…… هات اخرك عشان اوريك

تمامك…….”

قالت نجلاء بتردد…..

“ملوش لازمه الكلام دا ياحمزة……”

“اخرسي يابنت ال****…”سبها حمزة وهو

يلقي عليها نظرة قاتلة…

فغرت نجلاء شفتيها غير مصدقة الفظ البذيء الذي

رماها به……..يبدو ان امها كانت محقة هذا الارتباط

لم يجلب إلا الاوجاع والخسائر لها……..ويبدو انها استخدمت عقلها أخيراً في تلك العلاقة السامة…

وستنهي ما بينهما تحت اي ظرف….

شد حمزة ياقة سامح وهو يسخر من نفسه

بقسوة…..

“لا وانا اللي كنت بقول فيها قصايد شعر…”

رماها بنظر كارهة لاي شعور كان سابقاً خاصاً

بها وحدها…..أضاف بلسان يلتوي بشمئزاز……

“اتريكي كلبة فلوس زيك زي اللي جابتك…..

بتبيعي للي يدفع اكتر……..وهو اكيد مقصرش.. ”

نظر لسامح بقوة فجفل سامح وتوتر اكثر وانساب العرق من فوق جبهته من شدة الخوف والتراقب

للقادم من هذا المجنون……

قالت نجلاء بحنق مدافعة عن موقفها بمنتهى الوضاعة…….

“هو لما ادور على مصلحتي اكون طماعة….. وبعدين

انا صبرت واستنيتك كتير عملت إيه ولا اي حاجة…

كل يوم حجج فارغة واعذار…….”

جز حمزة على اسنانه هاتفاً بغضب……

“وطالما انتي زهقتي اوي كده…. مقولتيش ليه وعرفتيني بنيتك الوسخه من ناحيتي…..”

لوحت نجلاء بيدها توقفه بصرامة….

“أحترم نفسك…. انا مستحملة قلة ادبك لحد

دلوقتي عشان خاطر اللي كان بينا زمان…… ”

ازداد بريق الاجرام في عينا حمزة صائحاً

باحتقار……..

“زمان كمان ؟!…. ياشيخه يحرق ابو اللي كان بينا…….. ويحرقك انتي والجِعر ده وأمك معاكم…

ياعيلة وسخة…. مفيهاش راجل كلها نسوان

مصديه… ”

ظهرت امها من خلف الباب صارخة بملل

والشماته تطل من عيناها الئيمة……..

“ما تحترم نفسك ياواد انت بتزعق كده ليه….هو الجواز بالعافية…. ما البت قالت مش عيزاك…خد

حاجتك وتكل على الله…… ”

اوما حمزة وقد اشتعل صدره بجنون وفارت الدماء في عروقة لدرجة لا تحتمل مما جعله يقدم على

هذا وهو يقول بمنتهى الشر……..

“عيني….هاخد حاجتي……. وحقي كمان…..”

ضرب راسه في جبهة سامح بقوة مما جعله يقع

أرضا متالماً…..اندفع حمزة نحوه بجنون يسدد

له الضربات مما جعل نجلاء وامها يصرخوا بأعلى صوتٍ لديهن يستغيثوا الجيران من حولهم….

خرجت شهد من المصعد بصحبة بشير وخلود

وسريعاً عندما سمعوا الصريخ و رَأَوْا الاشتباك

تدخلوا سريعاً خوفاً على حمزة من ان يتهور

في ذروة غضبه ويرتكب جناية مع هذا

الأحمق……

تدخل كذلك بعض الجيران معهم….ودخلت شهد بينهم كحائل وهي تحاول ان تهدأ اخيها ببعض الكلمات وتترجاه بالدموع كذلك… فقد وصل حمزة لحالة اللا وعي…..ربما لم يفيق منها إلا على مصيبة كبرى….

“الحقونا ياناس…. الراجل هيموت في ايده..روح

منك لله ربنا ينتقم منك يابعيد…”هتفت بها والدة نجلاء بعصبية استفزت شهد… وكسرة قشرة

الهدوء التي تتحل بها بين الجميع….

فصاحت بحمائية مدافعه عن اخيها امام

الجميع…..

“ربنا ينتقم منك انتي إياك تدعي على أخويا…..ليكي

عين تكلمي……..وليه بجحه بصحيح….. طالما لقيتي

اللي يشيل ادتيلوا مهله ليه شهر انتي وبنتك عشان

يجيب الشقة……عالم الكدب الخيانة بيجري في دمها…….”

اتسعت عينا والدة نجلاء بشدة واكفهر وجهها

وهي تستعد لبخ سمها وكرهها لشهد التي كانت ومزالت الأجمل بين الجميع…حتى أجمل من

ابنتها…..رغم تشوهاتها الخارجية وضغوطاتها

النفسية مزالت جميلة تشع قوة وكبرياء….

تخصرت السيدة مبتسمة بسخرية

سوداء….

“والله وطلعلك حس ياشهد…..احنا كدبين

وخاينين…..آآه تلاقيكي منكاده من بنتي عشان هتجوز قبل منك…. آه مانتي بورتي بقا ومفيش

عريس بيخبط على بابك تكونش السماعه اللي في ودنك هي اللي بطفشهم………ولا يكونش فكرينك طرشه……والودنين بايظين….”

تأتأت بشفتيها مدعيه الحزن والشفقة ثم

اضافت بغل مبطن……

“عارفيهم ياختي ان في واحده فيهم سليمة

يمكن حد فيهم قلبه يحن ويتجوزك…بدل مانتي قربتي على التلاتين ولسه زي البيت الوقف كده….”

حاول حمزة تجاوز الجيران الواقفين امامه يمنعوه

من الهجوم عليها………فسبها صارخاً……

“اخرسي ياوليه يابنت الكلب انتي.. لحسان

اسففك تراب العمارة……”

ردت والدة نجلاء بغضب

يماثلة….

“اخرس ياصايع ياعرة الرجالة……”

مد حمزة ذراعه بقوة ودفع سامح لعندها

قائلاً…….

“عرة الرجالة اهوه في حضنك انتي وبنتك

اشبعوا بيه………ياعالم****……”

تحملت شهد الالم الحارق في صدرها….وتماسكت

حتى لا تبكي وهي تدفع اخيها بقوة

صارخة….

“كفاية ياحمزة كفاية يلا بينا……يلا كفاية كده…”

صاح بشير وهو يدفعه هو أيضاً باتجاه باب

المصعد…….

“اسمع كلام اختك ياحمزة وطلع معاها…..”

ترجاه كذلك أحد الجيران…..

“اطلع يابني ربنا يهديك…….كل شيء اسمه ونصيب

والجواز مش بالعافية…….”

هتف حمزة بنفور…….

“لا مش بالعافية وهي كده كده متلزمنيش…..”

تلاقت عيناه بعينا نجلاء الصامته فلوى حمزة فكه بقرف نادماً على كل شيء عاشه معها سابقاً…

و اوالهم حبها الزائف…….

“ياخسارة كنتي غالية اوي عندي…وعلى قد الغلاوة بقيت في عيني أرخص من التراب اللي بدوس عليه بجزمتي……”

دفعته شهد الى المصعد وهي تصرخ مجدداً

بقهر…..

“يلا ياحمزة قولتلك كفاية……كفاية ياخي…كفاية

فضايح…..”

…………………………………………………………….

طرقت شهد على الباب بقوة فبداخل خرجت كيان

من غرفتها تتثأب فقد غفت قليلاً بعد عودتها من العمل لحين عودتهما من الخارج……

“جايه حاضر…….”

قالتها وهي تفتح الباب ناظرة اليهما بهدوء تحول

الى الدهشة وفغرت شفتيها سائلة…..

“اي ده مالكم…..اي اللي حصل…….”

دلف الجميع لداخل الشقة من ضمنهم خلود

وبشير وقد هتف بشير متعجباً……

“معقول مسمعتيش الزعيق ده كله ياكيان…..”

سألت كيان بنفاذ صبر وهي توزع انظارها

عليهم بتساوي…

“زعيق…. زعيق إيه……ما تفهموني ياجماعة……. ”

القت شهد حقيبتها جانباً وهي تتجه لأحد الزاويا قائلة بصوتٍ متحشرج…..

“هدخل الحمام وجايه……”

سألت كيان مجدداً بحيرة…..

“مالها ياخلود …….. اي اللي حصل…….”

امتقع وجه خلود وهي تتذكر الكلمات السامة

التي احقنت بها المرأه شهد بمنتهى الوضاعة…..

قالت خلود بتنهيدة أسى……

“حمزة شد مع نجلاء وامها تحت… وكان بيتعارك مع واحد تبعهم……… واحنا وشهد حوشنا بينهم.. والوليه اللي ماتتسمى ام نجلاء هلفتت بالكلام مع شهد…..”

برقة عينا كيان وقبضت على يداها

بقوة…..

“قالتلها إيه………”

اجابت خلود بصعوبة وبعيون

دامعة…..

“كلام ميجليش قلب أقوله….حتى لو بحكيلك…. الخلاصة انه كلام يوجع بتعيرها بتعبها وبالسماعة

اللي في ودنها…… و…. وعشان لحد دلوقتي متجوزتش….. اهوه كلام كله غل ونقص…… ربنا

ينتقم منها….. حرقت دمها ودمي….”

جن جنونها فخطت خطواتها بمنتهى العصبية

نحو الباب قائلة بشراسة…….

“بنت الكلب……. طب والله لروح افتح دماغها…”

احاطت خلود خصرها محاولة منعها

وهي تهتف برعب…..

“استني عندك ياكيان…. احنا مصدقنا…. مصدقنا

لمينا الدنيا……. الله يسامحها وخلاص……”

صاحت كيان هائجة وعيناها تغليان

غضباً…..

“الله يحرقها…. مالها ومال اختي… تتجوز ولا تقعد هي كانت قعده فوق رأسها… وبعدين ماله تعب

أختي هي اللي اختارته…… ست جاهله… وعايزة

تاخد بالشبشب على بؤها……… سبيني ياخلود…”

كانت تقاوم وثاق خلود على خصرها مما جعل

خلود تتركها صائحة بتعب……..

“ياكيان كفاية بقا وبطلي مناهده……… أهدي….”

“خلاص ياكيان……… كفااايه……”صاح بها حمزة الجالس على الاريكة يشاهد ما يحدث بعيون مظلمة…… تحمل انفعال ربما ان خرج

سيرتكب جناية…….كما يتمنى !……..

تقدمت منه كيان صارخة بعنفاً…….

“انت هتسكتلها ياحمزة….. بعد اللي قالته على

شهد……. طبعاً مش حماتك…….”

أجاب بنبرة مريرة……

“مبقتش حماتي……. انا سبتها للي دفع أكتر…..”

لوحت كيان بيداها بعنفاً…قائلة بحمائية……

“في ستين داهيه….. هي وامها…. اللي يهين أختي

ميلزمناش ولا ينفع يبقا واحد منا……..”

ربتت خلود على كتفها بملاطفة….

“الموضوع انتهى ياكيان أهدي……أهدي عشان متضيقيش شهد أكتر……. ”

تبادلت مع خلود النظرات حتى ترقرقت الدموع في عينيها وهي تتجه لاحد الزوايا قائلة بقلق…..

“انا هروح ابص عليها…. طولت اوي في الحمام….”

لحقت بها خلود…… “انا جايه معاكي……”

اطرقت كيان على الباب برفق وهي تنادي

عليها….. “شهد……… شهد……انتي كويسه… ”

“كويسة…….. ثواني وطلعه…….”

لفظت شهد بتلك الكلمات بمنتهى الهدوء واليسر حتى اقنعتهم بالفعل بانها بخير… وباحسن حال…

مؤكده ان الحديث لم يأثر عليها…. ولم يؤذيها

قط……

لكن ان نظرة الى صورتها المنعكسة في المرآى ستكتشف…. انها لا تخدع أحد سواها…..

بلعت الغصة الحادة في حلقها وهي تمسح دموعها المنسابه على خدها…….

أحياناً تكن الكلمات مصدر سعادة للقلوب… وكثيراً تكن الكلمات كفيلة بكسرة النفس….. بهدم الذات…..بحرقة القلب………بالعيش في الظلام

باختيار العزلة…..ان تمقت على حياتك….وتكره

نفسك لمجرد انك تأذيت من كلمات محقنة

بسموم خبيثة…….اليست السموم قاتلة ؟….

اطرقت شهد براسها وهي تضم شفتيها بقوة تكتم شهقة عالية تعبر عن اوجاعها…..ثم حانت منها

نظرة الى المرآة…..لتجد كم هي بالحزن

تكبر ؟!…..تتغير ملامحها للاسواء…..الحزن قادر على افساد كل أمل يضوي بداخلها….الحزن قادر على اعجازها……. وهي لن تعجز…….فهي عاشت حياتها كلها تعافر مع نفسها وجميع من حولها…..لن تستسلم

لهذا اليأس……أبداً…..

نظرت الى صورتها في المرآة…….بعينين عميقتي اللون….. متألمتين حد العذاب…….عيون تصرخ بأن

الكتمان أصبح سجن مشدد لا يحتمل…..الن تتحرر

وتبوح باوجاعها…….الن تتخلص من تلك

التراكمات…..الى متى ستظل بتلك القساوة على نفسها………الى متى ستظل تحت قناع الهدوء

والرشد….والصمت المبهم…….

اطبقت على عينيها بقوة والدموع كانت حبيسة الجفنين……تأبى الخنوع……. كما تأبى

صاحبتها………

طرق الباب مجدداً وهتفت كيان بزعر….

“شهد اخرجي بقا كفاية كده……شهد………”

خرج صوتها ثابتاً في أوج الهدوء والسلام النفسي !!……..

“خرجه ياكيان…..خرجه……..”

مدت يدها و نزعت السماعة الطبية من اذنها….ثم

وضعتها جانباً وفتحت صنبور المياة….تلطم وجهها

بالماء بقوة تاركه العنان لدموعها الان بين خرير الماء العالي…….. وصوتٍ من الماضي كان يدوي في

اذانها بقوة يشاركها الحزن باصعب الذكريات…

واسواء حادث عاشته………

هتف عثمان وهو يحاول نزع الصورة من بين

يداها صارخاً بقسوة…..

(اي اللي خلاكي تاخدي الصورة دي……)

نزلت دموع شهد بحزن وكانت فتاة مراهقة

جميلة في الخامسة عشر من عمرها……

(هي دي الست اللي بتحبها يابابا…هي دي الست اللي كرهت ماما وكرهتنا عشانها……)

اتسعت عينا عثمان بشكلاً مخيف يكاد يبتلعها

وهو يحاول خطف الصورة من بين يداها……

(بقولك هاتي الصورة……هاتي..)

اخفتها شهد خلف ظهرها وهي تحاول التحدث

معه من بين دموعها الجارية….ووسط غضبه القاتم والذي يهدد بقتلها الان لا محال……فمنذ متى وهي تتجرأ هكذا امامه وتحاسبه…….

(هدهالك بس لازم تعرف ان احنا ملناش ذنب…وان ماما كمان ملهاش ذنب لانها حبتك…..وبعد كل اللي عملته قبلت تكمل عشان خاطرينا وعشان

بتحبك……)

سحب الصورة من بين يداها ووضعها في جيبه

قائلاً بازدراء…….

(هاتي الصورة…..عيله زيك بتحسبني…وبتكلمني كمان عن الحب….ادي التربية….والله وعرفتي

تربي ياكريمة………)

دافعت شهد عن امها بقوة…..

(ماما ربتنا احسن تربية……)

اقترب عثمان منها وعيناه تقدحاً غضباً

اسود….

(بامارة انك دخلتي تفتشي في اوضتي…لا وكمان بتحسبيني…….)

واجهته لأول مرة قائلة بثقه……

(لانك غلط واحنا لينا حق عليك….وبعدين انا مش صغيره…….انا عندي خمستاشر سنه و…..)

لم تتابع حديثها فقد هجم عليها بمنتهى العدائية يضربها ويصفعها ويركلها بقدميه……أطال ضربها

وتعنيفها اكثر مما سبق ، مما جعلها في هذا اليوم المشئوم تنزف من كل مكان بجسدها والنزيف

الذي اصابها كان نادراً بنسبة لها فقد نزفت اذنها اليمنى واصبحت لا تسمع إلا صوتٍ تشوش ، وألم

شديد داهمها في اذنها وكأن هناك سهمٍ حاد اخترقها….حتى انها كانت تصرخ حينها وهي غير قادرة على سماع صوتها لكنها شاعره بكم الوجع التي تحياه وقتها………..

وعندما اخذها حمزة وامها للمشفى اكتشفت انها فقدت اذنها اليمنى للأبد…….وان اليسرى ايضاً

تأثرت تاثر طفيف كذلك لكنها أفضل من

الثانية….

وقتها اجرت عدت عمليات وخضعت لرحلة علاج طويلة على أمل ان تشفى وتستعيد حسة السمع كسابق لكن للأسف بعد هذا العذاب انتهى بها

الحال بسماعة طبية……..

ووقتها كان بيدها سلاح قوي لسجن ابيها بعد ان تعدى عليها بهذ الشكل الوحشي……..وحتى المشفى ساعدتها في اخراج تقرير طبي قوي…..

فقد اتت اليهم شبه ميته…….وكان الجميع

يساندها حتى تأخذ حقها ممن يدعى ابٍ…….

حتى حمزة كان يحثها على محاكمة ابيهما

قانونياً…..

لكنها لم تفعل..لم تمتلك الجرأة…..لسجنه…لتعذيبه

لحرق قلب أمها عليه…… فقررت العفو…..عفو بديهياً….. لكنها في قرارة نفسها لن تسامحه أبداً……أبداً…

هتفت كيان برعب من الخارج…..

“انا مش مطمنه ياخلود……انا خايفه بقالها ساعة فتحه الحنفية….يكونش اغمى عليها…..”

“فال الله ولا فالك……..اي الكلام ده……”قالتها خلود

وهي ترفع يدها على الباب مجدداً فوجدت شهد تفتحه وتقف أمامهم تنظر اليهن بهدوء وغرتها

التي دوماً تغطي جبهتها مبلله بالماء وكذلك وجهها…….وجهها الشاحب كشحوب الاموات…..

وعينيها غائرة حمراء من كثرة البكاء…….

ورغم الهدوء البادي عليها إلا ان ملامحها قالت

كل شيء دون طرح السؤال حتى ؟!…….

قالت شهد بهدوء وهي تخرج وتغلق باب الحمام خلفها……

“هحضرلكوا….العشا…..انا جايبه أكل من المطعم هيعجبكوا……..عمايل ايدايا…. ”

فغرت خلود شفتيها واتسعت عيناها… وكذلك

فعلت كيان وهي تسالها مشدوهة…….

“عشا اي ياشهد…..انتي……..”

اولتهم ظهرها وسارت باتجاه المطبخ لتقول

بنبرة مرحة………..

“انا ميته من الجوع…….حضري السفرة ياكيان

انتي وخلود وانا هسخن الأكل………”

نظرا الفتيات لبعضهن بصدمة…….لا يصدقا

ما يصدر منها ؟!…..

ألن تتوقف عن هذا الادعاء الزائف….الجميع له حق

في لحظة انهيار واحده…..ولو حتى بمفردة ؟!…..

……………………………………………………………

بقلب المطعم وفي صباح اليوم الثاني… كانت تجلس على المقعد امام طاولة مستديرة ساندة مرفقها عليها وترتاح على كفها….. عينيها العسليتين شاردتين في عالم آخر…….. حزينتين لأبعد حد….. صريحتين

معبرتين لمن يود الاطلاع بهم……..

منذ البارحة وهي لم تذق طعم النوم….. للأسف الاحزان رافقتها حتى الصباح…..تلوت ليلاً على

جمار كلمات (ام نجلاء) بكت بصمت وانهارت

وهي تدفن وجهها بالوسادة……. متذكرة كل

شيءٍ سيء عاشته من يوم ان وعت على

الحياة………..

وكانت ليلة معذبة لروحها انتهت بنزع جسدها نزعاً من على الفراش ثم قضت فريضة صلاة الفجر

وارتدت ملابسها وذهبت للمطعم….لتباشر عملها…

العمل الشيء الوحيد الذي تتنفس من خلاله…تشعر

بنفسها بقيمتها وهي تكتسب المال بمجهودها… دون

الاعتماد على أحد……او الانتظار من أحد………

لطالما هكذا عاشت…….وهكذا علمها والدها……ربما

القسوة جنت شيءٍ واحد جيد بان تكون شابة مكافحة لا تعرف الدلال والعب كمن في سنها…..

شابة مستقلة بنفسها وقريباً ستكون مستقله

بعيداً عن كنف والدها وعن اي رابط

يجمعهما معاً….

سمعت صوت الباب الزجاجي يدفع وانتشر شذا عطره الرجولي في المكان…..علمت ان الساعة أصبحت العاشرة وان حضور مؤجرها حان

ويجب ان تتعامل معه بمنتهى الطافة والأدب

والصبر الغير منتهي حتى يرضا عنها……

تباً انها ليست بمزاج لكل تلك السخافات فالينظر

نظرة ويرحل…… اصلا المكان خالي من الزبائن

باستثناء الطلبات التي ستعدها أليوم والتي

تاتيها عبر الإنترنت….

تنحنح عاصم بخشونة وهو يطلع عليها بعيون كالصقر……..

قلبت شهد حدقتيها بملل وقد اتتها رغبة غريبة في مناكفة مؤجرها…….مسكت شهد الهاتف وصبت اهتمامها عليه وهي تقول بحنق……

“مش عايزين النهاردة……. لسه مطبخناش…. عدي علينا نبقا نشوفلك اي حاجة تاكلها…..”

ابتسم عاصم وهو يجاري حديثها وقد تقدم منها وجلس على المقعد المقابل لها…..

“خسارة مع اني ميت من الجوع…..مكلتش من إمبارح….. ”

مطت شهد شفتيها قائلة باسى….. “ياحرام……”

رفعت شهد عيناها الجميلة إليه…….فابتسم عاصم

لأول مرة بصدق وقد ازداد وسامة بعد ان لانت شفتيه الصلبة…….

“مش كده…… انا برضو بقولهم ياحرام…….”

خفق قلب شهد فعادت تنظر للهاتف بخجل

افترسها بعد نظراته الذكورية الكاسحة….

نظر عاصم للمكان الهادئ من حوله ثم عاد

إليها قائلاً بسخرية……

“اي اخبار الشغل….شايفكم بتهش دبان النهاردة..

تحبي انفعكم……اهو اساهم باي حاجة…. عشان متفضليش زعلانه كده….. ”

رفعت شهد عيناها عليه معقبة على اخر

جملة…..

“مين قال اني زعلانه عشان الشغل؟…….”

سأل دون تفكير…. “امال زعلانه من إيه……”

رفعت حاجبٍ عابساً……”نعم…..”

تغاضى عن نظراتها المتعجبة والوجه العابس

ونظر للمكان مجدداً قائلاً بثقة…….

“انتي بطريقه دي مش هتعرفي تدفعي الايجار

آخر الشهر…..”

زاد العبوس عليها وهي تقول بتعجب….

“معداش من الشهر غير خمس ايام ياستاذ

عاصم !!….”

نظر لها عاصم مستنكراً هذا القب

الثقيل……

“مابلاش استاذ دي عشان مش قادر أبلعها منك….”

قطبت حاجباها وهي تساله

بقنوط….

“تحب أقولك إيه…… يامعلم عاصم……”

رد بإبتسامة اجمل من السابقة….قد سحرتها

لبرهة مما جعلها تخفض عينيها…..

“خليها عاصم بس….. إحنا من سن بعض تقريباً…”

سريعاً رفعت عينيها اليه كرصاصة طائشة

وهي تساله بصدمة……

“من سن بعض ؟!….. ليه انت عندك كام سنة….”

أراد ان يغذي فضولة

فاجابها…..

“تمانيه وتلاتين……وانتي…..”

نهضت شهد من مكانها واتجهت إلا اللوحة

الورقية وظلت تمسح الاشياء التي كتبت

عليها أمس……….ثم اجابت بتهرب…..

“مش لازم تعرف……..بس انت أكبر مني…”

سألها عاصم بفضول……. “بكام سنه يعني……”

أدارت شهد وجهها إليه قائلة بترفع….

“كلك نظر……..”

ادعى التفكير وهو يقول بلؤم….. “سنتين……..”

ابتسمت شهد بخفة وهي تعود لتجلس أمامه

على نفس المقعد…….

“قديمة….برضو مش هقولك عندي كام سنة…..”

سالها عاصم وعيناه تتبسم تشاركها

الابتسامه….

“ليه مش بتحبوا تقوله……”

توترت حدقتي شهد لكن سريعاً ردت بانف

مرفوع بتعالي….

“عشان….عشان السن اللي في البطاقة ده

مجرد رقم بنسبالنا……..”

اوما عاصم بتفهم……وهو يعيد السؤال……

“وجهة نظر………بس انا عايز اعرف عندك

كام سنة…….”

ضيقت عيناها في خطٍ عابساً..

وقالت….

“ليه هو سني كمان ممكن يعملك مشاكل….”

“بتتريقي……..”رجع بظهره للخلف وهو يأسرها بنظرات الصقور……..

اومات براسها متمتمه بخفوت……

“بصراحه آآه….انت انسان غريب ياستاذ عاصم….”

“أستاذ…..”زم شفتاه مستاءاً ثم حثها على

المتابعة…..

“ماشي……غريب إزاي ياستاذه شهد؟…….”

تبسمت وهي تخبره بصراحة…..

“يعني من أول يوم شوفتك فيه وانا حساك

عدو المرأه…….”

وضع ساق على اخرى وهو يمط شفتيه قائلاً

بصلف…….

“وليه الاحساس يانسه شهد….انا عدو المرأة

فعلاً…”

رفعت وجهها المشدوه اليه أكثر

وهتفت بصدمة….

“اي دا………اي دا بجد……”

ضحك عاصم….ضحكة رجولية خافته….له اثر

جميل على النفس….مبهجة…..تشع خشونة

وهيبة…….فقال موضحاً وجهة نظرة…..

“بهزر…..يعني انا من وجهت نظري ان الست ملهاش غير بيت جوزها….وقبل جوزها ليها بيت أهلها….

لكن الشغل والبهدله ميلقوش بيها….الست لازم

تكون مسئولة من حد…… مينفعش تشيل

مسؤولية نفسها….. لانها في نهاية ست…… ”

سالته شهد مباشرةً….

“انت عندك اخوات بنات…….”

اوما براسه وهو يجيبها بمنتهى السلاسة وقد

تناسى الإثنين ما خلفهما من اعمال عليهم

القيام بها……

“عندي واحده…….متجوزه وعايشة برا……”

سالته شهد بفضول….. “مش بتشتغل………”

رد ببساطه متفاخراً……..

“لا… معاها شهادة ومتعلمه كويس….بس قاعده في البيت وبتربي عيالها وواخده بالها من جوزها…….”

لم تكن لديها رغبة في الجدال معه أكثر….. فأغلقت الموضوع قائلة………. “كويس…..”

انعقد حاجبي عاصم بحنق……

“اي هو اللي كويس…….انتي شيفاني معقد؟…. ”

ردت بالامبالاة…. “في الحالتين ترجعلك…….”

ارتفع حاجب عاصم وتشدق سريعاً

باعجاب….فتلك كانت جملته أمس……

“برافو بتحفظي بسرعة……”

اكتفت بايماءة بسيطه وهي تبتسم…..مما جعله ينظر اليها أكثر يتأملها بشكلاً مفضوح…..يكشف عن اعجابه

بشكلها….. بعزمها في العمل…..بمناكفتها البسيطه

معه….اعجب بهدوءها الواضح…..وحزنها الدفين جذبه…..ابتسامتها التلقائية ابهرت حواسه…..كلما

تبسمت بعفوية شعر بشيءٍ يدغدغ قلبه……

نشلته شهد من شروده

قائلة…..

“اوعى تكون بتشبه عليا…..”

هتف عاصم دون تفكير…..

“شكلك مرهق………عن إمبارح……”

رفعت حاجبها مندهشة……

“ماشاءالله عندك قوة ملحظة…….بس دا

سؤال ولا معلومة……..”

أومأ براسه وهو ينهض….. “لا معلومة…….”

نهضت شهد خلفه سائلة

بغباء……”على فين؟……”

لوى عاصم فمه بتعجب…… “على المحل….”

شعرت بالحرج من نظراته الثاقبة عليها فقالت بسرعة……

“تحب اعملك فطار……..احنا عملنا منيو صغير كده للفطار بيبدأ الساعة تمانية وبينتهي حداشر….”

رد عاصم ممتنع بالباقة…..

“تسلم إيدك بس انا فطرت قبل ماجي….”

اومات براسها وهي تتحسس عنقها بشكلاً

تلقائيّ يعبر عن حرجها وتسرعها….

فأراد عاصم ان يهون عليها فقال قبل خروجه

بمنتهى الفتور……

“صباحك زي الورد……سلام…..”

خرج امام عينيها التي تموج بمشاعر مستجدة تختبرها مع مؤجرها الغليظ………

……………………………………………………………..

استيقظت في وقت متأخر من الصباح وكالعادة ذهب

سلطان للورشة باكراً دون ان يوقظها….

خرجت من غرفة الأطفال…. التي تقيم بها من يوم

ان تخطت قدميها هذا المكان…….

تثأبت وهي تذهب الى المطبخ وتفتح المبرد لترتشف القليل من المياة الغازية….. عادة سيئة باتت عندها منذ الصغر ان تتناول وتشرب كل ماهو مضر

بصحة ….حتى اصبحت اختيارتها أكثر

تهاوناً وضرراً !…….

انعقد حاجباها وهي تنتبه لكيس أسود موضوع على رخامة المطبخ…….

اتجهت اليه تتفحصه لكن قبل ان تفتحه وجدت ورقة صغيرة ملقي فوقه باهمال…فتحت الورقة وقرات ما بها…….

(اطبخي الأكل ده…….عايز إرجع الاقيه على

السفرة……)

زمت داليدا شفتيها وامتقع وجهها…. شاعره بالغضب

والاستياء من هذا المخلوق الهمجي قليل الذوق…

والذي ابتلتها الأيام به ليكن تكفير عن خطاؤها

الوحيد الذي ارتكبته في هفوة الحب أولاً…..

فتحت الكيس لترى ما به……

فجحظت عينيها سريعاً بعد رؤية مابه….ثم

تمتمت بعدم رضا…والغضب تفاقم داخلها….

“بط !!……….انا هطبخ بط……لا دا بيحلم…. ”

جزت داليدا على أسنانها وهي تخرج من المطبخ عائده لغرفتها لتبحث عن هاتفها بمنتهى العصبية…….وعندما لمحت الهاتف التقطت

إياه سريعاً واجرت اتصال به……..وانتظرت

وهي متخصرة بتشنج واقفه على غير هدى

وكانها تقف على جمار مشتعلة……..

فتح سلطان الخط وهو يهمهم بعدم رضا

وبقلة ذوق…….

(نعم عايزة إيه اخلصي……)

عبس وجه داليدا وفغرت شفتيها قائلة

بعبوس….

“الناس بتقول الو….سلام عليكم.. صباح الخير….

مش عايزة إيه اخلصي…….”

جلس سلطان على مقعداً بقلب ورشة الخشب

ومسح حبات العرق من فوق جبينه وهو

يجيب بسخرية……

(صباح الخير بليل ؟! الساعة بقت واحده يامراتي..

هو انتي لسه صاحيه ولا إيه ؟!..)

اومات داليدا ببساطه وهي تجلس على حافة الفراش…… “ااه لسه صاحية…….”

تشدق باستنكار…….

(لسه صاحيه آآه……ماحنا لو بنام بدري…..هنقوم

بدري نشوف اللي ورانا…….)

سألته داليدا باستخفاف….

“واي بقا هو اللي ورايا……”

أجاب سلطان بضجر……(انك تفطريني مثلاً……)

هتفت داليدا بتعجب…….

“انت بتنزل الساعة سبعة عايزني اصحى الساعة سابعة……دا انا بنام ستة أصلاً !…..”

ضرب سلطان بكف يده على ركبته قائلاً

بسخط……

(بسم الله ماشاء الله….هي دي الجوازة اللي تشرح القلب فعلاً……..)

ضحكت داليدا دون صوت فوجدته يشدد على السؤال بملل منها…….

(اخلصي متصلة ليه……)

تبرمت شفتيها بحنق من معاملة البهائم

تلك……..فقالت ببرود…..

“أكيد مش متصلة عشان احب فيكي…..”

رد باسلوبٍ اشد بروده……

(وحتى لو عشان كده…انا مليش في محن التلفونات…….)

تشدقت بدهشة…… “محن ؟!…..”

زفر بقلة صبر…. مكرر السؤال بعدها بحدة…..

(اخلصي ياداليدا….انا عندي شغل ومش فاضي

للدلع ده…….)

كانت ستتحدث داليدا لولا سماع صوت امرأه

صدر عبر الهاتف…. على الطرف الآخر كانت تتحدث

الى سلطان بنبرة مائعة لا تفهم هدفها إلا أمرأه مثلها……

(ياسطا… ياسطا سلطان….جرالك اي ياسطا السفرة اللي اتفقنا عليها خلصت ولا لسه……”

تغيرت نبرة صوته مائة وثمانين درجة عن ماكان

يتحدث بها معها….مما جعلها تجفل لبرهة

وهي تسمعه يقول للمرأه بمنتهى الباقة….

“اديني يومين ياست البنات وهتكون خلصه

بعون الله………”

هتفت المرأة على الناحية الآخرى

بتغنج…….

(ماشي ياسطا وانا هستناك….قصدي هستنا السفرة لحسان انا بقالي اسبوعين باكل على الارض….)

بمنتهى الطف والوداعه قال……

(وانا ميخلصنيش ياست البنات…… عينيا حاضر…….يومين بظبط وهتلاقيها عندك…….)

ثم خشن صوته وهو يعود للتحدث إليها

عبر الهاتف بجزع …..

(اخلصي ياداليد…….عشان مش فاضي…..)

برمت داليدا شفتيها هازئة…..

“واضح انك مش فاضي……. واضح أوي….”

رد سلطان بغلاظة……

(الحمدلله انك واخده بالك ها عايزة إيه…..)

هتفت داليدا بنفاذ صبر من بين شفتيها الشبه

مطبقتين….

“هو اي اللي عايزة إيه…مين الوليه المايعه اللي

كانت عماله تتسهوك عليك دي…….”

رد مختصراً ببرود ازعجها

بشدة……

(دي ام دنيا………بتسألي ليه؟……)

ضيقت داليدا عينيها بخطٍ مستقيمٍ حاد…. وهي تساله بيقين…….

“ام دنيا….مش دي اللي لسه مطلقه من كام شهر….

ومعاها عيله…….. وكانت عينيها منك زمان……”

ابتسم بسخرية سوداء واجاب بسلاسة

تجلط الدم…

(عليكي نور………..هي بشحمها ولحمها……اللي

عنيها مني من زمان……)

هتفت بحدة……

“وبتكلمك ليه بقا ان شا الله…..”

زفر مستاءاً منها وهو يقول بملل…..

(شغل زي مانتي سامعه….وبلاش تحققي معايا كتير عشان ميخصكيش……)

قالت داليدا بحمائية ومشاعر كالطوفان تعصف

داخل صدرها المشتعل……

“لا يخصني….لانك جوزي قدام الناس على الأقل ولازم تحترمني وتراعي شعوري…….”

برم سلطان شفتيه بتعجباً…….

(وهو في حد دسلك على طرف هو انتي صاحيه تقولي شكل للبيع…….)

نهضت من مكانها وهي تهدج من شدة غضبها

وغيظها منه…


برم سلطان شفتيه متعجباً…….

(وهو في حد دسلك على طرف هو انتي صاحيه تقولي شكل للبيع…….)

نهضت من مكانها وهي تهدج من شدة غضبها

وغيظها منه…..

“انا اللي بقول شكل للبيع ولا انت اللي شاري بط عشان تحرق دمي على الصبح……”

قطب سلطان حاجباه عابساً…..

(بط ؟!…..هي بطايه واحده يتيمه وعايزك تطبخيها…

إيه كفرت…..آآه يعني هو دا السبب اللي خلاكي ترني عليا……)

قالت محتدة ودماء تفور في عروقها….

“امال هرن عليك عشان ايه….عشان أسمع قلة ادب ومايعه على الصبح……..”

لم تجد منه رد بل ظل صامتاً على الخط…مما جعلها تسحب نفساً طويلاً قائلة من بعده بعناد…..

“انا متصله بس بيك عشان اقولك اني مش هطبخ حاجة…ماشي انا مبحبش البط ولا بحب اطبخه سامع………”

لم يكن لديه طاقة او وقت للجدال معها

فهي مزالت كطفلة العنيدة المدللة…..وهو يكره

هذا النوع من النساء….وقد ابتلى بها وانتهى

الأمر…

(تمام ارمي البطه….وانا هاخد بعضي وروح

اكل الأكله اللي نفسي فيها في اي مطعم……ارتاحتي…..)

سالته داليدا بضيق….

“يعني اي هتروح مطعم…….”

قال سلطان بتهكم……

(يعني هروح مطعم….طالما انتي خايبه وملكيش

غير في المكرونة……اللي انا مبحبهاش أصلاً…)

شهقت داليدا بعد تلك الإهانة الاذعة فقالت

بدفاع……

“خد في بالك انا مش خيبه….انا بعرف اطبخ

كل حاجة…….”

ابتسم ابتسامة ساخرة…..واردف……

(فين ده ياشيف شربيني….انا من ساعة متجوزتك…

مشوفتش غير المكرونة…….جميع انواع

المكرونات شوفتها على إيدك……)

“ودي حاجة قليله….. دا يثبتلك اني شاطره في المطبخ…….وعشان اثبتلك اني شاطره في المطبخ

هطبخلك البطايه النهاردة…..على شوية رز بشعرية

وصنية بطاطس في الفرن…..هبهرك……”قالتها داليدا بحمائية وهي تعزم النية على التحدي….واثبات انه مخطئ في حقها…….

تمتم سلطان وهو غير متفائلاً…….

(هبهرك !!!….. ربنا يستر…..متاكده انك هتعرفي تطبخي البطاية ؟…..)

“متاكده ياسلطان……..سلام……”قالتها سريعاً ثم اغلقت الخط في وجهه……

بعد ان أغلقت الخط اتجهت إلى الحمام لتغتسل وتحضر شيءٍ سريعاً لتاكله…….ثم بعدها نظفة

الشقة التنظيف اليومي…..واعدت لنفسها كوب من النسكافية وجلست تقلب في الهاتف عبر منصة اليوتيوب تبحث عن وصفات جيدة للطعام الذي

ستعده…….

فهي بالفعل لا تفقه شيءٍ في الطهي إلا المكرونة وذلك لانها تحبها….لطالما كانت في بيت والدها المدلله ياتيها الطعام على الفراش من صنع

يدي امها….التي لم تدلل أحد اكثر منها لانها

أصغر أخواتها…..

ويبدو ان وقت الدلال والطعام الجاهز على السرير

انتهى للأبد….وستعد هي بنفسها ما يشتهي زوجها

توسعت ابتسامة داليدا وهي ترى ان الوصفات غاية

في السهولة وممكن ان تطهو الطعام بشكلاً جيد خصوصاً (البطة)….

وضعت داليدا الكوب على الطاولة الزجاجية أمامها

ثم اتجهت الى المطبخ بمنتهى النشاط والحماسية

لتطبخ…..

بعد مدة….أثناء الطهي والاندماج…. صدح هاتفها باتصال منه……زمت داليدا شفتيها وهي تضع السماعة في اذانها بتبرم فهو فالعادة لا يجري

اتصال بها أبداً دوماً تكون هي المبادرة بذلك…

“ايوا ياسلطان……”

اتى صوته هادئ لطيف وهو

يسالها…..

(بتعملي إيه يادودا…..)

تبسمت شفتيها بسعادة…اشتاقت لهذا الدلال…كان في سابق لا يناديها إلا به…..عندما كانت بنسبة له

ابنة عمه التي كبرت على يداه وبين احضانه……..

تبسمت مجيبة بفخر……. “بطبخ طبعاً……”

سالها بشك……..(مكرونة….)

قالت داليدا بجزل…..”احنا اتفقنا……. البطاية…..”

قال سلطان بمزاح……

(ربنا يستر……. انا خايف على البطاية منك….)

ضحكت دون صوت وقالت وهي تقشر

البطاطس بجوار رخامة المطبخ……

“متقلقش….. انت هتيجي إمتى…..”

ابتسم سلطان على الناحية الاخرى لأول مرة

تهتم بموعد قدومه……..

(لسه بدري……….. المهم انتي بتعملي إيه…..)

ردت بمنتهى الراحة…..

“سلقت البطاية… و… وبقطع البطاطس اللي

هعملها صنية……..”

(مم……. ماشي انا معطلك…….)

ابتسمت وكان الصدع الذي حدث في علاقتهما

لم يغير ما كان بينهما سابقاً…..من علاقة ودودة

بين ابناء العم……

“اي فاضي…… وعايز ترغي……..”

رد بحياء……(يعني….. شوية…..)

همهمت وهي تساله…. “مم…… عايز تقول إيه……”

سالها سلطان سريعاً….

(ليه لما قولتلك هروح اكل في المطعم.. رجعتي في كلامك وقولتي خلاص هطبخها…..)

قالت داليدا بثبات….

“عشان اثبتلك اني بعرف اطبخ……”

لم ترضيه تلك الاجابة البديهية فقال…

(واي تاني……)

تهربت من السؤال بـ…… “مفيش حاجة تانيه….”

ناداها سلطان بجدية……(دودا…..)

زفرة داليدا وهي تستسلم للاجابة الصادقة

داخلها….

“عشان صعبت عليا…. وحسيت اني قليلة الذوق

معاك…ارتحت…. ”

رد سلطان بخشونة……

(ممم…. لا انا متعود على قلة ذوقك من وانتي

قد كده……….)

تبرمت داليدا بتهكم….

“كل اللي بينا خمستاشر سنة……”

علق سلطان باستفهام…..

(ومالك بتقوليهم وكانهم خمستاشر يوم…..)

اجابة باستهانه….. “لانها مش هتفرق…..”

اخبرها بوقاحة……

(معايا انا هتفرق…. دانتي يامه عملتيها عليا…..)

هتفت داليدا منزعجة….. “سلطاااان…..”

ادعى البراءة قائلاً……

(آي ده……. هو لسه الحوار ده بيضايقك…..)

قالت بقنوط….. “آه…..”

قلدها بشكلاً مستفز (آآآه……)…..ثم استرد الحديث مشاكساً………( بس ريحة الأكل حلو أوي……)

فتحت صنبور الماء وقالت مقتضبة…….

“يسلام……”

أخبرها بمكر الثعالب……

(فكريني المرة الجاية اجيب كوارع وبمبمار تعملهوملي…….)

قفلت الصنبور بعصبية معقبة….

“زودتها يابن عمي…….”

رد سلطان بتملق……

(ومالوا يادودا……عندك كام سلطان……)

ضحكة بخفوت وقالت بخجل….

“هو واحد….. ومطلع عيني……”

رد بصوت مهتدج……(عقبال مطلع روحك……)

اتسعت عيناها بارتياع…..وقالت

“ياساتر……..سبني عشان مش فضيالك…..”

قال هو أيضاً بملل….(ولا انا… هحب فيكي يعني……)

رفعت وجهها مشدوهة….وقالت بقنوط…..

“على فكرة ياسلطان انت اللي رانن عليا…..”

اخبرها بصراحة….

(انا رنيت اطمن…..خفت تولعي في المطبخ…)

سالته داليدا بحماقة…… “خايف على المطبخ……”

اجابها بخشونة…..

(لا وانتي الصدقة… اللي جوا المطبخ……)

اضافت بغباء…. بعد تفكير !!…..

“المواعين ؟!……”

ضحك سلطان عليها معقباً بسخرية….

(دا انتي لقطه…….. سلام ياهبلة…..)

صاحت بحدة…… “بس متقولش هبلة…..”

(سلام يادودا…………)انساب صوته الهادئ الرائق عبر سماعة الهاتف ثم اغلق الخط بعدها…….

فتنهدت داليدا تنهيدة غريبة عليها عميقة حارة جداً ومستاءه……وكانها تشعر بالفراغ والملل بعد إغلاق الخط……تابعت مجدداً طهي الطعام لحين عودته ليلاً……….

………………………………………………………………

كانت تدندن بسعادة وهي تحمل الاطباق بين يداها

وتضعها على السفرة……..ثم وقفت تنظر للسفرة المتكاملة بفخر….فقد اعدت الاصناف على اكمل

وجه…..ومذاقهما فوق الممتاز بنسبة لطهية

مبتدئه……

ادارة داليدا راسها ناحية الباب بعد سماع صوت شخشخت المفاتيح…….

وسريعاً ظهر سلطان من خلف الباب يحمل كيس صغير بين يده…….

رفع عيناه اليها وابتسم قائلاً……

“سلام عليكم…..”

ردت داليدا بحماسية……

“وعليكم السلام……..اغسل إيدك يلا وتعالى كُل

قبل مالاكل يبرد…….”

تقدم من السفرة ونظر للاصناف الموضوعه عليها فكانت رائحتها شهية والشكل يسيل لعاب

الجائع……

عاد سلطان لعينيها وقدم لها الكيس

قائلاً بفتور……

“خدي دا……. حاجات عشانك…..”

“عشاني…. اي ده….” تفحصت مابداخل الكيس بفضول…..” جيلي كولا……مصاصة…..ونوتيلا….”

“مش الحاجات دي انتي بتحبيها….. ولا كبرنا….”

قالها سلطان وهو يحاول التقاط الكيس…

ابعدت الكيس عن مرمى يداه….هاتفه

بنفي…..

“ابعد إيدك……كبرنا إيه……..انا لسه نونه……”

ابتسم سلطان وهو يهز راسه

مستاءاً…….

“طب يانونه……..هغير هدومي اوجي……”

“متتأخرش لحسان الأكل يبرد……..”قالتها داليدا وهي تخرج أحد اكياس حلوى الجيلاتين وتأكل منها

بسعادة طفولية……

بعد مدة جلسا الإثنين على مائدة الطعام وبدا ياكلا بصمت فانتبه سلطان بانها لا تأكل إلا من الارز والبطاطس ولم تمد يدها وتأخذ قطعة من البطة

الذي قسمها امامها منذ للحظات……

“اي رأيك في الأكل…….”

قطعت داليدا هذا الصمت بسؤالها المتلهف……

فاجابها سلطان وهو ينظر لعيناها السوداء

البراقة…… وكانت تجلس بالقرب منه……..

“الأكل حلو…….كنت متخيل حاجة تانية…….”

بهزه من راسها سألته…… “زي إيه مثلاً……”

رد وهو ياخذ معلقة من البطاطس ويضعها على

طبق الأرز أمامه…….

“يعني الرز ني…. البطاطس محروقة…..البطه مشنوقة……..”

جحظت عينا داليدا بدهشة……. “ياساتر…..”

اجاب سلطان مبتسماً…..

“الحمدلله ربنا ستر…..وطلع الأكل حلو……”

همهمت داليدا وهي تقلب في طبقها….

“مم….كويس بالف هنا…….”

انتبه سلطان مجدداً بانها تختصر الطعام على

الارز والبطاطس فقط… فعقب مستغرباً……..

“هو انتي ليه مبتكليش من البطه……”

قالت داليدا وهي تمضغ الطعام على

مهل….

“انا مبحبش البط…….”

سألها سلطان عابساً…. “وانتي جربتيها قبل كده……”

“بصراحة لا بس………”قاطعها سلطان وهو يمد

يده لها بقطعة صغيرة من لحم البطة……

“طالما مجربتيش يبقا متحكميش….افتحي بؤك…..”

نظرت داليدا لوجهه القريب منها بشدة ولقطعة اللحم الصغيرة التي بين أصابعه….فتمتمت

بتردد وقلبها يعصف بجنون……..

“سلطان قولتلك مش بحبه…….”

بصوتٍ عذبٍ يسحر ترجاها…..

“الحته دي بس لو طعمها وحش خلاص……”

فتحت فمها امام عيناه الراجية…..وهمسته قد

سلبت عقلها للحظة……..عندما اغلقت فمها وبدأت تمضغ بقطعة اللحم وعيناها اسيرة لعيناه سألها بهدوء……… “اي رأيك…….”

اومات براسها برضا وهي تنزع عيناها نزعاً

من مقلتاه…….. “طعمها مش وحش……..”

ابتسم سلطان برضا اكبر وهو يعطيها قطعة كبيرة

من البطه في طبقها قائلاً بأمر……

“مش قولتلك…. يلا كلي دي كلها……انتي ممدتيش ايدك فيها من ساعة ما قعدنا……”

توسعت عينا داليدا بدهشة معقبة….

“كل دي….انت كده بتزغطني……”

نظر سلطان لطبقه

واجابها…..

“ومالوا عندنا كام دودا……..”

ابتسمت داليدا بجزل والسعادة تشرق صدرها المظلم

ياليته يظل هكذأ معها رائق هادئ حبوب……تخشى ان ينقلب ويعود لعهده وحشاً….. قاسياً…..فظٍ….

……………………………………………………………..

تشير الساعة للواحدة صباحاً…..لم تنم حتى الآن

تجلس على الفراش تضم ساقيها الى صدرها تبتسم

طارة وتلعب بشعرها طاره أخرى……منذ ثلاث ساعات وهي تحاول النوم ولا تعرف……ربما عشاء البط والارز

كان أصعب من ان يهضم في ثلاث ساعات؟!…يحتاج

اكثر من هذا……

شعرت بالملل من تلك الجلسة الكئيبة في غرفتها…. مسكت الهاتف فوجدته فصل شحنة…فزفرت وهي تنهض خارجة من الغرفة تبحث عن شاحن في

غرفة الصالون…….

قبل ذاك الوقت كان سلطان يستلقي على الفراش

وعيناه الشاردة معلقة على سقف الغرفة… تائه في ملكوت آخر…… عن عينيها السوداء المشعة بالشقاوة حين تضحك ، عن فرحتها بكيس الحلوى كطفلة صغيرة لم تتجازو الخامسة…. عن عادتها الغريبة في سماع الأغاني وهي تغسل الاطباق…. وعن شرب المشروبات الغازية بعد تناول الطعام…… عن ضحكاتها الرنانة بالانوثة الفاتنة…. عن مشيتها المائلة لراقصة تقدم عرضاً مغرياً…. عن داليدا…. عن طفلته التي كبرت على يداه…. وتشاء الأقدار ان تكن زوجته بعد فعلتها الفادحة…… والتي تصد له هو بمنتهى الشهامة حتى يحافظ عليها ويكبح جموح المراهقة بداخلها….

شعر انه يختنق في هذه الغرفة…تعب من التفكير

بها يريد ان يشتم القليل من الهواء النقي في الشرفة المتواجدة في غرفة الصالون…….

نهض من مكانه وارتدى التيشرت وخرج من الغرف

كانت غرفة النوم وغرفة الاطفال التي تقيم فيها داليدا بجوار بعضهما وحينما فتح البابان طل الاثنين

معاً في نفس الوقت مما جعلهما ينظروا لبعضهما لبرهة باستغراب والتعجب يعلو وجوههم المجهده من كثرة التفكير……

قطع سلطان الصمت سائلاً… “انتي راحه فين……”

اجابت داليدا وهي تحرك حاجبيها

بشقاوة….

“هجيب الشاحن عشان التلفون فاصل….. وانت؟….”

ابتسم بعد حركتها الشقية واجاب…..

“هشم شوية هوا في البلكونة……”

تحسست داليدا بطنها المسطحة من فوق منامتها

ثم مطت شفتيها معقبة……….

“واضح ان الاكله كانت تقيله اوي…. انا مش

عارفة أنام…….”

رد سلطان بفتور…… “ولا أنا……”

توسعت عينيها بانتشاء وقالت مقترحة……

“طب بقولك ايه…. عندي فكرة اي رأيك… نتفرج

على فيلم لذيذ كده وكوميدي……”

اوما سلطان مستحسناً الفكرة….فقالت داليدا

بعفرته وهي تبتعد….

“طب انا هصب ببيبسي تشرب……”

رفض قائلاً….. “لا…… عايز شاي….”

اومات براسها مبتعدة….فقال سلطان ممتعضاً…

“متنسيش السكر زي كل مرة…….”

إدراة داليدا راسها عابسة…….

“اي الاحراج ده……. هحط سكر خلاص….شغلنا

فيلم بقا يلا……”

هز سلطان راسه باسى ثم أبتعد لصالون حتى يشغل

فيلم كما طلبت…….

بعد دقائق دخلت داليدا غرفة الصالون فوجدت الاضاءه مخفضة والفيلم مزال في البداية وكان سلطان يجلس ممدد الساقين على الاريكة

الكبيرة وعلى ساقة غطاء خفيف قد جلبه

من الغرفة……

جلست داليدا بجواره وهي تمسك كوب المياة

الغازية وترتشف منه على مهل……وعيناها معلقة

باهتمام على شاشة التلفاز الكبيرة……

حانت من سلطان نظرة جانبية إليها وهي تشاهد باستمتاع وترتشف من الكوب بتلذذ……

وفجأة في سهوة مراقبته لها وجدها تضحك

ضحكة أنثوية رنانة عالية تشع اغراء ليس له مثيل وفجأه نظرت اليه ورفعت كفها في الهواء وهي تضحك بقوة وتنظر لعيناه منتظرة……

فعقد سلطان حاجباه لثواني ثم مد كفه لها فضربت

داليدا كفه بكفها كنوع من المشاركة الودوده والمرحة…وتلك الحركة لا تحدث إلا مع الراجل وبعضهم !!……..وليس مع زوجته….التي من المفترض ان تكون انثى رقيقة…….

قالت داليدا ضاحكة وهي تضع الكوب

جانباً….

“فظيع بيموتني ضحك بجد…….شوفت قاله إيه…”

هز سلطان راسه بنعم وهو ينظر اليها بقوة تسير عيناه بنهم على خطوط وجهها الجميل.. على

ضحكتها الرنانة…. وشفتيها التي تتحرك متحدثة

إليه بإبتسامة ثابته…….

جميلة عندما تبتسم….عندما تضحك…تمرح……جميلة

في الفرح… وكانها هي الفرح…….ولا تراه إلا من خلالها هي……..

عادة الكرة اكثر من مرة كلما اتى مشهد كوميدي او

حديث مضحك بين الأبطال…تضحك بقوة وتمد يدها له فيعطيها كفه دون إنتظار أكثر وقد اعتاد حركتها العفوية حتى بات ينتظر المشاهد التي تُضحكها

حتى يلامس كفها وهي تصفع يده برقة……….

اثناء مشاهدتهما للفيلم والاندماج به أتى مشهد رومانسياً في الفيلم فبدأت عيون الأبطال تلمع

ووجوههم تقترب من بعضها حتى قبل البطل

البطلة بمنتهى الرقة والحب……

ادارة داليدا وجهها نحو سلطان ونظرة لعيناه

هامسة بخجل…..

“البطل دا قليل الأدب…….”

قرب سلطان وجهه منها هو أيضاً وسألها…

وكانوا الاثنين يجلسا بجانب بعضهما على

نفس الاريكة وساقيهما ممدده امامهما……….

“ليه يعني….. دي خلاص بقت مراته…….”

سالته ببراءة وعيناها تعانق

عيناه بخجل….

“هما…….هما المتجوزين بيعملوا كده…..”

أومأ براسه وهو يلفح صفحة وجهها

الحمراء بانفاسة الساخنة…..

“واكتر من كده…….”

اغمضت داليدا عيناها وهي تشعر انه يقترب أكثر

من الازم وقد شعرت ان شفتيه قاربت على لمس

شفتيها مما جعلها تنزل رأسها للأسفل بارتباك

وترتاح على كتفه هامسة وهي تبتلع ريقها بصعوبة……

“انا سقعانه….. سقعانه أوي…..”

زفر سلطان شاعراً بانه ابتلع جمار ملتهبة مستقرة

في صدره الذي توهج كعيناه……. أغمض عيناه

وهو يسحب الغطاء اكثر على اجسادهما ثم ضمها

لاحضانه برفق لتستقر داليدا على صدره النابض بقوة……ثم اغمضت عينيها بتعب وهي تشعر

أخيراً برغبة قوية بالنوم بين ذراعيه……..

بعد نصف ساعة….. حملها سلطان على ذراعيه متجه بها الى غرفة النوم التي تبيت بها……

فتح سلطان الباب ونظر إليها فكانت ذاهبة في سبات عميق وتدفن وجهها في صدره…. متمتمه

بين الحلم واليقظة……

“سبني أكمل الفيلم…….”

اخبرها سلطان بإبتسامة

مستاءة….

“الفيلم خلص من بدري ياداليدا……”

وضعها على الفراش فغمغمت داليدا وهي

توليه ظهرها لتنام على جانبها…….

“وحبته………….قولي حبت جوزها……”

عاد سلطان مبتسماً ودثرها تحت الاغطية

مجيباً….

“حبته……..حبته ياداليدا…….”

كان سيبتعد عائداً الى غرفته لكنه انتبه لشيءٍ ما أسفل مؤخرة عنقها…. انحنى يلمس هذا القلب الذهبي المكور……فحاول تحريكه قليلاً من اسفلها

حتى لا يجرحها او يزعجها في نومها…..

لكن قبل ان يحركه قاده الفضول لفتح القلب

الذهبي ورؤية ما به….وبالفعل فتحه وكان عبارة

عن قلب مقسوم لنصفين يحتوي كلٍ منهم على صورتين الصورة الاولى لها……….. والثانية…….

الثانية كانت لحبيبها السابق……عادل……

ورغم انها زوجة لرجلاً آخر مزالت وافيه في حبها لسابق ولا زالت تحمل صورُ في سلسالاً قريب من قلبها !!……..

…………………………………………………………….

ليلاً كان يستلقي على الفراش يقلب في الهاتف عبر مواقع التواصل الإجتماعي…..(الفيسبوك..) وجدها

كالعادة تنشر منشور خاص بممثل كوري وسيم….. تتابع مسلسلاً له…….دخل على التعليقات فوجدها

تتغزل هي وصديقتها في جماله واطلالته الساحرة

وكانوا يناكفا بعضهن بطفولية…….

فابتسم وهو يتفحص صفحتها الشخصية مجدداً كم

مرة يدخل الى هنا ولا يعرف لماذا هو هنا؟!… كل مرة يشعر بتطفل نحوها فيدخل صفحتها باحثاً عن شيءٍ

لا يعرفه….ويطول البحث والتراقب حتى يقف امام صورها الشخصية فيطيل التأمل وتطيل حيرته

معها……

جميلة ملامحها تشع بالقوة… بالشقاوة….بالبراءة

وعينيها الفيروزية جذابة تضوي كالمصابيح

الكهربائيه…… تجذب… تخطف… تربك….حقاً

الصمت في حرم الجمال جمالاً…..

اتسعت ابتسامة سليم حتى ضحك وهو يتذكر

عزومتها الفاشلة للمطعم الشعبي.. ثم تليها الفئران أسفل الطاوله ثم زعرها و وقوفها أعلى الطاولة مرتعبة ثم انقباض ملامحها عندما رات الفئران

تدخل مطبخ المطعم الذي كانت تكتب فيه شعراً

منذ دقائق…..

حتى شعورها بالاستياء والحرج منه بعد هذا الموقف المخزي كان أمراً جميل….العزومة لم تكن سيئه كما ظنت بل ان الموقف جعله يضحك من قلبه ويبتهج

رغم الغرابة والتقزز الى ان الموقف كان فكاهي

بدل حالته المزاجية للأفضل…..

حتى عندما اثر على ان يطعمها في مكان آخر…كانت جلسة رائعة تحدث معها في أشياء عديدة وشعر

معها بالالفة لأول مرة……

…………………………………………………………….

عندما وصلت السيارة ترجلت كيان منها فاطار

الهواء خصلات شعرها وهي تنظر لعربة الكبيرة

تقدم وجبات سريعة يعمل عليها شباب جامعي

كانت العربة تقف في قلب حديقة عامة كانت عربة كبيرة ملونة مرتبة تقدم شطائر من البرجر وبعض أنواع البيتزا السريعة……..

كان أمام العربة يوجد عدت مقاعد وطاولات صغيرة فأتخذ سليم مقعداً وامامه كيان جلست وظلت تتابع المكان والحركة الهادئة به ورائحة الشطائر الشهية……حتى المنظر الطبيعي

والنسيم المنعش أعطى نجمة إضافية للمكان

سالها سليم وهو ينظر لها

باهتمام….

(اي رايك في المكان…. عجبك…..)

اومات كيان ناشدة….(تحفة… حلو اوي……)

ضيق عيناه بلؤم……(احسن من ام ناني….)

عضت كيان على باطن شفتيها…..

(ما خلاص بقا ياستاذ متحرجناش……)

اتى النادل اليهما ماسكا ورقة صغيرة يكتب

عليها طلباتهما في حين سأل بتهذيب…

(طلبات حضراتكم……)

توترت حدقتي كيان قليلاً وهي تنظر لسليم فهي

لا تعرف شيءٍ هنا…. فابتسم سليم باتزان طالباً

من النادل وجبته المعتادة وطلب لها المثل….

تابعت كيان ابتعاد النادل وسالته

بهمساً….

(شكلك بتيجي هنا كتير….)

رد مختصراً…….(مش علطول……)

نظرة كيان أسفل الطاولة بشتكيك…..

سالها سليم بحاجب معقود

(في فيران تاني ولا إيه…..)

رفعت عينيها اليه بحرج وقالت بنبرة مرتجفة

قليلاً……

(زيادة تأكيد من ساعة اللي حصل وانا جسمي بيقشعر……. حسى انهم واقفين على كتفي…)

نفضت كتفيها بتشكيك….

طمئنها سليم بلطف…

(لا مفيش حاجة…. اطمني….)

قالت كيان بتنهيدة أسى………

(كده كدا انا موعوده بيهم ماما بتقولي ان يوم

ما تولدت بكام يوم دخلت الاوضة عشان تبص عليا لاقت فارين بيلفوا حوليه……)

رفع سليم حاجبٍ……(بجد….)

اكدت كيان بابتسامة متهكمه…..

(ااه والله…. كانوا داخلين من منور بيتنا… وأول ماشافوا ماما خرجه من المنور المفتوح… ماما حمدت ربنا انهم معضونيش او كلوني…. اصلهم كانوا كبار أوي…..)مالت عليه وقالت ببحة

سرية…

(وتقريبا والله أعلم كان بيتعركوا مع بعض عشان

يشوفوا مين اللي هيدوق الأول….)

ارتفع حاجبي سليم وكبح ضحكته ثم

سالها بتسلية ذكورية….

(وانتي عرفتي منين ؟….)

هزت كتفيها قائلة بعفوية….

(حاجة بالعقل كده ياستاذ…..)

أومأ سليم قائلاً…..

(آآه….هي مامتك ميته من زمان…….)

اتى النادل ووضع امامهما شطائر البرجر والبطاطس المقرمشة وكوبين من العصائر الطازجة…ثم انصرف بعدها….فتساءلت كيان بتوجس…….

(عرفت منين ان ماما ميته؟….)

رد سليم ببساطه…..

(من على الفيس عندك…….)

اومات كيان مجيبة….

(ميته من وانا عندي خستاشر سنه…..)

سالها سليم بفضول…..(كنتي بتحبيها…..)

برمت شفتيها وهي تاخذ اصبع من البطاطس وتاكله……(هو في حد بيكره أمه……)

هز راسه وهو يتناول من الشطيرة بمنتهى

الحرص والاناقة……

(مش قصدي…قصدي كنتي متعلقه بيها….)

بدأت كيان بالاكل كذلك وهي تندمج معه في الحديث…..

(جداً….كانت كل حاجة في حياتي هي وحمزة

وشهد أخواتي……)

سالها سليم بفضول….(وباباكي هو ميت…….)

غيمة من الكأبة استوطنتها للحظة قبل ان

تقول بلا تعبير……

(لا عايش….بس مش زي ماما…….انا متعلقه بيها أكتر…..)

اندمج سليم كذلك في الحديث وشعر انه يريد ان

يهدم حاجز بينهما…..حتى ان لم تتطلب هي منه..

فهو يشعر انه يريد ان يبوح بالقليل معها….

فشاركها الحديث والحزن في نبرة أجش

حزينة….

(انا كمان كانت امي غالية عندي جداً ومتعلق بيها أوي لما تعبت قبل ما تموت مكنتش عارف اعمل إيه….قعدت ادعي وصلي وترجى ربنا بدموع انها ترجعلي من تاني وتخف….حتى بابا كنت كل يوم بسمعه وهو بيصلي قيام الليل وبيدعلها بدموع انها تخف…كان بيحبها أوي…….وكانت هالة بنسباله هي الحياة والحياة بنسباله هي هالة…….لحد دلوقتي عايش على ذكراه…..وفات اكتر من خمستاشر سنة…)

ضحكة كيان هازئة وهي تبتلع اللقمة

بصعوبة……

(ابويا بعد ما امي ماتت بتلات ايام كان

متجوز…..)

تشدق سليم ذاهلاً……(معقول….)

اخرجت كيان نفساً مقهوراً وهي توضح

بمرارة…

(اصل الرجالة نوعين…نوع زي المستشار مصطفى والدك….ونوع زي والدي عثمان الدسوقي…)

نظر لها سليم طويلاً قبل ان يقول

مفكراً….

(شكلكم مش متفاهمين مفيش بنت بتكلم كده

عن أبوها….إلا لو كان بينكم مشكلة……)

توسعت عينا كيان وحركت شفتيها للأسفل

كوجهٍ حزين ساخر وهي تخبره بسخط…..

(مشكلة !!…قول مشاكل… نصايب …حروب…)

نظر لها سليم بتعجب فهزت كيان راسها متابعة

بعد ان توقفت عن الأكل…….

(انت محظوظ ياستاذ سليم واضح من كلامك ان باباك حنين وبيحبك……وأكيد لما بتضيق بيك

الدنيا بتروح تكلم معاه تترمي قي حضنه تعيط… تضحك معاه……أكيد باباك عارف انت بتحب ايه وبتكره إيه….اكيد المستشار يهمه راحتك وسعادتك…..وبيسعى يوفرلك ده من وانت

صغير حتى بعد موت مامتك……)

غامت عينيها في الحزن وهي تسترد حديثها

بمرارة…..

(لكن انا……الحياة بنسبالي عبارة عن حمزة وشهد

انا معرفش الحنان ولا الحب غير معاهم…..احساس

صعب اني اوصل لسن الاربعة وعشرين وعمري ما عرفت حضن الاب ده عامل ازاي….ولا حتى حنان الاب والاهتمام والسند والامان بيبقا إزاي…..)

تأثر سليم بحديثها وألمه قلبه بعد رؤية

الدموع تتكون في مقلتيها الفيروزية الحزينة

ليجدها تضيف بصوتٍ خافت……

(تعرف ياستاذ… اليتيم بيبقا معروف انه يتيم وأحياناً بيلاقي اللي يحن عليه لانه يتيم….لكن المحروم مش متشاف لان الحرمان مش بيتشاف بيتحس ومين هيحس بيه غيرك……)

نظر لها سليم بقوة والصمت ساد بينهما

فأضافت بابتسامة فاترة…….

(تعيش يتيم احسن ما تعيش محروم…..)

ثم مسحت عينيها قبل ان تنزل دموعها فقالت

بابتسامة عابسة والحرج يعلو وجهها

الحزين…

(انا حسى اني قولت حاجات مينفعش أقوله…

تقريباً انا لخصت حياتي في ربع ساعة…..صح..)

اوما سليم وهو يبتسم…..

(تقريباً.. بس دي حاجة كويسة انك تحكي….)

هزت كيان راسها وهي تعود للشطيرة تختبأ

خلفها مدعية الأكل بشهية مفتوحة…..

(لا كفاية فضايح كده….لحد كده انا هسكت أحسن…….)

اكتفى سليم بايماءة بسيطه فيكفي ما سمعه

اليوم منها………

حل الصمت لعشر دقائق كانت كفيلة بان تريح اعصابها وتخفي احزانها في بؤرتها…….

واثناء ارتشاف العصير قالت كيان

بتردد…

(ممكن اسألك سؤال ياستاذ سليم….)

رفع سليم عيناه عليها قائلاً….(اسألي……)

قالت بتوجس وعينيها الشقية تستشف

اجابته….

(هو انت مش شايف انك انت وخطيبتك

مختلفين اوي عن بعض…….)

هتف بصدمة……(نعم…..)

اسبلت عينيها وحركت الشليمون بحرج

وهي تقول…

(انا آسفة اني بدخل في خصوصياتك…بس بجد

أنتوا الاتنين مختلفين……)

سألها بتهكم……(إزاي يعني….)

مالت على الطاولة بشقاوة حلوة تدغدغ قلبه أحياناً ثم قالت بهمساً سري…..

(بصراحة كلام في سرك يعني…أحياناً بدخل على البروفايل عندها وبلاقيها مشيره صور لذيذة ليها على البحر وبالبكيني ومع صحابها والدنيا لذيذة

معاها وشكلها روشه….. وانت؟!…)

نظر لها بتراقب…..(وانا إيه ؟!….)

امتقع وجه كيان واستردت الحديث

باقتضاب…..

(انت البروفايل بتاعك كئيب صورة واحده ليك وكام بوست مشيرة من جروب المحاماة….وبوست

بتعزي فيه واحد صاحبك…..بتعزيه في عمته

تقريباً…….)

ارتفع حاجبه بزهوٍ

ذكوري….

(دا انتي متابعة بقا….)

زاد امتعاضها وقالت بنفي نافرة…..

(لا والله دا هي مرة واحده دخلت فيها البروفايل بتاعك طلعت منه عندي ضيق تنفس…قولت

والله مانا داخله تاني……)

إصابة الاحباط فتمتم بحنق منها

(لدرجادي……)

اومات وهي تطرح السؤال مجدداً

بفضول…

(مردتش برضو على سؤالي ياستاذ مش شايف

انك مختلف أوي عن الانسة ايتن…….)

رد سليم بجفاء…..

(من امتى بنقيم الناس وانطباعتهم بصفحتهم

على الفيسبوك…)

رفعت كيان راسها بترفع…. وقالت بنزاهة…

(لا اسمحلي الموضوع مهم جداً وفعلاً بيجيب نتايج إيجابية…….عندك مثلاً واحده صاحبتي

كانت بتحب واحد ومكنتش عارفه تدخله من اي إتجاه…اصل الواد معقد وكاره الجواز والستات وده باين من البروفايل بتاعه تقوم تعمل إيه…….كلمتني…)

نظر لها بارتياب متمتماً….

(ربنا يستر……وعملتوا إيه؟….)

ابتسمت كيان بفخر واردفت بدهاء….

(اقترحت عليها تدخل تكلمه وتفتح معاه حوار

عن حقوق الراجل المهدوره في المجتمع وانهم

قد ايه مظلومين معانا…….وانهم نعمة في حياتنا

وقد إيه هما كائنات جميلة و لطيفة…….وفعلاً عملت كده وقعدت تحلو عليه……لحد مالواد

وقع وحبها…واتجوزها….)

ارتاب سليم منها وهتف باندهاش……

(انتي محتالة….. ويترى صاحبتك حفظت على حقوقه المهدورة ؟!!…..)

هزت كيان راسها بفخر قائلة بابتسامة

صفراء…

(طبعاً ياستاذ بدليل انه بياخذ كيس الزبالة معاه كل يوم قبل ماينزل….ومش بس كده دا بيرجع محمل في ايده طلبات البيت وكياس الفاكهة للأولاد

ماهي جبتله توأم……ما شاء الله عليهم

عفريت……..)

(حسبي الله ونعم الوكيل…..) تمتم بها سليم وهو يخرج المحفظة من جيبه حتى يدفع ثمن الطعام

قبل المغادرة….

دافعت كيان عن جنسها ببراءة…..

(بتحسبن علينا ليه ياستاذ….طب والله مفيش اغلب مننا……دا احنا ملايكة…….)

قال سليم ساخراً وهو ينهض من مكانه….

(آآه مانا عارف….يلا بينا ياملاك الرحمة…اتاخرنا عن الشغل…….يلا..)

اخذت اصبع من البطاطس ووضعته في فمها

قائلة وهي تلحق به…..

(طيب متزقش بس البطاطس حلوة اوي…هبقا اجي اكل هنا كل يوم…….)

استقل مقعد القيادة قائلاً بغلاظة….

(كويس بس اوعي تجيبي فيرانك معاكي…..)

دلفت كيان بجواره متاففة بحنق

شديد…..

(مش هنخلص بقا…..الله يخربيتك يام ناني…)

…………………………………………………

فاق من شروده على اتصال من ايتن…..

أخيراً اتاه اتصال منها منذ اخر حديث بينهما وهو لا يعرف عنها شيءٍ وأثر على ان يبتعد ويتجاهلها حتى

تعطي له رداً قاطعاً عن علاقتهما وهو ان تكتمل

بالزواج او تنتهي وينفصلا للأبد…….

يتمنى ان تعود لرشدها وتعود إليه فهو لا يريد

الانفصال عنها…فبعد كل هذا الحب تتركه؟!….

فتح الخط وكان لديه رغبة قوية في سماع صوتها

الآن….فقالت بصوتها الناعم….

(أخيراً يابيبي…. عبرتني……)

قال سليم بكبت….

“معلش يأيتن كنت نايم ….عامله إيه…..”

قالت ايتن بدلال……

(تمام……مش ناوي تفتح الباب بقا…..)

نظر سليم لباب غرفته المغلق بحيرة…

“باب؟……باب إيه ؟!!……”

قالت بانين مائع عبر الهاتف……..

(انا على باب شقتك ياسليم افتح يابيبي…..رجلي وجعتني…….)

اتجه سليم سريعاً للخارج وفتح باب الشقة ليجدها امامه ترتمي في احضانه وتلصق شفتيها في شفتيه

في عرض سخياً منها وهي تقول بشوق حار….

“وحشتني……وحشتني يابيبي أوي……”

بادلها سليم القبلة بحرارة وهو يبث شوقه وحبه لها

فابتعدت ايتن عنه بدلال……

“باباك هنا……”

اخبرها وهو يطبع قبلة على

وجنتها…..

“برا….شويه وجاي…….تعالي ادخلي……”

اغلق الباب وسحب يدها للداخل فابتسمت ايتن بزهو وسعادة وهي تشعر انه لازال يعشقها وبين قبضة يدها ولم يفلت كما ظنت………

جلست على الاريكة وهو بجوارها…..سالها بلهفة وعيناه تشع حبٍ…..

“ها يايتن….قررتي فرحنا هيكون امتى…..”

اومات مبتسمة بجذل….

“قررت……كمان شهرين……”

تجهمت ملامحه سريعاً ليقول محبطاً…..

“شهرين؟!….انا قولت انك هتحددي كمان عشر ايام خمستاشر يوم…..مش كمان شهرين…..”

قالت ايتن بحنق…

“انت مستعجل ليه ياسليم….مش كفاية اني وفقت نحدد معاد…….”

شعر بسهم حاد يخترق صدره فقال

واجماً…..

“بجد كفاية….فعلاً كفاية دا انا لازم ابوس ايدي

وش وضهر انك وفقتي وعطفتي عليا……..”

نهضت ايتن بضيق…. “سليم بلاش الطريقة دي….”

لحق بها ووقف امامها صائحاً

بغضب…

“انهي فيهم بظبط….. طرقتي ولا طرقتك……”

تاففت ايتن قائلة بترفع…..

“اكيد طرقتك اديني شهرين ارتب فيهم اموري.. انا عروسة ومش اي عروسة انا ايتن الشهاوي عارف

يعني ايه ايتن الشهاوي……”

سهم اخر اشد قسوة أصابه فعقب بابتسامة

هزيلة……

“انا كنت فاكر ان الترتيبات دي عشان انتي هتبقي

مرات سليم الجندي……”

عانقت وجهه بكفها مترجية……

“الاتنين ياحبيبي….ارجوك ياسليم متبوظش كل حاجة بينا قدم شوية تنازلات اشمعنا انا….”

سهم ثالث اشد شراسة إصابة…فعقب

بتعجب

“تنازلات ؟!!….. جوزنا بقا تنازلات بنسبالك….”

نفت ايتن موضحة…. “ياسليم مش قصدي….”

استفسر سليم بجفاء…..

“افهم بس انتي عيزانا نفضل كده…..نخرج نسهر

نقضيها تلفونات وخروجات…….”

اولته ظهرها وهتفت ببساطه مجردة من

ثوب الحياء…

“إيه في الجواز هنعمله اكتر من كده… علاقة كاملة

انا عرضت عليك وانت رفضت……”

اشاح سليم وجهه وهو يشعر بتضخم في

صدره لا يعرف غضب ام تأثر بهذا العرض

السخي….فقال بغضب مكتوم….

“لان مينفعش…… انتي متخيله انتي بتقولي إيه….”

استدارت له ومسكت ذراعه هامسة بحب….

“متخيله….. انت أول راجل في حياتي.. وأول واحد

احبه والحاجة دي هتزود حبنا……”

أضاف قاطعاً….. “بالجواز يايتن…..”

قالت باستهانه……

“مش هتفرق بيه او من غيره… الجواز نهاية الحب

وانا خايفه على حبنا ينتهي……”

ابعد يدها عنه صائحة بنفور من

تفكيرها…….

“حبنا ممكن ينتهي فعلاً لو فضل تفكيرك كده… ”

اندفعت ايتن تقول بتهكم…..

“هو لما أكون انسانه متفتحه وواعيه زيادة اكون

مذنبة…. وخطية…. سوري….. مكنتش اعرف انك زيهم…….”

امسك ذراعها قبل ان تبتعد وهتف بجدية…

“انا مليش دعوة بحد يايتن لكن انتي مش عارفه نهاية تفكيرك دا إيه…. لو واحد تاني غيري… كان زمانه شافك واحده……”

بتر جملته وهو يسحب نفساً عميقاً متابعٍ

برفق…..

“لكن انا عشان بحبك وعارفك كويس.. واثق انك

عرضتي عليا كده بدافع حبك ليا……. بس برضو غلط……غلط…. ”

ترقرقت الدموع بعينيها الجريئة وهتفت

بحرقة…….

“قولتلك اننا مش شبه بعض تفكيرنا مش زي

بعض…… احنا مختلفين وده مخوفني…..”

هتف سليم وهو يقربها منه….

“بس انا بحبك…..”

رفعت راسها اليه ونزلت دموعها قائلة

بعذاب…..

“وانا كمان بحبك… بس انت مش قادر تفهمني…”

اوما سليم براسه ومسح دموعها مبتسماً

بحنان…….

“هحاول… هحاول… وزي مانتي قولتي لازم نقدم تنازلات….. وانا موافق على اننا نأجل فرحنا شهرين

كمان على ما تجهزي نفسك وتستعدي… بس بعد الشهرين…..”

سألته….. “إيه…..”

سحبها سليم لاحضانه هاسماً

بحرارة……

“مش هسيبك تبعدي عني لحظة…….”

“سليم…….”

ابتعد عنها برفق والتفت خلفه ليجد والده يقف

عند عتبة باب غرفة الصالون الواقفين بداخلها

وكان حاملاً بين يداه اكياس مليئة ببعض المستلزمات ، يبدو انه عاد من الخارج الآن…ومن نظراته الحانقة الغير راضية علم انه لم يحبذ

هذا التقارب بينهما خصوصاً بان ليس هناك

رابط شرعي بعد !!………

“بابا…… ايتن لسه جايه من شوية…. كانت بتسأل عليك…… واصرت تستناك لحد ما تيجي…..”

قالها سليم ولكز ايتن التي ابتسمت واقتربت منه تؤدي التحية بأحترام……. “اهلاً يأنكل……”

اوما مصطفى بابتسامة مغتصبة ثم نظر

الى سليم بتجهم….

“اهلاً يأيتن يابنتي…… نورتي البيت…هي الساعة

في ايدك كام دلوقتي ياسليم….”

فهم سليم مغزى سؤاله فرد وهو يحك في انفه

بحرج…. “حداشر…..”

اوما مصطفى وهو يوزع نظراته عليهما باتهام

صريح ثم قال…..

“حداشر….ممم طيب…. مش واجب برضو تضايف خطيبتك معقول متشربهاش حاجة لحد دلوقتي….

دي بقت حداشر…. ”

تنحنح سليم بحرج اكبر وهو يتجه الى

والده……

“آآه فاتتني دي يادرش….. ثواني وراجع….عنك

يادرش…. ” حمل الاكياس عن والده وتجه بها

للمطبخ………

دخل مصطفى غرفة الصالون وجلس على

الاريكة متمتماً بتجهم طفيف…….

“منورة يأيتن يابنتي…. وازاي باباكي ومامتك…”

قالت ايتن بوداعه مصطنعه…..

“دادي ومامي بخير….. بيسلموا على لحضرتك…..”

اوما مصطفى مجيباً……

“الله يسلمهم……. نورتي الشقة……”

ردت مبتسمة….. “بنورك يأنكل……”

نظر مصطفى بسطوة……وهو يسألها…..

“سليم قالك انكوا هتعيشوا في الشقة دي مش

كده…..”

ازدادت الوداعه على ملامحها متناقضة مع

عيونها الجريئة……..

“متكلمناش لسه في التفاصيل دي… لكن اكيد معنديش مشكلة خالص أعيش مع حضرتك انا

عارفه قد إيه سليم بيحبك وميقدرش يستغنى

عنك وانا كمان مقدرش استغنى عن سليم ولا

عنك يأنكل ……..”

اخرج مصطفى انفاسة براحه أكبر بعد هذا الرد

ليرد عليها بمحبة تمحي كل التجهم السابق منها

ومن ابنه………

“ريحتي قلبي يأيتن…. يعني على كده حددتوا

معاد الفرح…….”

اومات ايتن برقة……

“كمان شهرين على ما نلحق نجهز نفسنا….”

“على بركة الله……..الف مبروك يابنتي…. ”

ربت مصطفى على كتفها بسعادة حقيقية……

فردت ايتن بنفس الابتسامة الدبلوماسية…….

“الله يبارك فيك يأنكل……”

……………………………………………………………

طرقت على باب الغرفة برفق واستأذنت قبل الدخول…… “حمزة……حمزة…. ”

“تعالي ياشهد…… انا صاحي…….”

عندما سمعت صوت اخيها دلفت الى الغرفة المظلمة

فتأتأت بشفتيها بعدم رضا وهي تشعل الاضاءة….

“وطالما صاحي قاعد في الضلمة ليه……”

“عادي….. يمكن يجيلي نوم……” قالها حمزة وهو يجلس على الفراش ممدد الساقين ينفث من

سجارته بمنتهى القرف…….

جلست شهد على حافة الفراش أمامه تنظر اليه

بعدم رضا أكبر….ثم عقبت على كل مايحدث بحنق شديد……

“وهيجيلك نوم إزاي وانت بتحرق صدرك بالبتاعه دي………هات ياحمزه… ”

ابعد حمزة يده وهو يهتف بعصبية

مكتومه…

“شهد انا مش فايق لمحضراتك دي….انا قرفان لوحدي……..”

مطت شهد شفتيها بحزناً منه…….

“اخص عليك….لما اكون خايفه عليك اكون بديك محضرات…….ماشي هعدهالك……قولي بقا معدتش

ليا عليا في المطعم النهاردة……..”

رد حمزة بجزع…..

“انا مخرجتش من البيت من الصبح……”

“طب ليه….”سالته شهد بدهشة….

فهو بالعادة لا يفضل الجلوس في البيت….

فالطالما كان الشارع رفيق دربه منذ الصغر…..

رد حمزة باستهجان……

“مش عايز أخرج……مش عايز اشوف حد….”

عبست شهد قائلة بانزعاج……

“اللي بتعملوا في نفسك ده حرام…….محدش

بيموت من الحب…….”

اطفاء حمزة السجارة في المنفضة قائلاً

بقرف….

“مش بنموت بس بنتكسر….بتسود الدنيا في عنينا…

بنحس انها النهاية…….”

قاطعته شهد بجدية قائلة…….

“اديك قولت بنحس…..لكنها مش النهاية…..اسمعني ياحمزة…….الحب مش اهم حاجه ولا كمان من اساسيات الحياة……واللي باعك بيعه…… واشتري

نفسك وقلبك بداله………”

اسبل حمزة عيناه غير مقتنع…..فمن الذي يحكم

على مشاعر الحب…..شهد لم تقع في الحب يوماً

وليست لها تجارب سابقة…….سبعة وعشرون عام

كانت فيهم الفتاة الأكثر عملية وطموح…..تهتم

بما تريد… وما تريده هو الاستقلال بحياتها القادمة بعيداً عن عثمان الدسوقي…..وكنفه البارد…..

بعيداً عن القسوة بعيداً عن البيت التي شهدت جدرانه على اسواء حياة مرت بها في طفولتها

وفترة الصبا….وحتى الآن…….

شهد تحاول ترميم روحها العطبة….بالاحلام بالعمل

بحياة بعيدة عن الرجال وقسوتهم…..لذلك لم تقع

في الحب ولم تحاول ولم تريد اكتفت بنفسها

وماتريد فقط……لهذا أحياناً يحسدها فهو ذاق

من نفس الكأس لكنه لم يتعلم مثلها….لم يكن

أبداً منيع عن الحب بل وكانت لديه رغبة قوية

في تكوين أسرة يغمرها بالحنان ويكن نعم

السند والعون لها……

لكن الأحلام تناثرت أسفل اقدامه وجرحته…

والجرح غائر قاسي عجز عن الماشي والمواصلة بعده….

تابعت شهد وهي تلكزه في كتفه بخفة……

“صدقني ياعبيط… والله ولا تستاهل دمعة واحده

من عينك….نجلاء زيها زي بنات كتير ورجالة كمان كتير بيستنوا الفرصة الحلوة وأول ماتيجي بيمسكوا

فيها باديهم وسنانهم……وحتى لو هيفرطوا في ناس

قصادها…..هيعملوا كده لانها بنسبالهم فرصة العمر…..”

رفع حمزة عيناه عليها فاضافت شهد بقوة ربما

يستمدها منها أحياناً حينما تلقيه الامواج

بقسوة لعندها…….

“فاللي ميبقاش عليك…..متبقاش عليه…….”

رد حمزة بغضب مكبوت….والعجز يبرق

في عيناه العسلية…….

“مين قالك اني باقي عليها…….عليا الطلاق ما تلزمني……..بس وجعاني……موجوع منها

ياختي……موجوع ياشهد……”

“سلامتك من الوجع ياقلب أختك……هتنسا والله ياحمزة بكرة تنسى……وهنفتكر الأيام دي انا وانت

ونقعد نضحك عليها كمان…..صدقني…….”

أحياناً يشعر بانه ليس بأخٍ كبير لها يكبرها بثلاثة أعوام………بل كثيراً يشعر بالعكس بانها هي الأكبر

بحنانها المفرط…..وتفهم والمراعيه لتقلباته المزاجية….لصبرها الفطري……لنقاء روحها وقلبها…..شهد ليست أخته فقط انها صديقته

الودودة الطيفة…امه الصغيرة الحنونة الواعية…..

شهد كل شيءٍ بنسبة له وهو أيضاً بنسبة لها شيءٍ كبير……..

شهد وكيان العائلة بنسبة له….. يرى من خلالهما دفء العائلة والانتماء الاسري ورغم كل شيء

يحدث لثلاثتهم سيظلوا ممسكين بكف بعضهم

حتى نهاية العمر……

google-playkhamsatmostaqltradent