Ads by Google X

رواية الحب اولا الفصل الاول 1 - بقلم دهب عطية

الصفحة الرئيسية

  رواية الحب اولا كاملة بقلم دهب عطية عبر مدونة دليل الروايات 


 رواية الحب اولا الفصل الاول 1

  

في مدينة ساحلية ومنطقة قريبة من البحر تحمل رائحة البحر المالح ونسيمة العطر المنعش…..


وفي قلب منتجع راقي دلفت شابة جميلة من الباب الرئيسي بعد ان سمح لها عمال الأمن بدخول….

خطت خطواتها بثبات يلوح منه الأنوثة والرقة…

بثوبها الهفّاف والذي يتأرجح حول ساقاها بجمالاً

طويل ومحتشم كاخلاقها…..جميل ومرح كروحها

يحمل اللون الأزرق كالبحر رفيق عالمها وونيس

وحدتها دوماً…..

رمشت بعينيها وهي تنظر للشارع على الجهة اليمنى

فالتقطت عينيها العسلية الامعة اسم صاحب الفيلا…….

تبسمت شفتيها الوردية وهي تعكس الاتجاه يميناً

ثم خطت بحذاءها الأبيض بنفس الخطوات

الثابته كعسكري مكلف بمهمة جادة للغاية…….

عندما وصلت للفيلا وقفت امام بابها الحديدي

الكبير وحانت منها نظرة على الاكياس بين يداها والتي تحمل شعار (الشهد…) وأيضاً تفوح منها

رائحة طيبة لاشهى أنواع الطعام والتي تم

اعدادها في المنزل على يد طاهية مبدعة لديها تقنيات عالية في الطبخ وحس مذاقي رائع مما

جعلها تتميز عن غيرها وقد جعلت لاطباقها

روح وطعم مختلف يحبه كل من تذوقه…..

ارجعت خصلة من شعرها الأسود القصير خلف

اذانها ثم انتظرت بعد ان اطرقت على الباب

الحديدي لتجد بعد دقيقتين جهاز الإرسال

الصوتي المعلق على الحائط جوارها يبعث

صوت لامرأة جادة قالت بتساؤل….

“مين برا……..”

اقتربت من الجهاز واجابتها بهدوء……

“انا شهد يامدام نيفين الأوردر اللي حضرتك

طلبتيه جاهز معايا……..”

ردت المرأة بصوتٍ اهدى قليلاً……

“اوه شهد في معادك مظبوط…… على فكره

ال order المرة اللي فاتت كان هايل عجب كل صحباتي وادتهم رقمك كمان…….”

ابتسمت شهد وقالت بامتنان….

“شكراً يامدام….. يارب دايما اكون عند حسن ظنك…….”

ردت المرأة مختصرة…..

“أكيد ياشهد……. هبعتلك الشغالة تاخد منك

الحاجة والحساب معاها طبعاً …….”

ابتعدت شهد عن الجهاز باستحياء…… الوقوف خلف الأبواب الكبيرة والانتظار شيء غير مستحب داخلها لكن الكسب ولقمة العيش دافع قوي للقبول بأشياء

كثيرة كانت تراها في السابق مستحيلة………

الثواني كانت عشر دقائق كاملة ومع ذلك صبرها يفوق الحد فهي تعودت على استعلاء بعض البشر

من تلك الطبقة المخملية……..القليل فقط هو من

يكن رحيم بها وبامثالها……

اتى صبي المكوى ووقف جوارها وكان شاب في السابعة عشر يدعى (حمودة…)تعرفه جيداً فهي

تاتي لهنا كثيراً فلديها زبائن في هذا التجمع

الراقي…..

حك الصبي في شعره وهو يحمل الملابس على اليد الاخرى وقال عابثاً…….

“لسه مفتحتش……….”

“لسه مستنيه…….الأكل هيبرد……”قالتها بوجوم وهي ترفع الاكياس قليلاً…..

رفع الصبي حاجبٍ وقال بتهكم……

“خديلك نص ساعة….على ما حد يعبرنا……انا

مرة قعدت ساعة إلا ربع قدام الباب وبعد دا كله معجبهاش كوي الهدوم ورجعتني بيهم فقام

المعلم بتاعي خصملي اليوم كله…واتهمني اني

بتمرقع في السكه….. وان انا اللي كرمشت الهدوم……”

سحبت شهد نفساً طويلاً ثم طيبة خاطره

قائلة……

“معلش ياحمودة هنعمل اي اكل العيش بقا…….”

نظر الصبي للاكياس قائلاً بعيون تلمع

بالفضول..

“كلوا محصل بعضو ياشهد…. المهم انتي جيبالها

اي ريحة الأكل حلو اوي…….”

إبتسمت شهد وهي تسأله بإبتسامة جميلة…

“ليه جوعت……..”

ضحك الصبي وقال وهو يشعر

بالجوع…..

“بصراحة ريحة اكلك تجوع………”

فتح الباب بعد تلك الجملة وخرجت الخادمة معتذرة لشهد عن التأخير ثم أخذت منها أكياس الطعام واعطاتها المال مع اكرامية لا بأس بها…. ثم أخذت

الملابس المكويه أيضاً واعطت الصبي حسابة

واغلقت الباب……

“استنى رايح فين…….”

ألتفت الصبي لشهد فوجدها تقترب منه وتقطع المسافة البسيطه بينهما ثم اخرجت من

حقيبتها علبة صغير وقالت برفق وهي

تقدمها له..

“دي وجبه بسيطه كنت جيبهالك معايا وقولت

ادهالك بعد ما وصل الأوردر لمدام نيفين……

وكويس اني شوفتك……. “

ارتسمت الدهشة على وجه الصبي الذي أشار

على نفسه بعدم تصديق وكأنه حصل على

شيءٍ عظيم….. “ليا انا ياشهد…….”

“ايوا ليك هجيب لاعز منك يعني…….خد….”

وضعتها في يداه ثم قالت قبل ان تغادر بمرح طفيف…

“المرة الجاية عيزاك تقولي بصراحة الأكل عجبك

ولا لا………اوعى تجملني…….سلام.. “

لوحت له بيدها ثم ابتعدت بخطواتها المميزة…… فتأملها الصبي عند ابتعادها فكانت جميلة كنسمة معطرة…….. كوردة متفتحة….. كمياة صافية…….

بعد ان خرجت من المنتجع اخرجت المبلغ الذي اخدته من الخادمة وبدأت في العد سريعاً قبل

وضعه في الحقيبة….

وأثناء سيرها جوار المطاعم والمحلات الفاخرة سار

خلفها شخصاً عيناه كانت معلقة على الأموال بين يداها…. بينما هي تخطو غافلة عنه وعن مخططه السريع كان هو يتقدم ويقترب أكثر من الازم حتى حانت اللحظة الحاسمة والاسرع من رمشة الجفون

خطف المال من بين يداها في لحظة وركض اللص أمامها كالبرق…….

انصدمت شهد وتجمدت مكانها لثانية..لثانية فقط وعندما راته يركض وسيبتعد عن مرمى ابصارها ركضت خلفه بكل قوتها وهي تصيح باستغاثه

لمن حولها….

في اللحظة التالية وصل اللص لأخر الشارع ركضاً وهي خلفه وعندما اقتربت منه وجدته يستقل

دراجة بخارية خلف شخصاً صائحاً عليه بقوة……

“أطلع يالا…….”

سأله الثاني بغباء….. “عملت اي ياحباية……..”

صاح اللص بغضب…..

“اطلع ياحمار مش وقته……. بسرعة…….”

انطلق بالدراجة البخارية سريعاً امام عينيها المصعوقة بالصدمة….. فوقفت مكانها تأخذ

انفاسها الهادرة بصعوبة وهي تنحني على ركبتيها بتعب……وعنوة عنها لمعة عينيها بالدموع……

فكل تعبها طوال اليوم ذهبا هباءاً……..والاموال

التي اشترت بها الطعام صباحاً ذهبت معهم………

اغمضت عينيها بتعب وعجز……فنزلت دمعتين بانسياب حزين على وجنتيها… والحسرة مذاق

مُر في حلقها…….

…………………………………………………………….

وعلى الأرض تدور العجلات بسرعة بفعل قدميها الصغيرة البيضاء والتي تتكأ بهما على دواسات الدراجة الهوائيه بسرعة محاولة الوصول لمقر عملها القريب من البحر…..

طار شعرها البندقي المموج حول وجهها…. ارجعت الخصلات للخلف بحنق حتى ترى الطريق أمامها

تمتمت بغيظٍ…..

“مش لو كنت فردتك بالمكوى كان احسلي من منظر المتسولين ده….كله من سهر إمبارح…… اشربي بقا ياكيان…….اشربي…”

مطت شفتيها الحمراء المكتنزة ونظرة للدراجة الهوائيه أثناء قيادتها……

“سامحيني ياعزيزة ياختي انا عارفه اني بضغط عليكي الفترة دي………”

عندما رفعت عينيها الفيروزي انتبهت للسيارة

القادمة عليها فاتكأت على الفرامل سريعاً

وكذلك فعل سائق السيارة أمامها ولكن حصل

تصادم يكاد لا يذكر ولا يشكل خطراً…..ولكن كالعادة اندفعت بعصبية ونزلت من على الدراجة….. واتجهت الى السائق بكل اندفاع وعنف……

فخرج السائق بمنتهى الحنق كذلك وكان رجل في اوائل الأربعين من عمره ممتلاء الجسد اصلع

الراس ملامحه تنذر بالمقت من كل شيءٍ

حوله…….

جزت كيان على اسنانها وهي تلوح بيداها

صائحة بتشنج…..

“هو انت اعمى…… انت اعمى يعني أفهم بس….لا

شايفني ولا شايف عزيزة…….”

ارتفع حاجب الرجل بارتياع مردداً….

“عزيزة !!……”

قالت كيان بتهكم……

“العجلة اللي كنت هتهرسني انا وهي تحت عربيتك…..”

صاح السائق بتبجح……

“ماهو انتي اللي ماشيه مش مفتحه…. مفكره

نفسك ركبه مرسيدس…….”

ازدادت سرعة تنفسها بعد ان اهانها هي ودراجتها الغالية…… فقالت بغضب وهي تقرب راسها منه بتهديد…….

“دي عندي احسن من المرسيدس ياخفيف….. وبعدين إيه اللي مش مفتحه دي…. ها… عاميه انا… عاميه..”

صاح السائق بانزعاج……

“أيوا عاميه هتخوفوني بشويه دول ايوا عاميه…”

توسعت عينا كيان ورفعت كفها في وجهه

وسالته بعصبية…..

“والله طب دول كام……….. دول كام……”

ارتعد الرجل منها واردف بصدمة….

“انتي مجنونه ولا إيه……”

لوحت بكفها المفرود مجدداً بتصميم…..

“بقولك دول كام……”

بلع الرجل ريقه بخوف مجيباً…… “خمسه…..”

مسكته من ياقة قميصه وقالت بحنون….

“لا دول اتنين….. اتنين…. شوفت مين فينا اللي

اعمى شوفت……..”

صاح الرجل باستغاثة ممن حوله وهو يحاول

التحرر منها….

“الحقوني الحقوني ياناس ياهوووو…… ابعدوا المجنونه دي عني…….”

كانت كيان تحاول القفز عليه وضربه بجبهتها

وهو تقول بغضب…….

“مش بتعرفوا تسوقوا بتركبوا عربيات ليه….ليه… “

وجدت يد قوية كالفولاذ تسحبها من ذراعها

وتبعدها عن الرجل…….

“بتعلمي اي يا كيان…..انتي اجننتي…. “

توسعت عينيها ووقع قلبها في قدميها وقد

جف حلقها وهي تبرر المهزله الذي يراها الان

منها…….

“استاذ سليم….. ولا حاجة ياستاذ…. دا دا… دا

سوء تفاهم وتحل……”

صاح السائق بتألم وهو يمسك رأسه….

“متحلش يابيه…..”

خبطت كيان ساق السائق بتحذير فصحح

بخوف منها…..

“اتحل يابيه……..اتحل… ” ثم نظر السائق اليها واعتذر مضيفاً….

” انا غلطان حقك عليا ياست كيان انتي وعزيزة……”

“عزيزة !!…… عزيزة مين……”رددها سليم بصدمة وهو ينظر حوله باحث عن تلك العزيزة !!…..

وعندما لم يجد أحد نظر إليها بضيق

قائلاً….

“ممكن افهم اي اللي بيحصل…..”

قالت كيان سريعاً وهي تهرب من نظراته

القوية العميقة….

“ولا حاجة ياستاذ سوء تفاهم…. وتحل والله…

مش كده ياسطا…….”

أومأ السائق بغل مكبوت….

“آآه اتحل…… ينفع أمشي ياساتذة…….”

“طبعاً طبعاً……”قالتها كيان وهي تنظرت

الى سليم بوداعه……..

“بعد إذنك ياستاذ هوسع مكان ليه……”

ثم اتجهت سريعاً الى الدراجة وركنتها جانباً…ثم استقلّ السائق سيارته و انطلق بها سريعاً وهو

يدعي عليها بصوتٍ عالٍ…..فقالت كيان ببراءة

امام سليم الواقف مشدوهاً مما يحدث…..

“الله يسامحك ياسطا……..الله يهديك……مش

هقول اكتر من كده…. “

حانت منها نظرة على سليم وقالت

بمسكنة….

“شوفت ادي اخرة المعروف بيدعي عليا…..”

انعقد حاجبي سليم وهو ينظر لها بقوة وتبدالا النظرات لبرهة ثم قطع الصمت صوته القاتم

العميق كملامحه وهيئتها……

“ورايا على مكتب………”

قالت سريعاً دون تفكير…. “في ديلك ياستاذ…….”

اتسعت عينا سليم….. فسعلت بقوة وهي

تقول بتصحيح…

“ورا حضرتك اتفضل……”

سحب سليم نفساً طويلاً وهو يلقي عليها نظرة استياء وغضب……

عندما اختفى بداخل العمارة التي حصل الشجار بالقرب منها لسوء حظها كالعادة……اتجهت بدراجتها

لعند بواب العمارة واخرجت ورقة نقدية وقدمتها

له وهي تقول بتملق…….

“عم عوض ياعسل…….خد بالك من عزيزة……لحد

اخر النهار…….”

قال الرجل وهو ينهض عن مقعده….

“في عنيا ياستاذة كيان….. بس قوليلي ياستاذة كلمتي الأستاذ سليم عن القضية بتاعت أخويا قدري….”

انعقد حاجبيها بعدم تذكر…..وسالته

بتشتت….

“قضية !!….قضية اي فكرني القضايا كتير……”

لاح الاستياء في صوت عوض…..

“ايوه ياست كيان دا انا مكلمك من أسبوع على قضية النفقه اللي مرات اخويا رفعاها عليه…..”

ارجعت رأسها للخلف بتذكر ثم قالت بجدية…

“آآه…… افتكرت….. طب بص بقا انا من رأيي الشخصي كمحاميه لسه تحت التدريب يعني….

قول لاخوك يتقي الله في مراته وعياله ويديها حقها……وعاشرهن بالمعروف ياعم عوض…. “

زفر الرجل قائلاً بعجز….

“ياستاذه كيان أخويا محلتوش حاجة والله….”

اخبرته كيان بهدوء……

“يبقا يحاول يصلح اللي بينهم عشان خاطر عياله… ولو انت أخوه بجد بلاش تشجعه على خراب بيته

حاول تصلح بينهم… صدقني مفيش حاجة في دنيا ملهاش حل……..”

هز عوض رأسه باستحسان……

“هحاول ياستاذه كيان…….ربنا يقدم اللي فيه

الخير…..”

“ماشي ياعم عوض……..صباحك عسل ياراجل ياطيب….. “رفعت يدها بتحية عسكرية ورحلت

واستقلت المصعد للدرو الثالث حيثُ مكتب

المحامي المعروف (سليم الجندي…)

ارجعت شعرها المموج للخلف بحنق ثم سحبت نفساً

عميقاً امام باب مكتبه ومن ثم اطرقت على الباب

وبيدها وهي حاملة صنية القهوة ككل صباح منذ

ان توظفت لهنا منذ ستة أشهر كسكرتيرة خاصة به وأيضاً محامية حديثة التخرج تكتسب خبرة منه

قبل ان تمسك قضايا بمفردها……

خطوة وأخرى وثانية والصنية ترتجف بين يداها لمجرد دخولها مكتبه…. له تأثير قوي عليها… لم

تهاب أحداً يوماً في حياتها…لكنها تهاب أستاذها

الوسيم………هذا الجذاب بطوله الفارع وجسده

القوي الرياضي……شعره الحالك الناعم بشرته

البرونزيه ملامحه الرجولية المبهمة الجذابة…….

عميقة عيناه قاتمة لكن ساحرة ككل شيءٍ به…

خلف المكتب كان يجلس سليم يلاحقها بعيناه

القوية وهو يراها تخطو خطواتها بتردد وخوف

ورجفة يداها تصل للصنية الممسكه بها…..

تاملها لبرهة بصمت مبهم…..شابة جميلة مجتهدة

منذ ان عملت هنا وهي تتقدم في العمل وتستوعب سريعاً المهام المكلفة بها….سهلت عليه الكثير

حتى بات يعتمد عليها في معظم عمله…….

حتى رؤيتها في الصباح وكل يوم أمر اعتاد عليه…

فإن كانت ذكيه وطموحة هي أيضاً جميلة على نحو خاص…….بيضاء البشرة متوردة الوجنتين الممتلئتين

قليلاً والمستفزتين جداً…….عينيها من اللون

الفيروزي ، مُضيئة بشكلاً مبهر….ملامحها انثوية صغيرة…… جسدها متناسق بمنحنيات ممتلاءه قليلاً عن المعتاد….

ترتدي دوماً بشكلاً مرتب ورائع تهتم بمظهرها

شكلها إنتقاء ملابسها…..شابة جميلة في كل

شيء مبهرة……عاد لسانها الطويل وجنانها

الفطري….. عنفوانها الجامح……تلك القصيرة

الصغيرة صاحبة العيون المضيئة والوجنتين المتوردتين الممتلئتين تحمل طاقة رهيبة في

افساد جمالها ورقتها الظاهريه……..

تحدث سليم أخيراً معقباً على اهتزاز الصنية

بين يداها……

“اللي يشوفك وانتي ماسكه الصنية كده…..

مايصدقش إنك كنتي قلبه على عبدو موته

في الشارع…….”

وضعت الصنية جواره وانتصبت في وقفتها

قائلة بمسكنة…….

“على فكرة انت ظلمني ياستاذ……الراجل كان

هيفرمني انا والعجله تحت عربيته……..”

رد بفظاظة وهو يمسك فنجان القهوة

ويرتشف منه بتلذذ……..

“اهو هنكون خلصنا منك انتي والعجله اللي

قرفانه بيها………”

رفعت حاجبيها بانفعال وصدمة……

“الله……طب وعزيزة مالها……هو اللي غلطان……

مش عارف يسوق….. “

وضع الفنجان جانباً وهتف مستاءاً….

“انتي هتجننيني ياكيان……”

قالت كيان سريعاً…… “سلمتك ياستاذ…….”

رفع عيناه القوية عليها وانحنى في جلسته

ساند ذراعيه على سطح المكتب ثم سالها

بجدية…..

“هسألك سؤال وتجوبيني عليه بصراحة…هو

المرتب اللي انا بدهولك مش بيكفيكي……”

اندهشت فسالته….

“ليه بتقول كده ياستاذ…….”

لم يحيد عيناه عنها بل رد بوجوم…..

“بقولك كده عشان شايفك راحه جايه بالعجلة بتاعتك….مش معاكي تمن الموصلات يعني

عرفيني…ازودك ورايح دماغي….. “

رفعت كيان راسها بكبرياء قائلة…..

“فشر……معايا الخير كله….بس برضو مستغناش

عن عزيزة أبداً……..”

“كده كتير عليا……”هز راسه بضيق وهو يشعر انه يهدر الوقت معها هباءاً……عاد لعينيها الفيروزي

البراقة….تلك العيون التي يعجز امامهم بشكلاً

مؤقت فقط لانهم يلمعان دوماً بشكلاً غريب

ككشافات السيارة !!……..تنحنح بخشونة

سائلاً………

“خلينا في المهم….. انتي جايه متأخر ليه…..”

فوجئت بالسؤال فتوسعت عينيها وتلعثمت

قائلة……

“أصل… أصل…. أصل ياستاذ…. راحت عليا نومه..”

“والسبب….”هزه بسيطه من راسه ونظرة من

عيناه جعلتها ترتبك اكثر من الازم

لذا توقف عقلها فجأه بعجز ماذا تقول له كُنت

اشاهد مسلسل كوري وانهيت الحلقات الأخيرة

فجراً !!…..

قطع سليم الصمت قائلاً بخشونة….

“مستني ردك……..الاجابة صعبه لدرجادي…ولا لسه مألفتيش كدبة…….”

هزت كتفيها وقالت بشجاعة……

“وهكدب ليه بس……مفيش أسباب…نمت بدري صحيت متأخر…….نصيب….”

ضرب على سطح المكتب فجأه قائلاً

بصرامة….

“الكلام دا مش عندي ياكيان….اول وآخر مرة سامعه……..”

هزت راسها بالموافقة دون تعقيب……

ثم أشار لها بيده قائلاً بأمر…..

“هاتيلي ملفات القضايا اللي هنشتغل عليها النهاردة……..”

اومات بانصياع…… “تمام……..”

اوقفها سريعاً قائلاً بتذكر…….

“استني…..أيتن شويه وجايه……أول ما تيجي دخليها……..سامعه…….”

“حاضر……..”استدارت وهي تتمتم بشفتي

ملتويه بقرف….

“عنينا للاستاذ وخطيبته……..”

……………………………………………………………

كانت تحني راسها على الملفات جوارها تدرس عدة

قضايا بهم كما أمرها استاذها……كي يختبر روح المحامية داخلها ويعرف رأيها فيهما والحل لكلا

منهم………

سمعت صوت خطوات تقترب منها لحذاء انثوي بكعب عالٍ يقرع الأرض بصلف وخلاء…….

وصلت رائحة عطرها القوية لعندها فشعرت بالاختناق وهي ترفع رماديتاها إليها…

فوجدت ( ايتن الشهاوي..)خطيبة استاذها

المحامي (سليم الجندي….)

كانت أمرأه يافعة الطول والجمال كعارضات الأزياء

تماما شعرها أسود قصير جداً يشبه قصة شعر الرجال …..

كانت ترتدي بنطال أسود ضيق جداً يبرز ساقاها النحيفة وعليه كنزة بيضاء يليها سترة سوداء….

كانت تضع زينة منمقة وأيضاً اقراط رائعة في اذانها وهذا القرط الامع الذي تثقبه في جانب انفها……

جديد هذا عليها…… ماذا يجب ان تعقب عند

رؤية هذا…..

“روش أوي ده…….”

انتبهت ايتن لما قالته فوقفت مكانها مبتسمة

بزهو قبل ان تسألها بصلف……

“مرسي ياكيان………. قوليلي سليم جوا…….”

نهضت كيان واشارة على باب المكتب المغلق

قائلة بتهذيب……..

“آآه ومستني حضرتك…….. اتفضلي ادخلي…..”

اطرقت بكعبها العالٍ للدخل كنغمة تشع تعالي

وغرور….. اغلقت الباب خلفها واتجهت اليه

فكان يجلس خلف مكتبه منهمك بين ملفات

القضايا المتراكمة لكن حينما اشتم رائحة

عطرها رفع عيناه القوية عليها…..

فابتسمت ايتن بدلال وهي تلف حول المكتب

بتملك حتى تصل إليه……

“هاي ياحبيبي وحشتني……..” جلست على ساقيه

بتغنج وتعلقت بعنقه طابعه قبلة سطحية

على شفتيه الغليظة…

“وحشتني اوي….. إزاي متجيش البارتي بتاع

كاندي صاحبتي…….كلهم سألوا عليك…. “

عانق خصرها المنحوت بكفيه قائلاً بملل….

“انتي عارفه ان الامه بتخنقني….وبذات صحابك حوارتهم كلها تافهة……”

اندهشت ايتن معقبة……

“اخص عليك ياسليم………احنا تافهين…….”

اجاب بهدوء…. “انا قولت صحابك يايتن….”

هزت رأسها وهي تلامس ياقة قميصة

بتافف…..

“وانا وهما إيه…..وبعدين انت اللي قافل اوي على نفسك ياسولي……حبيبي المفروض تفك كده

وتعشلك يومين……..ولا إيه……”

رفع حاجبٍ ونظر لعيناها الحانقة

بسخط….

“اليومين اللي اعشهم اني كل شويه اتنطت بين حفلة للتانيه……ومن بلد لا بلد……واصرف من فلوس بابي وركب عربية واخدها هدية من مامي…..”

قالت بزهو وهي تنظر إليه بتعجب…..

“وفيها إيه هو انت اقل من اللي بيعملوا كده

دا انت ابن المستشار مصطفى الجندي……….”

نظر لعينيها بقوة قائلاً دون مواربة……

“انتي عارفه انا بحب إيه يا ايتن ومع ذلك بتقوحي معايا……بقلنا سنتين مع بعض ولي بنعيدوا بنزيده…

ولحد دلوقتي مردتيش عليا في موضوع جوزنا

اللي كل شويه بتأجليه…”

“وبعدين معاك ياسليم….”نهضت مبتعده عنه

بانزعاج…..لم يتحرك من مكانه بل قال برجاء

مجدداً من خلف ظهرها……..

“حددي معاد يا أيتن…..مش كفاية سنتين خطوبة…”

استدارت اليه قائلة بعناد…….

“لا مش كفاية….لسه شوية احنا محتاجين ناخد على بعض اكتر نفهم بعض نتقق…….”

انعقد حاجباه مردداً باستنكار…..

“وكل ده معملنهوش يا ايتن…..بتكلمي كاننا اغراب

عن بعض……”

انحنى كتفيها قليلاً كعلامة عن التردد والخوف

من تلك الخطوة التي ستاخذ منحنى آخر

بينهما….

“احيانا بحس بده….احنا مختلفين عن بعض جداً

ياسليم…..”

نهض سليم من مكانها واقترب منها محيط خصرها

بيداه مقربها منه وهو يقول بصوتٍ أجش حنون….

“ودا ممكن يأثر على اللي بينا….خصوصاً اني بحبك

وانتي كمان بتحبيني واي حاجة تانيه نقدر نحلها……”

مدت ايتن يدها ولامست وجنته ولحيته

بحب قائلة بدلال……

“أجل الموضوع ده شوي ياسليم لو سمحت….

متبوظش الوقت اللي هنقضيه سوا……..”

اخرج نفساً متأثر بقربها فلامس شعرها

القصير الناعم……

“هاجله النهاردة…. بس أكيد هنتكلم تاني…..”

ابتسمت بسعادة قائلة بعيون ماكرة…..

“أوكي…. بقولك اي مش واخد بالك من حاجة

جديدة في وشي……..”

صب تركيزة على وجهها اكثر وعندما لمح شيءٍ

يلمع في جانب انفها……سألها وهو يلامسه

بفضول…..

“اي اللي في مناخيرك ده……”

ضحكت وهي تبعد أصابعه قائلة بابتهاج…..

” دا Piercing عملته امبارح قبل ما روح البارتي …. اي رأيك……. “

“مش حلو يا ايتن….. مش حلو خالص……” قالها

وهو يبتعد عنها جالساً خلف مكتبه……..

لاحت الصدمة على وجهها …

“اخص عليك ياسليم……. دا كل صحابي اتجننه

عليه دا حتى شادي ناوي يعمله…….”

لوى سليم شفتيه ممتعضاً معقباً…..

“مبروك عقبال مايخرم ودانه……والحلق هيكون

هدية مني ليه…… “

تاففت بحنق وقد لمعة عينيها بالاعجاب نحو

ابن خالتها وصديق الطفولة…….

“أوف ياسليم عليك….انت مبتحبش شادي لي بس…….دا حتى جنتل مان و لذيذ ودمه خفيف…. “

سخر سليم بخشونة…..

“وانا تقيل وبلدي مش كده…..”

هزت راسها بنفي……

“أكيد مقصدش كده……..”

عندما لم تجد رداً منه….اقتربت منه مجدداً

وجلست على ساقه واحاطت عنقه بيداها

ثم مالت عليه تداعب انفه بانفها قائلة

بصوتٍ ناعم يفوح منه اغراء العالم…..

” سليم ياحبيبي أرجوك متبوظش الساعة اللي هقعدها معاك في الجدال والخناق…بليز خلينا

رايقين شويه……. بليز ياسليم…….”

أومأ براسه بملامح جامدة وهو ينظر لشفتيها لبرهة قبل ان يميل عليها ويلتهم اياها بجوع………..

……………………………………………………………..

ارجعت ظهرها للخلف وهي تزفر بتعب…..

انتهت ساعات العمل أخيراً وعليها الذهاب لكن يجب انتظار استاذها بالأول….. فعليها الخروج بعده كما يجب……..

بالفعل بعد لحظات فتح سليم باب مكتبه وبكامل اناقته بالحلة السوداء الانيقة….. أغلق زر السترة بيد

والاخرى يحمل بها حقيبته السوداء….رفع عيناه

القوية عليها…..فنهضت كيان باحترام وهي

تبتسم بالباقة……….

تلك الإبتسامة منها تشع دفء يتخلل داخله دون استئذان……….نفض الأفكار وهو ينظر لرماديتها

البراقة……..

“خلصتي شغلك ياكيان…….”

قالت كيان بحماسية……

“ايوا ياستاذ خلصته……..تحب تبص عليه…..”

أردف سليم بخشونة محذراً…….

“خليها بكرة الصبح…..عايز اجي القيكي على مكتبك

مش بتتعركي في الشارع……..”

اغتصبت الإبتسامة وهي تقول بمرح

زائف….

“قلبك أبيض ياستاذ….غلطه ومش هتكرر……”

“اتمنى………سلام…….”أنصرف سليم سريعاً من

امامها لوت كيان شفتيها قائلة بنزق…..

” مكنش تاخير نص ساعة ده اللي هتقعد تعيد

وتزيد فيه…….. “

لملمت اشياؤها وخرجت من المكتب مغلقة الباب خلفها وعندما وصلت للأسفل اخذت دراجتها

الهوائيه من جوار البواب واستقلت بها وقادتها

امام عيناه التي تراقبها من خلف أطار السيارة الامامي………

………………………………………………………….

وصلت بالدراجة لحي سكني شبه شعبي ولكن أرقى

واهدى من الأحياء الشعبية المعروفة…. فكان الحى

عبارة عن مباني ممتدة انيقة تقبع جوار بعضها بشكلاً

منمق………. هناك محلات وحركة حيه في المكان واناس كذلك لكن أهدى والوضع يكاد يكون مقبول

لا تنفر منه عكس الأحياء الشعبية الأخرى……..

تركت دراجتها بالاسفل عند بواب العمارة واتجهت

الى المصعد فاوقفها البواب قائلاً بتردد….

“مينفعش تركبي الاسانسير ياست كيان……”

توقفت كيان متسائلة……

“لي بقا ياعم همام هو لسه بايظ ؟!……”

اجابها البواب مختصراً الوضع……..

“لا اتصلح لكن انتوا مدفعتوش تمن الصيانه زي ماعملوا سكان العمارة وابوكي عثمان بيه قال مش هيدفع ومش عايز اسانسيرات…….. ومتاخذنيش ياست كيان قوانين العمارة بتمشي على الكل….”

زفرة كيان باسى ثم نظرة للسلم الممتد أمامها…الشقة

في الدور السابع…..هل ستصعد كل هذا…….تمتمت

بصوتٍ حانق كاره…….

“لي بس كده حرام عليك…….”

لم يسمعها البواب جيداً لذا سألها….

“بتقولي حاجة ياست كيان…..”

نظرة كيان إليه لبرهة ثم هزت راسها بنفي قبل ان تبتعد متجهة الى السلم بضيق كي تبدأ رحلت الصعود للدور السابع……….

“مستغناش ياعم همام عن إذنك……..”

عند الوصول للشقة أخيراً بعد رحلة طويلة شاقة توازن تعب اليوم في مكتب المحماة……. اطرقت

على الباب وهي تقول بصوتٍ متعب……

“افتحي ياشهد…. افتحي روحي بتطلع…..”

فتحت شهد الباب بعيون حمراء ووجه شاحب قليلاً…… ونظرة لاختها بقلق… وبحنان الام الفطري

التي اكتسبت إياه مع مرور السنوات في رعايتهما

اقتربت منها بقلق…..

“مالك ياحبيبتي انتي تعبانه…….”

دخلت كيان وجلست على أقرب مقعد وهي تأخذ

انفاسها…….

“نَفسي اتقطع من طلوع السلم…….هو هنا….” سالتها

كيان بتوجس………

هزت شهد راسه دون تعقيب…….فسالت كيان مجدداً…

“طب وحمزة……..”

اتجهت شهد للمطبخ قائلة……

“زمانه جاي من الشغل……..نص ساعة وهيكون هنا

وهنتغدى كلنا……”

لحقت بها كيان وهي تقول بحنق….

“سيبك من الغدى دلوقتي انتي عرفتي ان البواب منعنا نستعمل الاسانسير زي بقيت سكان العمارة… “

قلبت شهد الحساء وهي تقول بهدوء…..

“البواب مالوا ياكيان…..صحاب العمارة شارطين بده…….”

قالت كيان بانفعال….

“واحنا بقا ملناش شقة في العمارة دي……”

غطت شهد الإناء ونظرة لاختها قائلة ببال

طويل….

“اديكي قولتي شقه….نص العمارة ليها ملاك والنص التاني بتاعهم……..وبعدين دي تاني مرة الاسانسير يعطل وابوكي ميرضاش يدفع للصيانة…. “

لوت كيان شفتيها بمقت…….

“اللي يشوف حالنا ده ميصدقش ان ابوكي صاحب أملاك…….عمارتين على البحر بصف محلات كبير….

لا وسايب كل واحد فينا يتكفل بنفسه من اكل لشرب للبس لمعيشة…… انا مش عارفه طالما رامي طوبتنا اوي كده جبنا الدنيا ليه…… “

قالت شهد بصوتٍ هادئ يخفي الكثير من

الوجع….

“نصيبنا نيجي الدنيا ونبقى…… ولاد عثمان الدسوقي…”ثم نظرة لاختها وقالت بحسرة……

“تعرفي انا كنت ناويه إدفع صيانة الاسانسير لهمام

وانا رجعه… بس للأسف فلوس الاوردر اتسرقت مني

مسافة ما طلعت من الكمبوند……..”

جحظت عينا كيان معقبة بصدمة….

“أحيه……بجد اتسرقت…….مين اللي سرقها… “

اخذت شهد نفساً مرتجف…. وقالت بعجز……

“واحد معرفوش…..قصير كده ورفيع واسمر….خطف مني الفلوس وجري من قدامي ركب مكنه ورا واحد وهرب ملحقتش امسكه……….”

“والله انتي خايبه……..”

نظرة شهد لاختها الصغرى بعجز……

“خايبه في اي بس ياكيان بقولك خطف

الفلوس مني في غمضة عين وجري……..”

اخبرتها كيان بجدية…….

“مانا عارفه انه خطفها….حد قالك انه هيستأذن…

الخيبة انك تعدي مبلغ زي ده في الشارع…يابنتي

الناس جعانه وبتاكل في بعضها…..اسأليني انا….

انا الست شهور اللي اشتغلتهم في مكتب سليم الجندي شوفت صورة تانيه للناس….الناس

التعبانه بجد ياشهد….”

اسبلت شهد جفنيها وهي تصبر نفسها قائلة…..

“اللي يشوف بلاوي الناس تهون عليه بلوته….يمكن

زعلت شويه على الفلوس بس حمدت ربنا اني

كويسه وان طمع في الفلوس مش فيه…….”

“عشان حمار في حد ياخد الفلوس ويسيب

الشهد…….”تعلقت كيان في عنق اختها من

الخلف بمشاكسة…….

“بس يبكاشة انتي……تعالي في حضني….. “قالتها وهي تديرها اليها ثم عانقتها ومسدت

على شعرها وهي تسالها بحنان……

“شكلك مضايقه…. مالك في حاجه حصلت ضايقتك النهاردة……..”

زمت كيان شفتيها في احضان اختها

عابسة….

“ولا حاجة…… تعب كل يوم…….كالعادة الرجل الغامض بسلامته تعبني بطلباته…. قهوة ياكيان

ملف القضية الفلانيه ياكيان…… هنطلع على

المحكمة ياكيان….. صوري الورق دا وهاتيه ياكيان…. كيان…….. كيان….. لحد ما دماغي ورمت……”

ضربتها شهد على رأسها……

“ماهو الشغل كده ياهبلة أمال عايزة تقعدي متعمليش حاجة……..”

رفعت كيان رأسها وابتعدت عن أحضان اختها

قائلة بصوتٍ حالم………

“وفيها اي لما قعد ومعملش حاجة طب دانا إمبارح اتفرجت على حتة مسلسل كوري البطل كان صاحب شركة كل اللي بيعمله طول المسلسل يزعق للرايح والجاي… ويوم ما ربنا يهديه ويفتح ملف ونقول هيشتغل أهوه أخيراً…….. تدخل البطلة ويتلهي فيها………”

ضحكت شهد بدهشة قائلة….. “والله انتي هبلة المسلسلات الكوري لحست مخك…….”

لمعة عينا كيان بتمني…..

“نفسي اتجوز واحد كوري واستقر هناك…..”

قالت شهد بتأثر……. “وتسبيني انا وميزو……..”

صاحت كيان بتملك…..

“امال اسيب قرة عيني……. انتي عبيطه…..”

ضربتها شهد على ذراعها قائلة بتوبيخ…..

“آه يام لسان طويل ادخلي غيري هدومك على ماخوكي يجي خلينا نتغدى…….”

ضحكت كيان وهي تتجه لغرفتها ولكنها وقفت

عند الباب وهي تحك في شعرها سائلة….

“تفتكري ياشهد ابوكي هيجي على الغدى…….”

قالت شهد وهي تجلس على المقعد….

“تقريباً هيبات عندها النهاردة………”

زفرة كيان بارتياح…..

“أحسن وجوده في البيت بيتعب اعصابي……”

صاحت شهد بتحذير….. “كيااااااان……”

رفعت كيان حاجب متمرد وعلقت

هازئة…

“آه ياشهد كمية التسامح والسلام اللي جواكي مخليني احقد عليكي…. معقول بتدفعي عنه بعد

كل اللي عمله فينا…….”

هربت شهد من عينا اختها مبرره الوضع……

“انا مش بدافع بس الاحترام واجب….. ومهما كان

لازم نحط في الاعتبار ان ده أبونا……..”

“آآه زي ماهو حط في الاعتبار كده ان احنا ولاده…”

تمردها كان ظاهري جداً مع كل كلمة تنطق بها وللأسف كانت على حق لذا صمتت شهد دون

تعقيب فقالت كيان بقسوة بعد ان ساد الصمت بينهن……..

“سكتي ليه…. انتي بدفعي عن شخص رصيده

خلص جوانا من زمان………”

أغلقت الباب خلفها……. فنزلت دموع شهد بتعب من

حرب الكره والعتاب المقام بهذا البيت والتي بطلها

واحد فقط (أبيها….)…….تشعر أحياناً بالعجز اليأس…..

العجز من تغيير الواقع……اليأس في إدخال

الأوان الحياة والبهجة الى قلوب أصابتها

شيخوخة الصبى !……..

………………………………………………………………

صناعة الاشياء بيدك شيءٍ حِرفي يحمل حس فنان

مبدع…. يلامس بأصابعه الذهب فيشكلها قطع من الحلي باشكال واحجام مختلفة ورغم عمقها واختلافها عن المتداول مميزة……والأحجار الكريمة الباهظة بالوانها البراقة واشكالها المختلفة تضاف بدقة لكل تصميم يرسمه على الورق………..

يشعر ببعض الراحة وهو يقوم بهذا العمل في

ورشته الصغيرة والتي تجاور بيت العائلة

الكبير…..

التجارة في الحلي والمجوهرات مهنة العائلة الاساسيه والتي اوصلتهما لهذا المستوى فمن

يوم ان وعى على الدنيا وهو جده الصائغ

(صابر الصاوي) وابيه وعمه أدار الأملاك من

بعده لكن لم يكن أحد منهم يهوى صناعة الحلي والمجوهرات كأبيهم….. ربما اجبروا على إدارة محلات الذهب فقط لأنها ذهب وليست رمال

ليديروا وجههم عنها !…..

ام هو فأحب تلك الحِرفة وتعلمها من جدة قبل وفاته

وطور من نفسه فأصبح يجيد ويبتكر أكثر من جده.. حتى أصبح له زبائن من أعلى الطبقات التي يتعاملوا

معها منذ زمن تطلب أعماله بالاسم…….

مسح الخاتم بالمنديل الورقي ونظر له بدقة عالية يشعر انه ينقصه شيء لكن توقف عقله فجأه

وعجز عن فهم الناقص فيه……

حانت منه نظرة على ساعة معصمه فوجدها تشير لرابعة عصراً ربما عليه الذهاب لشارع ( الصاوي)

ليبدأ التجول بين المحلات التي يملكاها والآخرى

المستأجرة منهم……..فمشاكل شارع الصاوي لا تنتهي

خصوصاً ان صف المحلات من الجانبين اغلبه ملكاً للعائلة إلا عدد قليل فقط ملك لاناس آخرين تم

بيعه من قِبَلهم………..

وقف امام المرآة الكبيرة الموضوعه بالورشة ناظراً

إليها وهو يهندم سترة الحلة السوداء……متأملاً

نفسه لبرهة……

كان رجل وسيم للغاية في اواخر الثلاثينات من

عمرة قد بدات تظهر بعض الشعيرات الفضيه

في شعره الحالك…….

كان طوله يتجاوز الستة أقدام رشيق الجسد وله

بنية رياضية قوية تكشف عن رجولة طاغية…..

شعر أسود حالك مصففاً للخلف… برونزي اللون

بالحية حالكة كثيفة جذابة اما ملامحه فكانت

حادة مبهمة وعيناه السوداء قاتمة تحكي الكثير

عن مايجول بخاطره…..ويتعب ذهنه…….

طرق الباب عليه ودخل بعدها شابٍ وسيم في

عمر التاسعة عشر………لا يتشبها قط بل كان

غربي الملامح رغم انه شرقي ابٍ عن جد…..

لكنه شبيه أمه فعيناه زرقاء وشعره اشقر مراوغ عابث خفيف الظل……..ابن عمه الصغير والوحيد

(يزن الصاوي…..)

هذا الذي تربى امام عيناه وكبر لحظة باللحظة

بين يداه……….

شاكسه يزن قائلاً…..

“اي ياكينج رايح فين معاد غدى ده……..أوعى تقول انك مش هتتغدى إلهام هانم مستنياك…..”

أطبق على شفتيه في خطٍ مستقيم… وأحس بحلقه يلتوي وشعور هائل بالاختناق يتلبسه…….

اقترب منه يزن متسائلاً….

“ساكت ليه………هتتغدى ولا……”

نظر له بطرف عيناه سائلاً…

“ولو متغدتش يعني…….”

رد يزن بفرحة عارمة وعينان متسعتان……

“هاكل منابك معروفة……..”

رد عليه ضاحكاً وهو يهز رأسه……

“مخلص على أكل البيت كله ومش مكفيك……ارحمنا….. “

اجابه يزن بتبرير جاد…..

“أعمل إيه بس بجوع بسرعة…وبعدين المجهود اللي بعمله في الچيم بيجوع……دا غير الدراسة…..”

ارتفع حاجب الآخر مستنكراً وأضاف…

“الدراسة !!……ماشاء الله وياترى فاكر انت خدت

إيه في المحضرة إمبارح………”

ظل يزن يتفحص الأشياء من حوله وهو

يجيب….

“إمبارح…….لا دا بعيد أوي……..لو كنت سألتني

بعد المحضرة علطول كنت قولتلك……”

“يزن……..”

ابتسم يزن ولم يعقب بل قال بجوع….

“خلينا في المهم…..الغدى برد وامي مذنباني عشان خاطر سيتك……..”

سأله الآخر باهتمام…..

“وعمي والحاجة نصرة فين……..”

رد يزن بشفتي مقلوبة…….

“مستيينك برضو على السفرة………ابسط ياعم الكل بيعملك ألف حساب إلا انا لو بت برا البيت عادي ولا هيسالو……..”

“بس انا بسأل……..”قالها وهو ينظر اليه بمشاكسة

فرد يزن مؤكداً بمحبة……..

“أصلا مفيش حد مصبرني على العيشة معاهم

غيرك انت….. ونصرة قلبي……..”

راتفع حاجبا الآخر وادعى الاندهاش معقباً

بسخرية……

“نصرة قلبك !!…..وانا أقول اتركنت على الرف

ليه اتاريك هاري الحاجه اشعارات فارغة….”

قال يزن بانف مرفوع كأثبات ملكية…….

“وهي جدتك لوحدك يعني…ماهي جدتي انا كمان…….”

أشار له الآخر بكفه بان يخرج قبله حتى

يغلق باب الورشة…….

“اومرك ياستاذ يزن….. قدامي بقا خلينا ناكل

لقمة ونروح نشوف مصالحنا….”

“نازل شارع الصاوي النهاردة…….إمبارح مرحتش يعني طول النهار شغال في الورشة…. خلصت

الخاتم اللي قولتلي عليه ولا لسه…….. “ساله يزن وهم يسيروا معاً في الحديقة الداخلية للبيت

يقطعا المسافة البسيطه بين المنزل وغرفة الورشة……..

“يعني شبه خلصته……..”

انعقد حاجبي يزن متسائلاًً…..

“ليه هو نقصه حاجة ولا إيه…..”

رد عليه وهو يرفع عيناه للأمام بحيرة…..

“تقريباً……. بس لسه مش عارف……أول مرة

احتار كده….. “

سأله يزن ببراءة الأطفال….

“انت اتحسدت ولا إيه……”

أجاب الآخر وهو يضيق عيناه بشك…

“آآه شكلها عين زرقه ومدوره يلا… زي بعضو هعديها……”

جفلت ملامح يزن فرد سريعاً……

“اخص عليك ياكينج…… انا بقر…… بس عمري

ما حسد…..”

رد عليه الآخر بابتسامة مناكفة….

“تصدق ظلمتك………”

عندما دخلا غرفة الطعام صاحت الجدة بتافف

والتي كانت تجلس على مقعد متحرك… ترتدي

عباءه بيضاء ووشاح يماثلها لوناً……أصبحت

الملابس البيضاء من أكثر الاشياء التي تتجه

إليها منذ ان حجة بيت الله مع زوجها الذي

مات في طريق العودة في احضانها……ومن

أحد اسباب تدهور صحتها وجلوسها على مقعد

متحرك فراق رفيق دربها………

“اهلاً بيزن بيه…….. وعاصم اللي مجوعنا….لسه بدريه المفروض اسمه غدى بس معاكم هيبقا عشا… “

نظرة إلهام لابنها يزن والذي يشبهها شكلاً سواء بالعيون الزرقاء او الشعر الاشقر كانت جميلة على نحو خاص مزالت صغيرة في منتصف الاربعين من عمرها تكبر عاصم بسبع سنوات فقط بينما يكبرها زوجها بعشر سنوات……حولت نظراتها الى عاصم

الذي انشغل في همس ابنها…….

لكز يزن كتف ابن عمه عاصم وغمز له قائلاً بمراوغة…..

“بص بقا وتعلم مني أصول التثبيت…..للستات

من فوق الستين وانت نازل….. “

أقترب يزن من الجدة مهللاً باعجاب مسرحي

أسعد قلبها فهذا الصبي بهجة البيت

وسعادتهُ……..

“اقسم بالله يانصرة قلبي الغدى معاكي ميتشبع

منه قوليلي ليه……..قولي ليه…. “

ضحكت الجدة سائلة…… “ليه يابكاش……..”

“حلو ومسمسم زيك كده……”رد يزن وهو يقبل

يدها ثم رفع رأسه و تامل وجهها المجعد

منذهلاً…..

“بسم الله ماشاء الله عيني عليكي برده……..اي الحلاوة دي…انتي حطه كريم تفتيح ولا إيه

وشك منور يانصرة…..الله أكبر….. “

ضربته نصرة على كفه بتوبيخ……

“انا مبحطش حاجة على وشي و انت عارف….”

رد يزن باعجاب وهو يشفط الهواء بفمه كعلامة

على الاندهش الاكبر……

“عارف…. عشان كده بكبر…. الله اكبر تاني اي ده…

لا إله إلا الله……الله اكبر……”

ضحك عاصم…..وكذلك إلهام والدته……

فرمقت نصرة الصبي بارتياع….

“في اي ياواد خضتني…….”

قال يزن ملوحاً بتملق…..

“انتي خسيتي يانصرة قلبي…..خسيتي وبقيتي

غزال……طب والله بطل……..”

ارتفع حاجب عاصم بصدمة مردداً.. “بطل !!……”

قالت إلهام بضحكة رقيعه…..

“متعلقش ياعاصم مانت عارف ألفاظه…….”

أبعد عيناه عنها ممتنع عن الرد………وركز على رد

الجدة نصرة والتي اتى بابتسامة مرضية وقالت

بسعادة طفلة……..

“انا برضو حسيت النهاردة اني محلوه……”

أكد يزن بهز من رأسه…..

“جداً……عيني عليكي باردة يانصرة قلبي

النهاردة غير اي يوم….”

اشارت له الجدة بيدها ان ينحني ففعل

فقالت لها بهمساً…..

“تعرف انا ليه بحبك ياواد يايزن…..”

رد يزن بمحبة…… “ليه ياقلب يزن……..”

قالت نصرة بعيون تشع حنان وحنين لأيام دُفنت مع أصحابها ولم يبقى إلا ذكرى تحيا عليها حتى يحين إلقاء……..

“بتفكرني بجدك صابر…. كان عسل زيك كده وبيحب

يفرحني حتى لو بالكدب………”

انصدم يزن فرفع راسه مستقيمٍ في

وقفته…..

“اخص عليكي يعني كل ده كان كدب…”

قالت نظرة بمحبة عمياء…..

“انت بكاش………بس عمرك ماكنت كداب….. “

ابتسم يزن بزهو ورفع ابهامه مؤكداً….

“الله ينصرك على مين يعديكي هو دا التطبيل المظبوط………”

في تلك اللحظة دخل من باب غرفة الطعام…

رجل في منتصف الخمسين من عمره فارع الطول نحيف الجسد….وسيم الملامح خصوصاً بشعيرات الشيب التي غطت شعره ولحيته الكثيفه

انهُ(مسعد الصاوي)والد يزن وعم عاصم

نظر مسعد لابن أخيه معقباً دون رضا…..

“اي ياعاصم أخيراً طلعت من سجنك يومين بحالهم في الورشة………انت غاوي وجع قلب مالبضاعة اللي بنطلبها بنجبها وبنعرضها في المحلات وبتبقا كويسه وتريندات كمان وماشيه في سوق ……..اي لزمتها انك تعمل الحاجات دي بأيدك…. “

رد عاصم موضحاً وهو يتخذ مقعده جوار مقعد

جدته…….

“انت عارف اني بعمل بالطلب…….والخاتم اللي كنت سهران عليه كان برضو طلب زبونه مهمة عندي…”

جلس مسعد على رأس الطاولة وجواره أمه

وعاصم وعلى الناحية الأخرى زوجته إلهام

وابنهما يزن الذي انشغل في طعام

ياكل بنهم……

رد مسعد متعجباً من الأمر…..

“مش عارف أقولك إيه بس انت اللي فتحت على نفسك فتوحه………”

تدخلت نصرة بعدم رضا معقبة…….

“اي هي الفتوحه اللي فتحها يامسعد….دي حرفة أبوك اللي وصلتنا للي احنا فيه دلوقتي…….ولا خلاص من ساعة ما فتحت معرض العربيات انشغلت

بيه ورميت عليه الشغل كله ونسيت اصلنا…….دا شارع الصاوي يشهد بأسم وتاريخ أبوك واجداده

في تجارة الدهب……”

برئ مسعد نفسه موضحاً……..

“انا مقولتش حاجة يامي…….وبعدين المعرض مالوا بس….مانا نص وقتي بقسمه بين المعرض وشارع الصاوي…….وبباشر الشغل مع عاصم أول بأول

دا مالنا برضو……..”

قالت نصرة باقتضاب….

“لو بتخاف على مالك فعلاً كنت رعيته مش تدخل في تجارة تانيه وتسيب تجارتنا الاصليه……….”

تافف مسعد قائلاً باستهجان واضح……

“انتي عارفه ان مليش في تجارة الدهب…….مش لوني يام مسعد……..”

هزت نصرة راسها بوجوم قائلة…..

“لكان لونك ولا لون اخوك الله يرحمه……الوحيد

اللي طالع لابوك وصاين اسمه وتجارته هو

عاصم……. وبكرة يبقا يزن…. “

اعترض يزن وهو يبتلع الطعام بصعوبة….

“لا ياتيته انتي فاهمه غلط ان في كلية طب…

يعني هتخرج دكتور مش صايغ…….”

اقترحت الجدة متبسمة…….

“ومالوا الصبح تبقا في المستشفى وبليل مع عاصم في محلات الصاوي……”

زم يزن شفتيه…… “وليه الفرهدة دي بس…..”

سالته الجدة بشك… “بتقول اي يايزن……”

ابتسم يزن بتصنع وهتف بنفاق……..

“بقول الجاي احلى يانصرة قلبي…..انا معاكي في

اي حاجة….. “

أسبلت نصرة جفنيها وقلبت في الطعام امامها شاردة

ثم رفعت عينيها على الثلاث مقاعد الشاغرة والتي ظلت مكانها رغم هجر احبابها…….فعقبت شاردة

بشجن دفين…….

“بعد موت عبد الرحمن ومراته…….محدش هون عليا فرقهم غيرك انت ياعاصم….. واختك عُلا…. وبعد ما عُلا ربنا كرمها وجالها ابن الحلال اتجوزته وسفرت حسيت بفراغ وتعبت اوي بس اللي صبرني فرحتها وحبها لجوزها…….يمكن أكبر درس اتعلمته في

حياتي وفهمته مع الوقت…….ان الحياة بتمشي

رغم اللي ماتوا ولي بعدوا بتمشي……مش بتقف

غير جوانا احنا بس……..ربنا يرحمهم…. وحشوني اوي……….”

رد عاصم بنظرات حزينة متأثرة……

“ربنا يرحمهم…. ويباركلنا فيكي ياحاجه…….”

قالت نصرة بعطف وهي توزع نظراتها الحانية

عليهم بتساوي……….

“وفيك ياحبيبي…… وفيكم كلكم……كلوا ياولاد

بالف هنا…….”

تدخلت إلهام في الحديث قائلة…..

“ربنا يباركلنا فيكي ياماما…….دانتي باركة البيت دا حتى رُفيدة بتحبك جداً…..دي لسه قافله معايا

حالاً و بتسلم عليكم كلكم…….”

انهت الحديث بنظرة على عاصم الذي كان يأكل بصمت دون تعقيب……….ولكنه يفهم هذا التلميح

جيداً…….

نظرة نصرة لالهام وقالت بتأثر وهي تنظر الى

عاصم بحزن……..

“سلميلي عليها يالهام…..ربنا يوفقها في حياتها….”

شعرت إلهام بالغيظ واحمر وجهها بحرج فلم تكن تنتظر هذا الرد من الجدة وكأن الباب أغلق بالفعل

ولم يكن موارب كما تظن هي واختها

رُفيدة……….

“بصراحة انا عزمتها على الغدى عندنا بكرة….دا

بعد اذنك طبعاً……..”

جز عاصم على أسنانه وشعر بانفاسه تثقل فجأه….

قالت نصرة بتفهم وحنو…….

“ومالوا يابنتي تنور………دي مهما كان أختك….وحقها تيجي وتشوفك في اي وقت……….”

“الحمدلله……”نهض عاصم واغلق أزرار سترته

وقد انتبه له الجميع خصوصاً إلهام التي تقرأ

كل ردود أفعاله الواضحة على وجهه…..

قالت نصرة بحاجب معقود…..

“قعد ياعاصم كمل اكلك يابني……..”

قال عاصم بهدوء وهو يبعد المقعد من

خلفه…..

“شبعت ياحاجه الحمدلله….يدوب الحق شغلي….”

لم تضغط عليه في الالحاح بل قالت

بصوتٍ فاتر……..

“وانت فطريقك لشارع الصاوي عدي على بازار

حكيم وهتلي منه الفازة اللي وصيته يعملهالي

من شهر فات………”

ابتسم عاصم قليلاً مع تذكر حبها للتحف

الأنتيكات الفرعونية واهتمامها بهما بمبالغة

وكانهم أولادها الصغار……..

“حاضر هعدي عليه………سلام عليكم……”

عندما غادر أمام عينيها رددت بصوتٍ خافض

يشع حبٍ وامتنان لوجوده معها…….

“طريق السلامه ياحبيبي…..طريقة السلامه

يابن الغالي………..”

فتحت إلهام هاتفها وارسلت رسالة في الخفاء محتواها كالاتي…….

(مش قولتلك لسه بيحبك وقريب أوي…..هيردك لعصمته……..وبكرة تقولي إلهام اختي قالت…..)

………………………………………………………………

هواء منعش مالح للبحر القريب من هنا…..و شمس تبدأ بالغروب بين السُحب………العصرية في شارع الصاوي نهاراً أهدى وأفضل من الصباح لذا يفضل الخروج عصراً للتجول بين محلات الصاوي ملك العائلة وبين محلات الصاغه التي يديرها

بنفسه……..

ضجيج هنا و زحام بسيط هناك……

محلات شاغرة واخرى تعج بزبائن………..هناك من يسير يحمل

هموم العالم على عاتقه وآخر يسير غير مبالي

بالحياة ومصائبها……فالديه ما يكفيه ليحيا

مرتاح البال…………

صف سيارته جانباً وترجل منها بالحلة السوداء والنظارة المماثلة على عيناه……..لديه طلة تخطف الانفاس وتجذب الأنظار طوله الفارع ووسامته الطاغية شعره شديد السواد واللحية المماثلة

والملائمة لملامحه الرجولية الوسيمة….

كل مابي عاصم الصاوي يحكي عنه……والكل هنا يهابه ليس خوفاً بل احتراماً لرجل أثبت للجميع

انهُ يستحق مكانة جدة يستحق ان يدير أعمال

العائلة……… يستحق ان يكون من آل الصاوي

أكبر تجار الذهب على مدار سنوات طويلة…..

دلف الى بازار حكيم قبل ان يصل لمحل الصاغة….

عندما رآه حكيم والذي كان يسحب من مبسم الارجيلة خلف مكتبة الصغير…..وكان رجل

بشوش وسيم في منتصف الأربعين من عمرة……..هلل حكيم بمزاح عندما رآه……..

“خطوة عزيزة يابن الغالي……زارنا النبي……”

“عليه أفضل الصلاة والسلام……عامل اي ياحكيم…”

قالها عاصم وهو يستريح على أحد المقاعد بالقرب منه…..

رد حكيم وهو يسحب من مبسم الارجيله بمزاج

رائق….

“الحمدلله بخير…..انت اي أخبارك…بقالك يومين

مش ظاهر يعني غطست فين…….”

رد عاصم….. “هكون فين….. في الورشة…….”

سأله حكيم بهدوء…..

“بتعمل شغل جديد…..مد له خرطوم الارجيله

“تاخد.. “اخدها عاصم منه وسحب منها القليل

ثم اعطاها له…..مجيباً…..

“آآه حاجة كده………المهم الحاجه نصرة بعتاني

اخد الفازة اللي قالتلك عليها…….”

مد حكيم يده واخذ فازة مغطاه بالورق….

واخبره وهو يفتح جزء منها ليراها معه….

“آآه عندي اهيه……حاجة كده إيه اورجينال

خالص…..اي رأيك… “

نظر عاصم اليه بالامبالاة……

“انت عارف اني مليش في التحف والكلام ده…”

عقب حكيم بسخط…..

“خايب……..إزاي تكون فنان ومعندكش حس فني

ناحية الانتيكات دا فن يابنادم……”

رد عاصم ساخراً….. “سبنالك الفن يافنان………”

فابتسم حكيم وهو يلامس الفازة بيده

باعجاب……

“لا بكلمك بجد تعرف حبي للحاجات دي اكتر

من حبي لمرتاتي التلاته………”

ارتفع حاجب عاصم مشدوهاً….

“التلاته !!….. هما بقوا تلاته ياحكيم…….”

رد الأخر بفخر عجيب…..

“وقريب هتجوز الرابعه………احنا بنمشي

حسب الشرع ولا إيه…..”

“ولا إيه……نهارك زي الفل…..انا هروح أشوف المحلات وراجع الدفاتر المتكومه عليا….”

قالها عاصم وهو ينوي المغادرة….لكن حكيم

اوقفه قائلاً…

“دفاتر إيه قعد بس…….جيبلك عروسة…..”

لمعة عينا عاصم بتسلية

فسأله….

“عروسة !!……مين دي ……”

رد الاخر مبتهجاً….. “صاحبة المدام…….”

ازدادت التسلية في نبرة صوت عاصم

فسأله بمكر…..

“انهي مدام فيهم……..ماهما تلاته……”

كبر حكيم وهو يرفع اصابعه الخمسة في عينا

عاصم…….

“الله أكبر انت هتنق عليا ولا إيه…..صاحبة المدام التالته بس إيه فرسة….لولا انها صاحبة المدام انا كنت خلصت فيها بس انت عارفني محبش الخيانه

ولا الخاينين……..”

ضحك عاصم وهو يهز رأسه هازئاً….

“لا إله إلا الله…..تصدق عيني دمعت من التقوى….”

شاركه حكيم الضحك مضيف بمزاح…..

“أمال ياجدع………..المهم قولت إيه……”

سحب منه عاصم مبسم الارجيله قائلاً وهو

ينفث دخانها في الهواء……. “تصدق بالله…….”

رد حكيم بفضول…… “لا إله إلا الله…..”

أردف عاصم واجماً…….

“انا بعد الطلاق نفسي اتسدت….وحاسس اني عايز اكمل اللي باقي من عمري في هدوء…وسلام….

بعيد عن نكد الستات وزنهم …….”

اخذ منه حكيم الارجيله قائلاً بحسرة……

“والله عندك حق انا برضو نفسي اعيش في هدوء وسلام بس هنعمل إيه الواحد بيكمل نص دينه…”

سأله عاصم بمزاح…..

“تكمل نص دينك بتلاته ياحكيم…….”

رد حكيم نادماً…… “مانا قولت اكمله كله………”

تحشرجت الضحكة في حلق عاصم فخرجت

بسعال فقال وهو ينهض….

“يخربيت فقرك………..انا ماشي……”غادر عاصم

بعد ان ألقى التحية فقال حكيم بود…….

“ابقا عدي ياعصوم………”سحب حكيم

من الارجيله مضيفاً بشرود…..

“جدع الواد عاصم ده بس فقري…….ملوش حظ

في النسوان………. ”

…………………………………………………………….

يتخطى بالحذاء الأسود سلالم المبنى حتى وصل

للدور السادس فأخذ نفساً طويلاً وهو يرجع خصلات

شعره التي سقطت على جبهته من شدة نعومة شعره الأسود الغزير…….رفع عسليتاه الداكنه ذات لامعة الإجرامية بريق يجذب يقتل ويسرق القلوب…

كان مصوبها على باب الشقة في دور السادس…

تلك الشقة بها امراءه سارقة محتالة أخذت شيءٍ

صعب الإسترداد…….

بعد لحظة من تأمل الباب المغلق يأس من خروجها فتابع صعود السلالم للدور الأخير الذي يحمل لافته

(عثمان الدسوقي…)والده……

تخط ثلاث درجات بالعدد ووجد من تبسبس له

من الخلف بتردد……

ابتسم بمكر ودون النظر تابع في تخطي الدرج الرابعة…..ذادت الإلحاحية وكانها تنادي على قط

عنيد غبي لا يفهم…….

زفر مستاءاً من جبنها فالتفت إليها بحاجب

مرفوع قائلاً…….

“مش عيب نبسبس للاسد………”تقدم منها بذهو

وبوسامة تخطف قلبها متابع……

“راحت الهيبه….”

وقف امامها وكانت تقف امام فتحت باب شقتها بكامل اناقتها المعتادة ترتدي ثوب أسود طويل

مطبع عليه في كل جزء ثمرتان من الكرز……كانت

قصيرة بقوام غض ممتلاء قليلاً ملامحها أنثوية

رقيقه شعرها أسود ناعم به خصلات مصبوغة

باللون الاشقر………

“جرالك اي ياحمزة….. بقالي ساعة بنادي عليك…”

اتى صوتها الحانق بتلك الجملة فرد حمزة

بتعجب…….

“بتنادي ولا بتبسبسي…. هو احنا بنسرق يانوجه

دا انتي خطيبتي يابت……..”

حانت منها نظرة خلفها في قلب الردهة ثم عادت

إليه قائلة بارتياع…….

“أعمل اي بس امي جوا….. ولو شافتني وقفه معاك هتسمعني كلام ملوش لازمه فقولت ابسبسلك عشان متسمعناش……..”

عند سيرة امها زفر وسأل بفظاظة….

“طب وعايزه إيه…….”

انعقد حاجباها بدهشة……

“اي الرد الرخم دا ياميزو…. وانا اللي افتكرت إني واحشاك زي مانت وحشني…….”

أجاب حمزة بصدق…….

“انتي وحشاني علطول يانجلاء…. بس سيرة أمك دي بتقفلني من اليوم كله…. انا بقالي سنتين مستحمل

كلامها واسلوبها……”

القت الوم قائلة…..

“لو كنت كلمت أبوك عن الشقه……..”

قاطعها حمزة بزفرة استياء والعجز يلوح

بعيناه……

“مش راضي يانوجه…. قالي طالما خطبة من ورايا وعملت اللي في دماغك اتجدعن كده وجبلك شقه

برا……..”

تحركت حدقتاها بذهول وهي تتمتم باسى على حالهما معاً……….

“لا حول ولا قوة إلا بالله…. ابوك ده هيشلني… يعني

يبقا صاحب عمارتين في انضف حته على البحر

الدور فيهم يجي أربع شقق مستخسر يديك

منهم شقة……. شقة واحده نتجوز فيها……..”

أردف حمزة بصوتٍ كئيب…

“هو انا اللي هقولك…..مانتي عارفه اللي

فيها…….”

طبطبت نجلاء بيدها على صدرها قائلة

برجاء…….

“طب ونبي…. ونبي حاول معاه تاني عشان خاطري ياحمزة……انا مش عارفه أقول لامي إيه…وبصراحه

بقا امي عندها حق انا مش أقل من اي واحده في عيلتنا اتجوزت في شقه ملك……..”

أومأ برأسه بحنق…….

“سبيها على الله يانجلاء…..هتفرج… “ثم نظر

لها بخبث قائلاً…. “بس اي الحلويات دي…”

ضحكت بدلال وهي تمسك حافة الباب المفتوح جوارها……. “انت اللي عنيك حلوة والله…….”

“بجد…….” مالى عليها وهو يضحك فوضعت

يدها على صدره وابعدته قليلاً قائلة بدلال…..

“بس بقا…….”

مالى مجدداً طامع في الأكثر…

“مفيش حاجة علينا يانوجتي……”

تلاشت الضحكة ودفعت إياه بقوة في

صدره مجدداً قائلة بحزم…

“ولا لينا………. قولتلك امي جوا…….”

لوى شفتيه باستياءاً…….

“على أساس ان لو امك مش جوا يعني هطول

حاجة منك……. بقالي سنتين خاطبك بمسك

إيدك بالصدفة…..”

قالت نجلاء ببساطه…..

“كفاية عليك…. عايز إيه اكتر من كده……”

مسك يدها وقبلها قائلاً بمداعبة صريحة….

“حاجات كتير ياجميل……بس انت حن ياجن…..”

سحبت يدها تخفي توهج وجنتيها وخفقات

قلبها العالي……

“حسى اني مخطوبة لحشاش…..غير أسلوبك

خليك رومانسي……”

سالها ببراءة…… “اقول اي يعني……”

قالت بدلال….. “قول اي حاجة حلوة ……..”

“بحبك……في احلى من كده……”قرب راسه منها

فابتعدت نجلاء عنه ضاحكة بخجل………..فنظر له حمزة يتأمل جمال ضحكتها على وجهها المليح وصوتها الحامل بين الانوثة والرقة…

“بموت في ضحكتك……..”

احنت رأسها بخجل وهي تقول بصوتٍ حلو

كحلاوة ضحكتها………

“وانا والله…..بحب اشوفك وانت بتضحك ووانت بتهزر……….بحب انكشك…… انت عارف انا

بحبك قد إيه ياميزو……….”

“عارف يانوجتي…… بس الرومانسيه الكتير

دي خطر علينا…..”قالها وعيناه تتوهج بجنون

مع كل حركة وضحكة وهمسة تصدر منها…..

فقالت نجلاء مبتسمة….

“خلاص نبقا نكمل كلمنا بليل في التلفون……..”

اوما براسه وهو يقترب منها بلؤم…..

“موافق بعد الساعة اتناشر ……بس اي

ده……..اي اللي على كِتفك ده….”

مالت تنظر على كتفها لتجده يطبع قبلة على

خدها الناعم اعطته صفعة خفيفة من هول

الصدمة…….فزمجر حمزة وهو يتحسس

وجنته…….

“يخربيتك امال لو كانت جت في الهدف كنتي عملتي إيه……..”

رفعت يدها بشراسة… “كنت سودت عيشتك و…”

“هشش ولا كلمة انا سيبك على راحتك

بس بعد الجواز في حاجات كتير هتتغير وأولها………”مالى عليها هامساً بعدت

كلمات وقحة……..فاصدرت نجلاء شاهقة عالية

على اثارها آتى صوت امها بتساؤل من داخل الغرفة……

“في اي يانجلاء……بتشهقي كد ليه يابت…..”

عقب حمزة مشاكساً…..

“لو جدعه قوليلها…..بتشهقي على إيه…….”

نظرة نجلاء لحمزة ثم للداخل…….ولحقت

نفسها سريعاً صائحة…….

“بشهق على الملوخية يامه……الملوخية……”

غمز لها حمزة بمراوغة وهو يمسك يدها البيضاء

يتفحصها بمكر ثم قبل اصابعها واحداً تلو

الآخر……

“سيدي على الملوخية….. وجمال الملوخية…….”

سحبت يدها وهي تبعده عنها قائلة

بحنق….

“أبعد عني ياحمزة……هتفضحني….وامي

هتشوفك…. “

تحدث بتبجح قائلاً……

“ماتشوفني……انا قاري فاتحه وملبس دبل….”

عقدت ذراعيها امام صدرها…..

“وده بقا يديك الحق تقف معايا على باب الشقه…”

وضع يده في جيبه متحدياً إياها بقوة….

“دا يديني الحق…..اتغدى معاكم النهاردة……من الملوخية اللي شهقتي عليها……هو انتي فعلاً

هتعملي ملوخية…….”رفع حاجبه بخبث..

فردت نجلاء بشفتي مقلوبه……

“مضطره أعملها عشان متشكش فيا…….اطلعلك طبق….”

اخرج يده من جيب البنطال وقال بمراوغة…

“مبحبهاش………المهم انا طالع لحسان الشهقة

الجايه هتبقا مفقوصه أوي……وهتعرف ان

انا اللي على الباب….. “

قالت نجلاء متخصرة…..

“ودا مناك انها تشوفنا وتسمعني كلمتين

ملهمش لازمه….”

“عيب عليكي ….انا كده برضو…..”القى عليها

نظرة عتاب لئيمه فقالت سريعاً……

“مش كده…… بس لو شافتنا هتعمل إيه…….”

رفع كتفيه متحججاً….. “معرفكيش……”

“شوفت…….”ضحك الاثنين سوياً بصوتٍ عالٍ فاتسعت أعينهما مع صوت الضحكات فوضع

كلا منهما يده على فمه والضحكة مستمرة

تشاركها أعينهما بلمعة حلوة كحلاوة حبهما…..

……………………………………………………………

فتح باب الشقة بالمفتاح فوجد أخته الصغرى( كيان) تحمل طبق الحساء بحرص وتسير بخطوات بطيئة

وعينيها مصوبها عليها حتى لا يقع على يداها….

وقد قالت فجأه بفزع……

“سخنه.. سخنه…..سخنه…سخنه…….حمزة هتقع

من ايدي……. هتقع من ايدي….. “

أغلق حمزة الباب سريعاً واتجه اليها وحمل عنها الطبق قائلاً باستهانه……

“هتفتحي بيت إزاي وانتي مش عارفه تشيلي

طبق شوربة !!………”

امتصت كيان ابهامها واستدارت عائده

للمطبخ…….

“سخنة أوي……..اوووف….انا هروح اجيب طبق المحشي من جوا بقولك حطها على السفرة وغير هوا……انا هموت من الجوع وشهد مذنباني عشان خاطرك……..”

سألها حمزة بنبرة مغبرة….”أبوكي هياكل معانا…..”

“أبوك مش هنا عشان يأكل معانا…..عند مراته التانيه

مُهجة……”هزت كتفيها بميوعة ولؤم ثم دلفت للمطبخ سريعاً………

عندما دخلت كيان للمطبخ اخبرت شهد التي

تضع الطعام في الاطباق……

“اخوكي جه……..”

قالت شهد وهي تغلق الحلة بالغطاء……

“سامعه صوته………يلا خدي طبق المحشي ده

على ماجيب اللحمة……..”

“متنسيش اللمون……”قالتها كيان وهي تخرج من المطبخ………

وضعت كيان الطبق وهي تصيح مهلله…..

“يلا ياميزو…..الأكل ياميزو….جُعنا ياميزو…….”

خرج حمزة من الغرفة بملابسه السابقة…..فعقدت شهد حاجباها بتساؤل……

“ليه مغيرتش هتخرج تاني……..”

رد وهو يسحب مقعداً ويجلس ورائحة الأكل

الشهي فتحت نفسه على الطعام….

“آآه مشوار كده…….”

بدات كيان بالاكل وهي تسأله……

“اوعى يكون عواء………..مشويرك كلها بقت عواء وبقيت بتدخل في خناقات وحوارات ملكش فيها..”

لم ينظر لها حمزة بل اكل بنهم وهو يرد

ببرود….

“الحورات دي مش جديده عليكي….ولا انتي عشان بقيتي محاميه……بقيت خايفة على شكلك قدام الناس…….”

تدخلت شهد بصوتٍ حاني……

“هي خايفه عليك ياحمزة….وانت كبرت على الكلام ده…..وفعلاً ملوش لازمه الحوارات دي كلها….”

رد حمزة بصوتٍ محتد قليلاً…..

“على أساس اني بختار الحوارات دي ماهي اللي بتجيلي لحد عندي……”

اعترضت كيان بدفاع…….

“المكروباص اللي شغال عليه والموقف اللي بتقف فيه مش توبك يابن الدسوقي…….”

رد حمزة مزمجراً ممتنع عن النظر لعينيها…..

“معلش مكناش فالحين في التعليم زيك….فالشارع

اختارنا واحنا رضينا بيه…….”

نظر لها تلك المرة بغضب…..

“اتحذفت بالاستيكه……عمايل ابوكي فيا…….”

قالت شهد بصعوبة وهي تشعر بالاختناق

لمجرد انها ستدافع عن أبيها !!…….

“أبوك محرمكش من التعليم ولا هو اللي طلعك

من المدرسة……..”

نظر لها حمزة واردف بنبرة تقطر مراراً……

“صح….بس حرمني من اني انام في فرشتي زي بقيت الخلق…..كنت ببات في الشارع اكتر ما ببات في سريري……..سبونا نبلع اللقمه الله يرضا

عليكم……”

حاولت كيان تخفيف الجو المشحون بسببها

فقالت بمرح طفيف….

“خلاص متزقش…….كلمتين بنفضفض بيهم مع بعض……….المهم قبلت نوجة على السلم….”

رد بغلاظة……. “وانتي مالك……”

سالته بسماجة…..

“عادي يعني عايزه اعرف قولتلها إيه…….”

كرر حمزة الرد بقلة تهذيب….

“وانتي مالك برضو……. ومال اللي جابك…….”

ارتفع حاجب شهد بصدمة…… “حمزة……”

مطت كيان شفتيها بقرف قائلة….

“قليل الذوق…..انا هركز في المحشي احسن…..”

“حشي وانتي ساكته…….”ثم التفت لشهد قائلاً

بمناغشة…….

“خليني انا مع الرايق الهادي ده……مالك لونك مخطوف ليه حد زعلك……اوعى يكون كيمو…”

صاحت كيان بغيظٍ وهي تضرب قدمه بقوة من

أسفل الطاولة…….. “اسمي كيان………. كياااان……”

ضحكت شهد ثم قالت برحاء….

“متقفلهاش بقا ياحمزة…….وسبها تاكل…….”

“بجد مالك…….”سالها مجدداً…

“باختصار شديد اتسرقت……..”قالتها كيان وهي تمضغ الطعام…….

فلاح الاستياء على وجه شهد ونظرة لها

بعتاب…

“مين سرقك……..وسرق إيه بظبط…….”

ردت شهد وهي تقلب في طعامها وقد فقدة الشهية

على سيرة السرقة…….

“فلوس أوردر كنت عملاها….وصلته ناحية (***)..

ووانا بعد الفلوس لقيت واحد نتشهم مني وطلع يجري جريت وراه لقيت ركب مكنه ورا صاحبه

وكل اللي عرفته ان اسمه حبايه…… ودا الاسم

اللي نداه بيه صاحبه لما ركب وراه…….”

ارتفع حاجب حمزة مذهولاً……

“حبايه !!…..شكله إيه….قصير كده واسمراني…

ورفيع…….”

اومات شهد مشدوهة…..

“أيوا تقريباً…….انت تعرفوا……..”

جز حمزة على أسنانه قائلاً…..

“دا من الساحة……..أبن ال………لما أشوفه بس….”

قالت كيان بسخرية….

“على ما تشوفه يكون صرفهم…….”

رد حمزة وهو يرتشف من كوب الماء جواره…..

“ما اللي زي دول ملهمش مكان ولا أهل….. مش

هعتر فيه غير في الساحة……. “

قالت شهد باستهانه وهي تفتح مجال اخر

للحديث……

“بلاش تتعب نفسك وتدخل في مشاكل ملهاش

لازمة ربنا يعوض عليا…….خليني اكلمك في المهم….انت عارف اني خريجة سياحة وفنادق…..

و بقالي خمس سنين بشتغل في مطاعم الفنادق وغيرها……دا غير شغلي في البيت جمعت مبلغ كويس وناويه اقرب من حلمي واخد خطوة

واحده لقدام….هو اني أأجار مطعم باسمي……….”

ضيق حمزة عيناه العسلية وهو ينظر لها

بشك……

“هو انا ليه حاسس ان المقدمه الطويلة دي وراها مصيبه…. انتي مش بتيجي تستشيري حد في

حاجة غير لما تكون في حاجه معصلجه معاكي

…. ادخلي في المفيد….. لقيتي المطعم ولا عايزني اكلم سمسار والأهم معاكي فلوس فعلاً ولا هتغرقينا… انا ممكن اساعدك بالفلوس اللي شايلها للجواز…. ولم تفرج نبقا نقسط…….”

هزت شهد رأسها وهي تخبره باختصار

شديد….

“لا محتاجه سمسار ولا محتاجه فلوس مستوره الحمدلله…بصراحه العقبة بس اللي قدامي ان

المطعم اللي عيزاها… في شارع الصاوي………”

رد حمزة بحيرة وهو يفكر معها بصوتٍ

عالٍ….

“مطعم مين ده……..مفيش في شارع الصاوي مطاعم اغلبه بتوع الصاغه منهم محلين صاغه تبع عيلة الصاوي واحد في اول الشارع وتاني في اخره…..

وبازار حكيم…. وقهوة مينا النصراني……..ومكتبة أحلام…….. وكام سوبر ماركة……على كام محل هدوم…..فين المطاعم……”

ردت شهد بلهفة وعيون تلمع……

“مطعم الجمال……..كان فتحه جمب مكتبة أحلام

المطعم ده اتوضب وفتحه من أربع شهور فاتوا ولما ملقاش زباين وخسر….. فسخ عقد الإيجار مع عاصم الصاوي…….وساب المطعم……..والمطعم دلوقتي مقفول ومعروض للإيجار…. “

سالها حمزة بغيرة……

“وانتي عرفتي الكلام دا منين….بتنزلي شارع الصاوي ولا إيه………”

هزت شهد رأسها مجيبة….

“لا خلود قالتلي……جوزها حكالها مانت عرفوا بشير………”

اوما حمزة بتذكر….

“عرفوا………هما ناوين يشتغلوا معاكي……”

اردفت شهد….

“ان شاء الله…..بس مقولتش اي رأيك……”

قلب حمزة في الحساء أمامه قائلاً

“مكنتش اعرف ان حلمك تفتحي مطعم في

شارع الصاوي……..”

حولت كيان بصرها لاختها تتابع ردها….فقالت شهد

طامحة………

“انت عارف ان حلمي اكبر من كده…وانا قولتلك انها أول خطوة……….بس محتاجه اعرف رأيك بما انك رجلك في المكان اكتر مني…….اي رأيك…..”

رد حمزة وهو يقلب الامر برمته في

راسه…..

“هو حلو وشارع الصاوي معروف والمكان كويس ومش شعبي خالص…..الرِجل فيه حلوة في الراحه

والجايه…….المكان ليه زباين ومن كل الطبقات والكل يعرفوا…….والاحسن من ده كله ان المطعم مش هيكلفك غير العده بتاعتك……والايجار مقدور عليه…..مكان تاني ممكن يحتاج توضيب…

والجمال زي مابتقولي وضب وظبط فيه

على حسه……. بس…….”

انكمشت ملامح شهد باستياء…. “بس إيه………”

رد حمزة ببساطه…

“نص شارع الصاوي بمحلاته ملك لعيلة الصاوي…..وعاصم الصاوي مبيأجرش لحريم….”

تدخلت كيان في الحديث بتعنت….

“لي بقا مانت لسه قايل المطعم جمب مكتبة احلام…….هي أحلام دي راجل…….”

زم حمزة شفتيه مجيباً ببساطه…..

“أحلام دي ورثه المكتبة اباً عن جد….يعني ملكها…

افهم ياكيمو…….عاصم مبيحبش يسلم املاكه لحريم عشان لو حصلت مشكله كده ولا كده هو اللي هيدبس عشان المكان بأسمه……..”

قالت شهد بتعجب….

“واي بس المشاكل اللي هتحصل ياحمزة….انا راحه اشتغل ولا راحه احارب…….”

قال حمزة بتشأم……

“شارع الصاوي مشاكلة كتير……..ومظنش ان

مطعمك هياكل هناك………….. “

دافعت عنها كيان بمحبة…

“ليه شاكك في شطارة اختك…….عيب عليك دا

انت بتاكل من تحت ايديها كل يوم……..وتشهد بحلاوة اكلها….. وطعمته….. “

أومأ حمزة براسه موافقاً…..

“أكل اختك لا يُعلى عليه….بس احتمال كبير يفشل مشروعها زي الجمال……”

لوحت كيان بيدها بتعنت……

“جمال مين ياعم صلي على النبي….أختك بعون آلله

هتخلي الجمال بذات نفسه يشتري من مطعمها…”

حاولت شهد معه برجاء……

“حمزة الله يرضا عليك بلاش تعقدني….واقف معايا

وساعدني أكتب عقد إيجار لمدة سنة مع اللي اسمه عاصم ده…….”

هز حمزة راسه مصمماً…

“مستحيل قولتلك مش بيأجر لحريم…….”

تدخلت كيان مقترحه….

“خلاص أجر انت المطعم بأسمك…..وهي

تشتغل فيه…”

هتفت شهد سريعاً باستحسان للفكرة…

“حلوة اوي الفكرة دي…. وانا معنديش مشكلة

يبقا العقد باسمك……..”

انعقد حاجبي حمزة مفكراً…….

“يسلام ولما يعرف اننا اشتغلناه…….هيكون شكلي إيه قدامه…….”

حاولت شهد الالحاح باستعطاف….

“مين بس اللي هيقوله….لما يسألك قوله بتشتغل معايا……وانت اكيد هتيجي وتروح عليا مش

هتسبني كده لحد ماخد على المكان والناس اللي فيه…..”

زفر حمزة مصمماً برفض….

“الحوار مش هيمشي كده ياشهد……”

تدخلت كيان بعناد…….

“امال هيمشي ازاي ياحمزة…على فكرة بقا انت اللي مش عايز تساعدها تاخد أول خطوة وتقرب من حلمها…”

أشار حمزة على نفسه ذاهلاً……

“انا……من امتى وانا بقف قصاد حلم حد فيكم او حتى شغله…….” نظر حمزة لاخته بعطف أخوي وشعور العجز يخنق حلقه….

” انتي عارفه ياشهد لو ايدي طايلة كنت اشتريتلك أحسن مطعم فيكي ياسكندرية وعلى البحر كمان…..”

ابتسمت شهد وربطت على كتف اخيها دون

تعليق…..فقالت كيان بغيرة…….

“يسلام……. وانا بقا كنت هتديني…….”

“اديكي في سنانك…….”ضحك حمزة لاغاظتها

فوجد ملامح كيان انكمشت فمد يده وقرص

وجنتها بمحبة قائلاً……

“اللي تطلبيه لو نجمة من السما هجبهالك….انا

عندي كام كيان………”

لمعة عينا كيان بتمني…….

“تعرف انا نفسي افتح مكتب محاماه واشتغل

بأسمي زي سليم الجندي اللي شغاله عنده ده…….”

شاركها حمزة احلامه قائلاً……

“وانا كنت هفتح مشروع واشتغل حُر نفسي واشتري شقه….شقه إيه بيت كبير بجنينه حلوة كده ونعيش فيها كلنا واتجوز نجلاء…….ونرتاح بقا…… “

قالت شهد بسخرية….

“محتاجين مصباح علاء الدين……..”

لوت كيان شفتيها قائلة بواقعية….

“او ان ابوكي يحن علينا ويفك الكيس شويه….

ويحاول يدينا اي حاجة من ورث ماما……”

أردف حمزة هازئاً بمرارة……

“ورث امك والعمارتين اللي يملكهم وحاجات كتير اوي عايزين نعرف مصيرهم إيه واحنا محتاجين

ليهم بالشكل ده……….”

“لو يموت هنرتاح………..”قالتها كيان بقسوة

وهي تنهض عن مقعدها……

فنظر حمزة الى أخته وهي كذلك فأخبرها بإبتسامة

ساخرة مُرة كمرارة الكلمة التي القتها اختهما

الصغرى قبل ان تبتعد………

“وصلنا لليوم اللي بقا في حد فينا بيتمنى موته….

وحد تاني تعب من وجوده……وحد تاني…..”

اكملت شهد عنه بصوت مرير……

“حد تاني انكسر على ايده….فاختار السكوت…..”

مسك يدها شاعراً بالوجع والشفقة نحوها منذ

هذا الحادث المشئوم……

“محدش يقدر يكسرك ……احنا جمبك……”

كانت تود البكاء لكنها قاومت تلك الرغبة

بابتسامة هادئة…….

“وده اللي مطمني…..أنسى……المهم هتتفق مع

عاصم الصاوي وتمضي عقد الإيجار بأسمك…….”

لم يجد إلا الموافقة وتلبية طلبها فالأول

مرة منذ سنوات تطلب منه شيءٍ مهماً

وبهذ الالحاح الشديد……

“ان شآء آلله اشوفه الأول عايز يأجرة ولا لا…..وبعدين الباقي هيجي واحده واحده…. “

نهضت شهد عن المقعد تشكره بامتنان

وسعادة…

“ربنا يخليك ليا ياحمزة…….فرحة قلبي انت

احسن اخ في الدنيا……….”

نهض حمزة كذلك واخذها في احضانه

قائلاً بحنو….

“وانتي احن اخت في الدنيا كلها…….”

خرجت كيان من الحمام فوجدتهما يتعانقا

فقالت بنباهة…..

“اي ده شكلكم اتفقتوا………”

اومات شهد بإبتسامة واسعة…فركضت كيان

اليهما قائلة بابتهاج…….

“مبرووك ياشوشو…….خدوني في حضنكم انا كمان…..”انضمت اليهم وتعانقا ثلاثتهما معاً…

كانا الأختين كلاً منهم ترتاح على كتف حمزة بينما

يربت هو على كتفهن بحنان اخوي………

لم تكن يوماً الحياة عادلة مع واحداً منهم فكل شخصاً اذاق الصعب والصبر في كأس واحد

وكلاً منهم حكمت الحياة عليه بسير في طريق

يختلف عن الآخر ورغم ذلك كان ترابطهما وحبهما

والمساندة والاخوة فوق كل شيءٍ…….واهم من

اي شيء……..فأصبح( الحب أولاً ) رغم الصعوبات وعواقب الطريق………….

…………………………………………………………….

بعد ساعة كان يرتشف حمزة من كوب الشاي وهو يشاهد أخبار أليوم عبر التلفاز تشاركه الجلسة

شقيقتيه…..وكانت شهد منشغلة في تفحص احد مجلات الطهي الغربي وكيان تعبث في هاتفها

بملل……..

طرق غليظ على باب الشقة جعل شهد تنتفض برهبه خلقت داخلها كفطرة لا تزول إلا بالموت !!……..

فنظرت كيان لاخيها قائلة بدهشة…..

“أبوك ده……”

” أكيد هقوم افتحله………”قالها حمزة بجفاء

وهو ينهض عن الاريكة متجه الى الباب…….

فالقت شهد بالمجلة على الطاولة وعلقت عينيها العسلية على باب الغرفة التي خرج منها حمزة ولم تلبث الثواني إلا وسمعت صوت ابيها الجهوري يسب في حمزة بالعن الكلمات ويهين شرف امهما التي من المفترض انها زوجته………

قفز الفتيات متجاهان الى اخيهما بسرعة…..فوجدا ابيهما ( عثمان الدسوقي) يمسك في ياقة قميص

حمزة ويحاول خنقه وهو يلصقه في الحائط بمنتهى الغل والقسوة….. عثمان الذي تخطى الشيب شعره فأصبح في منتصف الخمسون من عمرهُ ، ومعها

كثرة اخطاؤه وافعاله المخزيه عند اولاده الثلاته……فأصبح لا يعني لهما الى عزرائيل الدنيا يزهق آلروح ويعذبها دون ان تفارق الجسد……

هذا الرجل الذي ازدادت غلطاته وقساوته وجمود قلبه عليهما فأصبحت (كيان) تتمنى موته و (حمزة..)

يمقت عليه و(شهد..)رهبتها منه تزهق روحها بالبطيء !!……..

تدخلا الفتيات سريعاً يحاولا فض الاشتباك بينهم.. فصرخ عثمان بكرهاً وهو يمسك ياقة قميص حمزة بعنف يدفعه ظهره في الحائط خلفه بقوة……

“انا يالا تفضحني وتشتكيني لسامي السماك……”

تحدث حمزة وهو يحاول الافلات من بين يداه

القوية……

“انا مفضحكتش انا قولتله يكلمك…… يكلمك

تديني شقه اتجوز فيها من اي عمارة من العمارتين اللي عندك او تساعدني بمبلغ صغير ولما ربنا يفرجها عليا هرجعهولك………”

هتف عثمان بصوتٍ بشع……

“منين ياصايع…. من المكروباص الخربان اللي

شغال عليه ولا من قعدتك مع الصيع في

الساحة…….”أضاف وهو يدفعه في الحائط

بقوة…..هاتفاً بمنتهى البرود…..

“وبعدين انا حُر ياخي في فلوسي وعماراتي….

اديك منهم ليه……. ما تصرف….. تتجوز ولا

ان شا الله ما عنك ما تجنزت انا مالي……..”

فارت دماء حمزة فصاح هائجاً….

“خلاص اديني ورث امي اللي لهفته منا…….”

وقع قلب الفتيات وهم ينظران للبعضهن برهبة

من القادم….فضحك عثمان ساخراً وهو يدفع

ابنه للحائط من جديد محدثة بتوعد……..

“هاهااو…… هي أمك كمان ليها ورث عندي…. أسمع يالا عايز تقعد في البيت ده تقعد بادبك غير كده قسماً بالله أسود عيشتك وبلغ عنك الحكومه وقول عنك إرهابي وساعتها مش هتشوف النور تاني….

ولا حد هيعرفلك طريق….. “

صاح حمزة بغضب وبرقة عيناه بالدموع دون ان تسقط من حدقتيه………..

“انت اي ياخي شيطان هو انا مش ابنك… احنا مش ولادك………ارحمنا ودينا حقنا……. ولا ناوي تكتب العمارتين لمراتك التانيه……..”

تحدث عثمان بتشفي وهو ينظر له ثم

للفتيات بنفس القسوة والجحود……

“لو حكمت هعملها عشان اقهركم انتوا التلاته ولا اخلي واحد فيكم يتهنى بفلوسي ياولاد حليمة….”

صاح حمزة مزمجراً بكره…..

“وطالما انت كارهنا اوي كده…. جبتنا للدنيا ليه…..

ها ليه… “

اخبره عثمان باشمئزاز…….

“غلطة أمك ياخويا….. كانت طمعانه فيا زيكم كده بظبط فقالت تربطني بالعيال……..عرفت جيت الدنيا

إزاي ياصايع……..”

“انا عايز حقي…. عايز حقي….دا ميرضيش ربنا….”

اندفع الغضب داخل حمزة مرة واحده فدفع والده قوة بعيداً عنه……حينها اتسعت عينا عثمان وهو يتقدم منه بملامح تنذر بالخطر….

“انت بتزقني يابن ال****…….”

اشتبكا الإثنين في بعضهم بقوة كالاعداء فتدخلت الفتيات بالدموع والصراخ…….

فصرخ عثمان وهو يحاول اخراجه من الشقة….

“اطلع برا بيتي…..مش هتقعد فيه تاني….ارجع للشارع اللي جاي منه……أطلع برا يابن ال****…”

سالت الدماء من انف حمزة من شدة الصراخ والضغط النفسي…….مسكت شهد ذراع أبيها

وهي تبكي تترجاه بقوة ان يتركه….

“بالله عليك سيبوا…. هيبات فين دلوقتي…..

سيبوا بالله عليك…….”

برق لها عثمان بعيناه بشر وتوعد تلك النظرة التي تحفظها جيداً وتذكرها باسواء يوم عاشته…..وتليها

ايام اسواء منها……..

“سيبي دراعي………”دفع يدها بقوة وصفعها

على وجنتها بقوة….. فشهقت كيان وتسمر حمزة مكانة بعد سماع الصفعة التي تلقتها شهد دون

ذنباً….

تراجعت شهد خطوتين للخلف وأول شيءٍ بدات تلمسه للتأكد من وجوده كانت السماعة الطبية في أذنها اليمنى تثبتها بعد ان تحركت قليلاً………ثم تحسست وجنتها المتوهجة آثار الصفعة القوية

التي تركت علامات لاصابعه الأربعة الغليظة………

نزلت دموعها وفي اللحظة التالية ربط عقلها

بين الصفعة الحالية وصوت صفعات وصرخات

تحفظها اكثر من إسمها حادث مشئوم جعلها

تفقد أذنها اليمنى…….وتفقد معهُ روحها

النابضة………..وتفقد كل ما ينتمي للحياة

بداخلها……..

مسح حمزة أنفه بظهر يده وهتف بانكسار

لأجلهن من بين انفاسه اللهثة بغضب…….

“انا همشي…..بس ملكش دعوة بيهم…..همشي……”

لم يكتفي عثمان بهذا الرد بل فتح الباب ودفعه للخارج واغلق الباب في وجهه بمنتهى القسوة

والجحود……….

استدار الى الفتيات كجبل شامخ قوي

صلب بالقسوة والجمود……..وصرخ فيهن

بغضب………

“كل واحده تغور على اوضتها……..مش عايز

اشوف وش حد فيكم……. “

انكست كيان راسها وهي تبكي ودخلت غرفتها

سريعاً مغلقة الباب عليها بقوة….. وكذلك تحركت شهد نحو غرفتها لكن بخطوات بطيئة ميته

فاوقفها صوت عثمان الذي أخبرها بمنتهى

السادية والتشفي……

“بلاش تقفي قدامي تاني…..حافظي على نفسك لحسان المرة الجايه تخسري ودنك التانيه……

ساعتها هتعنسي بحق وحقيقي…….. ومش

هتلاقي حد يبصلك……. “

اغمضت عينيها بقوة وقد انتفض جسدها من

مكانه حينما سمعت باب الشقة يغلق مجدداً

وأخيراً رحل عزرائيل حياتها……رحل مؤقتاً !!….

google-playkhamsatmostaqltradent