Ads by Google X

رواية اطفت شعلة تمردها الجزء(2) الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم دعاء احمد

الصفحة الرئيسية

    رواية اطفت شعلة تمردها كاملة بقلم دعاء احمد

رواية اطفت شعلة تمردها الجزء(2) الفصل السادس و الثلاثون 36

الحياة عبارة عن عدة مسارات تشبه لعبة المتاهة ان وجدت لك رفيق درب صالح سيأخذ بيدك الي حيث الأمان، وحتى ان لم تصل للأمان ستجد من يوئنس وحدتك، فماذا يخطر ببالك ان وجدت عائلة باكملها تحثك على النهوض لأجلك أنت

بعد مرور نصف ساعة من خروج “عمر” من منزل آل «الشهاوي»
حيث قاد سيارته الي المنصورة و برفقته “ثائر” الذي يجلس بجواره ،
صدح رنين هاتفه معلناً عن أتصال “عصمت” له، جز عمر علي أسنانه بغضب ليهمس بفحيح:
– حسابك تقل اوي يا عصمت الكلب، و اللي عملتيه هتدفعي تمنه غالي اوي.
رد ثائر بجدية قائلا:
-رد عليها يا عمر بدل ما تشك فيك.
نظر له ثم للطريق المظلم فقد تجاوزت العاشرة والنصف مساء، ثم أجاب بهدوء :
“الورق جاهز”
ردت عصمت بسعادة و خبث:
-اوكي يا عمر كدا تعجبني بجد، عشرة من عشرة و نجمة، تجيلي على قصر الرشيد و لوحدك، اظن مش محتاج اقولك ان القصر فيه حرس كتير و مفيش نملة هتقدر تعدي من غير أذني بس ياريت تنجز لان البنت حالتها صعبة اوي و انا زهقت
، معاك ساعتين من اسكندرية للمنصورة ، سلام يا رشيدي باشا”
اغلقت الهاتف مباشرتا ليسبها عمر بغضب قائلا :
” بنت ال***، اسمع اللي هيحصل…”
اومأ له بجدية وهو يستمع لحديثه
مرت ساعة أخرى و أصبح على مشارف تلك القرية، اخذ هاتفه يجري اتصال بزوج أبنته الذي لم يتقبله بعد.
اما عن الجهة الاخري
كانت سيارة صالح وصلت لتلك القرية يفكر في طريقة لدخول ذاك القصر،
الا أن رنين هاتفه اوقفه ليقول “على” بجدية:
-رد يا صالح
تافف بغضب و هو ياخذ الهاتف يرد بضيق و حدة:
-في ايه؟”
كاد عمر ان يسبه الا انه تحكم باعصابه قائلا:
-” أقف عند مدخل البلد، لو دخلت دلوقتي مضمنش ايه اللي هيحصل القصر مترشق بالبلطجية، انا ربع ساعة و اكون عندك و اظن انت يعني مش بعيد عني ، انا عارف مداخل القصر”
لم ينتظر عمر رد صالح حتى أغلق الهاتف بوجهه قائلا بحنق :
-“اوصلها بس و مش هتشوف وشها تاني.”
صف صالح سيارته بجانب الطريق، ترجل منها صافقاً الباب خلفه بغضب و خوف ينهش قلبه، وضع يديه على خصره رافعاً راسها ينظر لتلك الغيوم في تلك الليلة حالكة الظلام
ترجل على من السيارة يتجه نحوه ليقول بجدية:
“مالك يا صالح؟!”
“خايف، قلبي وجعني اوي، بيقولي ان في حاجة مش كويسة بتحصل، اسمعني انا مش هفضل واقف هنا و سايب زينب او ملك معرفش و مش مهم، مش فارق معايا الاسم، ولا هي بنت مين، انا من اول ما شفتها و اتجوزتها و هي بنت قلبي. “

رد على بتريث و حكمة :
“بلاش تهور و استنى لما يوصل لو القصر فعلا فيه حراسة كتير مش هتعرف تدخل فبلاش تهور، لأن ممكن تعرضها للخطر ”
اتجه نحو سيارته مرة أخرى قائلا:
” مش هقدر و الله العظيم قلبي ما هيطوعني اسيبها، انت ممكن تخليك هم زمنهم على وصول لكن انا لا ”
كاد ان يغادر الا ان “على” صعد بالسيارة قبل أن يتحرك قائلا بجدية و جمود :
” وانا مش هسيبك… ”
ظهرت ابتسامة صغيرة على ثغره قبل أن يُشغل المحرك و يتحرك بالسيارة
لم يكن الطريق لقصر الرشيد مجهول حيث كان القصر الوحيد المتواجد بالمنطقه على بُعد عدة أمتار
أوقف “صالح” السيارة على بُعد مناسب حتى لا يراه احد، أطفأ أضاءة السيارة و ترجل منها بخفة و خفوت و كذلك” على ” اقتربا الاثنان من ذلك القصر بهدوء، ليهمس”على”بخفوت قائلا :
“هندخل ازاي القصر مترشق بالبلطجية”
صمت “صالح” للحظات و هو يتفحص المكان بعناية قائلا بجدية:
-” تعالي ورايا”
سارا الاثنان برفقة بعضهما ليتجه نحو احدي زوايا سور القصر و التي لم يكن بجوارها اي شخص لحسن حظهما او لسوئه!!
اخرج هاتفه و بعث رسالة نصية لوالده يخبره فيها بعدد الرجال الملثمين و أماكن تواجدهم
قام« على» بتشبيك يديه ببعضهما بينما قام «صالح» بوضع قدمه على يدي صديقه ليسطيع فقز ذلك الجدار، قبل أن يقفز نظر حوله للحرس الموجودين في كل مكان خارج القصر، لم يتمهل لحظة قبل أن يقفز وقع أرضا بينما يديه تستقر على الأرض و كذلك قدميه محافظاً على توازنه
نظر حوله بخفوت و سرعة ليجد الأجواء هادئة و ربما لم يلاحظ احد دخوله
نظر ليديه وهو يقف كانت تنزف أثر قطعة من الزجاج الذي غُرست بيديه
رفع راسه ليجد “على” يحاول الوصول لذلك الجدار، ليقوم صالح بدوره بأزاحة قطع الزجاج المُلقية أرضا في تلك المنطقة حتى لا يصاب على
رغم فشله عدة مدة الا انه استطاع في النهاية قفزه، دخل الي القصر
استقام وهو ينفض يديه من الغبار قائلا بهمس:
-“لازم نبعد قبل ما حد يشوفنا…”
اومأ له صالح بجدية وهو يتحرك من المكان بحرص
في نفس التوقيت
وصلت سيارة “عمر” الي مدخل تلك القرية حيث قصر الرشيد، أوقف السيارة على جانب الطريق قائلا بحدة:
“صالح… صالح” ضرب يديه بمقود السيارة بغضب ليقول ثائر بجدية:
“ممكن يعرف يدخل القصر يا عمر”
رد عمر بحدة و غضب:
“و ممكن لا و ساعتها عصمت مش هتردد لحظة في انها تضمه لزينب و بيلا و تلوي دراعي بيهم انا مش مطمن، مينفعش يتصرف من دماغه قمة الغباء” صمت للحظات ليهتف بهمس لنفسه:
“او الحب”
ترجل جلال من سيارته و كذلك باسل ينظرا لعمر و ثائر صاح صوت جلال قائلا بجدية:
“صالح وصل القصر لازم نبلغ البوليس ”
رد عمر بجدية:
” هو كلمك؟ ”
هز جلال راسه بالسلب ليعطيه هاتفه قائلا:
” بعت الرسالة دي من خمس دقايق لازم نبلغ البوليس، ونتحرك أنا مش هسيب ولادي يضيعوا”
رد عمر بصرامة:
“ثائر انت هتكلم البوليس و انا هطلع بالعربية لعصمت و طبعا معايا الورق، انت عارف المدخل اللي كنا بندخل كنا زمان من غير ما حد يشوفنا….”
اومأ له ثائر بجدية ليقول بهدوء:
” جلال بية لازم نطلع بعربيتك ممكن المفتاح وانا هسوق انا عارف الطريق”
اعطه المفتاح قبل أن يتوجه لسيارته بخطوات ثابته رغم قلقه و خوفه على ابنه و زينب فهي ليست زوجة ابن بالنسبة له
هي أبنة لطالما كانت جزء من عائلته التي عهد الله أن يحافظ عليها
توجه عمر نحو سيارته و قلبه يرتجف من شدة الخوف على حبيبته و ابنته الوحيدة
بعد أقل من عشر دقائق
كان عمر يركض في اتجاه القصر ركض باقص سرعة الي الداخل مقتحماً المكان
بعد أن قام رجال عصمت بتفتيشه و سحب سلاحه منه لا يهم ذلك فقط ما شغل باله هو رؤيتها سليمة هي و ابنتهما لينادي بصوت جهوري غاضب:
“عصمت… بيلا و ملك ملهمش علاقة ب اللي بينا، اللي بينا خلينا نحله و يخرجوا من هنا”
قام الحارس بوضع السلاح بجانب عمر قائلا بخشونة:
“اتحرك ادامي يا عمر بية بهدوء كدا و ارفع ايديك لفوق”
صك عمر علي أسنانه بغضب لكن امتثل لما قال ليرفع ذراعيه و يتجه معه نحو المخزن
في نفس التوقيت كان صالح يراقب الوضع و يقف في احد زوايا الغرفة الكبيرة بينما، اخذ نفس عميق و هو يمسك بسلاحه بين يديه، اتجه خلفهم بهدوء
في البدروم
كانت عصمت تجلس على احد الكراسي بعجرفة و أمامها بيلا تحتضن زينب، ابتسمت عصمت بشماتة قائلة:
“عارفة يا بيلا من اول يوم شفتك فيه في قصر الرشيد و انا كنت متأكدة اني هشوفك تاني، من اول ما ضربتني بالقلم، بس عمري ما كنت اتخيل انك انت وعمر تتجوزوا،
انا كنت بحب عمر بجد و الله العظيم يا بيلا بس هو اختارك أنتِ ”
كانت تلك الجملة تزامنا مع ولوج” عمر ” الي الداخل تحت التهديد
ما ان دلف الي المكان حتى ركض نحوها بسرعة، جلس على ركبتيه جاذبا اياها يحتضنها بقوة قائلا بارتجاف :
” أنت كويسة؟ عملتلك حاجة؟ “
عضت بيلا على شفتيه في حين ترقرقت الدموع في عينيها تنظر لزينب بدموع وهي تحتضنها بقوة و خوف
ابتلع عمر ما بحلقه وهو ينظر لابنته الشاحب وجهها بشدة و عينيها شبه مفتوحة
رفع يديه يمرر انامله بحنان على وجنتها، ارتجف قلبه بشدة في تلك اللحظه بينما ابتسمت” زينب” بارهاق قائلة بتعب:
“تعرف انا طول عمري كنت اتمنى اللحظه دي، بس عمري ما كنت اتخيل انها هتكون بالشكل دا،بس انت طلعت وسيم جدا عن ما كنت بحلم بيك، أنت ابويا………..”
ترقرقت الدموع في عيناه محاصر وجهها بين يديه بحنان مقبلا رأسها و عينيها :
“انا والله العظيم اسف يا ملك و رب مُحمد لو كنت اعرف انك عايشه كنت قلبت الدنيا لحد ما لقيتك و ضميتك تاني لحضني، انا لو حبيت بيلا ذرة فكنت محوشاك أنتِ كل الحب اللي في قلبي، عارفة انا كنت بحلم بيكي كل يوم، بصي انا بحبكِ يشهد ربنا اني حبيتك اوي يا ملك، لسه فاكر اول مرة شفتك بعد ما اتولدتي، بلاش تسبيني و أغلى ما عندك استحملي و بلاش تسبيني، مش عايز اموت تاني ”
هبطت دموعه بقهر و هو يستند بجبينه على جبينها بينما انسابت دموعها بحزن و هي تمسك بكف يديه الكبير
في تلك الانحاء
استقامت عصمت بكره و غضب من ذلك المشهد الملئ بالعواطف و المشاعر التي تبغضها قائلة بجمود و هي تأخذ سلاح من الحارس موجه اياه بقوة و شراسة نحو عمر قائلة:
“طول عمري بكرهك يا عمر، هات الورق و الا اقري الفاتحة على روح القمورة”
اكفهر وجهه بغضب و شراسة و هو يقف أمامها و فوهة المسدس موجهه على صدره بينما اخذ يقترب بتروِ و كره قائلا:
” كنت عارف انك أفعى بس عمري ما تخيلت أنك تلدغيني انا يا عصمت، أنا اذيتك في ايه علشان تحرميني من بنتي، اذيتك في ايه علشان تسرقي قسيمة جوازي من بيلا و تسلميها لابوها، فكرك معرفتش انك اللي عملتي كدا”
أمسك بذلك السلاح ليضعه على صدره مثبتاً اياه وهو يهمس بجوار اذنها :
” عملتي كل دا ليه يا عصمت؟ و لا الفلوس عمياكِ، عميتك عن طفلة مالهاش ذنب ترميها في الشارع و هي بنت ايام، انطقي انا اذيتك في إيه، منك لله يا عصمت منك لله كنت بعتبرك زي صفا، ذنبها ايه بيلا تعيش كل العذاب دا بسبب ذنبها ايه؟
صرخت عصمت بوجهه بجنون قائلة:
” اخدت كل حاجة ليه ليه هي تاخد كل حاجه، ليه تلقى الحب و الأطفال و الاهل و السعادة يا عمر و انا افضل لوحدي، انا حبيتك بجد بس هي فجأة ظهرت في حياتنا فجأة دخلت حياتك و شقلبتها و خليتك زي المراهق الأهبل اللي بيحب لأول مرة،
اول ما عرفت انكم اتجوزتوا في السر
اتجننت ازاي تعمل كدا، ازاي تخاطر بسمعتك علشانها ازاي”
كانت تتحدث بحقد و جنون في حين وجهت سلاحها نحو بيلا كاد عمر ان يتدخل الا ان الحارس قيده بقوة وهو يضع مسدس على راسه و يديه تعانق رقبة عمر بقوة و عنف
بينما تابعت عصمت بغضب وخبث :
” وقتها استنيت لحد ما عرفت اسرق منك قسيمة جوازكم و خليت حد يبعتها لابوكي يا بيلا و في نفس الوقت بعد الولادة خليت حد يخطف القمر دي و بدلها ببنت تانية أهلها بايعنها، فكرت اني لازم احرق قلبك و قلبه
و اخدت البنت رميتها في الشارع كنت اتمنى اشوف كلاب السكك وهي بتنهش فيها و بتاكل لحمها، كان عندي نشوة غريبة اني اشوفها هي كمان بتعيط قمت رميها في الزبالة المكان اللي تستحقه،
بس انا كان قصدي احرمكم من بنتكم
لكن مكنتش اعرف ان بابا هو كمان طمعان في انه يكون المالك لكل أملاك الرشيد اللي انت كنت بتديرها يا عمر وقتها دبرلك الحادثة و ضيع فرامل العربية و انت كنت هتموت لكن دخلت في الغيبوبة و فوقت
معرفش يعمل ايه و كان خايف تكشفه ان هو اللي عايز يقتلك، لكن انت معرفتش لان لما فوقت من الغيبوبة كان كل همك بيلا و اللي حصلها،
نسيت اقولكم حاجة كمان بيلا انا رشيت الممرض في المصحة بتاعتك علشان يديك حبوب الهلاوس اللي خليتك غير متزنة و الكوابيس اللي بتجيلك و انتي صاحية كانت بسبب الأدوية دي، انا بكرهك يا بيلا بكرهك و هفضل عايشة طول عمري اكرهك أنت و بنتك، عارفة انا كنت لما احب استمتع كنت اجي المصحة اشوفك و هما بيدوكي جلسات الكهربا و انت بتعيطي و بتصرخي، كانت بتطفي ناري”
انهارت بيلا و صرخت بوجة عصمت قائلة ببكاء هستيري:
” انتي مجنونة يا عصمت مجنونة منك لله منك لله، ربنا ينتقم منك ربنا ينتقم منك”
ضحكت عصمت بجنون وهي تمسك أوراق الملكية بين يديها قائلة بسعادة:
” مش مهم يا بيلا المهم اني اخدت فلوسي، فلوسي انا كل فلوس الرشيد اخيرا بقيت ملكي، دلوقتي تفيدة هانم لازم تبقى فخورة ببنتها و اخيرا نفذتلنز امنيتها و بقيت مالكة لكل أسهم الشركات”
في ذلك الوقت كان جلال و باسل و ثائر و علي
يتعاملون مع الحرس بالخارج حيث يسددوا لهم اللكمات و أيضا يتم ضربهم
في حين تسلل صالح بهدوء الي ذلك المكان، كانت عصمت تكشف عن وجهها الحقيقي حيث تلك الافعى
كانت تضحك بهسترية و جنون لكن في لحظة كان صالح يعانق رقبتها بذراعه بقوة وهو يضع السلاح على رأسها قائلا بحدة و عدم فهم لبعض الأمور هامسا بفحيح أفعى :
“الشر عمره ما بيولد غير شر، نزلي سلاحك و الا وحياة أغلى ما عندي لافرغ المسدس دا في دماغك انت فاهمة”
ابتلعت عصمت ما بحلقها بارتجاف قائلة:
“انت مين؟ لو تبع عمر فأنا ممكن اديك اكتر بكتير من اللي هو ممكن يدهولك بس خليك في صفي”
ضغط بعنف على عنقها قائلا:
“نزلي السلاح و قولي لرجالتك تنزل السلاح و الا اتشهدي على روحك”
تركت مسدسها من يديها بسرعة ليسقط أرضا بينما أشارت للحارس بأن يترك عمر
ما ان فلته منه حتى صاح صوت صالح بحدة :
” خد زينب و اخرج من هنا….. ”
نظر له عمر بارتياب بينما كان صالح يبتعد للخلف و يديها على الزناد عيناه مليئة بالغضب و مسلطة على زينب و جسدها الهزيل و ثيابها الملوثة باثار الغبار و الدم و وجهها الشاحب
اتجة نحو بيلا مساعدا اياها في الوقوف، انحني يحمل زينب بين ذراعيه في حين يتابع صالح حركات الحارس
استمع الجميع لصفارة إنذار البوليس في الخارج فكان الجو اشبه بحالة من الهرج و المرج
خرج عمر من ذلك المكان وهو يحمل ابنته الفاقدة للوعي و بجواره بيلا تشاهد ما يحدث و مشاجرة الجميع معا
بينما يدلف للمكان رجال الشرطة و خروج صالح من ذلك البدروم و مازال على نفس الوضع
ترك عصمت بعنف بعد أن وقف أمامه ضابط شرطة ليقول بعنف:
“اتفضل، اول مرة الشرطة تيجي قبل المصيبة”
نظر صالح لجلال الذي ينزف في فمه أثر مشاجرته مع احد الرجال، بينما يمسح فمه من أثر الدماء و كذلك باسل و ثائر
جن جنون عصمت وأخذت تضحك بهسترية :
“فلوسي انا اخدت كل حاجه، انا المالكة لكل أسهم شركات الرشيد، انا عصمت الرشيد رقم واحد، خالص كله بقى بتاعي كل حاجه بقيت ملكي انا”
نظر عمر نحوها قائلا بكره في حين اخذ صالح زينب من بين ذراعيه :
“غبية يا عصمت غبية لا الحب بيشتري و لا الفلوس تبني علاقة حقيقة ”
خرج صالح الي بهو القصر فوجد سيارة الإسعاف، صعد بها ليضع زينب بها حيث قام الممرض بعمل الإسعاف لكن جسدها لم يستجيب
باقص سرعة كان السائق يقود تلك السيارة في طرية للمشفى بينما جلست بيلا بجانب زينب في السيارة قائلة ببكاء هستيري:
” لا بالله عليك يا زينب اوعي تسبيني انا خسرتك مرة و اتعذبت طول حياتي من غير ذنب، و مش هقدر اخسرك تاني يا زينب قومي فاهمة انا مينفعش اخسرك مرتين”
لم يستطيع صالح التحدث بينما ترقرقت الدموع بمقلتيه و قلبه يتمزق و هو يراها كذلك باي ذنب يحدث لها كل ذلك
أمسك يديها بقوة و هو يردد بعض الآيات القرآنية
بعد مرور نصف ساعة
وصلت سيارة الإسعاف الي المشفى و تم نقل زينب لإحدى الغرف العناية المركزة
كان يقف أمام الغرفة صالح و عمر جلال و باسل، على و ثائر و بيلا
خرجت الطبيبة على عجل قائلة:
“المريضة بدأت تفوق بس للاسف لازم تدخل عمليات حالا، لازم يحصل ولادة مبكرة في خطورة كبيرة على الرحم و ممكن ينفجر لأنها حامل في تلات تؤام هنحفز عملية الولادة لو اتأخر نا هيكون في خطورة عليها لأنها نزفت لمدة طويلة ، لازم امضة المسئول عنها على الإقرار دا
رد عمر و صالح في نفس الوقت:
” مش مهم الجنين”
صمت عمر ليكمل صالح برجاء :
“دكتورة لو في خطورة على زينب مش مهم الحمل يكمل بس هي تكون بخير ارجوكِ”
ربتت الطبيبة على كتفك قائلة باهتمام:
“المهم في نص السابع يعني ممكن الولادة تتم على خير للأسف مينفعش دلوقتي نخاطر بيهم ان شاء الله هتقوم بالسلامة بس لازم امضتك هنا و لازم متبرع بنفس فصيلة دمها”
لم يتمهل لحظة وهو يمضي على تلك الأوراق بينما تحدث عمر بلهفة:
“انا ابوها و نفس فصيلة الدم”
تنهدت الطبيبة بارتياح من تواجد نفس فصيلة الدم قائلة:
” تمام ياريت تتفضل معنا لو سمحت ”
لتبدا بمباشرة عملها، تم نقل زينب لغرفة العمليات و اخذ عمر لإحدى الغرف ليأخذ منه عينة من دمه
خلف ذلك الباب جلست بيلا أرضا تضم جسدها بيديها و هي تبكي برعب قائلة بارتجاف:
” يارب انا خايفة مش عايزه اخسرها تاني، انا تعبت اوي و انت شاهد بلاش توجعني تاني يارب انا راضية بكل الوجع اللي فات لكن مش هتحمل وجع تاني يارب
جلس عمر بجوارها محتضنا اياها بضعف لأول مرة و لم يتحدث بكلمة واحدة حتى أنه لا يعرف كيف يواسئ قلبه المتمزق كلما تذكر حالتها
اسمتعوا لصوت صراختها و بكائها الحاد، لم يستطيع صالح الوقوف اكثر من ذلك لايغادر المكان متجها نحو مسجد المشفى الصغير، توضأ و بدا يصلي دلف جلال الي المكان ينظر لصالح الذي يبكي وهو يسجد لله ليهمس لنفسه:
“يارب انت عالم بينا كلنا بلاش توجعنا عليها”
بعد أكثر من ثلاث ساعات مع أذان الفجر
خرجت الطبيبة من الغرفة بارهاق بينما نهض الجميع نحوها بلهفة، أخفضت رأسها بانكسار و حزن قائلة:
“الحمدلله العملية. تمت علي خير و الأطفال هيتنقلوا الحضانة لكن….”
أمسكت بيلا بيدي الطبيبة برجاء قائلة:
” بنتي حصلها ايه؟”
أخفضت رأسها قائلة:
“للأسف حالتها متطمنش حاليا هتتنقل العناية المركزة الحالة اشبة بغيبوبة انا اسفة بس هي حالتها كانت صعبة اوي”
صمت الجميع لكن لم تستطيع بيلا الصمود لتقع مغشية عليها حملها عمر لتقول الطبيبة بسرعة:
“خلينا ناخدها لاوضة اكيد الضغط واطي”
بينما كان صالح يقف مكانه في ذهول و مازال ينظر غير زجاج غرفة العمليات الي ان خرجت الممرضة قائلة:
” الأطفال في الحضانة لو حابب تشوفهم”
لم يجيبها او يتحدث بكلمة واحدة ليقول جلال بهدوء و خوف:
“صالح انت سمعنا؟” تنهد بحزن قائلا:
” انا جدهم ممكن تاخديني اشوفهم”
اومأت له الممرضة قائلة بجدية:
“طبعا اتفضل معايا”
_______________
في نفس الوقت
ركضت حياء لداخل المشفى بسرعة بعد أن علمت من جلال في الهاتف بخطورة حالة زينب فلم تستطيع الانتظار الي الصباح فجاءت بالقطار الي المنصورة
صعدت الدرج بسرعة و خوف الي ان وصلت للدور الثالث لتجدهم يقفوا أمام إحدى الغرف
ركضت نحو جلال قائلة بفزع و دموع:
“حصل ايه يا جلال؟ زينب مالها؟ طمني ارجوك”
أخفض راسه بحزن قائلا بتنهيدة:
“ان شاء الله خير رب الخير لا يأتي الا بالخير يا حياء، زينب محتاجة دعواتنا دلوقتي هي بين ايدين ربنا”
هبطت دموعها دون ادراك قائلة:
“هي اكيد هتبقى كويسه هي طول عمرها ماذتش حد ان شاء الله هتكون بخير يا جلال ”
اومأ لها قبل أن يحتضن اياها م بتا على ظهرها قائلا:
” رب الخير لا يأتي الا بالخير”
____________________
في صباح اليوم التالي
وضع عمر يديه على مقبض الباب بعد أن أصر على الطبيبة ان يدلف لغرفتها فوافقت بسبب اصراره ، بدات دموعه بالهطول، كلما تذكر انه عاش حياته تاركاً
أبنته الوحيدة فريسة للمجتمع و ظلمه لها يشعر بفاجعة خطئه، يتمنى لو يعود به الزمان يحتضنها ينتشل فلذة كبده منهم، تمنها و بشدة
آآه من ذلك الألم يكاد يفتك بروحه يُقسم ان شعر بقبضة تعتصر قلبه ليرتجف، وضع يديه موضع قلبه و شهقاته تتعالى
أغلق الباب خلفه بقوة، فقط يريد أن يحظي ببعض الوقت برفقتها دون أن يقطعهما شخص،
نظر لها تنام بهدوء و هذه الأسلاك موصله بجسدها تُبقيها على قيد الحياة
كان يقترب بخطوات ثقيلة شعر للحظات بأن جسدة شُل عن الحركة
جلس على ذلك الكرسي بجوار فراشها، كان يبكي بعنف قائلا:
“انت مش هتسبينا تاني صح كفاية مرة واحدة امك لحد دلوقتي مفقتش، طب لما تفوق انا هقولها ايه يا ملك؟ هقولها اني معرفتش احافظ عليك قومي علشان خاطري، عارفه يا ملك وانتي صغيرة انا سمعت نبض قلبك لأول مرة كنت خايف اوي و مرعوب بس أطمنت لما سمعت نبضاتك، كنت بشتري هدوم للولاد و البنات و لعب كتير اوي، كلن في حياة تانية مخطط ليها و كان نفسي تعيشها سوا، بس أمر الله، بالله ما انا سايب عصمت الا لما تصرخ بدل الدموع دم لا يمكن يكون مصيرها السجن دي عايزه الحرق بجاز ”
_________________________
بعد مرور يومان على كل تلك الاحداث
لم تفيق زينب من تلك الغيبوبة
صالح لم يرى أطفاله لمرة واحدة
تم نقلها لمشفى خاص بالقاهرة
بيلا و حياء بجوارها طوال الوقت
يوسف و إيمان جددا موعد لعودتهما مصر مرة أخرى بعد معرفتهم بما حدث
في منزل آل «العلايلي»
دلف باسل الي المنزل بجسد مرهق في وقت متأخر من الليل، في الفترة الأخيرة أرهق جسده و عقله في العمل
صعد الدرج وهو يحمل سترته على ذراعه يمشي بخطوات ثقال هادئة
قام بنزع رابطة العنق بضيق قبل أن يضع يديه على مقبض الباب يفتح غرفته، أضاء الانوار ، القى سترته على الاريكة ثم جلس على احد الكراسي انحني يخلع حذائه، و عينيه تبحث عنها باشتياق لكن لم تكن بالغرفه.
تفقد الحمام لكن لم يديها أيضا، كاد ان يخرج من الغرفة ليبحث عنها لكنه ابتسم وهو يراها تدلف للغرفة تحمل بين يديها صينية موضوع عليها عدة أصناف من الطعام.
كانت جميلة بحق ما رأي من جمال، كان يجتمع سحرها بعينيها البنية الهادئة، و ابتسامتها التي تزين ثغرها.
فتاة عادية ليست ملكة جمال لكن بقلبه ليست عادية
فاق من شروده على حركة يديها أمام وجهه قائلة بجدية:
“بااسل…. انت يا ابني”
هز رأسه بيأس قائلا :
“ابنك، يا شيخة روحي منك لله”
تاففت بحنق قبل أن تجلس أرضا متربعه تنظر بجوع لتلك الصينية قائلة بابتسامه وهي ترفع راسها نحوه بينما يقف بشموخ
يضع يديه على خصره لتقول بمشاكسة :
“باسل انت فرحان بطولك، اقعد يا بابا و بطل فتحة صدر دي علشان بتخطف قلبي اقسم بالله”
ضحك بخفة قبل أن يجلس متربعاً هو أيضا قائلا بغمزة شقية:
“طب ما انت رومانسي اهو يا شبح”
توردت وجنتيها بخجل و سعادة قائلة :
“طب ممكن تبطل و ياله سمي الله و كُل”
سالها وهو يمسك المعلقة قائلا:
” الوقت اتأخر ليه ماكلتيش أنتِ ”
ردت بعفوية و بساطة:
” كنت مستنياك مش انت المفروض عيلتي، انا بقى بحب اكل مع عيلتي، اه و خلي في علمك مفيش أكل برا البيت”
اومأ برأسه بسعادة كأنه طفل كل يوم يفتقد أمه في فترة المدرسة و حينما يعود لمنزله يجدها بحنانها و ابتسامتها لتروي قلبه بالحب ربما هي حتى لا تدرك ذلك لكن هي سقت قلبه المتعطش للحياة و الحب
افتقدهما في أسرته لسنوات، كان عليه التظاهر بأنه بخير و سعيد لكن ما الحقيقة، الحقيقة انه لم يكن بخير ابدا ، فقط ربما انه تعافى بوجودها
بعد مرور خمس دقائق
سألها بجدية وهو يتناول الطعام بتلذذ:
“الاكل حلو اوي، مين اللي عمله، الخدم اكلهم بيسد النفس غريبة يعني”
رفعت عينيها تنظر له باشمئزاز و سخرية قائلة بحنق:
“خدم مين دول بيشتغلوا تقضية أوامر يابا
و الله لو انا مش شايفك بتتعب في الشغل كنت قلت انها فلوس حرام، يا ابني الاكل علشان يطلع حلو لازم يتعمل بحب ”
ثم تابعت بفخر:
” دا انا اللي عمله يا باسل بيه”
مال عليها بابتسامة ماكرة وهو يغمز له قائلا بنبرة لعوبة:
“رجولة يا شبحي”
لا تعرف كيف فلتت منها تلك الضحكة المرحة و التي صدحت بالارجاء معلنة عن قلب وقع بالحب حديثاً ، كيف بأت القلب يهوي كلماتك أيها اللعوب
ضحك معها لتجده يفتح كفه لتقوم بضرب كفها بكفه قائلة بنبرة سعيدة مقلدة اياه بمرح:
“رجولة يا شبحي”
لم يتهمل وهو يقترب منه يحاوط وجهها بيديه مقبلا وجنتها بقوة قائلا بهمس وهو يغمض عينيه و يستند برأسه على جبينها :
“شكرا يا نور حقيقي شكرا، ممكن اطلب منك طلب و تنفذيه”
ابتعد قليلا لتنظر له بشك و ارتياب قائلة بخوف:
“قول الاول الطلب لو بأيدي هنفذه لو لا مش هقدر اوعدك”
أبتسم بجدية ربما كان يتوقع ردها ذلك بعد معرفته بها قائلا بهدوء و آلم وهو يقف مرة أخرى ينظر للاشي متجاهلا اياها:
“نور أنت لما وفقتي تتجوزيني كنتي مجبرة بسبب طريقتي و ازعاجي ليك دايما كل شوية، بس انا خايف، دلوقتي مش هقدر اخبي عليك انا فعلا خايف اوي ”
استقامت نور بحزن لتقف بجواره قائلة برهبة:
“ليه؟”
زفر بحرارة و هدوء قائلا بندم:
“لو حابة تطلبي الطلاق و تبعدي انا موافق اديكي حريتك ”
ابتعدت عنه عدة خطوات للوراء قائلة بابتسامة كبرياء:
“باسل زيدان أحمد العلايلي، حضرة وكيل النيابة سابقاً،
تسمحلي أمارس وظيفتك السابقة و أسألك سؤال و ترد بصراحة، انت عرفني مش عاطفية اوي لكني عملية، سؤال هساله و محتاجة الرد بموضوعية بعيد عن العاطفة خالص ممكن و على فكرة انا مش محتاجة الرد دلوقتي، اعتبره سؤال بساله لنفسك و الاجابة برضو لنفسك، ممكن؟”
اومأ لها بالموافقة لتضع يديها بجيب بنطالها القطني قائلة :
” أنت عايز توصل لأية في الحياة؟ ياترى هتفضل تلف في دواير مقفولة لوحدك؟
شوف يا باسل انا هقولك الحقيقة انا بحترمك عارف ليه، لأنك قادر تواجة نفسك بخوفك و الحاجات اللي مزعلك، و الحاجات اللي ضايقتك طول السنين اللي فاتت
و دا في حد ذاته شجاعة منك….. باسل انا هفضل ادعمك للنهاية، فكرة انك تعرف انك محتاج دكتور نفسي و تروحله برجليك علشان تحاول تتغير و تدي اللي حواليك شوية من اهتمامك دا يخليني اشيلك فوق راسي يا ابن الحلال، احنا مش فيلم و لا مسرحية يا باسل، انت في زيك كتير بس عارف بيقدروا يتغلبوا على نفسهم زي ما انت بتحاول و انا معاك يا ابن العلايلي،
هتقولي ليه؟ هقولك على الله حكايتك و حكايتي…… فكر في سؤالي و انا هنزل اعمل كوباتين شاي بنعناع اوع تنام يا شبح”
أبتسم وهو يراها تحمل تلك الصينية و تغادر الغرفة هي حقا ليست فتاة عاطفية لكنها تعرف كيف تواسي قلبه المرتعب من فكرة البُعد لذلك اقترحها عليه
دلف الي الحمام وهو بفكر في ذلك السؤال
ماذا يريد؟!
خرج بعد دقائق و كان توضأ
رغم انه لم يكن ينتظم في صلاته من قبل، حتى أنه أحيانا كان يحتسي الخمر الا انه شعر بفجوة….. فجوة كبيرة في قلبه،قلبي خاوي
حاول مؤخرا اكتشاف نفسه.
الله لم يخلقه لأجل حياة فارغة كل ما بها هو العمل و لا العلاقات و لا الحب فقط
الله خلقنا للعبادة، عبادته ستجعلنا نصل لمراحل السلام الداخلي وهذا ما يفتقده،
لو كان عمر قلبه بالإيمان لكان الان تجاوز أزمته مع عائلته، لعاش تلك السنوات راضي بقضاء الله وقدره
تردد للحظات، أغمض جفونه بارهاق من الحياة، اخذ نفس عميق ببطئ و هدوء، فتح عيناه مرة أخرى لتظهر عسليتاه اللمعة بضراوة،
تلتمع بدموع خوف من نفسه، رعب كلما تذكر انه انسان من طين مصيره الفناء لكن هل يفنى العُمر دون أي شي يُذكر، دون سيرة طيبة او اعمال صالحة
تنهد قبل أن يبدأ بأداء فرضه و قد نسي اي شي يشغله.
دلفت نورهان الي الغرفة وهي تحمل صينية موضوع عليها كاسين من الشاي و كوب صغير يحتوي على أعواد النعناع.
أبتسمت بخفة وهي تضع حجاب على شعرها البني و تدلف لشرفة غرفتهما
مرت عدة دقائق
أنهى فيهم أداء فرضة نظر لها، تستند برأسها على يديها تنظر لسحر المكان و تلك النجوم المضيئة في السماء معطية للجو نعومة خاصة، و نغمة رنانة
نور بهدوء:
“ياله علشان الشاي هيبرد”
جلس على الكرسي المجاور لها ثم مد ساقيه للأمام بحركة طفولية بينما اخذ كوب الشاي يرتشف منه قائلا:
“مش بحب الشاي بحب القهوة”
زمت نورهان شفتيها قائلة بجزع:
“بتكون مُره اوي… بس بحبها بلبن، تعرف قبل ما نتجوز كنت انا و زينب لما نحب نفك عن نفسنا و لسه قبضين مرتبنا كنا نروح لأي مطعم و كل مرة على حسب الاكلة اللي نفسنا ناكلها، و لما نحب نعمل نفسنا اغنيا اوي كنا نجرب حاجة من بتاع الأغنيا بس كنا نشتريها من المطعم و نروح عند كوبري ستانلي و نقعد ناكل سوا، تعرف زينب لما كنت ابقى مفلسة كانت تسيبلي فلوس، رغم اي حاجه يا باسل و رغم أنها كانت بتحوش علشان عملية عم منصور الا انها كانت دايما فاكرني، انا ملقتش غيرها حد يهون عليا ايامي غيرها، بس هي دلوقتي فين… بين الحياة و الموت، حتى أطفالها مشفتهمش يا باسل”
أخفضت رأسها و هي تخبا وجهها بين يديها تبكي بحزن على أختها و صديقتها الوحيدة و قلبها ينفطر كلما تذكرت حال زينب و جسدها الموصل بعدة أجهزة تُبقيها على قيد الحياة
ترك كوب الشاي جانباً استقام يقف بجوارها محتضن اياها وهي تجلس على ذلك الكرسي قائلا بحزن (لا يعلم متى أصبح بتاثر بحال من حوله) :
“ادعيها يا نور و ان شاء الله تقوم بالسلامة لاودلاها و ابوها و امها و جوزها ادعيلها”
مسحت دموعها بخفة قائلة بخفوت:
“يارب لأجل الاولاد اللي مشفوش الدنيا لسه”
جلس باسل على ركبتيه أمامها قائلا :
“ان شاء الله هتقوم بالسلامة بس لازم تكوني واثقة في ربنا”
نظرت له مطوالا ثم تنهدت بخفة قائلة:
” يارب يا باسل يارب ”
__________________________
في صباح اليوم التالي
استيقظت حبيبة بكسل و تثاقل فتحت جفونها ليزين ثغرها ابتسامة صغيرة و هي تنظر له ينام بجوارها، اعتدلت و هي تلملم شعرها الاسود في كعكة فوضوية لتنهض من فوق الفراش، اخذت ثيابها ثم توجهت للحمام
بعد مرور نصف ساعة تقريباً
كان على يقف أمام المرآة يهندم قميصه الكحلي، ليشمر اكمامه ليبدو في غاية الأناقة و الوسامة، اخذ يمشط شعره
بينما تجلس حبيبة على الفراش بتوتر و هي تمسك بين يديها قلم رصاص و كتاب ضخم في احد افرع القانون، تقرا فيه بهدوء حتى تستوعب ما تقرأه، استدار«علي» ليجدها تضع كامل تركيزها بذلك الكتاب ابتسم قائلا بجدية:
“بيبة بقولك زرار القميص وقع”
تركت الكتاب لتنظر له قائلة بجدية:
“طب ثواني هجيب ابرة و خيط….”
اخذت أدوات الحياكة من درج الكومود بينما جلس هو على طرف الفراش، وقفت أمامه و هي تردد تلك الجمل التي حفظتها بجدية ليسالها بحنان و هو ي يُبعد خصلاتها على وجهها بحنان قائلا:
” متوترة من الامتحان الجاي؟ ”
اتنهدت بحزن و مازالت تنظر لقميصه بينما تقوم بتحيك الزرار قائلة بارتجاف:
“على انا خايفة اوي، القانون الجنائي صعب اوي و فاضل اسبوع على الامتحان ،
خايفة اشيل المادة دي، انت عارف انا بحب الكلية دي اد ايه بس حقيقي المادة دي صعبة اوي،
عارف ايه اللي بيعصب في البلد دي، ان الناس فاكرين ان مدام كلية زي حقوق او تجارة او آداب مدام في المرحلة التانية او التالته في التنسيق يبقى مواد تافهه لكن حقيقي انا خايفة اوي يا على ”
أبتسم« علي» مُربتاً على ظهرها بحنان قبل أن يطبع قبلة حانية على قمة رأسها قائلا:
_” ان شاء الله هتجيبي امتياز كمان، بس بصي النهاردة الساعة واحدة و نص ابقى عدي عليا في المصنع ممكن؟”
اومأت له حبيبة بالموافقة تسالها مستفسرة:
-” طبعا ممكن بس اشمعني؟ ”
هز كتفه بلا مبالة قائلا بهدوء :
-” بتوحشيني، على فكرة انا لقيت شقة كويسة لينا، انا عارف ان من اول جوازنا كان لازم اجيبلك شقة غير دي بس والله الظروف… ”
كاد ان يكمل جملته الا ان منعته من الاسترسال قائلة بعتاب :
-“علي أنا ممكن اطلب منك طلب لو سمحت، ممكن تنسى موضوع الشقة التانية دي، اولا الشقة دي جديدة و العفش كله اتغير لما جيت اتقدمتلي، ثانيا أنتَ مش هتسيب والدتك لواحدها دي ملهاش غيرك يا على و اختك سلمي مش بتيجي الا فين و فين معقول هيبسيبها لوحدها لا طبعا”
حاوط خصرها قائلا بجدية و لباقة:
” بس أنتِ كمان يا بيبة زي اي واحدة نفسها يكون ليها بيت لوحدها، انا على فكرة مكنتش هبعد عن أمي لان معنديش غيرها انا بس هشتري الشقة اللي في الدور الرابع علشان يبقى ليك خصوصيتك حتى لو هنفضل طول النهار هنا بس اكيد بيجي وقت عليك بتبقى عايزه تحس ان دا بيتك لوحدك”
تنهد «حبيبة» برضا و حب قائلة:
” على انا كنت عايشة لوحدي في بيت فخم و كبير لكن يشهد ربنا انه كان جحيم، انا معاكَ هكون راضية باي حاجة يا ابن الجلال، و شوف يا على ماما هدى مش مجرد حماه لا والله العظيم كفاية انها بتعاملني زي بنتها، بلاش يا على نبعد عنها، مش هيرضيني حتى لو في نفس العمارة و بعدين خلينا معها نونسها، ياله خلينا نطلع نفطر، و بعدين احنا دلوقتي حياتنا الحمد لله كويسة جدا و الفلوس اللي معاك خليها في البنك يمكن يجي وقت تحتاجها و لو عايز تشتري الشقة أنت حر برضو لكن أنا مش هسيب البيت دا ياله بقى علشان ورايا مذاكرة كتيرة ”
ابتسم مقبلا اعلي راسها قائلا بحب:
” ياله يا بيبة”
بعد عدة ساعات
وصلت «حبيبة» الي مصنع الاقمشة الخاص بزوجها، ترجلت من التاكسي و قامت بمحاسبة السائق قبل أن تتجه نحو البوابة ليقابلها أحد الخفر قائلا بلباقة :
” أهلا يا مدام حبيبة نورتي المصنع ”
ابتسمت بود قائلة:
“ازايك يا عم سعد”
“بخير الحمد لله ”
ابتسمت وهي تدلف للداخل برفقة ذلك العجوز متوجها نحو مكتب «علي»
لكن وجدته فارغ و لا يوجد به أي شخص
سألته حبيبة بجدية قائلة:
“اومال هو على فين يا عم سعد؟”
رد بهدوء قائلا:
” بشمهندس على تحت مع العمال، بيباشر الشغل وبيشوف المكن هو والخبير”
اومأت له ببساطة ولم ترفع عينيها حتى هو لم يطيل النظر اليها كان يحدثها بتهذيب وعيناه كانت
تسترق النظر اليها بين الحين والاخر لمجرد ثانية ويغض بصره عنها بحرج…..
سألها بجدية قائلا؛
” تحبي تشربي إيه؟ ”
تنحنحت حبيبة بهدوء قائلة
” ولا حاجة شكراً، هو علي هيتاخر تحت؟”
رد سعد بجدية:
” والله مش عارف يا بنتي هو لازم كل يوم يلف على المصنع والمكن، البنات اللي شغاله تحت لسه جداد ومعندهمش خبرة اوي في الشغل فلازم يبقا معاهم عشان المكن ميبوظش لحد ما يتعودوا على الشغل بتاعنا، لأن المكن الجديد سمعنا انه غالي شوية علشان كدا بينزل يتابع كل حاجة بنفسه ر بنا يرزقة. ك
رفعت حبيبة راسها بهدوء قائلة
“طب انا هنزله لان كدا شكله هيتاخر تحت وعايزة اشوفه ضروروي”
رد سعد بلباقة و جدية:
“تمام اتفضلي معايا”
نزلت حبيبة لصالة الكبيرة حيثُ المصنع والمكينات والعمال
منهم الرجال والسيدات واكثرهم فتيات
اشار لها عم سعد على “على” الذي كان يقف عند احد المكينات بجوار أمرآه جميلة، يريها كيف تعمل على المكينه،
و طريقته غاية في اللطف والمرح حيثُ كان يضحك ويمزح معها والفتاة كانت تبتسم بخجل وعيناها قاربت على اخراج قلوب وهي بجوار صاحب العمل الوسيم الغاية في الكرم وذوق مع العمال،
اما على الناحية الأخرى كادت حبيبة ان تقتله بتلك النظرات الحارقة وهي تتابع اياه
ترك علي الفتاة بابتسامة فاترة وهو يستدير كي يباشر عمله، لكنه تفاجأ بوجودها خلفه متسمرة بوجة احمر من شدة الغضب تكاد تنقض على عنقه تفترس اياه
انتبه لصمتها الغريب و هدوئها الحاد المميت تقدم منها بملامح هادئة محاول السيطرة على سعادته برؤيتها فقد كان ينتظرها في المكتب قبل قليلا لكن حدثت مشكلة مع إحدى العاملات فطلبت المساعدة كما أمر الجميع حتى لا يتسبب العمال في تخريب إحدى الماكينات، ابتسم بسعادة وهو يقترب منه.
“بيبة كويس انك جيتي اتاخرت ليه، منورة المصنع”
ردت حبيبة باقتضاب وهي توزع نظراتها عليه وعلى العاملة التي كانت أيضاً تسترق النظر اليهما بفضول.
“منور بيك وبيها” ابتسمت بخفوت وهي تقترب منه قائلة بهمس:
“على هو حد قالك اني مجنونة و لا لاء”
تركته بسرعة و كانت ستخرج من باب المصنع الداخلي لكنه اوقفها وهو يجذبها لاحد الزوايا الصغيرة كممر مغلق في نهايته
صرخت بجنون وهي تبعد يده عنها
“على شوف انا حاليا العفاريت كلها بتنطط ادامي، بتضحك مع البنت دي ليه أن شاء الله و اوعي تكون فكرني مضايقه منها….”
تأتأ بشفتيه بنفس الاستمتاع وكان الفراق لم يحل عليهما يوماً ومزالا على عهدهما في الحب
“تؤ تؤ، انتي غيرانه شويه مش شويه شوية كتير اوي…..”
اهتزت حدقتيها وتبلدت مكانها لبرهة ثم قالت بنبرة حادة و جافة
“اغير اغير ليه، انا واثقة فيك جدا لكن انك تقف مع واحدة و تضحك و تتكلم كدا لا يا على مش تربيتك شوف يا ابن الحلال أنا بنت وافهم البنت بتفكر ازاي، البنت اللي وقفت تضحك و تتكلم معها دي ممكن تفتكر انك معجب بيها لا سمح الله و انك بتحاول تلطف الجو معها و دي عيبة في حقك،
و بعدين انا جيت لقيتك مش فاضي قولت اجي وقت تاني تكون خلصت كلام وضحك انا عايزه اروح”
لاحظ اللامعة القوية بعيناها المهددة بدموع غزيرة على وشك الهبوط، مرر يده عليه بحنان ونفاذ صبر وهو يقول بخشونة خافته…..
” مفيش مرواح دلوقتي، اطلعي معي فوق على المكتب نشرب حاجة سوا”
ردت بحنق وهي ترجع خصلاتها للخلف
باناقة
” لا مش عايزه شكراً”
اصر على بحزم وبعيني ثاقبة عليها
“مفيش شكراً في حاضر، اسمعي الكلام و بعدين هو حد قالك قبل كدا انك مراتي و لا دي معدتش عليك”
لوى شفته بسخرية وهو يسبقها في الخطى وعلى كامل الثقة انها ستأتي خلفه
في المكتب
دخلت مكتبه الخاص بتأني وحرص سواء بالخطوات او النظرات، اغلقت الباب خلفها وهي تطلع بكل شبر به،
ليس فخم بالقدر الذي يعجزها عن الكلام لكن فخامته تكمن بفخامة مالكه تجعلها مهتمة بشكلا مذهل وهي تنظر لكل جزء به بانبهار لمجرد انه مكتب زوجها و حبيبها
جلس على مقعد خلف مكتبه الكبير بسيط الشكل ككل شيءٍ بهذا المكان الذي من اول وهلة تعرف
انه حلم يسعى له اصحابه كي يكتمل على
خير، ومزال طريق طويل لنيل ما يستحقه
الجميع، وصبر ورضا مفتاح الفرج، و بعون الله استطاع نيل ما تمنى
كان ينظر لشرودها الغريب بحيرة ثم عقب بهدوء وهو يحدثها بحب
“عجبك المكتب؟ هو صغير ونقصه شوية حاجات بس بكرة يكمل ويكبر هو والمشروع اي رأيك؟ انا غيرت كل حاجة كانت في المكتب القديم و ظبطته ها يا بيبة عجبك”
ردت وهي تتقدم منه وتجلس امام مكتبه على احد المقاعد
” جميل اوي يا على كل حاجة هنا حلوة تفتح النفس، وتعلمك الصبر ورضا و أنت صبرت كتير و ربنا هيعوضك خير ان شاء الله، مفيش حاجه بتبني من يوم وليله ولا نقدر نطلع السلم بخطوة واحدة، ان شاء الله ربنا هيكرمك انت تستاهل كل خير ”
نهض عن كرسيه يجلس أمامها ممسكا يديها برفق قائلا بحنان:
“ان شاء الله هيكرمنا احنا الاتنين يا حبيبة، بكرا ان شاء الله تبقى اشطر محامية فيك يا مصر و ننزل ندور على مكان للمكتب بتاعك سوا اتخرجي أنتِ بس و متقلقيش من حاجة، على فكرة انا مش هقبل اقل من امتياز”
أبتسمت بشغف و حماس قائلة:
“ان شاء الله يا على، ان شاء الله ”
تنحنح وهو يبتعد قليلا ليستند على المقعد خلفه قائلا بهدوء:
” طب بالمناسبة دي كان في موضوع حابب نتكلم فيه،
بصي يا حبيبة أنت في دراسه و ادامك لسه سنة و نص في الكلية، شوفي لو حابة ناجل موضوع الخلفة دا شوية فأنا معنديش مانع بالعكس انا معاكي في اي حاجة أنت هتكوني مرتاحة فيها و عايزها، ها ايه رغبتك؟”
توترت قليلا قبل أن تزفر بحيرة قائلة:
” هتصدقني او قلتلك اني كنت بفكر في الموضوع بس مكنتش اتوقع انه يشغلك أنت كمان، بص انا مش هكدب عليك انا خايفة و متوترة يحصل حمل في فترة الدراسة ، بس بعد تفكير و قعدت مع نفسي عرفت انه لو ربنا رايد انه يحصل هيحصل ايا كانت رغبتنا أحنا ، و بعدين انا مش هقدر احرمك من حاجة نفسك فيها و سيبها على الله و ان شاء الله خير يا علي”
أبتسم قائلا بجدية:
” مدام كدا طب خلينا نخرج سوا ياله بينا”
اومأت له بجدية قبل أن تأخذ حقيبة يديها لتخرج معه
بعد نصف ساعة
أمام احد المكتبات الشهيرة وقفت حبيبة بجوار على بسعادة و فرحة كبيرة قائلة بنبرة متحمسة:
” على أنت عرفت اني بحب الروايات من أمتي؟ انا مش فاكرة اني قلتلك ولا مرة ”
أمسك بيديها متجها نحو الداخل قائلا ببساطة:
“والدتك كنت لما اتصل علشان اطمن عليكِ تقولي بتقرأ رواية فعرفت من وقتها انك بتحبي الروايات، علشان كدا جبتك تشتري كل الروايات اللي حابها، ها ايه نوع الروايات اللي بتحبيها”
ردت بخبث قائلة:
” ايكادولي”
وضع يديه على كتفها ثم مال عليها يغمز لها بشقاوة:
“وانا أيضا ايكادولي يا فتاة”
ابتسمت حبيبة برفق قائلة:
” لا بجد بتحب كتب ايه خلينا نشتري حاجة مشتركة و نقرأها سوا على السطح مع كوباية شاي ياه.. ”
رد على بتفكير وهو يضع يديه بجيب بنطاله و ينظر للكتب المرصوصة امامه بتنظيم :
“بحب د. عمرو عبد الحميد و دكتور خالد توفيق ”
ابتسمت حبيبة بحماس قائلة:
“لا بجد حبيتك، مع كتاب دكتورة خولة حمدي، بص تعالي نشوف في ايه موجود ليها،
أرني انظر إليك دي سمعت انها تحفة”
رد على بجدية:
“خلينا نجيب سر الغرفة 207 و قواعد جارتين”
اومأت له بسعادة وهي تتجه نحو تلك الإدراج المرصوص بها الكُتب بعناية و حرص، ليبدا الاثنان بشراءة عدد من الكتب الشيقة.
بعد مدة..
خرجا من المكتبة ليتجه نحو إحد محلات البقالة الضخمة ليقوم بشراءة عدة انواع من الشكولاته و البسكوت و بعض العصائر و الشيبسي، و أيضا بعض الفاكهة
دفع الحساب ثم ابتسم للعامل و هو ياخذ الباقي ليخرج وهو يحمل الأكياس بين يديه، وضعها بالسيارة ثم اتجه ليجلس بجوارها بينما لمعت عينيها بسعادة متناهية :
“ايه كل الحاجات دي؟”
أبتسم قائلا بسعادة لرؤية سعادته:
“الحاجات دي ليك، شكولاته من اللي بتحبيه نسكافيه، شيبسي.
ابتسمت قائلة بامتنان:
” على فكرة انت بجد احسن انسان قابلته في حياتي، كفاية انك مقدر خوفي و توتر من الامتحانات، على انا بحبك يشهد ربنا اني بحبك و هفضل احبك لآخر يوم في عمري”
غمز لها بشقاوة قائلا بمراوغة:
” أنا لو اعرف ان ضغط الامتحانات هيهخليك تخرجني و نشتري كل الحاجات دي كنت اتمنيت يكون عندي امتحان كل يوم”
لم يجيب وهو يراها تاكل و تنظر للطريق عبر زجاج السيارة
الحياة عبارة عن عدة مسارات تشبه لعبة المتاهة ان وجدت لك رفيق درب صالح سيأخذ بيدك الي حيث الأمان، وحتى ان لم تصل للأمان ستجد من يوئنس وحدتك، فماذا يخطر ببالك ان وجدت عائلة باكملها تحثك على النهوض لأجلك أنت.
google-playkhamsatmostaqltradent