رواية لن ابقي علي الهامش كامله بقلم نداء علي عبر مدونة دليل الروايات
رواية لن ابقي علي الهامش الفصل الخامس و العشرون 25
وللحياة بريق اخاذ ينادينا فنهرول إليه ولا نكترث لتلك الزهور اليانعه التي ندهسها في سبيلنا إليه، وما ان نصل حتى يختفي ويحل الظلام فنتلفت ولا نجد سوى حطام صنعناه في غفلتنا
ابتسمت همس بود ممزوج بفضول ودهشة وسعادة لما تراه من حنو يهديه محمود لطفليها، للمرة الأولى يأت إلى بيتها ضيف تربطه صلة قرابة بفيصل، ومن هو، شقيقه!
لم تتوقع يوما أن تلتق به ولكن الحياة تخالف توقعاتنا على الدوام.
تذكرت ما حدث بينها وبين فيصل منذ سنوات عقب زواجهما بأشهر معدودة وفي حضور والدته عندما تساءلت هي بتلقائية
فلاش باك
شفت يا فيصل، الفيلم ده مستفز جدا، ازاي البطلة قدرت تسامح وتنسى خيانة البطل وترجعله عادي
فيصل بثقة وكأنه على يقين أن تلك البطلة صورة أخرى من والدته : معندهاش كرامة.
ابتسمت والدته بضعف قائلة
اللي بيحب بيسامح يابني
فيصل بحدة نابعة من عشقه لوالدته حد الجنون : واللي بيحب مبيقدرش يخون ولا يوجع اللي حبه ووثق فيه، بس في ستات ضعيفه معندهاش كرامة.
ابتلعت ريقها بحزن قائلة
محدش له في نفسه حاجة والقلوب بين ايدين اللي خالقها
همس : والله يا ماما كلامك حقيقي بس لما يكون الشخص معترف بغلطه او عالأقل عنده عذر، لكن البطل ده مغرور اوى وشايف نفسه.
اجابتها هي بحنين إلى من تركها منذ سنوات ومازالت تكن له من العشق ما لا تستطيع البوح به
كل شيء نصيب يابنتي، واللي بيحب حد بيتمناله السعادة حتى لو بعيد عنه.
هب فيصل واقفاً يتطلع إلى والدته بغضب من أجلها ورفضاً لضعفها تجاه والده، تحدث إلى والدته بحدة لم تعهدها هي ولا همس قائلاً
بتتكلمي عن البطلة ولا عن نفسك
شهقت همس بصدمة وخوف من فرط انفعاله ونهرته بحذر قائلة
فيصل، انت بتقول ايه
استمر في صياحه وتألمه من أجل والدته ومنها قائلاً بصوت يملؤه العتب والقهر
بقول الحقيقة، بواجه أمي بضعفها اللي قاتلني بقاله سنين، بفكرها ان الراجل اللي بتتمناله السعادة داس علينا برجليه ورمانا بمنتهى البساطة كأننا زبالة وبيتخلص منها، اقولك ايه تاني علشان تبطلي تحبيه وتتمنيله السعادة!
اقولك انه دلوقتي في حضن ست غيرك ولامم ولاده حواليه، اقولك انه لو شافني في الشارع مش هيعرفني ولو عرفني هيتجاهل وجودي، ردي عليا.
وقفت همس بمواجهته وكأنها ترجوه أن يعود إلى رشده قائلة بحنو
حبيبي، فيصل، اهدي ياقلبي، مينفعش تكلم ماما بالأسلوب ده
ادمعت عينا والدته ووجهت حديثها إلى همس قائلة
دخليني أوضتي يابنتي، معلش عاوزه انام شوية
همس باعتذار : اقعدي يا ماما، فيصل ميقصدش يضايقك
مسدت والدته فوق رأسها بحب وامتنان هامسه بخفوت
عارفه يابنتي، أنا بس محتاجة ارتاح
ساعدتها همس على الهروب إلى غرفتها واختبأت تلك المرأة التي نجحت في كل شيء وعجزت عن تخطي رجل لم يفلح سواه في احتلال فؤادها فباتت على هامش الحياة عاجزة عن النسيان ورافضة للاستمرار، لكنها مازالت تهواه رغم كل ما مضى.
عادت همس إلى زوجها الواجم بمكانه وامسكت بيده قائلة
ليه كده يا فيصل، من أمتى بتتعصب على والدتك كده
ضمها إليه بشدة أوجعتها لكنها تمالكت نفسها وهمست إليه
أنا معاك، اطمن
أخبرها بصوت كسير قائلاً
شفته النهارده ياهمس، كنت في حفل تخرج لدفعة جديدة ولمحته بالصدفة، كان هيطير من السعادة بابنه، أخويا اللي معرفش اسمه كان بيتخرج وابويا اللي عمري ما شفته كان بيحضنه بسعادة، سعادة مفيش حد فيهم يستحقها لأنها بتوجعني وبتحرق قلبي.
ضمت وجهه بين كفيها العاشقة لكل ما فيه قائلة بخجل وثقه في مستقبل قادم إليهما بحلو الأيام
متفكرش فيهم، فكر في والدتك، فيا وفي حياتنا وأولادنا
بقي صامتاً ينظر إليها باحتياج إلى أن اوضحت مقصدها قائلة
أنا حامل يا فيصل
انتظرت منه حماساً، سعادة، فعلاً يعبر عن رأيه لكنه لم يبادر بأي شيء بل تحرك مبتعدا ينظر إليها بحزن قائلاً
تفتكري أنا ممكن أبقى أب، وليه أخلف اطفال وتبقى حياتهم زي حياتي
اقتربت هي والقت بنفسها إليه تستمد منه وتمده بعض الأمان، تدرك مخاوفه رغم رفضها لما يقول إلا انها لن تسمح لماضيه أن يحرمهما تلك اللحظات الفارقه، ضمته بضعف واستكان هو متنهداً بتيه، تحدثت إليه بتفهم قائلة
انت هتكون أجمل وأحن أب في الدنيا، مفيش غيرك يستحق يبقى أبو ولادي يا فيصل، أنا متأكدة وواثقه من ده
فيصل : خايف يا همس.
همس بصدق : وأنا خايفة اكتر منك، بس وجودك بيقويني، وبعدين ينفع كده تضيع فرحتي، أنا كنت عامله خطه علشان افاجئك انت وماما.
حملها دون جهد فشهقت بفزع قائلة
بتعمل ايه يا مجنون ، هتوقعني.
فيصل : بحبك
ضمت جسدها إليه تختبيء بين أضلعه وغابا سويا يغتنمان لحظات من السعادة اضاعها فيصل من بين يديه ويديها.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
نفارق ونلتقي من جديد، ونبتعد ونقترب من أخرون وتبدو بعض الوجوه مألوفة وبعضها لا تألفه الروح ويأبى وجوده القلب إلا انه يبقى ونصبح محاصرين به، ورغم رفضنا له يساورنا شعور بالتملك تجاهه وعندما يقترب أحدهم ينتوي انتزاعه نستشعر الخوف ونتربص بلحظة الهجوم
تحدث تامر بسعادة بما وصل إليه بجهده دون مساندة من أحد قائلاً
المصنع ده بقالي سنين بجمع في تمنه، اشتغلت ليل نهار لحد ما قدرت اوصله للشكل اللي قدامك
كانت سوزي شارده وبصرها مسلط فوق تلك الشقراء المائعة التي تخص تامر بنظرات لم تستصيغها سوزي
اقتربت منها تتساءل بغرور وفضول
انتِ شغاله ايه هنا، سكرتيره؟
اجابها تامر بامتنان واعجاب وتقدير لما فعلته هاله لمؤازرته
استاذه هاله دي ست الكل، من غيرها منعرفش نعمل حاجة، مسؤولة العلاقات العامة وماشاء الله بتتكلم ٥ لغات
سوزي باستعلاء : اهه، تشرفنا
اقتربت من تامر قائلة بدلال
ممكن ندخل المكتب أنا تعبت من اللف
تامر بحب : آه طبعا، بعد اذنك يا استاذه هاله المدام تعبت من الواقفه.
هاله بنظرات غامضه يغلفه بعض الغيرة والانكسار.
اه طبعا، اتفضلوا
تحركت سوزي بمشاعر متقده، بين غيرة وغضب وشعور بالتهديد من منافسه تعلوها جمالاً
ما ان أغلق تامر باب المكتب، اندفعت سوزي صوبه تهتف بشراسة
مين البت الملزقة دي، وبتبصلك كده ليه
تامر بهدوء : مسمهاش بت، وملزقه فين دي لبسها محترم أوي
سوزي : وانت بقى بتقعد تتأمل لبسها وجماله
تامر : لأ مقصدش، وبعدين اللي يشوفك يقول غيرانه
سوزي : أنا اغير من دي!
تامر : أنا اقصد تغيري عليا
سوزي بمكر : اكيد بغير عليك، مش جوزي
تامر : طيب كويس الحمد لله
سوزي : انت بتتريق، طب ايه رأيك بقى البت دي مش سهلة وعينها منك
تامر بثقة : عارف!
سوزي بصدمة : عارف ايه؟ وعادي بالنسبه ليك يعني انها تبقى عينها منك
تامر بهدوء : ما قولتلك قبل كده، اللي مش عاجبك ممكن يعجب غيرك كتير
سوزي : اه، ده انت قاصد تحرق دمي بقى، المفروض تحط في بالك انها لو هتبصلك هتبقى طمعانه فيك يا حبيبي
تامر بنظرات ساخرة : اطمني، أنا واخد بالي كويس ومفيش واحدة تقدر تلعب بيا، وعارف ان كل حاجة وليها سعرها.
سوزي : تقصد ايه يا تامر؟
تامر : ولا حاجة، تحبي تشربي حاجة ولا نخرج نتعشى بره
اجابته على مضض : خلينا نخرج أنا اتخنقت من المكان ده.
ومأ إليها وانصرفا تتبعهما نظرات هاله التي لن تمرر الأمر هكذا فتامر زوجها هي الأخرى ولها فيه ما لتلك الفتاة الحمقاء حتى وان كان زواجهما طي الكتمان فقد أن الأوان لكي تعلن زواجهما.
💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬💬
ثقلت همومها فبات الحمل قاتلاً، خُيل إليها أن كل ما يدور من حولها راجع إلى فشلها في اتخاذ القرار، باتت زوجة فاشلة وحبيبة عاجزة عن احتواء من احبت وأم بائسة تكاد إحدى فتياتها أن تنته حياتها قبل أن تبدأ، أصابها ألم حاد وغثيان قاسي جعلها تبدو كما الموتى، اقتربت تقوى من غرفتها قائلة بصوت عالي
ماما، انتِ لسه نايمة ولا إيه
اجابتها بصوت وصل إليها بالكاد
أنا تعبانة النهاردة يا تقوى، سيبوني ارتاح شوية
تقوى : طيب احضرلك حاجة تاكليها
دون تردد اخبرتها : لأ مش عاوزة أكل، عاوزة أنام وبس
ابتعدت بخطوات هادئة والقت رضوى برأسها فوق وسادتها تبكي برعب يتزايد كما الطوفان الجامح، هل هناك من مخرج لما يحدث، هل من احد يمد إليها يده فينتشلها قبل أن تفقد ما تبقى لديها من مقاومة،اغمضت عيناها بتعب وغاصت في نوم أشبه بموت ترجوه.
مضت ساعات ولم تخرج إلى فتياتها فبدأ القلق يتسرب إليهن لكن لا واحدة تجرأت على ايقاظها، انتاب مصطفى هو الآخر القلق خاصة بعدما هاتفها عدة مرات ولم تجبه فلجأ إلى تقوى الابنة الأوسط والأقرب إليه قائلاً
ماما فين يا تقوى بكلمها من الصبح مبتردش عليا؟!
تقوى : ماما نايمة في اوضتها وشكلها تعبانة أوي
مصطفى : تعبانة ازاي، حصل ايه؟!
تقوى : مفيش حاجة، هي رجعت من برة شكلها مش طبيعي ودخلت اوضتها ومن وقتها مخرجتش
مصطفى : تمام، أنا نص ساعة وأكون عندكم، في عندك أكل ولا اجيبلكم حاجة من المطعم
تقوى : ماما عاملة اكل من إمبارح، بس لو تحب هات بيتزا مش هنقول لأ
ابتسم قائلاً
ماشي يا لمضة، أجبلك بيتزا
لم يمر الكثير، أقل من ساعة وعاد إلى سكنه يحمل بين بيديه علب الطعام وبعد المشروبات لبناته وعلبة من الشوكلاته الفاخرة لرضوى، لا يعلم لما احضرها لكنه يسعى لاستعادة ما فقدته، لم تعد كما كانت، اختفت بسمتها الصافية وغدت بسمة واهنة، تبدو كما الشمس التي تحجبها غيوم الألم.
اختطفت من تقوى الطعام بمرح وكادت أن تجتذب تلك العلبة الملفتة للنظر فرفعها قائلاً
دي لماما يابت، روحيي يلا اتعشى مع اخواتك وأنا هشوف رضوى
ابتسمت إليه بشقاوة قائلة
هتعشي وأروح لماما اخد منها الشوكلاته، رضوى مش بتاكل حاجة من غيرنا.
أومأ موافقاً على ما تقول وتوجه بلهفة نحو غرفته
رضوى، أنا جيت.
رفعت رأسها بصعوبة فهرول إليها رغم الألم المصاحب له عند حركته هامساً :
في إيه، شكلك تعبان أوي، متصلتيش عليا ليه
ألقت بجسدها إليه تبكي بيأس هامسة
أنا تعبانة أوي يا مصطفى، هو أنا ليه فاشلة في كل حاجة ليه؟! أنا والله حاولت كتير اصلح حياتنا بس مفيش فايدة
نظر إليها بترقب
انتِ زعلانة مني، على فكرة أنا قضيت اليوم مع البنات لأنهم واخدين تطعيم وتعبانين وانتِ عارفة أمي مش هتهتم.
حركت رأسها بتعب قائلة أنا محتاجة اتكلم معاك في موضوع بس اوعدني تتصرف بهدوء، علشان خاطري يا مصطفى، لو ليا خاطر عندك تسمعني للآخر وتحاول تشوف حل
انتبه إليها بكامل تركيزه قائلاً
سامعك يا رضوى، إيه المشكلة، حد من البنات عمل حاجة؟!
اجابته بتردد
أيوة، مرام يا مصطفى، مرام هتضيع من ايدينا ولازم نتصرف، أنا مقدرتش احميها، مقدرتش.
تبادل اساف اطراف الحديث مع محمود الذي استطاع ببراعة كسب ثقته واجبار فيصل على المشاركة في الحوار إلى أن لاحظ محمود نظرات فيصل المعلقة بهمس الشاردة كما لو كانت مغيبه في عالم أخر فتساءل بمرح :
حضرتك معانا يا مرات أخويا، شكلك مشغوله في موضوع مهم
نظرت إليه همس بحرج ومازالت صامته فقد انجرفت مع تلك الذكريات وتغافلت عن وجودهم، تحدثت باختناق سعت إلى اخفائه لكن فيصل استنبطه من نبرة صوتها الخافت قائلة
لا والله معاكم، أنا هعمل قهوة حضرتك بتشربها ايه
محمود : اسألي استاذ اساف الأول
همس : لأ اساف أنا عارفه انه بيشربها ساده
فيصل : اخلص وقولها بتشرب قهوتك ايه.
محمود : يابني بالراحة عليا، انت ناقص تقولي قوم روح
فيصل : يعني لو قولتلك هتروح
محمود : لأ
ابتسمت همس وعلق اساف قائلاً
ربنا يخليكم لبعض، علاقة الأخوات من أجمل العلاقات في الحياة
وصلت تلك الجملة إلى مسامع فيصل لينفجر ضاحكا إلى أن ادمعت عيناه ونظر إليه محمود بحزن وتعاطف بينما تألمت همس لضحكاته الكاذبه التي تعلم يقيناً أنها بكاء مستتر يخفي خلفها صفعات والده الجاحدة
لم يستطع فيصل التوقف عن الضحك إلا عندما اعتدل محمود واقفاً معتذراً بلباقة قائلاً
انا لازم امشي حالاً، متشكر جدا عالعشا وان شاء الله نتقابل قريب
اساف وقد استشعر توتر الأجواء من حوله : أنا كمان مضطر امشي، فرصة سعيدة جدا يا دكتور فيصل، تسلم ايدك يا همس الأكل اكتر من رائع
همس : بألف هنا، هسيبك ترتاح وبكره ان شاء الله نتكلم
فيصل بجدية وكأنه لم يكن يقهقه منذ قليل : شرفتونا يا جماعة
مد اساف يده مودعاً اياه، وفعل محمود نفس الشيء لكنه همس إليه بصوت خافت
أنا أسف يا فيصل، رغم اني مليش ذنب في أي حاجة حصلت بس صدقني أنا اسف جدا.
وقد تهدأ الأصوات ويحنو علينا الليل ويأت بسكونه لكن ذاك الأنين المتلاحق بداخلنا لا يمل ولا يهدأ فثورته لا تخمد مهما مضى ليل ولحق به نهار جديد.
بقى بمجلسه وعيناه تنظر إلى الفراغ، وجهه متجهم وملامحه هادئة، لكنه يتألم، يتساءل وتساؤله لا يرحم بل يجلده دون ذنب يعلمه، لمَ هو حائر هكذا ومتى تنتهي حيرته؟
اقتربت منه همس قائلة
قوم ارتاح يا فيصل، انت ايه مقعدك لحد دلوقت، الفجر أذن.
نظر إليها باشتياق فأشاحت بناظريها عنه، لا طاقة لها بصدام جديد وربما هي مشفقة عليه من ثقل آخر يرهقه.
ابتسم بتيه قائلاً :
نفسي أصلي أنا وانتِ يا همس.
همس بصوت متوتر :
قوم اتوضى وصلي.
فيصل : وانتِ!
همس : أنا صليت الحمد لله، وكنت قايمة اطمن عالولاد وفكرت انك مشيت، اتفاجئت انك لسه قاعد.
فيصل بهدوء : وأنا قولتلك اني راجع بيتي من تاني، بيتنا يا همس
همس بتعب : اللي يريحك، تقدر تدخل الأوضه تنام، الأوضة نضيفة أنا مش بنام فيها اصلا
فيصل : ليه!
همس بهدوء نيرانه تحرقها دون أن يلحظها أحد سوى قلبها المشتعل بداخلها.
ملوش لازمه الكلام دلوقتي يا فيصل، اليوم كله كان مرهق وأنا وانت محتاجين نرتاح.
اعتدل فيصل واقفاً وبصره لا يحيد عنها، تراجعت هي قليلاً تسعى إلى الإبتعاد قدر استطاعتها لكنه لم يملها مزيداً من الوقت، اقترب إلى أن محا المسافة بينهما وضمها إليه هامسا :
زمان كنتي بتقولي ان أوضة نومنا عالم جوة العالم، كنتي بتقولي انك أوقات بتخافي تخرجي منها ولما بتخافي بتستخبي جواها.
اجابته هي بعد صمت استمر قليلاً، صمت بات دخيلاً بينهما لم يكن فيما مضى يجرؤ على اقتحام مجلسهما :
كنت، ودلوقتي بتخنق لما بدخلها، بحس انها بتحبس أنفاسي، بسمع صوتك وكلامك ووعودك وبكره نفسي وضعفي معاك يا فيصل، صدقني بقيت بهرب منها بكل قوتي، حتى النوم هجرها ورافض يصالحني وأنا جواها. فيصل : أنا وانتِ مستحيل حكاياتنا تنتهي بالشكل ده، انتي ليه مصممه تعذبيني وتعذبي روحك، همس أنا بحبك.
فيصل : يمكن، بس للأسف مش هقدر اصدقك تاني، يكفي ان ست غيري اتمتعت بالكلمة دي، قولتها لواحدة تانيه يا فيصل.
فاكر انت قولت زمان لوالدتك قدامي ايه؟
يمكن تكون نسيت لكن أنا مقدرتش أنسى، وصدقتك، زي ما كنت بصدق أي كلمة بتقولها بدون تردد.
فيصل : كلمة ايه يا همس؟
همس بوجع : قولتلها ان البطلة لما تسامح البطل الخاين بتبقى ست معندهاش كرامة.
فيصل بمكابرة : أنا مخنتش، اعتبريها غلطة، زلة وقعت فيها وفقت منها، ايه المشكلة، أنا جوزك حبيبك وأبو ولادك، عمري ما اتأخرت عنك في أي موقف وعمري ما خذلتك وده كلامك مش كلامي؟!
همس بعشق قتيل : فعلآ، مقدرش انكر، وأنا كمان كنت ليك زوجة وحبيبة وأم وسند وده كلامك، عمري ما صغرتك ولا قللت من شأنك، كان كل يوم بيعدي علينا بيزيد حبك جوايا وبيزيد احتوائي ليك لكن للأسف انت كنت كافي ليا، مالي قلبي وعيني لكن أنا مكنتش كفاية بالنسبه ليك.
كان يستمع إلى ما تحمله كلمات الأغنية من معاني تتطابق إلى حد ما مع حاله فيما مضى لكنه الأن يستشعر هدوءاً لم يعهده من قبل، ربما كان تسليماً منه بما قدر له وربما يأس أن يختلف الأمر عما هو عليه.
لو كل عاشق في الهوى يرضى بنصيبه مكنش عاشق يا هوى فارق حبيبه
مكتوب لقلبي بعد قلبه يعيش حزين، واقول لروحي بعد روحي هعيش لمين؟
قاطعته هي قائلة بشيء من الغيره الساخرة
آه، ويا ترى بقى يا سي ياسين لو كل عاشق في الهوى يرضى بنصيبه مكنتش هتفارق مين؟
ابتيسم ياسين قائلاً : دي أغنيه يا أماني، هتغيري من أغنيه؟
أماني : واغير ليه، بس بيقولوا كل يغني على ليلاه.
ياسين بمرح هاديء : ايوه يبقى أنا ببكي على ليلاي، بحب ليلى
أماني بغيظ : خليها تنفعك
ياسين بتأمل : تعرفي ان اسمك معناه حلو، أماني!
اماني : ياجدع، وأول مره تعرف ان اسمي أماني؟
ياسين : لأ، عارف من فتره بسيطه
دفعته أماني برفق يشوبه بعض الغيظ، تحدث هو بجدية قائلاً
انتي اماني أنا، مش معناه أمنيه لأ معناه أمان ليا.
ابتسمت بنعومة كطفلة مدللة قائلة
أيوة عندك حق، طب ما انت بتقول كلام حلو أهو، مبتقوليش ليه علطول؟
ياسين : المهم أكون حاسس بيه، ولا ايه رأيك
أماني : رأيي انك محيرني، بس كله يهون علشان خاطرك.
قولي صحيح، همس أخبارها ايه
ياسين : مكلمها من ساعه كده، كويسه الحمد لله
أماني : ربنا يعينها ويعوضها خير
ياسين : يعوضها ازاي، ماهي رجعت لجوزها
أعربت عن اعتراضها على مغزى حديثه وعلقت بحزن : وانت فاكرها هترجع معاه زي زمان؟!
ياسين : الوقت بيداوي أي جراح، المهم انهم يحاولوا.
أماني : ربنا يهديها، عالأقل علشان ولادها لكن هو ميستاهلش.
ياسين بجدية ورفض لتلك الجملة :
نفسي افهم بتدخلوا الولاد في النص ليه، لو هترجعله ترجع لأنها بتحبه لأنه بيعشقها، لأن بينهم ذكريات مستحيل تنساها حتى لو اتجوزت راجل غيره، تفتكري هتنسى فيصل وحياتها معاه؟!
آماني : واشمعنى هو نسى وظلمها وكان هيتجوز عليها، ولا هو بيحس وهي لأ
ياسين : غلط يا أماني، غلط ورجع ومتجوزش، يمكن صعب تسامحه بس مش مستحيل، أنا بقول الكلام ده علشانها هي قبل منه.
أماني : لا وانت الصادق، انت راجل زيه وبتدافع عنه
ياسين : وانتي تعرفي عني كده، أنا مبحبش الظلم بس الحياة كلها مشاكل ومواقف حلوة ومرة، الانسان مفروض يسامح ويعدي.
أماني : على أد المحبة بيكون الوجع والقهر يا أبو اسلام بس نقول ايه، المهم اللي يفهم.
نظر إليها مليا لكنه قد حسم أمره عليه أن يتأكد من قراره الذي وصل إليه ليتحدث بجدية وترقب قائلاً
الخميس الجاي هاخدك انتي والبنات معايا مشوار مهم
أماني بسعادة
فين، هتفسحنا يعني؟
ياسين : نروح مشوارنا وبعدها افسحكم مكان ما تحبوا، ويلا بقى اعمليلي كوباية شاي بدل اللي بردت دي، ايه هتاخدي عليا ونتصاحب.
نظرت إليه بغيظ هامسة من بين أسنانها
مش هعملك حاجة، اعمل لنفسك
ياسين : أهون عليكي، ده أنا كلها كام يوم واسافر واتبهدل واعمل لنفسي كل حاجة
أماني بحب يغمره اشتياق وخوف من فراق جديد
حاضر، هعملك اللي تطلبه
تحدثت سوزي إلى والدتها بغضب قائلة
أنا زهقت، مش معقول هقضي حياتي بالشكل الممل ده ، سي تامر عاوزني أخلف ومستعجل أوي
ابتسمت والدتها قائلة
وايه اللي يمنع، ما انتي مخلفة قبل كده، وبعدين حقه بسم الله ماشاء الله عاوز حد يورث الخير اللي عنده. خليكي شاطره وهاتيله عيل يشيل اسمه ويبقى الكل في الكل
ابتلعت سوزي ريقها بتوتر قائلة :
أنا باخد حبوب، مش مستعده أخلف دلوقتي.
والدتها برفض : ليه كده يا غبيه، بقى رحتي خلفتي من الزفت مصطفى رغم انه مكنش عاوز أولاد، ورافضه تخلفي من تامر وهو نفسه يخلف منك.
سوزي : يوووه، كل حاجة مصطفى مصطفى، ايوة كنت حابه اخلف منه علشان ميبعدش عني، كنت فاكره انه مش هيسأل عن رضوى وبناتها بس تفكيري طلع غلط، لكن تامر أنا خايفه منه، لو خلفت معناها اني هربط نفسي بيه للأبد.
والدتها بضيق ويأس من حال ابنتها
وبعدين معاكي يا سوزي، اعقلي بقى وبطلي دلع، يابنتي تامر راجل كسيب وبيحبك بلاش تضيعيه من ايدك مش كل يوم والتاني هتتجوزي وتتطلقي
سوزي : ومين قالك اني هطلق، أنا بس عاوزه اعيش حرة مش لازم ألبخ نفسي دلوقتي بأطفال، مش كفايه بناتي اللي نفسي أشوفهم وخايفة أقوله يفتحلي محضر سين وجيم
والدتها ساخره : البنات برده ولا أبوهم؟
سوزي : بناتي طبعا، أبوهم ده مش في بالي أصلاً
نظرت إليها والدتها مليا دون رد إلى أن تهربت سوزي قائلة
تشربي قهوه معايا يا ماما، اصل أنا مصدعه جدا
ابتسمت والدتها وتحدثت بنعاس قائلة
لأ، قهوة ايه هتسهرني اشربي انتي يا حبيبتي وروقي اعصابك علشان تامر لما يرجع يلاقيكي مفرفشه كده وبالك رايق.
سوزي : اه، لما نشوف اخرتها معاه مبيرجعش كل يوم غير بعد نص الليل وكل ما أكلمه يقولي شغل ولولا انتي جيتي النهارده كان زماني سهرانه لوحدي زي كل يوم
والدتها بطمع
وماله، سيبيه يشتغل كله مصلحة ولا عاوزاه يقعد جنبك
سوزي : ولا يقعد ولا يمشي، أنا رايحة اعمل القهوة
تنهد تامر بضيق لم يخلو من بعض السعادة التي تمنى أن ينالها من سوزي لكن هاله قد سبقتها إليها، تحدث بهدوء قائلاً
بس احنا متقفناش على كده يا هاله، الحمل معناه اني لازم أشهر جوازنا
هاله بدلال حزين
لو مش عاوز اطفال خلاص أنزله، أنا عارفه اني بالنسبه ليك تسلية مش اكتر .
تامر : انتي بتقولي ايه، لأ طبعا انتي مراتي وابني مستحيل اتخلى عنه، كل الحكاية اني مش عاوز مشاكل من أولها كده مع سوزي.
هاله بغيرة
على فكره أنا مراتك قبلها يا تامر
تامر : عارف، بس انتي كمان عارفه اني كنت بحبها وما صدقت انها اطلقت.
هاله :خلاص طلقني وكل واحد يروح لحاله
تامر : لأ يا هاله، أنا بعد ما اتجوزت سوزي حاجات كتير اتغيرت وأولها مشاعري ناحيتها، برودها ومعاملتها ليا خلوني أشوفها على حقيقتها.
هاله بسعاده : يعني مبقتش تحبها؟
تامر بثقة : بحبها، بس أنا راجل دمه حامي مقبلش ست تهيني ولا تحسسني اني قليل وبعدين براحتها حابه تعيش على عيني وراسي مش حابة براحتها برده يبقى هي اللي اختارت
هاله : وأنا؟
تامر : انتي وش السعد يا هاله، وان شاء الله هتبقي أم ابني، كفايه وقفتك معايا من أول ما بدأت لحد النهاردة، اصبري بس عليا وأنا هعملك اللي تطلبيه.
ونخطو فنتعثر ونسقط بقوة تألمنا وتكبلنا فنبقى عاجزين عن الاستمرار، لكن غريزتنا تعلو وتدفعنا للقيام من جديد ونحاول مراراً إلى أن نصل.
شهقت بفزع بعدما جذبها إليه بحدة ونظراته القاتمة مصوبة نحوها بغضب
تحدث بقسوة قائلاً
كنتي فين ومبترديش على الموبايل ليييه؟
نفضت عنها يده قائلة
سيب ايدي، كنت في الشغل والموبايل فصل شحن.
فارس : وانتِ ازاي تخرجي من غير ما أعرف؟
كاميليا : وأنا مفروض اخد الاذن منك قبل ما أروح شغلي!
فارس : المفروض طبعا، لو بتفهمي في الأصول والواجب، لكن ازاي الدكتوره كاميليا ملهاش كبير.
كاميليا بقهر : فعلا ماليش، اللي كان ليا مات يا فارس.
دفعها فارس بحدة طفيفة وصاح بقوة : متجننيش، انتي مراتي وكل خطوة بتعمليها من حقي أعرفها ومش معنى اني مقدر اللي بتمري بيه انك تسوقي فيها.
تراجعت إلى الخلف قليلاً ولم تحرك ساكناً بل بدت بلا روح، همت بخلع معطفها واجابته بخفوت :
انا كده وان كان عاجبك
فارس : لأ مش عاجبني يا كاميليا فاهمه، مش عاجبني ومش هسكت بعد كده
كاميليا : هتعمل ايه يعني، هتطلقني!
قالتها بصوت مختنق جعله يتنفس بعمق وجهد قائلاً
لو عليا هطلقك، لكن خالي وصاني عليكي، واضح فعلا انك بطلتي تحبيني واني كنت بقاوح عالفاضي.
كاميليا : كويس انك فهمت.
فارس : تمام، من هنا ورايح ممنوع تروحي أي مكان من غير ما أعرفه، وصدقيني أنا بحاول على أد ما اقدر اتحمل عمايلك معايا لكن لحد كده وخلاص.
تردد قليلاً وود التراجع لكنه لم يفعل ، تحرك بخطوات جادة وللمرة الأولى يسعى هو للمواجهة، لن يختبيء من جديد خلف قضبان الماضي سيحطمها قبل أن تزهق ما تبقى من عمره
ضم يدها بين يديه وابتسم إليها قائلاً
يلا يا أم اسلام، وصلنا البيت
أماني : بيت مين ده، أول مره نيجي هنا
ياسين : ده بيت أحمد صاحبي
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية لن ابقي علي الهامش) اضغط على أسم الرواية