رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني 2 الفصل الثامن عشر 18 - بقلم نسمة مالك

الصفحة الرئيسية

رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني 2 الفصل الثامن عشر 18 بقلم نسمة مالك

رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني 2 الفصل الثامن عشر 18

  في أوقات غضبنا نجتهد حتى نجرح غيرنا، لكن بعد فوات الأوان ندرك أننا لم نجرح سوي أنفسنا، نحن مخلوقين من ماء و طين، لو زادت الماء نبقي نهر، و لو ذات الطين نبقي حجر، لا شيء يدوم للأبد في هذا العالم و لا حتى مشاكلنا، 
الحياة مجرد رحلة تحتاج منا الكثير من الرفق، التسامح، تجاهل الأخطاء لذلك عش اليوم فالغد قد يكون أو لا يكون..
"صورة تاريخية"..
ألتقطها "جابر" بهاتفه لحظة خروج "عبد الجبار" برفقة صغاره من غرفة العمليات بعد مكوثه داخل غرفة الآفاقة حتى إستعداد وعيه، الصغيران نائمان فوق كتف والدهما الذي مازال بين الوعي و اللاوعي، لكنه يضمهما بذراعيه المعلقان بهما الكثير من الأسلاك الطبية بهيئة تخطف القلب و تدمع لها العين..
"حمد لله على السلامة يا أبو الجبابرة.. يتربوا في عزك يا غالي ".. قالها "جابر" بمزاح أثناء تصويره مقطع فيديو له معاهم، مال عليه أثناء سيره بجوار السرير النقال مكملاً..
"الحمد لله ربنا قومك بالسلامة كلنا نبارك ل عبد الجبار باشا المنياوي على الولادة و نقوله يتربوا في عزك و ربنا يتم نفاسك على خير إن شاء الله "..
" أفوقلك بس و هخبرك زين مين اللي بيولد"..
قالها "عبد الجبار" بوعيد بصوتٍ مُتعب للغاية و بلهفة تابع..
"سلسبيل.. بناتي.. أمي"..
"إحنا أهو يا أبوي"..نطقت بها" فاطمة" ابنته الباكية و هي تهرول بخطواتها نحوه و خلفها شقيقتها..
نظر لهما" عبد الجبار " بأعين شبه مغلقة، و أبتسم ابتسامته المطمئنة قبل أن يختفي لداخل غرفة العناية المركزة..
كانت "خضرا" تقف على مسافة منه، تتابعه بعينيها الغارقة بالدموع، غير قادرة على الأقتراب منه أو حتى من بناتها اللتان يصرخان بذعر حقيقي و يختبأن كلما وقعت عينيهم عليها..
فور دخول" عبد الجبار" العناية حملت إحدي الممرضات الصغيران مردفة بعملية..
" الأطفال لازم يدخلوا الحضانة عشان الدكتور يعملهم فحص شامل"..
همس "عبد الجبار" بقلق و عينيه تتابع صغاره قائلاً..
"أمهم.. طمنيني على أمهم؟ "..
أجابته الممرضة و هي تضع الصغيران على سرير نقال خاص بهما و تغادر الغرفة على الفور.. " أطمن الأم كويسة جدًا"..
"حمد لله على السلامة.. خضتنا عليك يا راجل"..
أردف بها" أيوب " الذي دلف للتو و بدأ يقراء نتائج الأجهزة التي تم توصيلها بصدر و يد "عبد الجبار "..
تنهد" عبد الجبار" تنهيده حزينة و هو يقول.. " الله يسلمك يا دكتور.. هخرج أمتي من أهنه؟ "..
رفع" أيوب " حاجبيه معًا، و تطلع له مشدوهًا مغمغمًا..
" تخرج أمتي أيه !!.. أنت ربنا نجاك من طلقة كان بينها و بين القلب واحد سم ، و خرجت برحمة ربنا و رأفته بمراتك اللي كانت عايزه تتبرع لك بقلبها و ولدت قبل معادها من خوفها و قلقها عليك"..
" عشانها و عشان ولادي لازم أخرج من أهنه"..
قالها "عبد الجبار"  و هو يكافح بضراوة حتى ينهض من مضجعه، ليوقفه" أيوب " مسرعًا و هو يقول بتحذير..
" أهدي يا عبد الجبار.. أنت كده بتعرض نفسك للخطر"..
أنهى جملته و قام بإعطاءه حقنه مهدئه، أغمض" عبد الجبار" عينيه المجهدة، و بدأ يهذي بقلبٍ ملتاع.. 
"سلسبيل..مراتي .. لازم أكون چارها"..
ربت "أيوب" على كف يده المنغرس بها حقن معلق بها محاليل طبية و كيس من الدماء، و تحدث بهدوءه المعتاد قائلاً..
"مراتك كويسة  و خرجت من العمليات متقلقش.. و أول ما مفعول البينج يروح هتجيلك هنا تطمنك عليها بنفسها"..
............................... سبحان الله وبحمده............. 
مّرت عدة ساعات، هدأ روع الجميع قليلاً باستقرار الأوضاع في الوقت الحالي، ف غادر "جابر" المستشفى برفقة "صفا"  و معاهم بنات "عبد الجبار"،و ظلت" خضرا "تجلس بمفردها أمام غرفة العناية المتواجد بها زوجها،رغم أن الطبيب المشرف سمح لها بدخول و الاطمئنان عليه لكنها لم تقوى على مواجهته، فضلت الإنتظار لعله يطلب رؤيتها هو..
بينما بقت "عفاف"  مع "سلسبيل " التي فور شعورها بأطرافها قالت بفرحة غامرة ..
" أنا حاسة برجلي يا ماما عفاف.. ساعديني أقوم.. عايزة أروح أطمن على عبد الجبار و أشوف ولادي في الحضانة"..
هرولت "عفاف" نحوها مرددة بتعقل..
"أستنى لما أنادي الدكتورة تطمني عليكي الأول يا سلسبيل "..
تعلقت" سلسبيل" بذراعها و نهضت بصعوبة شديدة و هي تقول بأنفاس متهدجة.. 
"لا.. مش هقدر أستني أكتر من كده.. أنا هتجنن و أطمن عليهم يا ماما.. ولادي و أبوهم واخدين قلبي معاهم"..
ساعدتها "عفاف" بخلع رداء المستشفى، و البستها منامة وردية و من فوقها روب طويل من اللون الأسود أحكمت أغلاقه و رفعت الكاب الخاص به على شعرها، أخذت "سلسبيل "نفس عميق قبل أن تغادر الفراش بوهن و ضعف، تحملت على نفسها، و كتمت آهه متألمة حين أنتصبت واقفه..
استندت بيد على "عفاف" التي قالت بحنو..
"حاولي تفردي ضهرك يا بنتي"..
لم تنطق" سلسبيل" بحرف واحد، قطعت الحديث تمامًا من قوة الألم الذي يفتك بها، لكنها تحملته، و مدت يدها الأخرى استندت على المشجب المعلق به المحلول المتصل بكف يدها، و بدأت أول خطواتها تجر قدميها جرًا على الأرض لا تقوى حتى على رفعها..
" عايزين نروح الحضانة لو سمحتي"..
قالتها" عفاف" فور خروجهما من الجناح، لتقبض "سلسبيل" على يدها بأصابعها الباردة، و تحرك رأسها بالنفي مرددة بصوتٍ بالكاد يُسمع..
"عبد الجبار.. وديني عنده الأول"..
ظهر الضيق على وجهه "عفاف" و تحدثت بأسف قائلة.. 
"خضرا هتلاقيها عنده هناك يا سلسبيل و بصراحة أنا خايفة عليكي منها وأنتي لسه والدة و تعبانة كده لتعمل فيكي حاجة.. إحنا مش ناقصين يا بنتي"..
هبطت دموع"سلسبيل" على وجنتيها و هي تقول بنبرة راجية.. 
"عشان خاطري.. عشان خاطري يا ماما وديني عنده"..
حركت "عفاف"  رأسها بيأس، و رفعت يدها مسحت دموعها..
" أمري لله.. حاضر هوديكي عنده تعالي نركب الاسانسير لأن هو في تاني دور و إحنا هنا في السابع"..
سارت بخطواتها البطيئة معاها حتى وقفت بها "عفاف" أمام باب الاسانسير ينتظران صعوده، فُتح الباب ليجدوا"جابر" امامهما يقول بقلق و هو يقترب من "سلسبيل" بلهفة ..
"أيه ده رايحين فين؟!"
أجابته" عفاف" قائلة..
" مصرة تطمن على عبد الجبار بيه "..
تطلع لها" جابر "بنظرة عاتبة، و فجأها بلف يده حول خصرها ضمها كلها داخل صدره و هو يقول بغضب .. 
"مش أنا طمنتك عليه و وريتك الفيديو اللي صورته له  عشان أزل أنفاسه بيه..عجبك يعني و أنتي مش قادرة تقفي كده يا سلسبيل!! "..
لم تستطيع الرد عليه، و لا حتى الإبتعاد عنه، بل أن تعبها الشديد أرغمها بألقاء جسدها عليه..
رمقته "عفاف"  بنظرة ذات مخزي مدمدمة..
"امممم.. كويس إنك روحت صفا و جيت تاني عشان تقولها.. أصلي مش قادره امنعها لوحدي"..
تهرب" جابر " بعينيه من أعين" عفاف" التي ترمقة بنظرة يملؤها الأسف، ف عشقه ل "سلسبيل" مازال محفور بقلبه، و ظهر على قسماته حين ضمها لصدره بلهفة هكذا.. 
"لا.. وديني عنده عشان خاطري يا جابر"..
همست بها" سلسبيل " منعته بالعودة بها تجاه غرفتها مرة ثانية، نفذ طلبها على مضض، و دلف بها لداخل الاسانسير خلفهما "عفاف" و هو محاوطها بذراعها حتى أصبحت قدميها لا تلمس الأرض..
توقف بهما الاسانسير في الطابق المقصود، و فور فتح الباب وجدوا" خضرا " تنهض من علي مقعدها، و تطلع نحوهم بأعين متسعة، متعجبة من وضع "سلسبيل" المستندة على "جابر"، حاولت "سلسبيل" الإبتعاد عن "جابر"  و قد شعرت بالإحراج، إلا أنه أبي أن يتركها..
"مش هسيبك يا سلسبيل.. أنا لو سبتك هتقعي و ده مش هيحصل.. مافيش أي حاجة و لا أي حد يقدر يوقعك تاني طول ما أنا في ضهرك"..
كان يتحدث بصوتٍ عالِ متعمد أن يصل لسمع "خضرا"، سارت" سلسبيل" برفقته حتى وصلت أمام باب العناية المغلق فطرق "جابر"  عليه بقبضة يده..
بينما بقت" خضرا "واقفة مكانها، تتابعهم بصمت..
خرج إحدي الأطباء المشرفين على العناية، و تحدث بعملية قائلاً..
" خير يا فندم"..
"المدام عايزه تطمن على عبد الجبار بيه"..
قالها "جابر "بصوته الأجش، ليبتسم الطبيب و يشير على "سلسبيل" و هو يقول بثقة..
"أكيد حضرتك مدام سلسبيل؟ "..
حركت "سلسبيل" رأسها بالايجاب، ليتابع الطبيب بابتسامة أكثر اتساعًا..
"عبد الجبار بيه مبطلش سؤال عنك و لو كنتي اتأخرتي أكتر من كده كان هيجيلك هو"..
سار من أمامهم تجاه غرفة أخرى مغلقة و فتحها مكملاً..
"اتفضلي أدخلي هنا و هبعتلك ممرضة تعقمك الأول "..
نظرت "سلسبيل "تجاه" خضرا" و همست بابتسامة متألمة ..
"تعالي يا أبلة خضرا.. هندخله سوا "..
google-playkhamsatmostaqltradent