رواية سمال الحب الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

 رواية سمال الحب الفصل الثالث والعشرون 23  بقلم مريم محمد 

رواية سمال الحب الفصل الثالث والعشرون 23

_ أين هي ! _
على عكس المتوقع، في حالاتٍ مشابهة، يفقد الانسان قدراته العقلية على الأقل فور استعادته للوعي
لكنها هي، لم تفقد أيّ شيء، بل الواقع أن جسدها من الخارج كان يبدو طوال الوقت ساكنًا، إلا إنه في الحقيقة بداخله كل شيء حيوي و نشط بشدة، ما حدث، كله، و آخر ما عاشته على يد زوجها و عشقها
كان السيناريو الوحيد الذي يُعاد مرارًا و تكرارًا بخلدها ؛
حتى بدأت تصحو تدريجًا، باعدت جفونها المتثاقلة بمشقّة و بالكاد حرّكت رأسها قليلًا، بمجرد أن فعلت ذلك صار بامكانها السيطرة على جسدها من جديد و تطويعه  وفق ارادتها ...
-آااااااه ! .. صدرت عن تلك الآهة المحمّلة بالألم
كانت رأسها تدور و حلقها مُلتهبًا، ربما، لا بل أنها بحاجة حبوب مسكّنة و إبرة مضاد حيوي، و لعل ذلك يتطلب تدخلًا فوريًا ...
-حمدلله على السلامة !
شهقت "ليلة" عندما إلتقطت أذنيها هذا الصوت
عوجت رأسها في الحال و تطلعت نحو مصدره، لتراه هو، كما توقعت تمامًا ...
-حسن ! .. تمتمت برهبةٍ لا تعرف لماذا تملّكتها
-انت جيت هنا إزاي ؟
و رفعت ناظريها عنه لتنظر حولها مرددة :
-أنا فين اصلا ؟!
جاء ردّه هادئًا نقيض النيران المتأججة بعينيه :
-مش واضح ؟ انتي في المستشفى يا ليلة. الأولى أنا إللي اسألك.. إيه إللي جابك هنا ؟ إيه السبب ؟؟
نظرت له و لم ترد، فأردف بابتسامة ساخرة :
-أقولك أنا.... رزق.. رزق هو السبب !
رمقته بريبةٍ و لم تعقّب مرةً أخرى، ليواصل و هو يظهر لها مشبك شعر صغير تعرفه جيدًا :
-زي ما انا كنت السبب في نهايته إنهاردة !!!
إتسعت عينا "ليلة" حتى جحظتا من الصدمة و الخوف، نطقت بصعوبةٍ :
-حسن... انت عملت إيه ؟؟؟؟؟
امتلأت نظراته بالشر و الحقد و هو يخبرها :
-حرقت روحه !!!
و بدأ يقص عليها روايته المُرعبة ....
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كان يمضي بسيارته في إثرهما، بالكاد ترك مسافة بين السيارتين كي لا يُلفت انتباهه _ على الرغم من أنه ما كان لينتبه بسبب فزعه عليها _ توقف عندما صارا أمام المشفى الخصوصي
ما إن رأى ابنة عمته لا تزال مغشية بين ذراعيّ زوجها و قد بدت في عداد الأموات، أصبحت التار تأكل احشائه، ما دفعه لاقتراف هذا
بعد أن هدأت الساحة و صار المكان شبه خاليًا، مشى "حسن عزام" صوب سيارة "رزق الجزار"... و نفذ العملية الإجرامية الأولى في حياته
خرب له مكابح سيارته، ضامنًا موته، و أخذ ثأر أبيه منه
عاد إلى سيارته و ظل منتظرًا بلا كللٍ أو ملل، لكنه تفاجأ بعد قليل بمجيئ فرد آخر من عائلة "الجزار" و رآه يذر بسيارته تلك المرأة و معها طفلة، سرعان ما تعرف عليهما
إنها الزوجة الأولى لذلك السفاح و تلك هي إبنته
لا يعلم لماذا بدأ يساوره القلق ...
لكنه ما لبث أن أن صدق حدسه، فلم تمضي دقائق، إلا و خرج السفاح برفقة إبن عمه، و تم نقل الزوجة و الطفلة إلى سيارة "رزق"
لا، لم يكن هذا مراده، أبدًا، أراده هو، أراد أن يقتله بمفرده، ليس للطفلة ذنب، الطفلة و أمها خارج تلك الدائرة
شغّل "حسن" المحرك و تبعهم على الفور و قلبه يكاد يتمزّق بين أضلعه قلقًا على الأرواح البريئة الاتي وضعهما بيديه على المحك ...
حتى أنه لم يلاحظ بأنه تقفّى أثرهم إلى الطريق الصحراوي، اكتشف فقط حين غرست السيارة بالرمال و نزل "رزق" ليتصدّى لجهومًا بالرصاص ظهر من الاتجاه العكسي فجأةً
كان القصف غزير و اضطر للانبطاح أسفل مقعد القيادة، استمر ثلث ساعة تقريبًا... ثم هدأ كل شيء !
صعد "حسن" ببطء، و أخذ يتطلع حوله مستكشفًا، لم يرى شيئًا، فقط سيارة "رزق الجزار" لا تزال مكانها و باب القيادة مفتوحًا، لم يرى أكثر من هذا في الظلام
تشجع و نزل من سيارته، سار بحذرٍ و اقترب أكثر، لم يُخيّل إليه أن تضربه الصدمة إلى هذا الحد، غريمه مُلقى على وجهه بجوار السيارة مضرجًا في دماؤه، و زوجته المسكينة بالمقعد الخلفي تجثم فوق طفلتها
و كأنه كان طوق النجاة لها، كانت تنازع في أنفاسها الأخيرة و قد بدت أن أُصيبت بأكثر الأماكن خطورة بجسمها، اهتز قلبه عندما نادته بالبقية المتبقية من قواها :
-من فضلك.. لو سمحت ...
بدون تردد ذهب إليها، استدار حول السيارة و فتح من جهتها، لينهار جسمها و يمسك بها قبل أن تسقط خارج السيارة
ترددت برودة أنفاسها على بشرته بصورة طفيفة و هي تنظر بقوة في عينيه متمتمة بوهنٍ :
-بنـ. ـتي.. أرجـ. ـوك... انقـ. ـذها.. أرجـ. ـوك... ما. مالهـ. ـاش ذنـ. ـب !
و صمتت فجأة
و جمد جسمها و صارت بلا حراك
حينها أيقن "حسن" بأنها قد فارقت الحياة، و لا تزال عينيها متعلّقة بعينيه، عض على شفته أسفًا و حزنًا، رفع يده و مسح على وجهها مغمضًا لها عيناها ...
بدد صراخ الطفلة السكون المطبق في هذه اللحظة، ليترك "حسن" الأم و يتجه إليها، دخل إلى السيارة و مد يديه نحوها حيث لا زالت ت٠لس في المقعد المخصص للأطفال
ابتسم بحزنٍ و هو يهدهد لها بلطفٍ :
-إيه يا جميلة.. بس. بــــس.. ماتخافيش. أنا معاكي.. محدش يقدر يئذيكي دلوقت... تعالي. تعالي ماتخافيش !
و بدأ يفك أربطة المقعد حتى حرّرها، حملها فورًا بين ذراعيه، للحظاتٍ ظل منشغلًا بتهدئتها و مسح عينيها الزرقاوتين الجميلتين من الدموع
كانت وديعة و آسرة، بريئة إلى حد لا يقبل أن يأخذها بذنب أبيها أو يتركها و يدير لها ظهره، خاصةً الآن، بعد أن صارت يتيمة تقريبًا
وقف "حسن" بالطفلة أمام سيارة "رزق"... نظر إلى جثة أمها في طرف، و إلى جسد أبيها الذي لا يزال يقاوم بركاكة مثيرة للشفقة
كانت السيارة تفصل بين الزوجين، و الطفلة تنظر و الدموع ملء عينيها، لقد كفّت عن البكاء، لكن دموعها لم تنقطع، و كأنها فهمت ما جرى
لم يضيع "حسن" الوقت أكثر، أسرع إلى سيارته بعد أن وضع الكفلة بجواره و ربط حولها حزام الأمان، استقلّ بجانبها و إنطلق ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
-فين كاميليا يا حسن ؟؟؟؟؟ .. صرخت "ليلة" في وجهه بعد أن حكى لها القصة
لقد قامت الآن من السرير مترنحة، و قد أزالت وصلة المحلول من يدها، وقفت أمامه تنظر له بوحشية و شراسة مخيفة
بينما بقى على هدوئه، يبتسم لها ببرود مستمتعًا بخوفها، لقد نجح في هذا، عندما أغفل متعمّدًا عن ذِكر اللطف و الرحمة التي أنزلها على الطفلة و أمها ...
-معقولة ! البنت هي إللي تهمك صحيح ؟ طيب و حبيب القلب. مش عايزة تعرفي عايش و لا لأ ؟!
ارتعش فكها و طفرت دمعتين من عيناها، لكنها زمجرت بغلظةٍ و هي تكوّر قبضتيها على مرآى منه :
-إنطق يا حسن... أقسم بالله أقتلك.. أقتلك و اشرب من دمك ...
و صرخت بعنف رهيب :
-البــــت فـيــــــــــــــــــن ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
لم تهتز منه شعرة، مع ازدياد صراخها الذي أتى على إثره طبيب الطوارئ و معه بعضٌ من طاقم التمريض، أصرفهم "حسن" بلطفٍ متعللًا بمزاج قريبته السيئ بسبب داء الرهاب من المشافي و الأدوات الطبيّة
وعدهم بأنه كفيلها و أن ما من مشكلة، فذهبوا، ليستدير نحوها الآن، اقترب منها خطوتين، فصارا متواجهين تمامًا ...
-إهدي عشان تسمعيني. طول ما انتي عصبية مش هاريحك !
كبحت جماح انفعالها بجهدٍ مذهل، و سألته بهدوء متكلّف لا يخلو من الغضب و القلق معًا :
-كاميليا بنت رزق فين يا حسن ؟ عملت فيها إيه ؟؟؟؟؟؟
إتسمت تعبيراته بالقساوة و هو يقول بجدية :
-البنت كويسة يا ليلة. أنا حكايتي مع أبوها. مش معاها هي.. لا تكوني فكراني سفاح زيه. أنا لا يمكن أذي طفلة مالهاش ذنب
-طيب ودتها فين ؟؟؟؟
-أطمني. البنت في أمان و بتتعامل أحسن معاملة
عبست ...
-قصدك إيه ؟ انت خاطفها يعني و مش هاترجعها ؟!!!
رفع سبابته و أغمض عينيه للحظة مصححًا :
-مستضيفها.. و تقدري تقولي استضافة طويلة الأمد
تمتمت بعدم فهم :
-يعني إيه !!
تنهد "حسن" و قال آسفًا :
-للأسف أبوها لسا عايش ...
و كأن الروح ردت إليها، تنفست بعمق، بينما يكمل :
-من شوية الاسعاف جابوه هنا. لسا في العمليات. تقدري تقولي بين الحياة و الموت. أنا كنت مصمم على موته. بس لحظة ما بنته بقت في إيدي.. لاقيتها فرصة أحسن. مش هايشم ريحتها تاني. إلا بكلمة مني. ده طبعًا في حالة لو عاش !
كزت "ليلة" على أسنانها و رشقته بسهامٍ سامّة من عينيها، ليضيف ببرود :
-لو انتي حابة تيجي و تكوني معاها أهلًا و سهلًا.. إنما لو لأ. هاخرج حالًا من الباب ده و مش هاتشوفيني تاني و لا هاتشوفيها يا ليلة !!
قطبت حاجبيها بشدة و قالت مستنكرة :
-انت بتعمل كده ليه ؟!!!
كسا وجهه تعبيرًا صلدًا في هذه اللحظة و هو يقول لها :
-انتي بجد.. مش عارفة ؟
لم ترد عليه، لاقتناعها بأنه من المستخيل أن يدري بالحقيقة، الحقيقة التي لا يعلمها إلا ثلاثة
هي و زوجها و عمها الراحل ...
لكنها تفاجأت حين استلّ "حسن" هاتفه باللحظة التالية و عبث فيه لثوانٍ، ثم وجّه السماعة صوبها و أسمعها تسجيلًا لحوار.. أو شجار دار بينها و بين زوجها و قد أتيا فيه على ذكر قضيتها مع خالها و اعتراف "رزق" فيه بأنه قتله و قطعه إربًا ...
حملقت فيه بصدمة و هي تستمع، و تمتمت :
-انت.. إزاي ....
أدرك مقصدها، فجاوبها مبتسمًا :
-مابتمعيش عن الهاك ؟ ده منتشر جدًا الأيام دي.. أنا عملت هاك على تليفونك لما بدأت أشك في جوزك. بقيت تقريبًا معاكوا طول الوقت و سامع و شايف كمان. و فعلا شكوكي كانت في محلها.. لما سمعت الكلام ده ...
-انت ماتعرفش الحقيقة كلها !!! .. قاطعته بانفعالٍ جمّ
فعلا صوته للمرة الأولى الآن لدرجة أنها خافت :
-مايهمنيش.. أيًا كان إللي حصل. ده أبويا. أبويااااااااااااااا !!!!!
خرست الآن و رأت أن لا جدوى للنقاش معه الآن
لن يسمعها الآن، هذا واضح، لذا لم يكن أمامها خيار ...
على الطرف الآخر لم يهدأ تمامًا، لكنه سألها للمرة الأخيرة :
-عايز اسمع قرارك دلوقتي. مافيش وقت.. هاتيجي معايا و لا لأ ؟
لم تفكر مرتين، و أجابت :
-جاية.  جاية يا حسن !
google-playkhamsatmostaqltradent