Ads by Google X

رواية منك وإليك اهتديت الفصل التاسع عشر 19 بقلم زيزي محمد

الصفحة الرئيسية

 

    رواية منك وإليك اهتديت الفصل التاسع عشر 19 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل التاسع عشر 19

-أنا شايف الموضوع بسيط يا عم مصطفى، مكبره ليه بس!
صدح صوت يزن بلطف محاولاً اقناع مصطفى بزواج مليكة وزيدان في نهاية الشهر..ولكن الرفض حلق فوق تقاسيم وجه مصطفى، مما أثار ضيق زيدان وبنفس الخطى التي رسمها يزن تمسك بالصمت حتى لا يثير أي بلبلة قد تؤدي إلى رفض قاطع من جانب  زوج والدتها، وفي الحقيقة أن زيدان قد استنزف جميع قواه في اقناع يزن ووالدته وقد استغرق الأمر منه يومين كاملين في مجادلات حادة وأحيانًا هادئة لم يخرج منها بشيء سوى احساسه بالفشل وخوفه من فقدها بعدما اقتنعت برأيه وتقبلها بمساعدته من خلال زواجهما، لن يكسر بخاطرها ولن يتحمل فكرة ابتعادها عنه، ربما تريد الحياة مكافئته عما يعانيه من جلد ذاته بسبب نهى، ورغم أنه حاول الوصول لها مرارًا وتكرارًا إلا أنها اختفت تمامًا عندما سافرت، فاختار الانتظار وفور عودتها سيخبرها بكل شيء ويغلق تلك الصفحة بل سيدفنها في قناع النسيان وكأنها لم تكن...ولوهلة شعر زيدان بمدى تعلقه بوجود مليكة في حياته، فبدأ عقله يقتنص كل فرصة في الاقتراب منها حتى لو كان على حساب مخاوفه التي تجسدت في سليم أخيه.
عاد بانتباهه للحديث القائم بين مصطفى ويزن أخيه، ويبدو أن يزن جيد بالإقناع حيث اختتم قوله بابتسامة واسعة:
-خلاص يا عم مصطفى قوم اسال مليكة واحنا مستنين.
زفر مصطفى في هدوء ثم نهض متجهًا صوب غرفة مليكة وتركهما يتحدثا بهمس وكانت من البداية من قبل زيدان:
-إيه وافق!
-وأنت كنت نايم ولا عقلك مشغول بالجوهرة بتاعتك.
رفع زيدان جانب شفتيه في غيظ وهمس بحنق:
-احترم نفسك وليها اسم تقوله.
-لا لو سمحت تحجر على رأي هرجع في كلامي.
لاح التهديد بنبرة يزن حيث تعمد اخراجها مستغلاً كل فرصة في اذلال زيدان وقد أدرك زيدان ذلك ورفع حاجبيه غير مصدقٍ وقاحته.
-أنا اللي راجل اهبل عشان اعتمد على واحد زيك.
ضحك يزن بتكبر ورمقه بتحدٍ:
-هيخرج دلوقتي ومعاه موافقته، ووقتها هتعرف أن انت اختارت الشخص الصح.
 أشاح زيدان بوجهه بعيدًا متظاهرًا بلامبالاة رغم انه داخله كان يحترق شوقًا لتلك الموافقة التي ستبدد جزء كبير من الظلام المحيط بحياته، اما يزن فتعلقت عينيه بأخيه الذي مهما حاول إظهار تجاهله إلا انه يتمنى انهاء ذلك الأمر بما تميل إليه نفسه، ورغم أنه ثار برفض قاطع عما أخبره به زيدان ومحاولته الجادة في اقناعه هو ووالدته في اتمام الزواج في أسرع وقت إلا انه استكان بعدما علم السبب الرئيسي في سرعة زيدان في الزواج منها، لن ينسى نظرة الشفقة في أعين والدته عليها حتى انها أخبرته برغبتها في اقامة مليكة معهم وبالنهاية لن يضطر للجوء لفكرة الزواج من الأساس ولكنه رفض وتمسك برأيه حينها لمح يزن شبح الخوف المسيطر على أخيه المتمثل في فقدانها، فكل محاولاته تصب في بئر تملأه رغبة وجودها بجانبه دومًا، لذا رضخ واعتبر أن العراك مع سليم سيكون جامع للخطوبة والزواج معًا وسينتهي الأمر بالتأكيد دون عناد من قبل سليم فهو كان يخشى تعنت سليم ومحاولاته لبث الربكة في اتمام الزواج لمجرد معاقبتهم فقط.
***
بداخل الغرفة...كان الصمت يسود بين مليكة المتوترة ومصطفى المعاتب لها بنظراته، فكانت تبتعد بقدر كبير عنه حتى لا تواجه اعصار غضبه منها بسبب اعلانها لموافقتها على الزواج بتلك السرعة وهذا ما يرفضه بالمرة، وقد حركته فطنته أن السر في ذلك هو رغبتها في اتمام زواجه هو الأخر فبدون قصد اخبارها أن زواجه متعلق بزواجها هي الأخرى لذا لجئت تلك المسكينة على الموافقة، فقرر نفض غضبه بعيدًا وصب تركيزه في محاولة اقناعها بكل ذرة صبر لديه:
-يا حبيبتي زيدان ابن ناس وكويس ووظيفته ما شاء أي حد يحلم بيها، بس أنا رفضي للجواز مش متعلق بكدا بالعكس أنا بديكي فرصة تتعرفي عليه أكتر.
سيطرت على رجفتها ورفعت عينيها الحزينة ترمقه بتردد:
-ما أنا اتعرفت عليه.
-في اسبوعين وكام يوم يا مليكة!
ظهر الضيق بصوته، فعادت تهذي بأي مبررات:
-مش بالمدة يا بابا..أكيد في ناس بتقعد فترة كبيرة ومبتقدرش تحكم على اللي قدامها..
قاطع حديثها بصرامة امتزج بها العتاب وذلك عندما قال:
-أنا عارف السبب الحقيقي اللي خلاكي توافقي.
جف حلقها وهي تنفي بارتباك وصوت مهزوز:
-لا مفيش سبب ولا حاجة أنا مقتنعة بس.
مجددًا قطع حديثها غير مصدق ما تتفوه به فالحقيقة تتجسد بعينيها:
-أنتي عايزة تتجوزي عشان انا اتجوز...أنا عارفك وفاهمك كويس.
تملكت البحة من صوتها وهي تحرك رأسها بنفي:
-لا خالص زيدان قالك السبب كل الموضوع يا بابا انه هيبعد فترة كبيرة فقال نتجوز ومنضيعش وقت، أنا وهو ناضجين يا بابا ونقدر نتغلب على اي حاجة مخوفاك.
ضيق مصطفى عينيه غير قادرٍ على فهم ما يجول بعقلها، فحاول اثارة جلجلة بعقلها حتى تظهر ما تخفيه:
-مليكة لو موضوع جوازي دا ضايقك، فأنا ممكن الغيه ومفكرش فيه خالص.
سارعت بالرفض قائلة بحزم:
-بابا متلغيش حاجة وتحسسني بالذنب أكتر، أنا مقتنعة برأي زيدان..
أطرقت للحظة تدرك تهورها في الحديث، فأسبلت ذراعيها بإنهاك واضح قائلة بأسف:
-دا طبعًا بعد موافقة حضرتك.
صمت طويل غرقا به حتى هتف مصطفى بموافقته المصاحبة لنبرة لوحت بعدم رضاه ولكن مليكة تجاهلتها بالسكوت معتقدة أن أمر حزنه منها سيتخطاه بمجرد زواجه وبالتأكيد ستنسيه الأيام تعارضها لرأيه.
تركها مصطفى وغادر الغرفة يبلغ زيدان بموافقته، بينما هي عادت بحسدها للخلف ترقد فوق الفراش، تنظر لسقف الغرفة بتفكير ومشاعرها قد أنهكت في المحاربة في اتجاهات لم تعد تعلم متى ستنتهي، بداية من ماجد وضغطه عليها للرضوخ لشيء قذر ينافي دينها مما يثير ذلك الاشمئزاز والكره لديها، ومحاولاتها في انقاذ حياة مصطفى لاعتقادها أنها تمثل عقبة قوية في استكمال حياته بالشكل الذي يتمناه رغم أنه لم يصرح ذلك ولكن ربما هو لا يدرك تلك النقطة بسبب مشاعره الابوية نحوها فأبسط حقوقه وأقل تقدير يحصل عليه هو ابتعادها عنه حتى يحظى بمحبوبته، مرورًا لخوفها من فقدان زيدان..تريده بكل جوارحها.. هوببساطة الهدى بعد ضلال جامح نجح في فرض طغيانه عليها، ينقصها شيء واحد هو الاطمئنان له حتى تخبره بكل شيء وتطلب منه مساعدته وداخلها يطمئن لعدم تخليه عنها وألا يجد الشك طريق بينهما..فإن كانت فترة حبهما في السابق سبعة أشهر ومن بعدها افترقا لسنوات لم تكن كافية لفهم مكنوناته بالكامل وخاصةً بعد غيابه كل تلك السنين..ماذا حدث بشخصيته؟ هل تغيرت طباعه؟ ورغم مخاوفها إلا أن الحنين والحب الكامن بقلبها له يدفعها نحوه بكل جنون فباتت تشعر بعدم تريثها معه وأن زمام الأمور تفقد منها تدريجيًا وخاصةً بعد تمسكه بها بهذا الشكل فهل سيكون اصراره مجرد تعلق مرضي تمثل في رغبته بالحصول عليها أم أن مشاعره اصبحت أكثر نضج ووضوح لذا يرفض التخلي عنها.
- يا رب اكون بتصرف صح...
أسبلت أهدابها وعادت تهمس بحزن خالطه الأمل:
-مجرد وقت اقدر احكيله كل حاجة وانا مطمنة.
                                ***
وقفت نهى تصنع كوب شاي ساخن لخالد وعقلها يشرد في عالم آخر فلم تنتبه لسمير الواقف بجانبها يرمقها بشك إلا عندما أصدر صوت فانتبهت وحولت بصرها له، قابلت نظراته الغامضة مما فجر ينابيع القلق بعينيها فقالت بصوت مرتبك:
-نعم يا سمير!
-عملتي الشاي لخالد؟
أومأت وهي تقدمه له قائلة بحرص:
-اه اتفضل اهو.
-دخليه انتي.
حمحمت محاولة تنظيف حلقها وهي تقول:
-لا اديله أنت، مش عايزة ادخله.
ابتسم بتشفي وهو يقول:
-ليه مش كرهتيه عشان محاولش يدافع عنك.
ابتعدت ببصرها عنه ورسمت الحزن فوق ملامحها فاقترب منها سمير يهمس باستهزاء واضح لها:
-مشكلتك يا نهى انك عبيطة، فاكرة ان خالد أو امك هيدافعوا عنك، متعرفيش أن خلاص جوازك من قاسم مفيش رجوع فيه، بطلي أنانية وتفكير في نفسك شوية.
قبضت فوق رخام المطبخ ونظرت له بلوم قسم قلبها لشطرين وهي ترى الكره المنبثق من عدستيه نحوها:
-وأنا لما ارفض اتجوز واحد عرفي وقد ابويا ابقى كدا أنانية.
حرك رأسه بتبجح وهو يقول:
-طول عمرك بتفكري في نفسك ازاي تتخطبي لزيدان ..ازاي سي زيدان يحبك انتمائك لزفت زيدان وبس واحنا آخر اهتماماتك، وقولنا ماشي طالما دا اللي بتحبيه.
ابتسمت باستنكار وهي تردف:
-لا علشان دا كان هيبقى في مصلحتكم لما زيدان يتجوزني سليم يتجنن فيها وانتم كدا قدرتوا تقهروا سليم مش صح؟
رفع احد حاجبيه لجرأتها في الحديث ولكنها لم تخشاه واستكملت:
-ولما لقيتوا مفيش رجا من زيدان، قررتوا تبيعوني لشيخ قاسم واهو فلوس كتير هتدخل من ورايا.
قبض فوق ذراعها يعنف بقوة:
-وانتي مستكترة علينا يا بت نكسب شوية فلوس من وراكي، طول عمرك مالكيش لزمة..ويوم ما يكون ليكي لزمة تفكري تعترضي.
كتمت اهانتها بصعوبة وهزت رأسها بموافقتها قائلة:
-تمام..أنا وافقت خلاص عالله تكونوا كدا رضيتوا عني.
-داهية تقرفك وتقرف شكلك عيلة مالكيش أي صنف اللزمة.
اطرقت رأسها للأسفل تمنع نفسها من التأثر بسبب أسلوبه الفظ والوقح، فانتبهت لقوله الحازم:
-دخلي الشاي لخالد يلا.
أومأت بصمت وحملته بحذر ومع استمرار خطواتها لاح بداخلها صوت يدفعها بالالتفات نحو سمير والقاء كوب الشاي بوجهه وهكذا تشفي غليلها منه ولكن يبدو أن تخيلها الشرس اصطدم بصوت اغلاق الباب في وجهها فتحت عينيها تنظر للباب والدها المغلق، استغفرت بسرها وتمسكت بالكوب بقوة تمنع نفسها من الانسياق خلف أفكار الشيطان التي قد تدفعها نحو الهاوية.
دخلت غرفة خالد بعد ان طرقت الباب وسمح هو لها بالدخول، اغلقت الباب وتوجهت صوبه وملامح وجهها تسرد كم كانت تعاني بالخارج من توبيخ قاسٍ، فوضعت الشاي بجانبه حيث كان يرقد فوق الفراش يضع يده فوق رأسه متصنعًا التعب:
-الف سلامة يا خالد.
امسك ذراعها وجذبها للأسفل نحوه وهو يهمس:
-أنا دور المريض دا مش لايق عليا.
ارتجفت من لمسه يده فوق يدها ولكنها تغاضت وهمست بتوتر:
-أنت اللي قولت كدا، اعمل إيه اقولهم انك خفيت.
رمشت بأهدابها في براءة فنفى سريعًا:
-لا طبعًا معنى كدا هنزل الشغل، وأنا مينفعش اسيبك معاهم.
ابتسمت بامتنان له، فاحتضن كفها بين كفيه وهو يقول بحنو:
-استحملي يا نهى، كلها أيام ونخلص من الهم دا.
تركت نفسها للتلذذ بشعور الاطمئنان لقد كان لذيذ يتخلله رقة داعبت قلبها الخائف ولكن بمجرد النظر لخالد يضمحل أي خوف لديها.
-أنا خايفة اكون بضر شغلك.
-متخافيش شغلي وأنا هعرف احافظ عليها، اول ما اطمن عليكي وانتقم من ابوكي واخوكي هرتاح.
اهتزت ابتسامتها بعد ان اكتشفت هاجس خطير يتمثل في عدم رؤيته مرة ثانية فكيف ستحظى بطمأنينة ناعمة وحده يملكها، حتى نظراته تلك ستفتقدها بمجرد غيابه عنها ولكنها كتمت ما يعتمل داخلها وتنهدت بصمت تومئ برأسها في اقتناع:
-ربنا يوفقك يا رب زي ما بتحاول تساعدني.
ربت فوق كفيها بحنو بالغ، ولكن خيال ما جذب انتباهه أسفل فتحة الباب بالأسفل، فسارع بعلو صوته قائلاً:
-لازم تسمعي كلام أهلك يا نهى، اكيد ابوكي واخوكي...
اخفض نبرته قليلًا واخرج سبه داعب لسانه فاطلق لها الصراح:
-*****
ثم عاد وارتفع صوته من جديد:
- عايزين مصلحتك، رغم اني بكره الشيخ قاسم بس هما اهلك وهما ادرى بمصلحتك.
تعجبت نهى في بادئ الأمر ولكن مع ملامح وجهه وهو يشير للأسفل الباب وغمزة عينيه ادركت مقصده ولبلاهتها لم تستطع مجاراته فحثها بالحديث مما دفعا لتخرج صوتها المتلعثم:
-أنا خايفة منه اوي.
جذبها نحوه اكثر حتى فقدت اتزانها وجلست بجانبه تستمع تحذيره الموبخ لها، حيث اقترب منها برأسه وهمس بأذنها:
-ما تقوليلهم احسن اللي أنا قولتلك انه سادي وابن*** وبيضرب اي واحدة بيتجوزها.
التفتت بوجهها تنظر له فلم تدرك أنها بالقرب منه بهذا الشكل إلا عندما قابلت عينيه حيث استطاعت  رؤية خيوط العسل المتداخلة بعدستيه المتمردة ودون إرادة منها وقعت في سحرها وتركت نفسها لمشاعرها المبعثرة بسبب انفاسه الساخنة التي كانت تلفح وجهها بنعومة وبنفس الوقت كان كفيهما يتشابكان برقة، ربما حينها عاطفتها كانت مبهمة عكسه فكانت عاطفته تدفعه نحو الجنون مرة أخرى ولكنه استطاع التمسك بطرف خيط الواقع بعد أن سرح بخياله في تذوق شفتيها..فابعدها عنه بعنف وهو يلهث بقوة:
-الجو حر..شغلي التكيف.
ابتلعت لعابها عله يرطب جفاف حلقها وهي تشير بأصابعها:
-شغال.
-بجد اطفيه بقى عشان بردان.
عقدت حاجبيها بعدم فهم لِمَ يحدث له، فاستدرك نفسه وغمز بطرف عينيه يخفي حقيقة ما حدث له نتيجة اقترابه منها:
-عيان وكدا..
ضحك بخفة وهو يخفى نظراته عنها...بينما وقفت تنظر له تحاول سبر داخله وذلك بعد أن أصابها بالربكة في عدم فهمه..احيانًا يسدل ستار الغموض عليه وأخرى تنقشع الغمامة عنه وتستطيع فهمه بوضوح، تنقلت بين تقلبات طباعه بفضول، بينما هو كان يخوض معركة ضد احاسيسه المتأججة معركة لا يعلم شراستها إلا هو.
**
داخل غرفة ابراهيم كان يستمع لسمير بتريكز وابتسامة نصر تحلق فوق شفتيه:
-قولتلك خالد مبيحبش وجع الدماغ ومش هيفكر يحاول معانا تاني.
-اللي حارقني البت اللي مُصرة تفركش الموضوع، قال أيه خايفة من قاسم.
قالها سمير بحقد، فحرك ابراهيم رأسه بإيجاب:
-حقها متنساش انه راجل كبير، بس بكرة لما تغرق في فلوسه هتنسى فرق السن وتشكرنا.
كور سمير يده بضيق امتزج فيه الطمع:
-كل خوفي تتجوزه وتنسانا، البت دي لازم متطلعش من تحت ايدينا.
-أنت شد عليها وأنا هرخي خالص خليها كدا تايهة ومش عارفة تعمل إيه.
هز سمير رأسه بإيجاب وقال بتأكيد:
-وأنا بعمل كدا فعلاً، وكلها أيام وتتجوزه، بس ربنا يهدي الشيخ قاسم أصله مش مبطل زن عليا.
-سيبه كدا خلي شوقه ليها يزيد واحنا نضغط ونعلي المهر أكتر.
اختلطت ابتسامتهما بالطمع والمكر وقد اضمحلت انسانيتهما جراء السعي في تحقيق اطماعهما التي لن تجدي سوى بضلال يزهق أرواحهما.
                                ***
ضربت منال بيدها فوق ركبتيها تندب بخوف وهي تواجه زيدان ويزن معًا:
-يالهوي على اللي هنشوفه من سليم لما يرجع، يا ابني استني بس شوية.
-مش هينفع يا ماما، أنا المفروض اسافر خلاص لازم اخلص كل حاجة.
قالها زيدان بضيق فتابع يزن بقوله:
-متخافيش يا ست الكل لو على سليم أنا اللي هتحمل كل حاجة.
ابتسم زيدان باستهزاء:
-مضحي اوي، على أساس أني مش هنول من الحب جانب... دا أنا هشربه كله.
غمز يزن له ومال نحوه بشقاوة:
-كله من أجل الجوهرة.
ضغط زيدان فوق لحم شفتيه السفلية من الداخل يهتف بغيظ:
-مش هتعصب يا يزن..مش هتنجح انك تعصبني.
-وانت تقدر..مين اللي خلص الموضوع في لمح البصر.
وضم اصبعيه كناية على سرعته، فهز زيدان رأسه موافقًا على مضض، فرمقه يزن بطرف عينيه بفخر ولكن حديث والدته جذب انتباهه:
-أنا مش عارفة ايه بيحصلنا، كل ما اقول الدنيا هتروق ترجع تولع اكتر.
هب زيدان مغتاظًا:
-تولع عشان هتجوز الانسانة اللي بحبها ومش هستنى سليم..هو انتي شايفني فرحان اوي وهو ومش موجود كل حاجة غصب عني وانا مش هتخلى عنها وسليم المفروض يقدر كدا.
-هو يعرف عشان يقدر.
قالتها منال بغضب، فنهض يزن محاولاً امتصاص غضب اخيه بقوله الهادئ الرزين:
-يا ماما سليم اللي في دماغه بيعمله، وبعدين احنا منعرفش رجوعه امتى..وكل لما نسأله بيتهرب مننا وكأنه مش عايزنا ندخل في حياته تاني، خلاص بقا كل واحد يعمل اللي هو عايزه، طالما مفيش ضرر.
-يا بني مش ضرر دي أصول يا يزن.
- والأصول ممكن نغيرها عشان الظروف اللي بتجد علينا، زيدان كان واضح معانا وحكالنا ظروف البنت رغم أنه مش مجبر يعمل كدا.
تابع زيدان حديث يزن ووالدته وقد اعجبه مدى قدرة يزن في فهمه وادراك ما يجول بخاطره، فأخيه يملك خاصية مميزة في اقناع من حوله بما يريده لذا تركه يقنع والدتهما وانسحب بهدوء للغرفة، ولكن منال أبت واستكملت في اظهار اعتراضها:
-طيب لما أنت شجاع اتصل على سليم وقوله.
اقترب يزن منها وهبط على ركبتيه يقول بنبرة حانية:
-ونزعله مننا وهو مشغول بشمس وخايف عليها، وكمان يا ست الكل انتي ادرى واحدة بعند سليم وهيتشبث برأيه..وفي النهاية زيدان قلبه هيتكسر وهو البت الغلبانة التانية.
-دا على أساس اخوك همه اوي اخوه الكبير.
قالتها منال بضيق رغم التعاطف الكبير الذي بدأ في فرض هيمنته عليها واخماد حالة الرفض التي تلبستها:
-بالعكس زيدان يهمه سليم، بس الظروف كانت اقوى منه، وبعدين البنت مش عايزة فرح وهياخدها ويسافر في سكات يعني مفيش فرح اصلاً.
-وسليم لما يرجع.
ظهرت نبرة القلق بنبرتها، فربت يزن فوق ساقيها:
-هتتحل ان شاء الله، ولما سليم يسمع كل حاجة هيفهم ويقدر صدقيني بس هو شوية تكسير على عصبية على زعيق هنتحمله والموضوع هيعدي.
تنهدت منال بشرود والخوف دق أبواب قلبها:
-يا خوفي يا بني من اللي جاي، سليم صعب ومش هيعديه بالساهل.
مازحها يزن بلطف وهو يقول:
-متخافيش هبقا اقوله انك مالكيش دعوة بحاجة.
رمقته بعتاب حينما لمس وتر تخشى ظهوره وتحاول اخفائه فاستكمل برفق:
-مش عيب انك تكوني خايفة على زعله أنا فاهم ومقدر اللي حاسة بيه، بس صدقيني هتعدي وفي نفس الوقت قدرنا منخسرش زيدان.
لاح عدم الفهم من نظراتها فهمس يزن وهو يشير نحو غرفة زيدان:
-دا مجنون.. متهور لازم نحتويه ونقدر ظروفه ومشاعره ممكن يفكر اننا منحازين لسليم على حسابه، لازم نمسك العصاية من النص.
صمت للحظات ثم عاد وواصل حديثه بجدية:
-هيتجوزها ويسافروا ولما يبقى يرجع سليم هناخده على الهادي أنا وأنتي وواحدة هيتقبل الموضوع ان شاء الله.
نظرت للأعلى قائلة بتمني:
-يا رب يا يزن.
                                 ***
مرت الأيام سريعًا على مليكة..وتمت اجراءات نقلها في عدم فهم اثار الفضول لدى زملائها وخاصةً فرح التي حاولت الوصول لماجد ولكنه يرفض جميع اتصالاتها فاستسلمت بالنهاية وتركته يتلقى خبر انتقالها بالصدمة التي تليق به وحينها ستشفي غليلها منه رغم أن هناك شعور حاقد لديها بعدما لم تخوض مليكة نفس تجربتها فـ لازلت تترفع وتملك الحظ في طريقها...أما مليكة كانت تتسوق في المول بناء على طلب مصطفى حيث أصر على شراءها لملابس جديدة رغم رفضها..ولحظها لحمت في إحدى المحلات شريهان زميلاتها فسارعت مليكة بالركض نحوها وهي تقول:
-شريهان...شريهان.
استدارت شريهان التي كانت برفقة والدتها تنظر لصوت المنادي لها وفور رؤيتها لمليكة تقدمت منها واحتضنتها:
-مليكة وحشتيني اووي.
عناقتها مليكة بحب حاولت اغداقها به وكأنها تربت فوق جراحها، شعرت ببكائها فابتعدت ترمقها بتعاطف:
-متعيطيش يا شيري أنتي اقوى من كدا.
-قوليلها يا بنتي انه نصيب.
ربتت والدة شريهان فوق ذراع مليكة فابتسمت لها برضا، ولكن صوت شريهان صدح متقطعًا:
-لا دي غلطتي عشان اتسرعت في الجواز، مكنتش اعرفه على إيه الكلب الحيوان.
لم تجد كلمات لديها لتساند بها شريهان بينما استمرت الأخرى قائلة:
-يلا الحمد لله دا نصيبي وربنا يسامحه.
-بابكي وصل يا شريهان.
أومات الأخرى بحزن فسارعت مليكة بتوديعهما مع بث القوة لدى زميلاتها من خلال كلمات بسيطة أخيرًا وجدتها في قاموس حياتها البريء.
تحركت من بعدها مليكة تتخبط بين جنبات عقلها، ولكنها نهرت نفسها سريعًا فالفرق واضح بين زوج شريهان وزيدان..فالحب يتجسد في حبال الوصال بينهما وبالتأكيد سيكون له دور في ذلك، غير انها لم  تعد تملك وقت للتراجع فزواجها غدًا ومن بعدها ستبدأ حياة جديدة معه..حاولت تهدئة نفسها فاهتدى عقلها لفكرة مالت نفسها إليها وبتحقيقها ستشعر بالاطمئنان، لذا رفعت هاتفها وقررت الاتصال بزيدان والحماس يُكمل جوانب فكرتها فالأول مرة يتفق قلبها وعقلها معًا..هي فقط تبحث عن الأمان وعند تحقيقه ستحلق عاليًا كطير صغير أهلك خوفه من التحليق جناحيه.
                                 ***
-بقالك ساعة بتلفي وبتدوري وأنا مش فاهم أي حاجة منك.
ظهر الحنق فوق ملامحه، فزفرت مليكة بضيق:
-أنت موترني.
توسعت عينيه ونظر لها بتهكم:
-دا كله موترك، طب إيه رأيك اغمض عيني وتقولي.
شعرت بالاستهزاء يلوح من نبرته، فخصته بنظرة عتاب وعلى اثرها تراجع قائلاً باستسلام:
-طيب قولي يا حبيبتي اللي انتي عايزاه، في مية حاجة لازم اخلصها قبل بكرة.
لعقت شفتيها بتوتر وخجل وهي تقول:
-يعني...ينفع نتعامل على اننا صحاب...
ظهرت البلاهة فوق وجهه، فسارعت بتفسير قولها بوضوح:
-اقصد يعني بعد ما نتجوز.
كانت ملامحه ساكنة ونظراته مبهمة فاستكملت بخجل وكلمات شريهان تسبح في تفكيرها:
-انا نفسي اقرب منك اكتر تعرفني واعرفك.
 طرق بأصابعه فوق الطاولة التي تفصل بينهما معطيًا لها فرصتها في الحديث أكثر، فعبرت عن مخاوفها بارتجافة قوية في صوتها:
-اه احنا بنحب بعض، بس بعدنا عن بعض سنين كتيرة أنت أكيد اتغيرت فيها وأنا كمان، الخطوبة كنا هنفهم فيها بعض اكتر بس اللي حصل خلاني بقيت متوترة أكتر.
تعمق بنظراته داخل عيناها اللامعة بوميض الخوف ورغم ذلك شعر بها فحاول الحديث ولكنها منعته واستكملت بشجاعة:
-وكمان يعني أنا اتحرمت من حاجات كتير البنات بتعملها، زي ان اجهز شقتي واعيش معاك ذكريات  نفضل فاكرينها..في حاجات كتير غايبة عني فيك وانت كمان أكيد في حاجات نفسك تفهمها فيا ودا مش هيكون الا لما ندي لنفسنا فرصة نتعرف على بعض.
صدح صوته ساخرًا وابتسامة حمقاء شقت شفتيه الصلبة:
-واحنا صحاب طبعًا.
اسبلت اهدابها ثم فركت يدها بتوتر قائلة بهمس حزين:
-لو مضايق من كلامي خلاص...
-خلاص أيه بقى نمشيها اصحاب وماله....طب متمشيش معاكي مخطوبين.
رفعت بصرها والأمل يغزو حياتها من جديد وبحماس قالت:
-لا صحاب هنقدر نتعرف اكتر على بعض، تحكيلي واحكيلك هنكون بير اسرار لبعض وهنفهم بعض زيادة لكن المخطوبين اوقات بينهم اسرار بيخبوها..يعني مثلاً أنت اكيد عندك سر مش عايز تقوله بس لما نكون صحاب هتقدر.
لامست وتر داخله فأمر نهى يحاول دفنه حتى يسير زواجه منها على ما يرام، لذا قال ببرود:
-رغم ان مفيش اسرار بس تمام نتصاحب يا مليكة.
توسعت ابتسامتها بسعادة:
-شكرًا يا زيدان انك فهمتني وحسيت بيا.
تمتم هو بغير رضا لنفسه:
-وامتى تحسي بيا وتفهميني.
ولكنه سرعان ما رمقها بابتسامة مصطنعة كي لا تسيء فهمه فهو يدرك تمامًا مخاوفها من تلك الخطوة لذا قرر اثبات مدى حسن نيته وأن غرامه بها أسمى من اي افكار مسيئة قد تهاجم عقلها، بينما غمرت السعادة قلب مليكة فيبدو أن الأمور تسير على ما يرام.
                                ***
في اليوم التالي مساءًا...
انتهت اجراءات الزواج في حفل صغير اقتصر على مصطفى ويزن ومنال وبالتأكيد العروسين...اختلطت الفرحة صوت منال مع عدم الرضا:
-مبروك يا زيدان..مبروك يا حبيبتي.
وربتت فوق ظهرها فهزت مليكة رأسها ببسمة صغيرة ولم تستطيع الحديث فقد اختنقت الكلمات بجوفها كحال اختناق صدرها عكس زيدان فقد خفقت ضربات قلبه بجنون وتراقصت أوتاره بسعادة لتلك اللحظة مغدقًا إياها بنظراته الشغوفة فقد كان يجهل ما تشعر به من اضطراب سحق سعادتها وخاصةً مع لمحة الحزن النابعة من اعين مصطفى..لذا نهضت معتذرة:
-هشوف الشنط، عن اذنكم.
مرت دقائق ومصطفى يطرق برأسه ارضًا غير قادر على تفسير مشاعره في تلك اللحظة يغمره شعور بالحزن لعدم رؤيتها من جديد، وفي ذات الوقت هاجمت السعادة مقر حزنه لإتمام رسالته بالحياة على أكمل وجه..وهنا رفع عينيه لزيدان فرأى ابتسامته الواسعة وسعادته الظاهرة بوضوح وكأنه حظى على نجمة كانت بعيدة المنال عنه، فاطمئن قلبه له وهدأت انفاسه مقررًا عدم الانسياق خلف حزنه كي تخلد تلك اللحظة بمشاعرها الطيبة داخل ذاكرته.
انتبه لقول يزن الذي كسر الصمت المطبق على الجلسة:
-قوم يا زيدان شوف عروستك خلصت ولا لأ..
رفع زيدان حاجبيه لجرأته، فلم يجرأ هو على  هذه الخطوة والوقح صرح بها علنًا دون تهذيب..فمال يزن عليه يقول بمكر:
-قوم يا زيزو متضيعيش اللحظة دي كدا.
تجاهله زيدان مردفًا بهمس:
-لحظة إيه يا بني.
غمز يزن بطرف عينيه وابتسامة وقحة شقت محياه، ومع نهوض مصطفى الذي قال:
-عن اذنكم اجيب حاجة نشربها.
تشجع زيدان بحماس وانطلق سريعًا يفتح الباب دون استئذان وكأنه ينوي شن هجوم مستغلاً عدم ادراك الطرف الأخر بشيء، فكانت نتائج هجومه شلل لجسد مليكة الواقفة بمنتصف غرفتها تحدق به، ودون أي حديث أو مهلة لفهم ما يحدث كان هجومه ينتقل من اللحظة للأخرى حتى استقر بشفتيه الطالبة لأكسير الحياة المتمثل في شهد شفتيها ونهل منهما ما يحاول اشباع عاطفته بها، ولكن الأمر فاق توقعاته وخرج عن قدرته فأصبحت مشاعره تتطلب بجنون لذا ضم جسدها الصغير بين ذراعيه مستمرًا في ما تدفعه إليه عاطفته وكأنها ستكون قبلتهما الأولى والأخيرة فقد كان يحاول اشباع ذاته بقدر يمكنه مواصلة رحلته معها...بينما مليكة استكانت بين ذراعيه بعدما شن هجومه الشرس عليها وكانت غير واعيه لِمَ يبعثره زيدان بها بقبلاته الشغوفة..توقف قلبها عن النبض واغمضت عينيها بعد فشلها في مقاومته ومن أين لها تلك القوة وهى تواجه عنفوان مشاعره بهذا الشكل الذي يشل حركتها ويخمد ذهنها أما مشاعرها كانت تحلق عاليًا معه دون قيود.
ابتعد زيدان بعد مدة لم يعلم كم استغرقت هل كانت ثوان أم دقائق أم كانت من محض خياله فقط، فاستند بجبينه فوق جبينها وترك لأنفاسه حرية الانطلاق بعد أن كتمها لفترة..شهقت مليكة بضعف وتلك كانت الاشارة التي تأكد بعدها أن ما حدث بينهما حقيقي وواقع لذيذ أضفى على بستان حبهما زهور جديدة.
ضحك بصوت خافت على حالتها المصدومة فقال بمرح مشاكس:
-انا نسيت اننا صحاب.
رفعت عيناها الزائغة بسبب تفاقم عاطفتها، فردد بشقاوة لمعت بعينيه:
-صحاب وبس.
                                   ***
خرج خالد من غرفته يمسك بطنه متظاهرًا بالألم، فقابله سمير الجالس فوق الأريكة أمام التلفاز الذي سارع بالحديث:
-يا بني ما تروح لدكتور.
جلس خالد بجانبه وهو يكتم صوته فخرج متألمًا:
-روحت وانتوا نايمين ومطلعش برد في معدتي، طلعت الزيادة.
مط سمير شفتيه ثم قال ببرود:
-ان شاء الله تبقى كويس.
مرر خالد بصره في الصالة وهو يتساءل:
-امال خالي فين، كنت عايزه يجبلي دوا وطلبات للبيت.
ثم وضع المال فوق الطاولة، فلمعت أعين سمير بحماس قائلاً:
-بابا مش هنا، أنا هنزل اجبهملك.
-لا مش عايز اتعبك.
سارع سمير بالتحدث قائلاً:
-ولا تعب ولا حاجة وبعدين بابا هيرجع متأخر، مش كفاية الطلبات دي لينا بردو يعني كتر خيرك، ابعت كل اللي انت عايزه في رسالة.
وقبل أن يغادر سمير توقف وهتف:
-اصحيلك البت نهى تعملك حاجة.
هز خالد رأسه بنفي وهو يقول:
-لا سيبها أنا كمان هدخل انام.
-متنساش طيب تكتب اللي انت عايزه في رسالة، سلام.
وافق خالد والتقط هاتفه يتظاهر بالكتابة بينما غادر سمير للشقة ومع مرور الدقائق اعتدل بوقفته وسارع نحو غرفة خاله، يطرق الباب بعجالة، فظهرت نهى وحقائبها بجانبها..
-يلا مفيش وقت عشان معاد الطيارة

يتبع الفصل  التالي اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent