Ads by Google X

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الخامس عشر 15بقلم زيزي محمد

الصفحة الرئيسية

   رواية منك وإليك اهتديت الفصل الخامس عشر 15 بقلم زيزي محمد

رواية منك وإليك اهتديت الفصل الخامس عشر 15

وقف زيدان على أعتاب باب شقة مليكة يودع والدته ويزن معًا بعدما تمت الليلة بشكل هادئ وتم الاتفاق على خطبة في حفل صغير جدًا بناء على طلب مليكة نفسها رغم محاولة محمد اقناعها بإقامة حفل كبير إلا أنها رفضت وأصرت على قرارها في ظل ارتياح زيدان وعائلته خوفًا على مشاعر سليم بعد أن وضع يزن خطته دون مراعاة ما سيحدث مستقبلاً إن علم أخيه بهذا الأمر..
-خلي بالك من نفسك يا زيزو..
قالها يزن وهو يقف خارج الشقة يضع يده في جيب سرواله ناظرًا لزيدان بتسلية، فاغتاظ الأخر وهتف بهمس حانق مستغلاً هبوط والدته على الدرج:
-اعمل في حسابك اللي انت هببته دا هتكون مسؤول عنه أنا ماليش دعوة.
-كدا تاخدني لحم وترميني عضم يا مفتري، قلبك دا إيه كيوي.
ضغط زيدان فوق أسنانه بغيظ وهو يكور يده:
-تصدق بالله لو مبطلتش هزار أنا هقتلك بإيدي الاتنين دول، أنت يا بني مش واعي عملت فيا إيه؟
تجاهل يزن حديثه الغاضب بقوله البارد وهو يهز كتفيه:
-عملت أيه فيك أنا ساعدتك تخطب البنت اللي بتحبها مش أحسن ما تفضل تحب على نفسك زي المجنون.
ضرب زيدان مقبض الباب بقوة وهو يقول بتوعد:
-لينا كلام لما نروح يا يزن.
ضيق يزن عينيه وهو يقول بحقد:
-اه الفرفشة ليك دلوقتي والنكد ليا لما تروح.
- بتتكلموا في إيه وسايبني.
دفعه زيدان نحو الدرج وقال بتوعد لاذع:
-لما نروح لينا كلام كتير، أنا مش ناسي انك كنت عايز تعزم نهى من ورايا، انزل.
أنهى حديثه ودخل الشقة مجددًا بعد ان أصر مصطفى على جلوسه معهم بحجة الحديث مع مليكة والتعرف عليها أكثر..وكان ذلك اقتراح ماكر من يزن أخبره بهمس لمصطفى متحججًا بحاجتهما للتعارف فلم يسبق لهما المعرفة من قبل! معززًا باقتراحه أن ذلك سيساعدهم في تخطي الخجل المحاصر لهما فوافق مصطفى بعد تفكير قصير منه وبالنهاية كله من أجل مليكة.
أما يزن هبط الدرج وساعد والدته التي لم تتركه وفرضت حصارها بأسئلة عديدة منها:
- كنتوا بتتكلموا في إيه دا كله؟
-لا يا ماما أنا مش يزن الفتان بتاع زمان، أنا كبرت وعقلت.
قالها بسخرية تامة متذكرًا طفولته حين كان يركض كالأبلة يخبر والديه بكل مصائب زيدان، شعر بيد والدته تتكأ عليه أكثر وهي تقول بحزم:
-قول يا زونه يا حبيبي معقولة أنت هتكبر على ماما حبيبتك.
ضحك عاليًا بسبب محاولاتها الماكرة في معرفة ما يجري بينه وبين زيدان، ومع نظرات الفضول المنبثقة منها علم أنها لن تتراجع عما تريد معرفته، لذا استسلم وقرر اخبرها بأقلهم ضررًا، فلو أخبرها مثلاً ان زيدان لم يكن على علم بمخططه حول عدم معرفة سليم بأمر الخطبة ستثور بوجهه وهو كل هدفه هو مساعدته لزيدان بأي شكل كان بعد تأكده ان خسارته لمليكة سيعني هلاكه، فأمر سليم هين وسيعالج باعتذار لطيف ونظرة ندم تثلج كبرياء أخيه الاكبر.
-سرحان في إيه، والله ما هسيبك قول.
-خلاص هعترف وأمري لله رغم أن مفيش رشوة، طاجن بامية تاني ولا ملوخية...
بتر حديثه حين توقفت والدته ونظرت له بتعجب تضرب كف بأخر:
-بتودي الأكل دا فين اللي يشوف جسمك واهتمامك بنفسك ميشوفش الأكل اللي انت بتاكله.
رفع يزن حاجبيه مندهشًا وهو يقول:
-هو أنتي فاكرة أن الاكل دا بينزل في معدتي..لا طبعًا.
عقدت والدته حاجبيها بتفكير وهي تسأله:
-امال بيروح فين؟
وضع يزن فوق قلبه هاتفًا بنبرة هادئة يغزوها التلذذ:
-في قلبي طبعًا.
-قلبك دا في إيه ولا إيه، والله حاسه انه في يوم هيشتكي من اللي بتعمله فيه.
قالتها منال بسخرية وهي تهبط أخر درج تتحرك بجانبه صوب سيارته، فقرر يزن إلهائها بمكر:
-وأنا مالي يا ماما هو السبب بيحب كل ما هو جميل.
-اه طبعًا زي البنات كدا...
قبل أن يفتح باب السيارة أردف وهو يغمز بطرف عينيه:
-لا زيك كدا يا جميل.
-بردو هتقول في إيه يا يزن؟
هتفت بها في أصرار مما جعله يزفر بتعب قائلاً:
-أنا مفيش واحدة قدرت تقررني كدا زيك..
اشتدت ملامح والدته بالعناد، فاستسلم قائلاً:
-كنت عايز اجيب نهى معانا بس زيدان رفض وزعق كأنها قتلتله قتيل.
شهقت منال بصدمة وهي تكرر:
-عايز تجيبها معانا وكأنها من بقية عيلتنا، ومستغرب اوي من رد فعل اخوك، حاسس بيا يا أخويا ومش عايز يهقرني.
غاصت ملامحه في العبوس الممزوج بالرفض وهو يقول:
-يا ماما نهى غير عمتي، البت طيبة وغلبانة...
قطعت منال حديثه بعصبية:
-ميغركش يا حبيبي، اقلب القدرة على فمها تطلع البت لامها.
أصر يزن على رأيه مردفًا بشفقة:
-لا نهى مش كدا، كلكوا بتظلموها وبكرة تعرفوا.
                                 ***
-عايزين أي حاجة، نادوني بس.
قالها مصطفى بابتسامة واسعة وهو يضع كوب الشاي أمام زيدان الجالس هو ومليكة في الشرفة بعد أن عرضت عليه مليكة بالجلوس بها.
-ربنا يخليك يا بابا شكرًا.
ربت مصطفى فوق كتفيها بحب ثم قال:
-على إيه يا حبيبتي، أنا جوا هتكلم في التليفون.
دخل مصطفى بالفعل للداخل يرفع هاتفه يجري اتصال بينما كانت عيون مليكة متعلقة بيه بشرود أغاظ زيدان الذي انفعل قائلاً:
-سرحانة في إيه في أول ليلة لينا واحنا مخطوبين.
حولت بصرها نحوه بعد أن نجح في سرقة انتباهها المنصب حول مصطفى وتصرفاته في الآونة الأخيرة، ورغم عنها انزلق قناع الجمود عن ملامحها وظهر الحزن فوق تقاسيم وجهها حتى أن عيناها فاضت بالدموع بسبب قيلة حيلتها وتعسرها في تخطي عقباتها.
لمح زيدان الدموع المتعلقة بعينيها وقبل أن يسألها رآها تتساقط بغزارة، لذا هتف بنبرة يشوبها القلق:
-مالك يا مليكة في إيه، بتعيطي ليه؟
وضعت كفيها فوق وجهها وحاصرته في ظلمة وهي تبكي بصمت بين اهتز جسدها معها  فألهبت في نفس زيدان نيران القلق والخوف، فقرب مقعده منها وهتف بنبرة حانية بجانبها:
-أنا زعلتك في حاجة؟ مش معقول العياط دا!
رفعت وجهها وهتفت بنبرة مبحوحة متقطعة تشبه نبرة الاطفال:
-كان نفسي ماما تكون معايا بس.
حقًا كانت أمنية خالصة من أعماق قلبها المجروح، فلو كانت موجودة ما كانت احتاجت لأحد قط، كانت سترمي حمولها أو على الأقل كانت ستجد مأمن تلجأ إليه بعد كل عقبة بعثرت حياتها.
-ادعيلها بالرحمة، كلنا موجودين جنبك..
هزت رأسها في صمت تؤكد على حديثه، فانطلق يحاول كسر حاجز الحزن بينهما:
-دي منظر عروسة بذمتك فرحانة بعريسها، أنتي مش عاجبك العريس ولا أيه؟
رمقته بنظرة سريعة وابتسامة صغيرة حلقت فوق شفتيها الوردية، فقال بمزاح:
-وعمالة تقولي لا مش عايزة خطوبة كبيرة، وكل حاجة بترفضيها، لا أنا اشوف عروسة فرفوشة عن كدا.
مسحت دموعها وهي تسأله بجدية:
-انت زعلت؟
لم تعطيه فرصة للرد بل اندفعت تقول بتبرير:
-أنا مفيش حد حواليا ومش هكون مبسوطة بس.
حرك زيدان رأسه بنفي قائلاً بحنو:
-خالص مش زعلان..
أطرق للحظات قبل أن يعرض فكرة بسيطة عليها، علها توافق وينهي ذلك القلق المحيط به بسبب عدم معرفة سليم بخطبته:
-إيه رأيك نخليها قراية فاتحة بس ولما أخويا ينزل هو ومراته نعمل فرح وخطوبة..
تركته يتحدث وصوبت عيناها على غرفة مصطفى بتفكير، تُرى من يكلمه في هذا الوقت؟ هل يبلغها بانتهاء المعضلة التي كانت تعيق زواجهما؟ هل هو سعيد الآن لأجلها أم لأجله هو؟ أسئلة عديدة تدفقت بعقلها المشتت والذي التقط حديث زيدان بلمحات متقطعة، فاندفعت ترفض بقوة:
-لا لا أنت قولت لبابا اننا بكرة هنلبس الدبل صح؟
سألته بترقب والدموع تهدد مقلتيها من جديد، فشعر برجفة سيطرت على نبرتها وهي تسأله، فانطلق بدوره ينهي القلق المسيطر عليها وهو يبتسم ابتسامة واسعة:
-أنتي لو عايزاني اتجوزك من بكرة هعملها!
نبرة الثقة التي كانت يتحدث بها اثلجت صدرها، وربتت فوق قلبها المضطرب مؤقتًا، فلم يتوقف زيدان عند هذا الحد بل أمسك بكفيها بقوة وهو يردف بهدوء شابه الهمس، ناظرًا في عمق عيناها:
-مليكة أنا بحبك ومعنديش استعداد العب بمشاعرك لحظة، احنا دلوقتي بنبدأ حياتنا مع بعض وكل اللي فات هنعوضه وأكتر.
رمشت بأهدابها وهي تستمع لكلامه اللطيف، حيث اضفى على روحها سحر جديد سحبها نحو عالم كانت تخشى الدخول به ولكنها الآن عبرته ببساط سحري، لم تكن تتمنى به فارس سواه..هي وحدها تعلم مقدار الحب الكامن بقلبها له، لو فقط تمتلك قليل من الجرأة تخبره بمشاعرها لتمكنت حينها من انهاء مخاوفها وعبرت معه نحو بر الأمان...مجرد وقت تحتاجه لتستطيع اخباره بكل شيء دون خوف من رد فعله..
-إيه اشوف عروسة فرفوشة غيرك؟
ضحكت بخفة وهي تجذب كفيها من قبضته تحاول مجاراته في مزاحه:
-مش هتلاقي عروسة حلوة زي.
كانت تريد إغاظته رغم الحزن الطاغي عليها وتشتت عقلها بين حين وآخر إلا أنه استغل مشاكستها وجذبها عليه عندما قبض فوق ذراعيها بسرعة أدهشتها حتى أنها لم تصدر رد فعل وبقيت ساكنة أمام وجهه حيث لم يفصل بينهما سوى مسافة صغيرة للغاية وهو يتحدث بعبث بينما كانت عيناه تتعلق بشفتيها:
-فعلاً مفيش حد يملى عيني زيك، مفيش حد يقدر يحرك قلبي من كلمة زيك.
ابتلعت لعابها بصعوبة عقب كلامه العاطفي المحرك لمشاعرها وكأنه جاء أحدهم وألقى قنبلة  فانفجرت ينابيع صدرها بأحاسيسها المدفونة ولانت ملامحها بهيام وهي تنظر له بحب شديد، فلم يفصل لحظتهما سوى حركة أعادتهما لواقعهما فابتعدا فورًا وتظاهر زيدان بالحديث معها بينما هي غرقت في خجل شديد ولم تقدر على مجاراته.
                                               ***
تحركت نهى فوق غطاء كثيف موضوع فوق الأرضية الصلبة، حيث قرر والدها أن يكون ذلك فراشها طيلة فترة اقامتها، فشعرت كأنها ذليلة! ولكن ذليلة بسبب من؟ هل بسبب ضعفها وهروبها من مصر لوالدها ظنًا منها أنها ستكون فترة نقاهة أم بسبب جحود والدها وأخيها فبدت تلك اللحظات وكأنها جحيم؟ لقد سئمت من تلك الحياة ومن تحملها لأوضاع أصبحت تفوق قدرتها في التحمل وخاصةً مع وضعها الجديد بوجود خالد.
فتحت عيناها عندما فشلت في النوم وقررت النهوض معلنة العصيان الصامت  بسبب ذلك الوضع المذري، نهضت بخفة ولكن دون أن تصدر صوت حتى لا تعود بائسة مرغمة تحقق أوامر والدها.. لم تمنع نفسها من إلقاء نظرة حاقدة عليهما وهما يستغرقا في النوم فوق السرير بينما هي حُكم عليها بالنوم فوق الارضية الصلبة معللين وجهة نظرهما أنها من اختارت المجيء رغم تحذيرات والدها ولكنها أبت وأصرت..فلتتحمل!
خرجت من الغرفة واغلقتها خلفها..ثم اتجهت صوب المطبخ بعد أن شعرت بحاجتها للطعام فاليوم بأكمله لم تأكل ولم يسألها أحد!
شعرت بالحرج الشديد وهي تعبث في الثلاجة الفارغة عن أي شيء يمكنها أكله ولم تعرف أن خالد ينفق الكثير من الأموال على الطعام وبالأخير يلتهمه والدها وأخيها بنهم حتى هو أحيانًا يعود ليلاً ولم يجد شيء يأكله فيلجأ للنوم أفضل من العراك معهما.
وجدت خيار غير طازج حاولت انتقاء افضله وبدأت في اكله بهدوء في المطبخ ولم تعرف أن خالد يقف يراقبها من خلفها بصمت حتى قرر قطع سكونها بقوله:
-بتعملي إيه؟
التفتت بذعر وتركت ما بيدها يقع أرضًا قائلة بتلعثم:
-مبعملش حاجة والله.
اقترب منها خالد يهدأ من روعها قائلاً بلطف:
-خلاص اهدي، دا مجرد سؤال!
وقعت عيناها أرضًا على ثمرة الخضار فهبطت تأخذها والأسف يطغو على صوتها:
-أنا أسفة عشان اخدتها من التلاجة و..
أشار إليها بالسكوت مردفًا بسخرية:
-بتتأسفي عشان خاطر خيار بايظ، إيه يا بنتي الأفورة دي!
شعرت بالإهانة منه فابتلعت ما كان في فمها بصعوبة وحينها أحست وكأنها قطع حجارة، ثم وضعت ما بيدها فوق رخام المطبخ واتجهت تغادر وهي تقول:
-عن اذنك.
قبل أن تخرج أوقفها وهو يقول:
-تاكلي معايا؟
التفتت برأسها ترمقه باستفهام فقبل قليل كان يسخر منها والآن يدعوها للطعام! ما هذا التناقض العجيب؟! تماسكت رغم صياح معدتها وهتفت:
-لا الحمد لله شبعت.
-شبعتي إيه، أنتي هتموتي واتحايل عليكي تاكلي، استني..
قالها بتهكم وهو يتجه صوب غرفته تحت أنظارها المتعجبة وما هي إلا لحظات حتى عاد بحقيبة ممتلئة بالطعام وابتسامة ساخرة تحلق فوق ثغره الصلب:
-دا أكل بخبيه من ابوكي واخوكي عشان لما اجوع اقدر اتنيل وآكل.
لا زال إمارات الاندهاش تغزو وجهها منه، فلم يتوقف وهو يخرج الطعام من الحقيبة:
-تعالي كُلي قبل ما يصحوا وياكلونا.
بعد لحظات من الصمت، تحركت على استيحاء نحوه ثم جلست فوق الأريكة بجانبه وتركت مسافة بينهما، في البداية لم تحرك يدها بل ظلت صامته وكأنها تنتظر أذن أخر منه فكانت تشبه الأطفال في أفعالها تلك مما دفعه يقول بخشونة:
-مؤدبة اوي يا نهي مش زي ابوكي واخوكي.
أخذ بعض قطع الدجاج ثم وضعها بيدها وهو يواصل كلامه بغيظ:
-كان نفسي ابقى قليل الادب واطردكم بس أعمل إيه متربي.
توسعت عيناها بصدمة وهي تضع الطعام بفمها من وقاحته أو ربما هو على حق فما رأته من ابيها واخيها في ليلة واحدة يضع كل الحق في كفته.
-أأا..أنا..
حاولت التحدث معه وازاله الحرج عنها ولكنها لم تجد الثقة الكاملة للاستكمال حتى هو قال باستهجان:
-قولي..أنا مبعضش، أليف متخافيش.
شردت في كيفية التعامل معه، معظم كلامه ساخر بينما عينيه كانت تتوهج بالغضب، أصابها الحيرة في تفسير شخصيته وخاصةً أنه سافر وابتعد عنهم منذ سنين طويلة ولن تنكر أنها تناسته ولم يهاجم عقلها من قبل، ومع انتظاره واستمراره في النظر إليها قررت البحث عن بعض من شجاعتها الزائفة لاستكمال الحوار معه دون أن تتعرض لسخريته:
-أنا..يعني مكنتش اعرف انك قاعد معاهم..
صحح لها بحدة وهو يقول:
-هما اللي قاعدين معايا، بس مش معقولة مش قالولك؟ يا ترى خايفين من أمك؟
هزت رأسها بإيجاب ثم اخفضت بصرها أرضًا  وما هي إلا لحظات حتى توقف الطعام في فمها وذلك عندما قال ببرود:
-صحيح مبروك خطوبتك على...
صمت يتذكر اسمه او أنه يفتعل ذلك حتى صاح متذكرًا:
-زيدان مش كدا؟
لم تجيبه لم تبدي أي رد فعل سوى أنها ابتلعت الطعام ومدت يدها تستكمل تناول طعامها دون أن ترد حتى على مباركته وهذا ما أثار اعجابه كثيرًا وسرعان ما دفنه متجاهلاً هو الأخر:
-يلا تصبحي على خير، واللي يفيض منك خبيه وخليه ليكي.
ابتسمت بخجل واخفضت بصرها تخفي عيناها عنه، فكلما تقابلت نظراتهما يصيبها بالارتباك...لا بل ارتجاف يسيري في أوصالها يشعرها بعدم الراحة والراحة في ذات الوقت..زفرت من حالة الضياع المرافقة لها دومُا، فيبدو أنها فاشلة في تفسير مكنونات ممن تتعامل معهم، ولكن هو تغير كثيرًا حتى ملامحه لم تعد هي...وكأن هناك طوفان أجرف بقايا ملامحه المتعلقة بذاكرتها، أيعقل أن تكون نسبة تذكرها له ضعيفة بهذا الشكل؟  كان اقصر من ذلك وأضعف أيضًا ماذا حدث له حتى أصبح أكثر طولاً وضخامة، كانت تتذكر شعره الأسود القصير الذي تغير هو الآخر، وصار كثيف وطويل بعض الشيء ولم يخف عن عينيها لمعته الجذابة..عينيه أيضًا كانت بنية أم أنها تميل للون العسل من قبل وهي لم تلاحظ..ذقنه النابتة وشاربه!... متى كان موجود هذا الشارب الذي أضفى عليه هيبة ووقار ملائم تمام لسخريته الدائمة لا تعرف!، حقًا كل ما تعرفه أنها لم تكون موجودة من قبل بعالم عائلتها بل كانت تدفن نفسها في عالم زيدان الوهمي فسجنت به غير عابئة بأي شيء كان!
                                 ***
ليلاً...
وقف يزن يتناول حبات الفراولة في المطبخ والهاتف فوق أذنيه يتحدث بهمس:
-لا مشغول إيه بس يا بيبي، أنا من اللحظة دي فاضيلك.
تابعت بغنج حديثها، فاتسعت مقلتيه بصدمة وهو يقول:
-معقول أنا اقدر ازعلك يا فراولة أنت.
ضحكت بميوعة ثم حاولت خلق أحاديث أخرى بعد مدة انقطاع بينهما، ولكنه سارع بالقول:
-بقولك اقفلي عشان أنا هلبس في حوار ابن لذينة دلوقتي.
أغلق الهاتف ثم ألقاه بإهمال فوق الطاولة بجانب طبق الفراولة وانطلق يهرول صوب غرفته وتحديدًا فراشه متمتمًا:
-اعمل نفسك نايم..نايم إيه اعمل نفسك ميت.
تظاهر بالنوم مدة كبيرة يحاول بها أن يرهف السمع عن تحديد مصير خطوات زيدان التي اختفت فجأة وذلك بعد ان استمع لصوت سيارته أمام المنزل..مرت الدقائق وبدأ صبره ينفذ ففتح عينيه ببطء شديد وأدار رأسه صوب باب الغرفة فاصطدم بزيدان يجلس على ركبتيه فوق الفراش خلفه ينظر له بابتسامة يفوح منها الشر، فهب يزن برعب وهو يقول: 
-أيه يا أخي الرعب دا.
فتح زيدان الإضاءة ولا زالت ابتسامة تنزلق من شفتيه، فتجاهل يزن ملامحه المهددة بأمر ما:
-بس ظابط ظابط يعني، تصدق كنت شاكك فيك بس دلوقتي اتأكدت.
جذب زيدان من جانبه طبق الفراولة وهاتفه وهو يشير بهما:
-لحقت نمت يا يزن بالسرعة دي؟
-أيه يا عم انا نايم من زمان! وأنت جيت طبيت عليا زي القضى المستعجل.
تمتم بها يزن بضيق زائف، فهز زيدان رأسه بإيجاب وهو يقول:
-سالي اتصلت عليك تتطمن ان كان في حاجة خلتك تقفل بسرعة..يا حرام قلقت عليك.
-ملايكة...قلبهم قلب خساية.
قالها يزن بابتسامة عابثة، فاقترب زيدان منه بغيظ:
-نفسي اشوفلك صاحب بيتصل يطمن عليك، كل الارقام اللي على تليفونك بنات.
- لا في يا ظالم أنت وأخوك سليم.
وعندما هتف باسم سليم انقض زيدان فوقه يسدد اللكمات القوية له في غضب:
-سليم فكرتيني به، كويس كدا لما عكيت الدنيا....خد دي عالله البنات تكرهك.
ابعده يزن عنه بصعوبة وهو يقول بصوت قوي:
-خف شوية من الحقد، وبعدين مش كفاية ان ساعدتك يا ناكر الجميل.
فرك زيدان وجهه بعصبية قائلاً:
-ساعدتني في إيه غير ان اخوك هيفهم غلط، أنا هتصل عليه وهقوله.
صاح يزن بانفعال قائلاً:
-بقولك إيه ان كنت فاكر الموضوع بالبساطة دي تبقى مجنون، سليم بيعاند وهيعاند ومش هيصدق.
انتفض زيدان بحنق مردفًا:
-وليه نخبي من الاول، ما نقوله وبراحته في الأخر.
-هو إيه اللي براحته دا اخوك، وبعدين أنا عارف سليم كويس و متأكد انه هيرفض وموضوع انك تأجل مع مليكة لغاية ما يرجع فاشل في ظروف علاقتكوا دي وخصوصًا ان وقت رجوع اخوك مش مرهون بولادة شمس مرهون بصحتها..يعني هتستنى لغاية امتى؟
فتح زيدان فمه كي يتحدث ولكن يزن قاطعه واستكمل بنبرة أهدأ مما قبلها:
-اوعى تكون فاكر ان متكلمتش معاه بس هو بيعاند..مش غلطتي يا زيدان ان قررت اساعدك واقنع امك اننا نخبي عليه لغاية ما يرجع.
جلس زيدان فوق الفراش مجددًا يتساءل بتفكير:
-ولما يرجع مش هيزعل مننا..هيزعل مني أنا والأمور تتوتر بينا أكتر.
أسبل اهدابه للحظات قبل ان يعترف بجزء صغير من هواجسه:
-أنا تعبت يا يزن ونفسي أعيش وأنا مبسوط..بقيت خايف من اللحظة اللي نرجع فيها أنا وسليم لنقطة الصفر، عمري ما خفت من حاجة قد ما خفت من كدا.
اقترب يزن منه يواجه الحقيقة الكامنة بداخل زيدان، فمن الواضح أنه كان يعاني في صمت وحده والجميع ينعته بالبارد المتسلط:
-أنت ببساطة خايف من خسارة سليم ومليكة..بس لو فضلت في الدايرة دي كتير عمرك ما هتتبسط، حاول ترضي نفسك وتبسطها باللي تتمناه.
التوى فمه متهكمًا ثم قال:
-يعني اتجاهل اخوك؟
-مين قال كدا، سيب كل حاجة لوقتها، ولو اللي بتتمناه جه وقته حققه من غير تفكير وابقى فكر بعدين هترضي اللي حواليك ازاي، بس الأهم انك ترضيهم بجد متزهقش من أول محاولة.
انزل زيدان رأسه وشرد بحيرة في كيفية فك شفرات حياته التي باتت معقدة بشكل ازهق روحه وجعله غير مستمتع بأهم خطوة كان ينتظرها.
-سيب سليم رهن رجوعه ووقتها هقف جنبك ومش هسيبك الا لما يكون راضي تمامًا وبعدين اخوك مش ابو الهول يعني دا قلبه قلب خساية.
ضحك زيدان رغم عنه وقال بتحذير اختلط فيه المزاح:
-لو سمعك وأنت بتقول عليه كدا هيزعلك جامد.
عاد بجسده للفراش يلتقط طبق الفراولة وهو يقول بعبوس زائف:
-خلاص قلبه كيوي.
مجددًا انفجر زيدان ضاحكًا وهو يسأله:
-أنت يابني مشكلتك إيه مع الكيوي؟
-مبحبوش.
اتسعت أعين زيدان وهو يشير نحو نفسه:
-يعني أنت مبتحبنيش يا كلب..تعال...
انقض عليه مجددًا يسدد له اللكمات فتفاعل معه يزن وأصبح الفراش عبارة عن ساحة للمعركة بعد أن قررا المزاح ليلاً لعلها تلك الأوقات تساعد زيدان في تخطي مخاوفه التي أصبحت تتفاقم بشكل لا يطقيه.
                                    ***
في الصباح الباكر..
خرج خالد من غرفته استعدادًا للذهاب لعمله وقبل أن يفتح إضاءة الصالة وجد نهى تتوسط الأريكة بنصف جسدها فيبدو أن النوم قد غلبها ولم تشعر بنفسها..تقدم من غرفة خاله يتفقده قبل أن يغادر، وجد خاله يغفو فوق الفراش هو وخالد رمقهما بضيق ويأس وقبل أن يخرج لمح غطاء موضوع فوق الارض ووسادة عليه، عاد برأسه لنهى النائمة بعمق فوق الأريكة وتأكد حينها أنها من اختارت ذلك المكان للنوم، شعر بالغيظ لاختفاء الرجولة والنخوة لديهما فصاح بأعلى صوته وهو يهز سمير المستغرق في نومه:
-قوم يا بيه...قوم.
انتفض سمير بعدم تركيز وأيضًا ابراهيم فتح عينيه يحاول ادراك ما يحدث فاستغل خالد حالة التيه تلك وسأل بصرامة:
-نهى فين؟
-نهى!
كرر سمير خلفه بعدم فهم وانتقل بصره فورًا فوق الأرضية مكانها تحديدًا مردفًا بتلعثم طفيف:
-كانت نايمة هنا...
وأشار دون وعي نحو مكانها فتأكد خالد من ظنونه وصاح بشراسة:
-بتشاور فين يا عديم النخوة لما تسيب اختك تنام برة في الصالة أو تنيمها على الارض وأنت نايم على السرير.
لم يتحمل سمير هجوم خالد عليه فزعق به هو الأخر:
-وانت مالك هي كانت اختك ولا أختي.
دخلت نهى على اثر صوتهما المرتفع تبعد اثار النوم عن عينيها المرهقة بأصابعها بينما صوتها خرج مبحوح يتساءل في قلق:
-في إيه؟
انطلق ابراهيم نحوها بعد صمت طويل حاول فيه فهم ما يحدث، فقبض فوق ذراعها بعنف:
-أنتي يا بت انتي بتشتكي لخالد ليه؟
توسعت عيناها بصدمة وهي تشير نحو نفسها:
-أنا..لا معملتش كدا.
اندفع سمير هو الأخر يجذبها من ابراهيم بعنف يردف بنبرة معنفة قاسية مصاحبة لصفعة قوية من يده هبطت فوق وجنتيها:
-اكدبي يا بت...دا أنا هربيكي.
لم تدرك ما يحدث سوى أن هناك قوة كبيرة سحبتها من محيط والدها وأخيها..وبقيت بعيدة عنهما..ولكن ما يعيق رؤيتها هو وجود خالد أمامها بجسده الصلب القوي فكان مواليًا لها ظهره ونبرة صوته تصدح في المكان بتهديد قوي جعل كل من أبيها وأخيها كالصنم:
-متمدش ايدك عليها تاني، هي مقالتش حاجة أنا اللي شوفت بعيني بجاحتك.
-اهدا يا خالد يا حبيبي.
قالها ابراهيم في محاولة لإنقاذ الوضع بسبب عصبية خالد المفرطة، فتجاهله خالد عن قصد وهو يمسك يد نهى المستسلمة له:
-واقسم بالله اللي هيقربلها هيشوف مني وش تاني..
استكمل حديثه وهو يشير نحو سمير المتوهج بنيران الغيظ والحقد:
-وانت لو شوفتك بتتضربها همد إيدي عليك.
أنهى حديثه وهو يجذبها خلفه متجهًا بها صوب غرفته...بينما بقي سمير يغلي بكره صب كاملاً نحو خالد أما ابراهيم فتجاهل ما يحدث واتجه صوب الفراش يستكمل نومه..


يتبع الفصل السادس عشر اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent