Ads by Google X

رواية سمال الحب الفصل السادس عشر 16- بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

 رواية سمال الحب الفصل السادس عشر 16 بقلم مريم محمد 

رواية سمال الحب الفصل السادس عشر 16

 بضعةّ منك ! _
انتهت مراسم التشييع، و تم إيداع الجثمان الطاهر بالتراب وسط أجواء حزينة و كبيسة، أصر "رزق" بحزمٍ أنه هو من سيرافق أخته للأسفل، هو وحده الذي سيحملها و يريحها بمثواها الأخير 
و هذا ما كان 
حتى أبيه لم يحاول أبدًا التدخل سامحًا له باتمام الأمر كما يرى، ليبقى "رزق" برفقة أخته بضعة دقائق، كشف عن وجهها، أمالها على جانبها الأيمن، ثم مدد بجوارها و أحاطها بذراعيه هامسًا في أذنها بعباراتٍ مؤنسة مؤثرة أطفرت الدموع من عينيه : 
-سلمى. حبيبتي. ماتخافيش يا حبيبتي.. ربنا كريم. رحيم. ماتخافيش هاتبقي كويسة.. و انا مش هاسيبك الليلة دي. دخلّتك في نور الشمس. و قبل ما السما تعتّم هاجي لك.. هافضل واقف على بابك للصبح يا حبيبتي. لحد ما تسلّمي الامانة على خير ... 
و لقنّها الشهادتين بكلتا أذنيها : 
-لا إله إلا الله يا سلمى. لا إله الله محمد رسول الله. لا إله الله محمد رسول الله ... 
ودّعها للمرة الأخيرة مقبلًا جبينها و ماسحًا على رأسها، ثم قام و أولاها ظهره و هو يكتم فمه المنتحب بكفٍ مرتعش، استند قليلًا إلى الجدار الرطب حتى استعاد رباطة جأشه، كفكف دموعه و أحكم السيطرة على نفسه جيدًا 
ثم خرج من المقبرة و أخذ من فوره يرص ألواح الحجارة وحده فوقها، مهيلًا الثرى فوقها بالمجرفة، و البقيّة من حوله نصفهم رجال و النصف الآخر نساء يطلقون ألسنتهم بالنواح و الصراخ، بينما كان هناك شيخًا لم ينفك يوعظهم و يسكتهم بتلاوة الأدعية و ذكر بعض من آيات القرآن الكريم 
و على هذا النحو إنتهى كل شيء ؛ 
و عادوا أدراجهم إلى الحي، أقاموا العزاء فورًا و توافد الأهل و الأصدقاء، حتى الأعداء إلى السرادق الكبير، في مشهدٍ مهيب، إصطف آل "الجزار" في المقدمة يستقبلون الناس 
عدا "سالم الجزار" الذي مضى رأسًا إلى البيت، و صعد إلى شقته و استقر بها مانعًا أيّ مخلوقٍ كان من إتباعه ... 
°°°°°°°°°°°°°°°°°° 
لم يبرح "النشار" مكانه بالقرب من "نور" لقرابة الساعة، كانت الأخيرة لا تزال على صدمتها، و قد جاءت لها بالصمت الشخوص بعينيها في نظراتٍ ساهمة 
كثرت محاولاته و كلها باءت بالفشل في أن يقنعها حتى بالحديث معه، لكنه لم ييأس، و واصل استمالتها بلطفٍ ممسكًا بكفها بين يديه : 
-انا عارف إنك مصدومة. مقدّر و الله حالتك. و فاهم انتي حاسة بايه..كل ده كان كتير عليكي. بس خلاص كله إنتهى. و كان ضروري يحصل. الغلط الوحيد إنه حصل قصاد عنيكي. حقك عليا أنا. حقك عليا يا نور ... 
و جذبها إلى صدره مرةً أخرى، أخذ يربت عليها مواسيًا دون أن يتوقف لسانه عن ترديد كلماته الملطّفة... إلى أن قرع باب الشقة الموارب و ظهر "علي الجزار" باللحظة التالية !!! 
-سلام عليكم ! .. تنحنح و هو يلج على مهلٍ مركزًا نظراته عليها 
انتفضت "نور" عندما رأته، و جحظت عينيها برعبٍ لتنطق لأول مرة الآن مذعورة و هي تتشبث بأبيها الروحي : 
-خليه يمشي. لأ. مش عاوزة أشوفه. مش عاوزة أشوف حد.. مش عاوزاهم. مش عاوزاه. خـلـــيه يمشــــــي .. 
احضتنها "النشار" محاولًا تهدئتها ... 
-إهدي يا نور. بسم الله عليكي. إهدي يا حبيبتي مالك بس ؟ ده علي ! 
تسمّر الأخير مكانه مصدومًا من ردة فعلها تجاهه، توقع أن تكون منهارة، لكنه لم يتوقع أبدًا أن تتخذ منه موقفًا كهذا.. أبدًا ... 
-نور ! .. بالكاد لفظ اسمها 
لترتعد و تتشنج كما لو ممسوسة و هي تصرخ : 
-خليـــه يمشــــــي. قلت مش عاوزااه. خليـه يمشـــي. مش عاوزااااااااااااااااه .... 
ما كان بيد "النشار" حيلةٍ إلا أن يُذعن لها و يخرجه في الحال حتى تسكن ثانيةً، فتطلع إليه صائحًا بحدة شديدة : 
-إطلع برا يا علي. حالًا.. إطلـع بـرااااااااااااا ... 
ارتبك "علي" كثيرًا و حاول أن يتكلّم : 
-أنا. آ أنا. مش عارف غلط في إيه ؟!! 
إنفعل "النشار" عليه : 
-ده وقت شرح ؟ إنت مش شايفها عاملة إزاي. بقولك بــرااااااااااااااااااااااااا !!!! 
قطب "علي" بشدة مستنكرًا الوضع برمته، واجه ثقلًا باعضائه، فلم يستطع أن يتحرك قبل لحظاتٍ مطوّلة، لكن ليس قبل أن يرمقها بنظرة تبث كل حيرته و رجائه 
استدار ماضيًا للخارج دون أن يحاول إلقاء نظرةً أخرى نحوها 
بينما لا تزال على نفس حالتها وسط مساعي "النشار" الدؤوبة للتخفيف عنها، و لكن عبثًا، كلها عبثًا، فما صار البارحة لم يكن فقط حدثًا جلل، بل كان طامتها الكبرى، و الليلة التي ماتت فيها روحها و ذهبت براءتها لغير رجعةٍ ... 
°°°°°°°°°°°°°°°°°° 
بر بالوعد الذي قطعه لأخته، و الآن طلع الصبح عليه و هو بالمقابر وحده، يقف أمام بابها كما تعهّد لها، لا يرى سوى الحجارة و التراب، لا يسمع إلا صوت بكائه، و لا يشم إلا رائحة الموت من حوله 
بعد أن قضى الليل كله يؤنسها في وحدتها، يبدد وحشتها في أول ليلة لها بالقبر بدعائه و صلاته و مناجاتها تارة ليطمئنها، و مناجاة الله تارة يتضرع له ليرحمها و يرأف بها 
كان لا بد من فراق الآن ؛ 
النهار و قد صار ظهرًا، وجد نفسه مضطرًا للرحيل، على وعد بأن يعود لها مجددًا، عاد "رزق" إلى دياره، إلى مصيره الأبدي ... 
°°°°°°°°°° 
بعد الحادث الأخير، بالتأكيد له كل الحق أن يكون محط الأنظار أكثر من أيّ وقت سبق، و أيضًا.. أكثر مهابة، و تبجيلًا 
فهو الرجل الُهمام، القوي الشجاع، الذي أخذ بثأر أخته و اقتص لها من مغتصبها في عُقر داره و دارها، إنه رسميًا أصبح الزعيم 
لا أبيه 
هو فقط.. "رزق الجزار" ... 
ترجل "رزق" من سيارته أمام البيت، و قد كان بانتظاره أحد الصبيان العاملين تحت يديه، سلّمه المفاتيح في طلعة زوجته من الباب يرافقها رجلّ غريب ! 
ما كان ينبغي له أن يتجاهل الأمر حتى لو أراد، خاصةً بعد أن رآها تصافح ذاك النبيل و بدوره يُشدد على كفها بشكلٍ ملحوظ ... 
-أنا هامشي دلوقتي يا ليلة. بس هاشوفك تاني أكيد.. مش عايزة أي حاجة ؟ 
تبتسم "ليلة" بعرفانٍ و ترد عليه برقةٍ : 
-حبيبي حسن. تسلم لي يا رب. أنا عايزاك كويس و بخير مش عايزة أكتر من كده و الله 
أوصاها مؤكدًا : انا قاعد في مصر فترة. لو احتاجتي أي حاجة كلميني 
-أكيد يا حسن.. انت مش محتاج توصيني 
-مين ده ؟ 
تفاجأت "ليلة" بصوت "رزق" و بطريقةٍ ما شعرت برهبة ظهوره على حين غرّة ... 
إلتفتت له ناسية كفها بيد ضيفها و قالت بتوترٍ طفيف : 
-رزق.. حمدلله على السلامة. كنت فين جول الليل موّتني من القلق عليك يا حبيبي ؟ 
قدحت عينا "رزق" نارًا و فورًا مد يده و انتزع كفها بعنفٍ واضح و هو يُكرر سؤاله بخشونة مخيفة : 
-سألتك ميـــن ده ؟؟؟؟؟ 
فتحت فمها و أغلقته ثانيةً بعجزٍ غير مبرر، لينوب الأخير عنها بالرد مادًا يده هذه المرة نحو "رزق" لمصافحته : 
-أنا حسن عزام. أنا ابن خال ليلة. و انت أكيد رزق جوزها. عرفتك من صورك معاها.. بصراحة مش عارف أقولك مبروك و لا البقية في حياتك ! 
لم يتغير في ملامح "رزق" الكثير، بل بقيت معالمه كلها كما هي تقريبًا، و تعمّد إحراج المدعو "حسن" بأنه لم يكلّف نفسه عناء مصافحته و اكتفى بالقول بجمودٍ : 
-حياتك الباقية.. شكر الله سعيك 
احمرّ وجه "ليلة" بشدة و هي التي شعرت بالحرج الأكبر لتصرف زوجها، بينما يرفع "حسن" حاجبه مدهوشًا، و بهدوءٍ سحب يده الممدودة و قال بروحٍ رياضية : 
-طيب. انا و الله قلبي معاكم. و معلش اتأخرت و مضطر أمشي حالًا.. ليلة اشوف وشك بخير. و ماتنسيش تكلميني و تطمنيني عليكي 
اومأت "ليلة" مرفرفة بعينيها باضطرابٍ : 
-اكيد اكيد يا حسن. مع السلامة. خلي بالك من نفــ آ ا ... 
حتى العبارة لم تحسن إكمالها، إذ شدها زوجها بطريقةٍ بربرية للداخل، أخذها أسفل الدرج في تلك الرقعة المعتمة النائية 
أسندها إلى الجدار بعنفٍ دفعها للتآوه، فحاولت صدّه عنها بلا جدوى و هي تهتف من بين أسنانها باستياءٍ : 
-إيه إللي بتعمله ده يا رزق. و إيه إللي عملته مع حسن برا ؟ أنا مقدرة وضعنا كلنا. بس مش للدرجة دي. الراجل جاي يعزيك و بيمد لك إيده. إزاي تعامله بالطريقة دي ؟!! 
بدا أنه لم يسمع ما قالته، و جاء صوته حادًا كالنصل مباشرةً في صمتها : 
-انتي بأي جرأة. تستقبلي إبن الـ×××××× ده هنا. و في بيتي كمان.. إنطقـــــــــي !!!!!! 
لم يرف لها جفن لاسيما بعد أن أدلى بأقواله تلك، عبست رافعة ذقنها بشجاعة و قالت : 
-عذراك للآخر. بس بقولك و بفهمك يا رزق.. إوعى تخلط بين حسن و أبوه القذر الو××. حسن طول عمره كويس معايا. و أبدًا ماشوفتش منه أي شيء يكرهني فيه. علاقتنا قوية من يوم ما وعيت على الدنيا. و هاتفضل قوية و بيتي ده زي ما هو بيتك.. طول ما انا فيه مفتوح له في أي وقت. فاهمني ؟ 
استوحشت تعابيره و أحست هي بخطورة المأزق الذي وقعا فيه معًا، لكنها لم تتخلّى عن موقفها، ما فجّر بدواخله براكين الغضب و جعله يسدد لكمة عنيفة صوب الجدار بجوار رأسها تمامًا ... 
-انتي عايزاني ارتكب جريمة تاني.. ده إللي إنتي عايزااااه !!!! 
كانت عينيها مغمضتين، و لم تفتحهما حتى تأكدت سكونه، باعدت جفنيها و عادوت التحديق فيه، لتجد الشرلسة لا تزال تؤجج محياه و نظراته 
تنفست بعمقٍ و قسرت نفسها على إلتزام الهدوء و التصرف بحكمة، فرفعت يدها و باغتته محاوطة وجهه بكفيها الناعمين.. ازدادت اقترابًا منه مدركة بأن ما تفعله لن يؤثر فيه، لكن ربما تنجح في تشتيت ذهنه المستعر و لو قليلًا : 
-لأ.. مش ده إللي انا عايزاه. انا عايزة أحبك و افضل تحت جناحك لآخر نفس فيا. عايزة احافظ عليك و على حبنا. انا ممكن اموت لو خسرتك.. لا قلبي و لا روخي يتحملوا خسارتك يا رزق. و نفسي تتأكد من حاجة واحدة كويس أوي. و ماتشكش فيها لحظة.. و هي إني ملكك إنت و انتمائي ليك مهما حصل. و لو خيروني بينك و بين حياتي هاختارك ألف مرة. انت حتة مني و انا حتة منك. إوعى تفكر اني ممكن أفضل أي حد عليك.. حبيبي. إهدا. إهدا خااالص... اوعدك إللي انت عايزه هايحصل. بس إهدا آ ااااااااااااااعععههه .... 
صرخة الرعب التي إنطلقت من فمها 
تزامنًا مع أصوات إطلاق النيران بالخارج، جاءت ردة فعل "رزق" في الحال و أسرع من البرق، اجتذب رأسها للأسفل بينما تخترق الرصاصات النوافذ الخشبية خلفهما بنفس اللحظة ! .....

google-playkhamsatmostaqltradent