رواية سمال الحب الفصل التاسع 9 بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

         رواية سمال الحب الفصل التاسع بقلم مريم محمد 

رواية سمال الحب الفصل التاسع 

أودعتك حبًا ! _
أخذته المفاجأة في جمودٍ تام للحظات، اختلطت مشاعره و اضطرب بالبادئ، ثم سرعان ما أحكم سيطرته على إنفعالاته مجددًا، أعتنق الحِكمة التي يفتقر إليها في أغلب الأحيان و تعامل بتريثٍ و هو يُبعد إبنته عن حضنه باللحظة التالية لينظر إلى عينيها اللامعتين بالخوف و الترقب 
فرك "سالم" كتفيها بكفيه صعودًا و هبوطًا ليطمئنها و هو يقول بهدوءٍ : 
-أنا صحيح لما فتحت السيرة دي إمبارح و قلت إن متقدم لك عريس. كنت بقول كده من باب الهزار. و إني فخور ببنتي و فرحان بيها. كبرت و بقت عروسة .. 
إنبعجا حاجبيها بتعبيرٍ واهنٍ و هي ترد عليه : 
-يعني إيه ! مش موافق على جوازي يا بابا.. أنا مش زي نور إللي هاتجوزها علي ؟!! 
تحلّى "سالم" بالصبر و هو يواصل التفاهم معها : 
-سلمى يا حبيبتي. الموضوع خارج عن نور و عن أي مخلوق. أنا أبوكي و أكتر واحد تهمني مصلحتك. إنتي لسا صغيرة.. صغيرة جدًا كمان. ماتقدريش تـ آ ... 
-أنا مش صغيرة !! .. قاطعته بغضبٍ مباغت 
صمت مصغيًا لبقية كلامها الذي خرج من فمها على شكل سلسلة من الانفعالات المحتدمة : 
-أنا عندي 15 سنة و بلغت و لابسة الحجاب و بصلي و بصوم. لو مت ربنا هايحاسبني.. يبقى مش صغيرة. و أقدر يا بابا. أقدر أتجوز و أعمل أي حاجة زي نور و بطة و ليلة و كل البنات إللي في الدنيا دي !!! 
شد "سالم" على أسنانه كابحًا شرًا ولّدته كلمات إبنته الجريئة، تمهل ثوانٍ، ثم عاد يقول بصوته القوي و بجدية مخيفة : 
-إسمعي يا سلمى.. آخر كلامي في الموضوع ده. أنا عارف إنك زعلانة مني و لأسباب ما غيرانة من أختك. أفكارك و تمسكك بحكاية الجواز جت من التراكمات دي. و دي غلطتي و أنا هصلحها. لكن قبلا لازم تعرفي إنتي مين و بنت مين. الطيش و القرارات الغبية مالهاش مكان في حياتنا. و خصوصًا إنتي. أهم و أول حاجة تعرفيها دلوقتي إنك لسا صغيرة على الجواز. تاني حاجة يوم ما أفكر أجوزك هايكون لراجل محترم و شديد يعرف يقدرك كويس و يعيّشك ملكة زي ما إنتي عايشة هنا في بيت أبوكي بالظبط.. بنات سالم الجزار مايتبهدلوش ... 
جادلت باستنكارٍ : و عاصم السويفي هايبهدلني ؟ أنا سمعت إمبارح كلامك و بنفسك قلت عليه كويس !! 
أفصح "سالم" بلهجةٍ قاتمة : 
-سلمى إنتي حتى لو كنتي كبيرة شوية و على وش جواز.. عمري ما كنت هاديكي لعاصم السويفي 
فغرت فاها من الصدمة و تسارعت خفقات قلبها، بينما يتابع أبيها : 
-جايز ماتفهميش كلامي. لكن هاقولهلك بردو.. الواد ممكن يكون كويس. لكن أبوه و اخواته. عيلته كلها سمعتهم مش طيبة. آه بينا شغل و علاقات. لكن نسب لأ.. أنا ببص لبعيد يا سلمى. و لسا قدامك مشوار طويل لحد ما تفكري ترتبطي. أنا مش هامسك عليكي و لا هاكسر جناحك. بس كمان مش هاسيبك تقعي في اختيار غلط. أنا مش هاعيش علطول و أحب أموت و أنا مطمن عليكي ... 
و رفع كفّاه ليحاوط وجهها و أضاف برقة : 
-أنا آسف إني وصلتك لكده. تفكيرك في الجواز أنا عارف إني سببه.. فكرتي إني بعدت عنك و إنشغلت باختك. بس الحقيقة لأ. إستحالة إنساكي لحظة يا سلمى. اصبري عليا لما أجوز أختك لعلي. بعدها أفضى لك تاني و تبقي إنتي إللي عالحجر.. مش هاخليكي تفتكري سيرة الجواز تاني.  حبيبتي ! 
و إجتذبها لصدره، ضمها بحنانٍ و هو يمسح على رأسها برفق، لكنها في عالمٍ آخر، كانت قد عقدت العزم، و لم يبقى إلا التنفيذ ... 
_______________
على مقربةٍ منهما، جلست "نور" أمام سرير الرضيعة تراقب بشغفٍ حركاتها و سكناتها تارة، و تداعبها و تلاعبها بيديها تارةً أخرى 
أما "رزق" فكالعادة يحاول إسترضاء "نسمة" بعباراته المُلطفة : 
-هاتفضلي كده كتير ؟ مش معقول يا نسمة كل يوم في الموّال ده. مش عيشة ! 
رشقته بنظرةٍ حادة متخاذلة و قالت بهسيسٍ عدائي : 
-بتشكي مني و قصدك تقول إني نكدية.. بس مافكرتش إنك غلطان 
رفع حاجبيه إندهاشًا ... 
-أنا غلطان ؟؟!!
في إيه يا نسمة ؟؟؟ 
تلوّت شفتيها في إزدراءٍ، لكنها سايرته للأخير : 
-إمبارح كنت عندي. و حصلت مشكلة برا و خرجت. حليت المشكلة و أنا كنت قاعدة هنا مستنياك ترجع.. بس مارجعتش. فضلت مستنياك لوش الفجر ... 
صفعته خيبة الأمل في نظرتها، لكنه إبتلعها ببأسٍ ليرد عليها بثقة لا تخلو من الصرامة : 
-إنتي سايبة إني جيت لك أصلًا و إطمنت عليكي و على البنت و كنا سوا إحنا التلاتة و ماسكة في إني مارجعتش ؟ طيب كنت هارجع ليه يا نسمة ؟ هاتذنبيني و خلاص إللي باقي من ساعات الليل ؟ ما كده كده كنت هنام. و لا إنتي ماتعرفيش إني ماينفهش أقرب منك الفترة دي.. لسا ماتمتيش أربعين يوم بعد الولادة ... 
هذا العلقم، الجواب الأكثر فعالية من الجلد، حيث جعل دمائها تفور خجلًا و خزيًا إنعكس على وجهها بحمرةٍلاهبة و هي تنطق بصعوبة : 
-هو ده كل إللي فمهته من كلامي ؟ إني عايزاك بس عشان كده ؟ ده إللي وصل لك يا رزق ؟!!! 
أجفل عدة مراتٍ بتوتر و سألها منفعلًا : 
-أمال إنتي عايزة إيه يا نسمة ماتجننيش !!! 
حدجته بنظرات ساهمة دامعة و هي تفكر و يدور الحوار برأسها، إذ أرادت أن تخبره، و أن تقول له و ت٩اوب على سؤاله 
يسألها ماذا تريد ؟ 
ببساطة أرادت مجرد تواجده، قربه، أن يكون إلى جوارها هي و طفلتهما، أن يجمعهم فراش واحد، أن يبسط جناحيه فوقهما و أن تنعما بدفئه و حنانه، أن يصير لها العائلة التي لطالما حلمت بها، أن تتخلّص من وحدتها و وحشتها بحضوره.. باختصار أرادته هو 
هو من عطف عليها و قطف زهرة عفتها و صانها و حماها، هو أيضًا الذي أعطاها اسمه و بفضله صارت أمًا لطفلة جميلة، أرادته كما لم و لن تريد في شيء على الإطلاق 
و أسفًا عليه إن لم يفهمها، و أسفًا عليها إذ خابت ظنونها مرةً واحدة فيه.. كان ينتظر ردها بصبرٍ نافذ 
لكنها إكتفت بأن قالت كاذبة و ابتسامة مريرة تتراقص فوق ثغرها : 
-و لا حاجة.. مش عايزة حاجة يا رزق ! 
أغمض عينيه لبرهةٍ وآدًا ثورة كانت لتزعج شقيقته و الرضيعة معًا ... 
انتظر حتى هدأ، ثم فتح عينيه و نظر لها قائلًا بثبات : 
-ماشي. براحتك.. بس أنا مش ظالمك يا نسمة. و مش هسألك تاني عاوزة إيه. لأنك عارفة كويس إن طلباتك مجابة.. ساعة ما تطلبي مني حاجة و مانفذهاش إبقي إزعلي براحتك و اتلوي في وشي كده. لكن منغير ما اعمل فيكي حاجة و ماسكة النكــد على حق لأ أنا مجبور أعيش فيه.. بالإذن ! 
و قام فجأة ... 
أمام ناظريها المغشيين بالدموع مشى للخارج و هو ينادي شقيقته : 
-نــور. يلا تعالي ! 
°°°°°°°°°°°°°°°°°° 
كانت "هانم" تضب طاولة الفطور بالصالة، عندما تقاطعت طرق كلًا من "رزق" و "سالم" أثناء خروجهما.. كلاهما يخرج و في يده إحدى الأختين 
تجمّدوا جميعهم لوهلةٍ، ثم جاءت البادرة من عند "رزق" حيث أمر شقيقته بلطفٍ : 
-نور. من فضلك ممكن تعملي إللي اتفقنا عليه ؟ 
اومأت له "نور" مبتسمة، تركته و سارت تجاه أختها، وقفت قبالتها و مدت يدها للمصافحة متمتمة : 
-أنا عارفة إنك ماكنتيش تقصدي إللي حصل. و مش زعلانة منك. إنتي أختي الصغيرة و أنا بحبك ! 
خصّها "سالم" بنظرة ملؤها الحب و الفخر، بينما "سلمى" تنظر إلى كفها الممدود بلا حراكٍ، لكن و قبل أن تتكهرب الأجواء، حسمت أمرها و مدت يدها الأخرى و صافحتها قائلة : 
-و أنا كمان بعتذر لك. و فعلًا ماكنش قصدي. أنا كنت مضايقة و زعلانة و جت فيكي.. ماتزعليش مني 
-عمري ما أزعل منك يا سلّومي ! .. غمغمت "نور" مبتهجة و قد إنطلت عليها 
صدقتها بسرعة و قطعت المسافات بينهما لتعانقها عناق الأخوة القوي ... 
يراقبهما أعين "سالم" و "رزق" تفيض فرحًا و سرورًا.. و "هانم" ترقبًا و ذهولًا ؛ 
جاء "حمزة" فجأة مصفقًا : 
-الله الله. و فين الحضن بتاع ميزو ؟ مش ميزو بردو إللي سلك بيناتكوا إمبارح و لا إيــه !!! 
ضحكت "نور" بانطلاقٍ و هي ترتد عن أختها لترتمي بين ذراعيّ أخيها بلا ترددٍ، إرتبك "حمزة" للحظة، ثم ما لبث أن بادلها العناق مبتسمًا ... 
-أنا ليا غير ميزو بردو ! .. هدّلت "نور" مجاملة أخيها 
ليحمّر وجه الأخير من الخجل و يلتزم الصمت 
في المقابل يشعر "رزق" بمشاعر عارمة من الرضا لرؤية هذا المشهد، و أخيرًا استطاع أن يلم الشمل، لم يبقى إلا القليل ليحققه و عندها فقط يمكنه أن يرتاح و يلتقط أنفاسه ملء صدره ... 
-رزق ! 
توقف "رزق" عند عتبة باب الشقة، لحظة سماعه نداء والده، تشنج ظهره و لم يلتفت 
و كما توقع، أتى إليه "سالم" بقدميه، لم يجعله ينتظر طويلًا، فورًا كان بجواره ... 
-لحد إمتى هاتديني ضهرك ؟ 
تغلغل همس "سالم" بأذنه إبنه عميقًا مؤذيًا، أبقى "رزق" فمه مطبقًا، ليستغل "سالم" وجود "نور" بالقرب و يضع يده على كتف ولده 
دنى صوبه أكثر مستنشقًا رائحته بأقصى ما أوسعه، بينما "رزق" ساكنًا رغمًا عنه، يخشى أن يأتي بفعلٍ يكسر قلب شقيقته، لينقذه من أفكاره الفتّاكة صوت أبيه في اللحظة التالية يلقلق بضعفٍ : 
-ده انت ضهري و سندي يا رزق.. معقول أنا هاين عليك للدرجة دي ؟ هاترتاح يعني لو خسرتني ؟ لو شوفتني أنا كمان ميت نارك هاتبرد ؟! 
في هذه اللحظة أدار رأسه بعنفٍ ناحيته، حدق فيه بقوة تصارع مشاعره بعضها في نظراته، لكن لسببٍ ما جعل شيء في تلك النظرات ابتسامة تطفر على وجه "سالم".. و تعبير من الراحة غمره فجأة 
ليربت على كتف إبنه مدمدمًا : 
-إبقى أنزل طلّ على ستك.. و إلا بتموتها بالبطيئ. انت صاحب القرار ! 
و مرّ من جواره صاعدًا إلى شقته ... 
بينما "رزق" يوّجه نظراته للأسفل 
ملكيه النقيضين، كلٌ منهما يأمره بكلمة، و هو يقف بينهما حائرًا، أيستمع لصوت الغضب و الانتقام ؟ 
أم يلقي بسهامه و يهرع لملاذه و نقاء سجيته المفقودة ؟ 
كلا الصوتين قويين ... 
°°°°°°°°°°°° 
اغتنمت فرصة إنشغال التوأم الملتصق "نور" و "حمزة" كما أطلق عليهما "رزق" منذ قليل ... 
لاذت بغرفتها متعللة بالصداع، لكنها في الحقيقة كانت أكثر تلهفًا و إقدامًا من أيّ وقت مضى، و حيث أخرجت هاتفها و أجرت الاتصال به فورًا 
جاءها صوته بعد بضعة صافرات ... 
-أفندم ! 
حبست "سلمى" نفسًا عميقًا بصدرها و هي تخبر حبيبها القرا  الذي يتوق لسماعه : 
-عاصم... أنا موافقة.. موافقة نهرب و نتجوز ! 
 
يتبع الفصل العاشر اضغط هنا 
google-playkhamsatmostaqltradent