Ads by Google X

رواية ظل السحاب الفصل الثالث والأربعون 43 بقلم آية حسن

الصفحة الرئيسية

                       رواية ظل السحاب الفصل الثالث والأربعون بقلم آية حسن 


رواية ظل السحاب الفصل الثالث والأربعون

عليا النعمة لسة مخلصاه دلوقتي 🙂🙂🙂🙂🙂
هذا العالم أصبح مخيفًا، لا أمان فيه، المقربين يدسون السم إليك في العسل .. إن كنت قويًا بالقدر الكافي، ستستطيع مواجهة كل تلك الصعوبات، وتفوز ف النهاية .. أما إذا كنت عكس ذلك، ستتبخر روحك وتصبح كالسراب.
كانت تشاهد التلفاز بضياع، كمن كان تائهًا في وسط صحراء جرداء لا حياة فيها ولا ماء .. يا ليتها كانت ابنة عمته، أقلها لما تركته يقع في غرام أخرى، بل ألزمته أن يعشقها هي وليس سواها،
تقسم أنها كانت ستقتلع رأس كل من تفكر في التقرب منه .. ااااه لمَ عشقتك يا مراد؟ لم أتخيل أني سأصبح ضعيفة قُبال الحب هكذا..
ومن بين تيهانها شعرت بانقباض عنيف في عضلة قلبها، أدت إلى انطلاق شهقة قوية بينما تضع يدها على موضع قلبها .. 
لتتمتم باسمه قلقًا: مراد، حبيبي
تنهض فورًا وتلتقط هاتفها الموضوع أمامها فوق الطاولة الزجاجية، لتتصل على عشقها الأوّلي بعدما شعرت به أنه في مأزق مريع، ويحتاج إليها .. نعم هو يحتاج إلى سحابته تغطيه من الشعاع الضوئي المهلك الذي حاصره..
لم يرد .. عادت الاتصال مرة، اثنان، ثلاثة، لا يجيب .. تسلل الخوف إلى أعماقها، لا تتحمل وجودها بعيدة إلى ذلك الحد عنه .. ماذا تفعل الآن؟ اتصلت على نيرة فوجدت هاتفها منغلق .. ازداد هلعها، 
لتخرج سريعًا متوجهة إلى أحد الحراس، فتهتف له بهرع
: رجعني القاهرة دلوقتي!
ليرد عليها الحارس بهدوء: معنديش أوامر بكدة
لتصيح بصرامة: وأنا عايزة أرجع حالًا
قال موضحًا برفق: حضرتك مراد باشا أمرنا نخلي بالنا منك، وهو متصلش ولا حتى قال قبل ما يمشي نعمل كدة! تقدري تتصلي بيه وتطلبي منه يدينا أوامر نرجعك
صرخت بعصبية: مهو ما بيردش! وأنا قلقانة عليه
قالت بنبرة باكية، ثم أردفت بحسم: اسمع لو ماخدتنيش عنده، والله أخدها مشي لغاية مصر!
: يا فندم ما ينفعش، أنا مقدرش أكسر تنبيهات مراد باشا، وإلا هيجازينا كلنا!
قال، فزمت شفتيها بقوة، لتتركه يهتر بتلك الأوامر الحمقاء، وتهرع حتى تخرج على الطريق وهي مقررة العودة للقاهرة، لكنه ركض خلفها يمنعها وهو يصيح عليها..
: يا آنسة فريدة، استني .. لو سمحتي بلاش عناد، مراد باشا لو عرف هتحصل مشكلة كبيرة
حاول إقناعها لكنها ما زالت مستمرة في مسارها، غير عابئة بأي شئ، حتى أنها لم تفكر بأن من الممكن هاتف نيرة به مشكلة أو مغلق لأي سبب آخر غير ما تفكر به.. 
وقف الحارس كالأبله لا يعرف ماذا يصنع في تلك الورطة .. ثم تأتيه فكرة سريعة، فيهرول خلفها يوقفها.
: يا آنسة استني، انتي مش عايزة تتطمني على مراد باشا؟ أنا هخليكي تتأكدي إنه كويس
قال مقررًا ثم أخرج هاتفه المحمول واتصل على أحد أصدقاءه الحراس، يتأكد منه أن مراد بخير.. لكن فاجأه الآخر بشئ جعل ملامحه تتغير..
هتفت فريدة بقلق: إيه فيه إيه؟ 
رد وهو يزيل هاتفه عن أذنه: زميلي بيقول إن مراد مظهرش من ساعة ما سافر
انفلتت شهقة خافتة وهي تتراجع للخلف بذعر .. هل حدث له شيئًا!! لالا .. جرى في عقلها الاضطراب، فترفع برأسها وتقول بصوت حازم
: انت لازم توصلني بسرعة، عاوزة اعرف حبيبي جراله إيه!!
ركضت صوب السيارة ثم صعدت إليها وصرخت: يــلا!
ما كان بيد الحارس غير أنه يتبع أوامرها
____________
: أقسم بالله لو مراد جراله حاجة هقتلك، هقتلك انتي سامعة
صرخ تميم بها في وجه رغد التي تجلس في أحد زوايا الغرفة .. مكورة جسدها المرتجف وتبكي بخوف شديد، وهي تشعر بذوبان قلبها .. عماد وعاطي يحاولان منعه عنها بأيديهما وهو يندفع بشراسة نحوها..
: خلاص يا تميم نطمن على مراد الأول
صاح عاطي عليه حتى يهدأ .. توقف عما يفعله، أنفض ذراعيه بحنق لينظر إليها نظرات احتقار ثم خرج في غيظ، ويلحقان به البقية.. ليدلفون خلف بعضهم البعض عند حجرة مراد الموجود بها.. يتأكدون من صحته
: الصدمة كانت قوية عليه، أظن كان لازم تفكروا كويس قبل ما تقولوله الخبر، أو على الأقل ما تبقاش بالطريقة الغبية دي، بسببكم كان ممكن لا قدر الله تجيله سكتة دماغية تقضي عليه!!
زجرهم الطبيب معنفًا عما ارتكبوه من حماقة .. لقد أخطأ الثلاثة حين أعلموه بـ عودة رغد، وازاد الأمر سوءًا حين ظهرت رغد أمامه بدون تمهيد .. كان يجب عليهم التأني.
: طب هيفوق امتى يا سعد؟
سأل عاطي وهو يتطلع إلى مراد بحزن، ليجيبه وهو يعود نحو المحلول المعلق ويحقن به سائل مخصص للعلاج
: والله أنا مديه كمية كبيرة من المهدئ القوي عشان جسمه وعقله يسترخي...
ثم التفت بجسده إليهم بعد أن انتزع الجزء الخلفي من الزراقة «السرنجة» واحتفظ بالإبرة كي تخرج الهواء
أردف محذرًا بشدة: وشوفوا بقا، بعد ما يفوق ماحدش فيكم يتعرضله بأي سؤال، أو حتى تجيبوله سيرة بالموضوع دة لأن ممكن جدًا يحصله فقدان ذاكرة... يا شوية جهلة محتاجين إعادة تأهيل
استهزأ بهم، ثم رمقهم بنظرة استهانة قبل أن يغادر الغرفة .. ليلتفوا الثلاثة حول السرير المُستلقي عليه ذلك المسكين الذي تعرض لأكبر خدعة في حياته.. غائب عن الوعي، 
ترقرقت عيني عماد وهو يراه في حالة يرثى لها، لينتبه البقية وهو يقول بنبرة نادمة واستياء يظهر على ملامحه، 
: يا ريتنا ما كنا اتصلنا بيه عشان يعرف!
ليرفع تميم ببصره وهو يهمس بشراسة
: البت دي لازم تعترف بكل حاجة، ومين اللي وراها وخلاها تعمل فيه كدة!!
تحرك تميم هرعًا خارج الغرفة وهو ينوي إجبار رغد على النطق بالحقيقة... ليقول عماد سريعًا
: الحق يا عاطي باشا، احسن يتهور ويعمل فيها حاجة 
رد عليه وهو يهم خلفه: يلا بسرعة دة مجنون وممكن يخلص عليها
ليهرول عاطي بسرعة ويسحب تميم قبل أن يدلف إلى الغرفة التي بها رغد.. فيصرخ به
: سيبني يا عاطي، البت دي لازم تتكلم وتقول عملت فيه كدة ليه! 
حاوطه بكلتا ذراعيه حول صدره يسحبه للخلف، ليهتف متذمرًا
: خلاص يا شامي بقا، بلاش تبقى متهور! 
: ليه يحصل فيه كدة، مش حرام يا عالم .. دة ملحقش يفرحله يومين، عايزة منه إيه بعد ما خدت كل حاجة حلوة!
كان يهدر بصوت شجن، حسرة على ما مر به الصديق التعيس هذا، جعلت عاطي وعماد تدمع أعينهما بحزن .. أنا هي كانت تستمع إليه من خلف باب الحجرة، وهي جالسة بمكانها، كل كلمة كانت تشقق قلبها مع دموعها التي بللت ثيابها،
آلام تحاوطها في كل جهة ناهيك عن وجع جسدها الذي بدأ يعود إليها بعد زوال مفعول المسكن .. فـ تلك الحادثة قد تسببت في كسر معصمها وجرح شديد في رأسها، غير الذي تسبب فيه ذلك الوغد الذي يدعى التهامي...
_________
تقف مع رجلين هيئتهم مريبة، يشبهان هؤلاء المأجورين لأعمال الإجرام .. تصدر إليهم أوامر حاسمة..
: عايزاكم تراقبوا المستشفى وبيت مراد .. وتعرفولي كل تحركاتهم .. وأهم حاجة مراد ما يغيبش عن عينيكم!
: متقلقيش سيادتك، احنا عارفين شغلنا
هتف أحدهما بصوت غليظ بشع، ثم اشارت نانسي إليهما بالمغادرة 
: يلا، وبلغوني بكل التفاصيل أول بأول
ذهبا الإثنان ليبدآن بتنفيذ الأوامر، ثم دلفت هي إلى منزلها .. لقد تغيرت نانسي كليًا أصبحت تحت سيطرة شيطانها بفضل وسوسة عثمان!.. أبيها الذي لم يحاول أن ينصحها بل شجعها على الاستمرار في إظهار أسوأ ما فيها .. لقد صنع منها ثعبانًا صغيرًا يجري وراء لدغ من حوله دون أن يعلم نهاية ما يشرع به.
____________
بعد مرور أكثر من ساعتين ونصف، وصلت فريدة إلى ڤيلا مراد، وهبطت سريعًا من السيارة تدلف للداخل، فتسأل العم بركات متلهفة..
: عم بركات، مراد فين؟
تعجب: مراد؟ دة ما جاش من امبارح!
ازداد قلقها، لتسمعه يقول: بس الست نيرة جوة
هرعت فورًا للداخل وخلفها الحارس، لتضغط على الجرس سريعًا، انتظرت فتح الباب بفارغ الصبر هذه الثواني الدقيقة... فتفتح لها أحد العاملات، وقبل أن تفتح العاملة فمها هتفت فريدة متسائلة بلهفة
: نيرة فين يا سماح؟
: فريدة، عاملة إيه، وحشتيني
هتفت سماح ببهجة لرؤيتها، لتقول لها: مش وقته سلامات، اطلعي ناديلي نيرة... ولا أقولك أنا اللي هطلع
نطقت بكلماتها دون أن تعطي فرصة لها بالرد، فهي مشغولة على حبيبها .. جرت سريعًا صوب الدرج لكنها رأت نيرة تهبط إ .. فما أن لمحتها الأخرى اندهشت، وركضت على السُّلم وقلبها يدق فرحًا، تندفع نحوها لتحتضنها كي تتأكد من سلامتها...
: فريدة، انتي كويسة؟ حمد لله على سلامتك يا قلبي 
لم تصدق نفسها وهي أمامها، ابتعدت عنها لتكور رأسها بين يديها وعينيها تلمعان سرورًا بدموع، لقد افتقدتها حقًا تلك الجنية الصغيرة .. فهمست نيرة بلطف
: باباكي قلقان عليكي أوي .. كلنا كنا قلقانين عليكي
ربتت فريدة على سطح يديها: أنا بخير .. قوليلي انتي مراد فينه؟
سألت بقلب منشغل، فتعجبت نيرة وهي تزيل يديها عن وجهها
: مراد! هو مش كان معاكي؟ ولا انتي مين اللي رجعك؟
كان سؤالها يرسل القلق لقلب فريدة، هذا يعني أنها أيضًا لا تعلم عنه شئ .. نيرة كانت تتفحص وجه فريدة الذي بدأ ينكمش ببكاء، فتهمس متسائلة بخوف يتسلل فؤادها
: فيه إيه يا فريدة؟ مراد ماله؟ 
: معرفش، بتصل بيه ومش بيرد وبقاله كتير مشي من عندي، عشان كدة خدت بعضي وجيت أشوفه
قالت بدموع، لترد نيرة بصوت مضطرب
: انتي كدة هتقلقيني .. أنا لازم أتصل بعماد أكيد هيكون عارف
قالت وهي تمسك بهاتفها تتصل على عماد، فما لبثت أن وضعت الجوال على أذنها وجدته يدلف إليهما.. هرع الإثنان نحوه، فتسأله فريدة 
: أستاذ عماد، فين مراد؟
يقف أمامهما ينقل نظرات صامتة لكليهما .. فبدأ الإثنان يعقدان ملامحهما في شك وجم من المشاعر المختلطة، يحاولان تفسير تعابير وجهه المبهمة التي توحي بأن هناك شيئًا سيئًا قد حدث..
____________
نهضت من موقعها بألم وثقل في جميع عظامها، حاولت نصب جسدها في صعوبة بالغة، وسارت نحو الباب تنوي الذهاب لغرفة مراد، تود رؤيته لأجل الاطمئنان عليه،
سقوطه بتلك الطريقة هز قلبها بين ضلوعها .. لم تتحمل ما حدث له .. حبذا لو ماتت في هذه الحادثة، ما كان سيعرف بوجودها، اللعنة عليها حتى الموت قد فشلت في تحقيقه..
راقبت المرر الذي يؤدي إلى حجرة مراد فلم تجد أصدقاءه ، اطمأنت وشارعت في السير بتعسر في خطواتها، محاولة تحمل التقطع الذي يسري بجسمها،
لتقف أمام باب الغرفة وتضغط على المقبض وتدلف للداخل .. فتنتبه إليها الممرضة وتهرع نحوها وتهمس بصوت خفيض صارم..
: انتي إيه دخلك هنا، اخرجي حالًا وارجعي مكانك
انهملت عبراتها النارية بوجهها المسكين، فهمست متوسلة من بين شهقاتها
: والنبي خليني أبص عليه مرة واحدة، أبوس إيدك
قالت وهي تمسك يد الممرضة كي تقبلها .. لتسحبها الأخرى سريعًا وهي تقول مندهشة
: انتي بتعملي إيه؟ اهدي خلاص هخليكي تشوفيه
قالت وهي تضع إحدى يديها فوق كتفها، رأفة بحالتها الصعيبة، لترفع رغد عينيها الذابلة والتي بالكاد تظهر من كم دموعها الكثيفة الخارة فوق ملامحها الباهتة، كمن لا تصدق.. فأومأت الممرضة مؤكدة أنها ستراه.. 
وقبل أن تخرج لتعطيها مساحة همست
: بس يا ريت متقعديش أكتر من 5 دقايق عشان متجبليش مشاكل، وكمان قبل ما يفوق ويشوفك، ماشي؟
قالت برفق، فأومأت بإيجاب سريعًا وفرحة شرحت صدرها .. ترجلت الممرضة، وتحركت رغد صوب السرير لتقترب من أحد جوانبه .. وقعت عينيها على وجهه المشرق .. يا إلهي لا تصدق أنها قريب منه وتتطلع إليه .. كم مر من الوقت على رؤيتها له، 
ما زالت ملامحه كما هي لم تتغير، إلاّ أنه أطلق لحيته التي زادته وسامة بشدة .. تتملى به باشتياق، انطلقت منها شهقة رغمًا عنها، حاولت كتمها بيديها حتى لا توقظه،
هبطت ببصرها نحو يده الممدودة بجواره، بدون أن تفكر قربت كفتها من خاصته لتضغط عليها براحتها، اشتاقت للمسها، كانت حانية عليها كثيرًا، وتخفف من آلامها،
مالت بجذعها تقترب بشفتيها الجافة تقبل كفه بينما عينيها تفيض من الدمع في ضعف .. أطلق مراد زميم أنين وهو يحرك رأسه بضعف، لترفع رغد رأسها عن يده هلعًا، وضربات قلبها ارتفعت بخوف،
يجب أن تهرب قبل أن يراها، وإلا ستتسبب في إعياءه مجددًا .. نهضت وهمت لتتحرك لكن عرقلها يده التي تقبض على خاصتها، عاد ببصرها نحو وجهه فوجدته يفتح جفنيه ببطء..
توترت أنفاسها وضربات قلبها تتلجلج داخل صدرها، حاولت التملص منه كي تفر هاربة من مواجهته لكنها عالقة بين يديه،
فتح عينيه على الأخير، ثم نصب جذعه مندفعًا وهو يشعر بتثاقل في أنفاسه... رفع وجهه ينظر إلى التي عادت من الموت، بعينين مذهولة.. ليهمس باسمها ضياعًا
: رغد... ازاي!!!!
أجهشت باكية بقلة حيلة، ليردف بلا استيعاب
: أنا ف حلم ولا علم؟ قوليلي إني مُت، وان احنا مش في الدنيا!!
ردت بصوت متحشرج للغاية من بين بكائها
: لا يا مراد اللي انت شايفه دة حقيقة
: لا 
صاح وهو ينفض بيده بعنف، فيهتف مقررًا وهو يهز رأسه باضطراب
: لا يا رغد مش حقيقة لأ، أصل ازاي وأنا شوفتك بتتحرقي قدام عينيا؟ يمكن مثلاً كل السنين اللي فاتت واللي عيشتها ف عذاب كانت هي الحلم!! قولي وأنا هصدقك، هصدقك يا رغد!
رفعت وجهها إليه ودموعها غرقتها كالسيول، متأثرة بحالته المشوشة والمصدومة والتي ستتحول إلى انهيار بعد لحظات .. نفت برأسها وهي تقول بنبرة متقطعة
: يا ريت كان حلم، لكن اللي شوفته زمان هو اللي وهم
صرخ بقوة هزت أركان قلبها، وهو غير متقبل ما تقوله، رمى بيديه بعشوائية وتشنج جسده، وصرخاته تمزق أحشاء الطبيعة .. سحب إبرة المحلول الملصقة في ظهر كفه بعنف حتى انبثقت الدماء...
وهي لم تقدر على فعل شيء سوى أنها تراجعت للخلف بخوف من هيجانه.. ليندفع سعد الطبيب بسرعة ومعه ممرضين من الرجال، حتى يوقفوه
ليصيع سعد هلعًا فور رؤيته: مراد ... امسكوه بسرعة
تحرك الإثنان فورًا وحاولا وثق جسده بأيديهم ليعجزا حركته، بينما سعد يجهز المهدئ .. لكنه دفعهما بعيدًا وصرخ بأعلى صوته..
: أخرجوا برة، مش عايز حد، كلكم برة 
: يا مراد إهدى، العصبية مش كويسة عشانك
هتف سعد، لينهض مراد من فوق الفراش ويهتف حازمًا بعينين أصبحت كالجمر ووجه قد شحب تمامًا..
: أخرج برة يا سعد، وخد معاك الأوباش دول
أومأ برأسه بهدوء، نظرًا لتلك الحالة التي وصل إليها، تركه سعد يتابع مواجهته مع تلك المسكينة التي بدأ جسمها يرتعش فعليًا .. أغلق مراد الباب بإحكام ثم التفت بجسده كليّا ليتحرك صوبها مباشرة في خطوات تزيد من رعبها فتجعلها تنكمش أكثر..
: عملتي فيا كدة ليه؟
همس بصوت مميت وعروق نافرة نبض بقوة، ليصرخ
: انطقي
انتفضت وأنفها يسيل بدموعها الحارقة، لكنه لم يكن في موضع يسمح له بالتأثر فهو ما زال مستنكرًا ما يحدث.. فيهمس بقلب منفطر ونظرة خذلان
: ازاي يا رغد قدرتي تخدعيني! دة انتي الوحيدة اللي كنت بتعامل معاكي على طبيعتي! كنت ببقى شخص تاني ف وجودك!
ينظر لها في هول، لا يصدق ما يحدث، يظن أن ما يشاهده ليس إلا كابوسًا، لأن لا أحد يعود من الموت .. أم هذه احدى عجائب الدنيا السبع؟
رفعت بوجهها وهي لا ترى ملامحه جيدًا، تشعر بغشاوة حاوطت عينيها وهي لا تستطيع كبح دموعها.. فتهمس بنبرة تكاد تفهم 
: هحـ..كيلك على كـ..ل حاجة 
بدأ مراد يعود تدريجيًا لوضعه الطبيعي، واضطرابه بدأ يأخذ وضع استكانة، حتى أنه لاحظ هيئتها المذرية برأسها الملفوف بشاش طبي، وجسدها الذي ظن أنه سيهوي أرضًا.. 
رفع كلتا يديه يمسك كتفيها، فشعرت هزة أصابتها، ليحركها بلطف ويجلسها على مقعد..
: اهدي
قال بلين ثم تحرك ليأتي بكوب من الماء وبعض المناديل الورقية تمحي تلك العبرات المهلكة .. عاد إليها وأعطاها الماء فالتقطت الكوب بيدين مرتجفة، حتة وهي ترفعها لفمها لم تقدر على حمله وظل يهتز بين كفيها وكاد يسقط،
لولا أن أمسكه منها ليضعه على طاولة صغيرة ويخرج بعض أوراق المناديل من العلبة ويمسح وجهها الحزين، ليرفع بالماء يسقيها بحنو .. ثم يبتعد عنها ويجلس قبالها على طرف السرير..
لن يصرخ بها أو يتشنج مرة أخرى فحالتها الضعيفة تلك لن يستفيد منها شيئًا .. فاحتفظ بجرح قلبه بداخله، ليسألها
: مين اللي ورطك ف دة كله يا رغد؟ وإيه اللي عمل فيكي كدة؟ 
سأل وهو يتطلع إليها بنظرات شفقة والغمة تفرد ذراعيها في صدره... 
_________
يقوم بتجهيز مستنداته اللازمة كي يولي هاربًا، بعد أن اكتشف المخابرات قد قبضت على رغد، فبالتأكيد سيقبضون عليه هو الآخر .. لذلك يجب أن يختبئ حتى يعرف كيف يتصرف في هذه الورطة، 
اللعنة عليها كان يجب أن يقطع عنقها، لكن لا بأس سينهي كل شئ، لكن الآن لا يهمه سوى الفرار بعيدًا عن أعين الشرطة.. 
: العربية جاهزة يا بوص
هتف بها ذلك الرجل خاصته وهو يدلف إليه، ليأمره وهو يهم بالخروج
: هات الشنطة دي وتعالي ورايا، بسرعة
خرج التهامي من المبنى الذي يقطن به .. ليصعد السيارة من الخلف والرجل من الأمام ثم انطلق إلى حيث أمره رئيسه
__________
: أنا كنت حاسة... كنت حاسة إن في حاجة هتدمر علاقتنا، يا ريت الرصاصة جات ف قلبي وروحت فيها
كانت تهدر بلا وعي ونبرة متقطعة وهي تهز ساقيها في اضطراب .. فالحياة قد دفعتها داخل حلبة سباق وهي غير مستعدة للصراعات، فقلبها قد ذاق طعم المرار كثيرًا، لم لا تتركها تتمتع بحلاوة الدنيا! لم قبعتها في ساحة مليئة بالحشرات اللادغة، 
هي أضعف من تحمل كل تلك المعاناة .. ستنهار حتمًا
: فريدة أرجوكي ما تعمليش ف نفسك كدة، مراد لا يمكن يبعد عنك
همست نيرة محاولة إعطائها أملًا يسكن فؤادها الممزق، وهي تتطلع إليها بوجع ودموع تنسال فوق وجنتيها
: مراد لسة بيحبها، هو عمره ما حبني، أنا عارفة من الأول
تهدر فقط وهي تنظر للا مكان، تسرقها السكين، دون حتى أن تذرف أي دمعة لتخرج هذا الوجع .. تأثر عماد بحالتها، يشعر بالتعاطف معها .. ومراد أيضًا يستحق العطف، الإثنان ظلمتهما الدنيا!
دق جرس الباب وذهبت إحدى العاملات لتفتح .. ليدخل عز بسرعة ويذهب برأسه لابنته الوحيدة والتي حالتها كانت في ضياع تام، فيصيح باسمها
: فريدة 
رفعت برأسها ونهضت بسرعة، لتركض نحوه تضمه في احتياج شديد .. ليحاوطها عز الدين حنينًا واشتياقًا
: وحشتيني يا قلب أبوكي .. أوعي تبعدي عني تاني
ظل يقبل رأسها وشعرها بتلهف وكأنه لم يراها لسنوات .. ليرفع رأسها ويضم وجنتيها برفق وحنان، ثم يعيدها بين أحضانه مرة أخرى ودموع الفرح تترقرق بمقلتيه .. بينما هي تستمتع بتلك اللحظات الحانية فهي فقط تحتاج إليه يضمها..
_________
تبدأ رغد بسرد القصة من أولها، بروية بعد أن هدأت قليلًا، فتقول بصوت مختنق
: كنت بشتغل خدامة ف صالة قمار، كانت صاحبتها واحدة اسمها سوزي، كنت مع مجموعة من البنات، نروح ننضف بالنهار عشان بالليل تبقى كل حاجة جاهزة ليهم .. وف مرة طلبت مني إني أروح الصالة بالليل بحجة إنها هتديني أكل ليا و...
لترجع رغد بعقلها لذلك اليوم حيث كانت تسير ببطء وهي تطوف بعينيها لذلك المكان الذي أصبح مليئًا بالغرباء السكارى، يجلس على الطاولات مجموعة من الرجال والنساء قليلة، أمامهم زجاجات من الشراب المسكر، يمسكون أوراقًا للعب..
يوجد بنات جميلات مراهقات وأخرى يافعات، يلبسن ملابس غير محتشمة كأنهن عرايا .. يقهقهن ويتغنجن على كل رجل يجلس أمام طاولة، قاصدات إغرائهم .. وبالمقابل يلامسوهن بطريقة وقحة ونظرات غير بريئة..
ليفصلها عن شرودها تلك التي تهتف مرحبة
: يا أهلاً بالقمر، تعالي يا حبيبتي، نورتي مكاني
لم تكن التي تدعى بـ "سوزي" أقل منهم في ملابسها المغرية، فتقول والسيجار بين إصبعيها وباليد الأخرى كأس الخمر
: تحبي تشربي؟
تساءلت وهي تمد بالكأس، لتهمس لها رغد بنبرة رقيقة
: متشكرة يا مدام! 
ضحكة صاخبة جلجلت في أذن رغد، فابتسمت هي ببراءة ثم حاوطتها سوزي بذراعها على خصرها، وهي تسير للداخل..
بعض الرجال كانوا يتطلعون إليها بنظرات وقحة .. كادت أعينهم تقتلع من حدقاتهم وهم يتابعونها وهي تصعد إلى الأعلى..
تتحرك مع سوزي وهي لا تعرف إلى أين تأخذها، لتدلف بها إلى أحد الغرف، فتتسأل رغد
: حضرتك جبتيني هنا ليه؟
ردت بنبرة لعوب: عشان طبعًا أجبلك أكل، مش انا قولتلك؟ ثانية والأكل يجيلك 
قالت بابتسامة شيطانية تفتر ثغرها، ثم استدارت وترجلت قبل أن تغلق الباب بالمفتاح من الخارج، فترفع إحدى حاجبيها بخبث ... بينما جلست رغد على طرف السرير تنتظرها مصدقة كلامها ولم ترى المكر في عينيها، فهي لم تأكل منذ الصباح وعلى هذا الحال يوميًا، نظرًا لأنها لا تمتلك الكثير من المال..
وعلى حين غفلة تجد أحد الرجال يخرج من المرحاض يحاوط خصره بمنشفة وباقي جسده عاري، نهضت وهي تشهق بهلع، فتهمس متسائلة بصوت متلعثم
: انت مين؟
اقترب منها وحاول لمسها رغمًا عنها، لكنها دفعت يده بعيدًا وهي تهتف
: لو سمحت ابعد عني!
فهرولت نحو الباب لكنه قبض على معصمها وهو يصيح مستنكرًا 
: ابعد ازاي، انتي عارفة أنا دافع فيكي كام؟ بس بيني وبينك تستاهلي تقلك دهب!
همس وهو يرمقها بوقاحة .. فاعترت الدهشة ملامحها ثم سحبت ذراعها منه وركضت تضرب بيديها الباب وهي تصرخ بدموع
: الحقيني يا مدام، افتحي الباب والنبي
صرخاتها زادت لكن لا أحد يبالي، وهو خلفها يضحك ساخرًا 
: ماحدش هنا هيسمعك، كل واحد مشغول ف اللي فيه، قربي تعالي وأنا هبسطك متقلقيش
كانت إيحاءاته بذيئة كيفما منظره .. لتستدير بجسدها وهي تلصقه بالباب وهي متوجسة خيفة من قربه .. ترجته ببكاء
: أرجوك ابعد عني 
لكنه لا يعبأ بتوسلها، بل كان الشيطان يتلذذ بضعفها .. فحاول تقبيلها رغمًا وهي تطلق صرخات استنجاد لكن.....
_________
: مشيني من هنا يا بابا أرجوك
قالت فريدة بصوت متحشرج، فرد عليها عز
: أيوة يا حبيبتي، مش لما نعرف مراد رأيه إيه؟
: مراد خلاص يا بابا، مهمته خلصت، وما عدتش محتاجاه!
قالت بنبرة يأس، ليضيق عز ما بين حاجبيه بغرابة
: مش فاهم تقصدي إيه؟
نهضت نيرة لتتحرك نحوهما وهي تهتف: يا فريدة...
لكن قاطع حديثها دخول مراد لتصيح باسمه وهي تركض إليه
: مراد .. أخبارك ايه!
تسائلت في لهفة وقبل أن يجيب تظهر هي من خلفه وهي تضع معطفه فوق كتفيها .. اتسعت حدقتي عيني نيرة وتراجعت بقدميها للخلف وهي تهمس في ذهول
 : رغد؟؟؟!!
التفت فريدة إليهم فور سماع اسمها، لتراها تدخل معه وهي تقبض على ذراعه بقوة ناكسة وجهها لأسفل.. صعدت الدهشة معالم وجه فريدة، واحتبست الدماء داخل عروقها .. شرار ناري يلتف حول قلبها يتسبب في اشتعال حريق داخل ضلوعها.
ليبتر الصمت مراد عندما تفاجأ بها أمامه: فريدة؟ انتي جيتي ازاي؟ 
ازال يد رغد برفق ليتحرك صوبها: مين اللي سمحلك تيجي؟ وفين الزفت اللي بيحرسك!!
هتف متسائلًا بوجه عابس بينما هي كانت تتطلع بعيدًا نحو التي تقف صامتة، لتنتبه على صياح مراد وهو يهزها
: ردي عليا يا فريدة! 
فتصرخ عليه وهي تدفع بيده: ابعد إيدك عني .. انت إيه يا أخي معندكش دم، ليك عين أصلاً توجهلي أي سؤال!! 
فيصرخ بها محذرًا بحدة، حتى أن رغد قد ارتجفت من حدته
: فريدة، إياكي تعلي صوتك عليا!
: طبعاً، مهي حبيبة القلب رجعت، وخلاص ما عدتش محتاجني!
سخرت ليزداد صوته غلظة: اخرسي
لتعود القتامة إلى مقلتيه، ووجهه بدى مقتطبًا بشدة .. غشاء رقيق من الدموع يتكون في مقلتيها، فتتركه وترحل كالإعصار دون النطق بكلمة أخرى، وقبل أن تعطي رغد نظرة احتقار...
: الحقها يا مراد أحسن تعمل في نفسها حاجة
قالت نيرة ثم هرول مراد مسرعًا خلفها لاحقًا إياها، كاد أن يخرج عز ورائهما لكن استوقفته نيرة
: سيبهم يا عز، هم هيتفاهموا مع بعض 
: يا نيرة أنا مش فاهم حاجة!!
قال عز الدين قلقًا على صغيرته، لتقترب منه وهي تسحبه برفق إلى الردهة 
: تعالى يا عز وهفهمك على كل حاجة!
----
تركض هرعًا محاولة الهروب من ذلك الألم الذي لحق بروحها وفؤادها .. ليمسك مراد بيدها فورًا ويجذبها إليه، ويهتف متذمرًا من بين أسنانه
: اقفي بقا، وبطلي جنان
قبضت على تلابيت ثوبه بيديها الناعمتين وهي تشده بعنف على قدر قوتها، فتصيح من بين دموعها
: عايزة إيه مني، داخل عليا بحبيبتك اللي راحت منك من سنين، المفروض تبقى مبسوط، سيبني لوحدي مش عايزة منك حاجة .. أنا خلاص معادش مكان ليا ف حياتك، زي منا كدة على طول يا مراد..
أنا ماخدتش منك غير أول حرفين من اسمك، شربته بمزاجي يا مراد بس ماعدتش أستحمل تاني، ما عادش عندي طاقة أكمل بيها .. سيبني وروحلها عشان انت كنت بتستناها، وهتقدر تعيش مبسوط، ومتخافش عليا مش هموت من غيرك، هبقى مبسوطة عشان انت مبسوط!!
تشعر بالبركان يغلي مع دمائها، وقلبها قد تفتت إلى أشلاء .. تلك الكلمات قد أصابتها بخنجر لأنها لن تقدر على العيش من دونه .. دموعها كانت تهبط على فؤاد مراد كاللهيب تتسبب في حدوث فجوة أعمق بكثير .. ليجذبها بين أحضانه الدافئة .. فحاولت التملص لكنه حاصرها وضمها إليه يعصرها خوفًا .. فانخرطت في بكاء مرير مستسلمة للمساته الحانية، والتفت بذراعيها حول خصره تستمد قوتها، حتى لو كانت تتوهم بأمل كذاب سيتبخر بعد لحظات، 
لكن قوتها قد خارت وضعفت، ليشعر مراد بارتخاء ذراعيها من حوله وجسدها يسقط منهارًا من بين ساعديه فيصرخ ذعرًا
: فريدة..................

يتبع الفصل الرابع والأربعون  اضغط هنا
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent