Ads by Google X

رواية ظل السحاب الفصل الأربعون 40 بقلم آية حسن

الصفحة الرئيسية

                      رواية ظل السحاب الفصل الأربعون بقلم آية حسن 


رواية ظل السحاب الفصل الأربعون 

الإنسان السوي يؤمن بالله وبقدره .. لولا وجود الإيمان لَمَ واصلنا السعي حتى بلغنا النجاح .. فالمرء عنده إرادة قوية يستطيع بها التغلب على القهر .. والشر لم ولن ينتصر على ما هو مقدر لنا مهما كانت قوته.
بلغ محل المبنى الذي فيه مركز المجموعة، كان يقوم السيارة بأقصى ما عنده من سرعة، كمن كان يبتلع الطريق حتى يطمئن قلبه برؤية وجه من استكانت بوجدانه، وبشرايينه فصارت جزءًا من دمه ..
ركن السيارة سريعًا ثم ترجل منها بقلبٍ تتلاشى نبضاته تدريجيًا، وأنفاسٍ متسارعة .. ليجد حشدًا من الناس متجمعين حول أحدهم، فتيبست ساقيه لبرهة، والدماء هربت من وجهه .. يحاول بقدر المستطاع أن يطبق على عقله عن الأفكار الشنيعة التي رافقته عند أول وهلة رأى فيها الجمع الغفير أمامه، 
ليستفيق برعشة في جسده على صوت عويل وصراخ باسمها من وسط الزمرة .. اسم السحابة التي رافقته مؤخرًا .. اسمها الذي هز جدران صدره وكاد قلبه ينتزع من بين ضلوعه .. شعر بصرخة ستنطلق من حنجرته ستزلزل نياط القلوب .. لكن لا لن يستسلم لهذا الواقع المرير .. سوف يموت حتمًا هذه المرة إن فقدها..
هدر باسمها برجفة، ثم تحرك بقدمين يجرهم جرًا، ليدخل من وسط التجمع وهو يقوم بإزاحة الواقفين عن الطريق، فتصطدم عيناه بجسدها المنبطح أرضًا، وشعرها يغطي وجهها بالكامل،
تقف نرمين كالصنم ولا تحرك ساكنًا، فقط تحدق بها بلا وعي، ويقف بجوارها هادي وحولها بقية الزملاء.. 
أجثى مراد على ركبته بقلة حيلة .. يقترب منها، ويزيل الشعرات عن وجهها، ليغمغم بصوت متقطع
: فريدة...
جاءت سيارة الإسعاف وحملت فريدة على المشفى، بصحبة مراد وصديقتها نرمين التي أصرت ألا تتركها..
---------
ذهب هادي ليخبر عز الدين بما جرى لابنته الوحيدة فريدة .. ليدوي الخبر في أذن عز، كإنفجار الرعد الذي يجلجل الجدران .. فيصرخ بقوة صوته بقب مذاب وروح قد تفتت لأجل صغيرته الحبيبة ..
لم تكن الصدمة بالنسبة لـ نيرة أقل من عز، بل دوت في قلوب الجميع، ومزقت أحشائهم .. وكأن الوقت عندئذ قد توقف .. ليس إلا هؤلاء الذين يحملون الخبث بين أضلعهم، قد انفرجت عن ثغورهم ابتسامات متشفية، وانشرحت صدورهم بالشماتة والحقد لآلام غيرهم.
----------
الجميع ينتظر خارج غرفة العمليات في صف ممتد، يعتلي كافة وجوههم علامات الذعر والإرهاق .. كان المشهد مؤثرًا حزينًا وهم ينكسون وجوههم حسرة .. جل أنفسهم قد اختلجت، يخنقهم الخوف والهلع، يبكون في صمت، وبعضهم تصدح بينهم الشهقات .. أرواحهم معلقة مستسلمة للأحزان.
جاء أسامة إلى المشفى فهرول صوب عز الدين الجالس بجوار نيرة، ليجثو على ركبته ويهتف متسائلًا بوجهٍ باكٍ..
: عم عز، حصل إيه لفريدة؟ جرالها إيه؟
غطى عز الدين وجهه وأجهش باكيًا بضعف وقلب قد شُق نصفين .. فبدأ بالنحيب من بين بكاءه
: ااااااه يا فريدة، يا بنتي الحيلة، يا حتة مني، ياللي ما شوفتيش يوم حلو ف حياتك
: أرجوك يا عز اهدى، إن شاء الله هتبقى كويسة
ربتت على كتفه .. وجع أصاب قلبها، ودموع تناثرت بغزارة وهي ترى حسرة حبيبها على ابنته الغالية على قلبها
 نهض أسامة من الأرض وهو يتطلع بنظرات تشعل لهيب الكره .. لم يكن ليلاحظها مراد وهو في هذا الوضع المُزري والبغيض .. كاد أسامة أن يفتح فمه ليهم بقول شئًا، لكن قاطعه خروج الطبيب من غرفة العمليات..
همّ الموجودين ركضًا إليه، فيتسائل عز أولًا بلهفة وصوت مبحوح
: طمني على بنتي يا دكتور حالتها إيه؟ 
: للأسف حالتها صعبة أوي، ادعولها تعدي الـ 24 ساعة الجاية على خير!
قال الطبيب أسفًا، ليسقط قلب عز الدين، وأهوى جسده لولا ذراعي مراد أسندته سريعًا بينما انطلقت صرخة مدوية من فم نيرة.
__________
: الدكتور بيقول إن حالتها خطيرة، يعني ممكن تموت، وبكدة أكون طفيت نار قلبي!
همست نانسي ببسمة متشفية، وبهجة قد شرحت صدرها، ليقترب الآخر من ظهرها فيجيب عليها بسعادة 
: وأكيد عز الدين هيبعد عن نيرة، مهو مش معقول يعني يرتبط بواحدة ابن أخوها كان السبب ف موت بنته!
التفتت نانسي له ببطء وتنهدت بقوة، وعلامات الإنتصار ترتسم على شفتيها
: عندك حق يا دادي، اللي ضرب النار عليها يستاهل تقله دهب، قطع عليا شوت كبير أوي ووفر علينا التعب!
ضغط على جانب عنقها، ليهمس بعينين يطوف حولهما المكر
: ولسة، نهاية مراد قريب أوي
_________
يقود عربة، وينطلق بها على طريق صحراوي معتم، أثناء الطقس البارد ليلًا، كمن يسافر إلى مكان بعيد .. لقد أنهكه التعب بسبب ما حدث الليلة الماضية .. حل الصباح ليصل بعد قيادة دامت لـ ساعتين متواصلة، إلى مكان يبدو منطقة ساحلية، نظرًا للبحر الموجود على يساره والشواطئ المحيطة به..
هبط من السيارة أمام منزل صغير، ثم صعد الدروج البسيطة، وأخرج المفاتيح ليفتح الباب ويدخل..
تجلس على طرف الفراش، تحاوط ركبتيها بذراعيها وتدفن رأسها بينهما، وما أن استمعت لصوت مفاتيح، رفعت رأسها بسرعة، ونهضت فورًا كي ترى من القادم، 
لتجده يغلق الباب فتهتف بإسمه: مراد
وما أن استمع لصوتها استدار إليها مندفعًا، رمى ما في يده، ليهرول إليها في لهفة في حين هي قد ركضت نحوه .. ضمها بذراعيه بين أحضانه في شوقٍ وحنين فترتفع قدميها عن الأرض .. تحاوط عنقه بذراعيها كمن وجدت سبيلها وحصنها الآمن
همس في شوق: وحشتيني أوي، أوي يا عمري
سخونة أنفاسه قد ضخت إلى عنقها حرارة متأججة، أذابت برودة جسدها ف الحال .. 
نعود إلى حيث تلك النقطة التي عندها توقفت عربة الإسعاف لتنقل فريدة إلى المشفى وقد صعد معها مراد ونرمين..
يجلس على الأريكة أمامها وهي تستلقي على السرير المتنقل،  يمسك بـ يدها الباردة حتى يدفئها، يقترب من أذنها ويهمس
: فريدة، حبيبتي قومي انتي كويسة!
تعجبت نرمين منه، كيف لها أن تنهض وهي لتوها قد تلقت رصاصة في صدرها، ما تلك الحماقة التي يتفوه بها! .. ثم تنتبه فجأة على فريدة التي نصبت جذعها باندفاع وهي تشهق محاولة تنظيم أنفاسها .. لتصرخ نرمين فورًا بـ هستيريا فيهتف عليا مراد بنبرة أجشة
: وطي صوتك!
سترت فمها بأناملها تكتم الصرخة وهي لا تستوعب شئ، فتهمس فريدة متسائلة بتيهان
: أنا فين؟ 
هز رأسه وهو يقول: انتي بخير يا فريدة .. الحمد لله إنك بخير، الحمد لله
كرر الحمد عدة مرات وهو يدرك لطف الله به .. ليخرج من جيبه السلسال وهو يضعه فوق راحة يده، فيردف بنبرة مهزوزة وهو يتطلع إليها بمقلتين لامعتين خوفًا
: العناية الإلهية أنقذت حياتك يا فريدة 
نظر الإثنان على كفته التي تحمل السلسال والرصاصة تستقر في الجزء الطرفي من حرف الـ M، لينفرج فم نرمين باذبهلال .. أما عن فريدة فقد تحسست صدرها في موضع السلسال فشعرت بسائل على ملابسها، تطلعت لأناملها فوجدت بعض الدماء فجحظت عينيها بشدة، وترتفع شهقة..
: أنا اضربت بالنار؟ 
قالت بذعر وهي تنظر له، ليرد عليها وهو يمسد على شعرها
: متخافيش يا فريدة، دة جرح بسيط، هنروح المستشفى ويعملولك اللازم
بعد بلوغهم المشفى، طلب مراد من فريدة أن تستلقي على ظهرها كما كانت .. ليدخلوها رجال الإسعاف المشفى في سرعة حتى أدخلوها غرفة العمليات، 
ضمدت الطبيبة جرحها ثم نهضت من مكانها وهي تهم بالذهاب لكن الطبيبة استوقفتها، فتتسائل متعجبة
: فيه إيه؟
لتنتبه لدخول مراد من باب آخر، فتعقد حاجبيها دون فهم، فتستمع لقول مراد للطبيبة
: يا ريت يا دكتور تخرجي برة، وتفهمي اللي هييجو إن فريدة هتعمل عملية عشان تخرجوا الرصاصة، وحالتها مش مستقرة
فتهتف فريدة باستهجان: ليه، ليه حالتي مش مستقرة؟ منا كويسة قدامك أهو.
: ششش هفهمك بعدين..
ثم عاد ببصره للطبيبة: لازم تاخدو بالكم كويس، مش عايز حد يعرف إن فريدة محصلهاش حاجة!
أمر محذرًا بحزم، فأومأت الطبيبة برأسها متفهمة، ثم ترجلت من الغرفة .. تابعتها فريدة بعينيها ثم رجعت برأسها لـ مراد فتهتف بحنق
: ممكن تفهمني بقا، ليه عايز الناس تعرف إني اتصابت؟
: مش وقته، يلا دلوقتي عشان عماد مستنيكي تحت ف العربية، هياخدك على مكان آمن
قال في عجلة وهو يمسك بيدها، فسحبتها فورًا وصاحت
: لا أنا مش هروح ف حتة غير لما أعرف، فيه إيه!!!
حدج لها، ووضع سبابته فوق شفتيه لتصمت
: قولتلك هفهمك بعدين، يلا
جذبها من يدها بتأني، فسبته في سرها .. تنصاع لأوامره الحمقاء من غير أن يشرح لها ما يدور في رأسه.
ظل يدور بها وهو يهمس باشتياق قلبه لها، فأدركت نفسها وهي بين أحضانه، لتبتعد بجذعها العلوي وهي تضع يديها على صدره تدفعه برفق، فتهمس بأنفاس مضطربة
: سيبني يا مراد .. لو سمحت نزلني
تعجب من أمرها وانفعالها، فأرخى ذراعيه عن خصرها وأنزلها برفق على الأرض، ليجدها تتراجع للخلف مبتعدة عنه، فتمسك بـ طرف الأريكة العلوي بجسد مرتجف.. 
تساءلت بتذمر: أنا عايزة أعرف أنت جبتني هنا ليه؟ انت خاطفني يا مراد؟
يخلع معطفه ويلقيه على الأريكة، ثم جلس وأجاب
: يا ريت كنت خاطفك، هيبقى الموضوع لذيذ!
: مراد.. ما بحبش الهزار دة!
صاحت بزمجرة، لينهض من مكانه بوجه مقتطب ويهتف بخشونة 
: ف إيه يا فريدة؟ مالك منفعلة كدة ليه؟ 
ارتعش جسدها من حدته، فهمست بصوت مهزوز
: طب فهمني الحقيقة، عشان دماغي ما بقتش مستوعبة
فأجاب بنفس نبرته الحادة بسبب عدم ثقتها به
: الحقيقة إن حياتك معرضة للخطر، ومكانش فيه أي طريقة عشان أحميكي غير إني أجيبك للمكان دة، وأوهم الكل إنك متصابة وحالتك خطيرة، عشان لو متزفتش عملت كدة والكل عرف إنك كويسة، الناس اللي ضربوا نار عليكي مش هيتعرفوا، فهمتي؟
هتفت مزمجرة: ومالك متعصب عليا كدة!
: عشا...
أطبق على راحة يده محاولًا تمالك أعصابه.. ليهمس في تروّ
: ادخلي يا حبيبي نامي، الساعة عدت 3 وشكلك من امبارح منمتيش، والصبح نتكلم براحتنا
قالت بتهكم: لو خايف عليا أوي، ما كنتش سبتني من امبارح بالليل لوحدي!
صاحت بوجه باكِ، ليقترب منها حتى يهدئها، لكنها ابتعدت بخوف .. حبس غضبه بداخله، ليزفر بقوة ثم قال بنبرة منخفضة
: أنا هروح أنام عشان حاسس بتعب شوية، تصبحي ع خير
تركها ليدخل أحد الغرف قبل أن يتم الالتحام بين التيار السالب والموجب ويحدث ما لا يحبذه ويوده .. لتلحقه هي وتدلف لحجرتها بتأفف.
__________
طرقت الباب برفق ثم ضغطت على المقبض لتدلف للغرفة وتهتف بابتسامة وهي تحمل صينية الطعام
: صباح الخير على أبو عيون جميلة 
كان عز يحتجز ف المشفى بعد الهبوط الذي تعرض له .. وضعت نيرة ما تحمل على طاولة صغيرة، ثم اقتربت منه وسألت
: أخبارك إيه النهاردة يا عز؟
: تعبان يا نيرة
كان الخوف يسكن عينيه وانفاسه، فتجلس على طرف السرير، فتسأله بحنو
: من إيه يا قلب نيرة!
أجاب بذبذبة في نبرته: بنتي، ضنايا، غايبة عن نضري بقالها ليلتين يا نيرة، حاسس إن روحي رايحة مني
قالت مؤكدة: هو مش مراد طمنك وقالك إنها كويسة؟ قلقان ليه بقا؟
: ولو يا نيرة، مستحيل قلبي يرتاح إلا لما أشوفها قدام عيني!
: طب عشان خاطري اهدى، الدكتور قالك بلاش توتر 
مسدت على كتفه فقال: أنا مش عارف ابن أخوكي مش عايز يريحني ويقوللي هو خدها على فين وليه!!
أجابت بنظرية: أكيد مراد ف دماغه حاجة معينة، وإلا مكانش أصر عليك ما تجيبش سيرة لحد باللي حصل، وعشان هي تفضل ف أمان!
صمت عز الدين قليلًا وهو يتطلع للا مكان مفكرًا فيما حدث اليوم الذي تقدم لـ نيرة، عندما طلب مراد منه أن يتحدث معه على انفراد..
بعد أن تمت قراءة الفاتحة، خرج مراد في الساحة مع عز الدين وجلسا على الأريكة..
سأل عز: خير يا مراد باشا؟
ضحكة خافتة خرجت من مراد، فيقول مستنكرًا
: باشا؟ يعني معقول هنبقى نسايب وقرايب وتقوللي يا باشا؟ ولا انت لسة معتبرني غريب؟
قال عز حرجًا: اعذرني على الكلمة، وع اللي حصل ف بيتي قبل كدة، لكن أي أب مكاني شاف بنته راجعة متأخرة مع واحد كان هيعمل زيي وأكتر، وانا معنديش غيرها أخاف عليه!!
هز مراد رأسه متفهمًا: أنا عارف، وليك كل الحق ف اللي عملته .. ومن هنا ورايح عايزك تعتبرني زي ابنك...
تنهد لهنيهة وهو يستجمع قوته ليقولها، وأخيرًا قد حزم الأمر
: عمي أنا بحب فريدة، وأوعدك إني هخليها أسعد إنسانة ف الوجود، وهحافظ عليها، بس أنا عندي طلب صغير 
ضيق عز ما بين حاجبيه بغرابة: إيه هو؟
: عايزك بعد ما تتجوز نيرة، تعيشو معايا في البيت، دة هيضمنلي سلامتكم!
: أيوة بس...
قاطعه مصرًا: لو سمحت وافق، أنا كدة هبقى مطمن عليكم أكتر.. وبعدين أنا بإذن الله بعد ما أريح أمور نيرة، هحط إيدي ف إيدك ونقرا فاتحتي على فريدة رسمي
شعر عز بالسعادة تحاوط قلبه، أخيرًا سيرى فرحة ابنته مع من يستحقها، شخص مهذب وذا شخصية قوية ومتميزة مثل مراد يستطيع أنه يحميها ويعطيها كل السعادة .. رغم كونه لم يتوقع أبدًا أنه سيعترف بما يجيش به قلبه إليه.. إلا أنه أثبت ما هو يرسمه عنه في مخيلته، فدائمًا يسمع عن نزاهته في عمله، لكنه رأى رجولته بأم عينيه الآن.
رجع عز بعقله للواقع ليهمس في نفسه بارتياب
«يا ترى يا مراد عملت كدة عشان شاكك ف عمك زي منا حاسس إنه ورا اللي حصل لفريدة، ولا فيه سر تاني أنا معرفوش!!!» 
تنهد بقوة ليتمتم: يا رب احميلي بنتي يا رب.
_________
ترجل مراد من سيارته التي تقف أمام سيارة أخرى يهبط منها تميم وعاطي .. اقتربا منه ليسلما عليه بطريقة حميمية.. فيسأل مراد بجدية
: عملتوا إيه؟
تطلع الإثنان لبعضهما ثم أجاب عاطي: الموضوع معقد أوي يا مراد، وماحدش يقدر يحله غيرك!
تذمر: يعني إيه الكلام دة؟ المرة اللي فاتت قولتوا إن العيال كانوا مجهولين، طب والمرة دي!!
كان هتافه حاد لأن هذه المرة حبيبته من تعرضت للأذى .. فقال تميم نافيًا
: هو انت فاكر أننا نسينا اللي حصل المرة اللي فاتت؟ كل التحريات واللأبحاث اللي عملناهم أثبتت إن نفس الشخص اللي حاول يقتلك قبل كدة هو اللي ضرب النار على فريدة!
رمقه مراد بشراسة، ليصحح فورًا: قصدي يعني الآنسة فريدة!
: ويا ترى بقا عرفت مين هو الشخص دة؟
قال ساخرًا، فهز تميم رأسه نافيًا، ليصيح مراد
: إيـه؟!!!
: سيبك منه يا حديدي .. احنا قدرنا نتوصل لطرف الخيط
قال عاطي، ليندفع تميم قائلًا: يا عم الحاج طرف خيطك دة تلاقيه لنفسك!
أشاح بيده، ليرد عليه عاطي من بين أسنانه: طرف الخيط دة هلفه حوالين رقبتك عشان أخلص من لسانك!
: ما تخلصوا انتوا الاتنين، هتفضلوا تردحوا لبعض!!
صرخ مراد بهم، ليندفعا بوجهيهما نحوه، فيردف
: قولولي إيه اللي بيدور ف دماغكم
: قال إيه ياخويا الأخ بيقول إن اللي بيحصلك دة، له علاقة بالقضية بتاعة زمان!
كان يتفوه بها ساخرًا، لكن مراد قد ضيق عينيه وهو يتذكر شيئًا، فرفع يده ليقول
: ثانية واحدة، كلامه صح
كان تميم يبتسم بغرور كونه يظن أنه مراد سيسخر من تفكير عاطي .. فما أن أيّده سقطت ابتسامته، ليبدأ عاطي بضبط سترته بغرور وهو يرمق تميم بطرف عينه بمكر..
ليهتف لعاطي: ثانية واحدة انت يا عم الشبح...
ثم يعود بعينيه لمراد ويردف باستنكار: انت هتمشي ورا المعتوه دة!! 
وكزه عاطي بمرفقه في ذراعه، فيقول مراد وهو يخرج هاتفه
: أنا فيه رسايل كانت بتجيني من أرقام وهمية، بس مركزتش فيهم، غير ف آخر رسالة جات يوم الحادثة، ومع اللبخة والتوتر نسيت أقولكم!
أعطى لهما الهاتف وشرعا في قراءة الرسائل النصية، التي كانت تحمل في طيها التهديد .. الإثنان نظرا لبعضهما بدهشة ثم عادا بأبصارهما لـ مراد الذي أخذ الهاتف من يد عاطي..
ليردف: دة بيثبت إن كلام عاطي صح، وإن اللي ورا الحكاية، جماعة شمس .. بس السؤال هنا بقا، ليه دلوقتي بالذات فكروا يحاربوني من تاني؟ طول السنين اللي فاتت معرفوش مكاني مثلًا! أكيد برضو ليهم علاقة بشغلي الحالي! معقول المناقصة اللي أخدتها هي السبب!!
نظر تميم إلى عاطي ثم رجع لمراد، ليقول باضطراب عقلي: إيه يا حديدي الألغاز دي؟ ومين دول اللي بيحاربوك! هو انت مش خلصت على العقيد حامد وشمس برضو؟ ولا أنا كنت ف رواية تانية؟
همس ببلاهة وهو يضيق عينيه .. هدر مراد بغليل داخلي
: بس اللي حرق قلبي لسة ما خلصتش عليه، وأنا متأكد إنه هو اللي ورا محاولة قتل فريدة!!!
حمحم ليردف: اسمعوا أنا عاوزكم تجيبولي ملف حامد وتابعوا انتوا شغلكم زي ما هو، ولو عرفتوا جديد بلغوني!
: وانت هتقعد هنا كتير؟ 
سأل عاطي ليرد مراد: لا طبعاً أنا مينفعش أختفي، أكيد اللي عمل كدة هيبقى مراقبني!
: خد بالك من نفسك يا مراد، وسلملي على جماعتك بقا
قال وهو يعانقه، فما لبث أن انتهى دفعه مراد بحنق
: أمشي ياض بدل مخرشملك وشك!
: يا مخرشمني انت 
قال بطريقة طريفة، ليجره عاطي نحو السيارة وهو يضحك
: اركب يا فاضحني
ثم استدار الآخر ليصعد سيارته وهو يرتدي نظارته الشمسية..
_________
: عماد ...!
صاحت وهي تهرول خلفه، ليستدير لها فورًا
: نعم يا آنسة نانسي!
اقتربت منه بجراءة وهي ترسم ابتسامة لعوب، فتتساءل بدلال
: هو مراد مجاش النهاردة ليه؟
استغرب من قربها الغريب وطريقتها الملتوية ف الحديث معه، فرد عليها بإجابة رزينة مختصرة
: أكيد يعني عرفتي باللي حصل لـ فريدة، فهو ف المستشفى معاها
كاد أن يذهب، لتمسك بـ سترته فورًا كي توقفه، حرك رأسه إليها بوجه يعتريه الدهشة مما فعلت، فمثلت أنها لم تقصد
حمحمت: Sorry .. هو أنا ممكن أتكلم معاك لوحدنا؟
سألت بنعومة، لكنه أجاب بذوقية: معلش يا آنسة نانسي أنا عندي شغل كتير، بعد إذنك.
تابع سيره بسرعة وهو يشعر بالسوء لتلك الطريقة الغير بريئة التي تحدثت بها معه .. عكسها هي التي تأففت منه وكانت تظنه سيجاريها الحديث..
لكن هو لم ولن ينظر لأي فتاة تقرب لـ مراد، لأنه يعتبر حاله من العائلة،
ورغم وسامة عماد البسيطة إلا أنه ليس من الفتيان الطائشة، وهو لن يحب سوى حبيبته فاتن، استغفر ربه ثم صعد سيارته وانطلق مغادرًا.
__________
استيقظت من النوم، لتدرك نفسها وتنهض باندفاع من الفراش وهي تنادي باسم مراد حتى ترجلت من غرفتها ووصلت إلى حجرته وجعلت تطرق الباب..
: مراد، افتح الباب 
لم تنتظر ردًا ففتحته ودخلت، دارت بعينيها الغرفة فلم تجده..
: بتعملي ايه عندك؟
التفتت بجسدها مندفعة على الصوت، فتراه يقف أمامها
: انت كنت فين؟ وازاي تسيبني لوحدي؟ 
هتفت بزمجرة، لم يرد ليقترب منها ببطء وهو يتأمل ملامح وجهها المضطربة، فتتراجع للخلف بقلق من نظراته..
ليقف فجأة ويعطيها ظهره ثم يتحرك وهو يقول: خرجت عشان أجيب لك أكل.
تحركت خلفه وهي تهتف: أنا مش عايزة آكل، أنا عايزة أكلم بابا، أكيد هو قلقان عليا أوي
قالت وعينيها ترقرقت دمعًا، ليستدير لها: هخليكي تكلميه بس تعالي نفطر الأول!
عارضته بشدة: لأ، هكلم أبويا الأول!
: الفطار الأول!
رفع سبابته مصرًا، كادت أن تعترض لكنها فضلت الصمت على أنها تجادله .. زمت شفتيها بحنق ثم ترجلت من الغرفة .. زفر هو بضجر، لا يعرف إلى متى ستظل تعامله هكذا، وكأنها تأخذ بثأرها في كل ما فعله معها، وما عليه سوى التحمل فقط!
_________
يستند عز على ظهر الفراش وهو يكتف يديه بكلل، وبالجانب الآخر تجلس نيرة فوق الأريكة وهي منهمكة في قراءة كتاب .. فينتبها الإثنان على صوت قرع الباب، فتقوم نيرة لتفتح.. فتجده أسامة
: إزاي حضرتك! ممكن أشوف عم عز؟
ابتعدت عن الطريق لتشير إليه: أكيد، اتفضل
سار أسامة نحو سرير عز: أخبار صحتك إيه يا عمي؟
: الحمد لله
أجاب باقتضاب، فجلس أسامة على مقعد بالقرب منه، فيقول
: أنا قبل ما أجيلك، روحت للدكتور وطمني على فريدة، بس هم مانعين الزيارة!!
تطلع عز ونيرة لبعضهما بارتباك، لتقول نيرة بنبرة متلعثمة
: أه طبعاً، عشان هي ف العناية، بس سمح لعز يشوفها، مش كدة يا عز؟
أومأ عز برأسه، شعر أسامة بشئ غريب في داخله، وكأن الوضع به لغز لا يفهمه..
________
: الحمد لله شبعت، يلا خليني أكلم بابا
قالت وهي تلوك آخر لقمة في فمها، ليتجاهل طلبها
: تحبي تاكلي سمك على الغدا؟
نفخت الهواء بقوة، فترد ببرود: لما ييجي وقت الغدا يبقى ربنا يحلها!
: مهو عشان أعمل حسابي، يعني نتسلى أنا وانتي ونعمله سوا!
استفزها بهدوءه البارد، وكأنهما هنا لقضاء وقت ممتع سويًا وليس في مأزق مريع! .. فزمجرت
: مش هعمل حاجة أنا!
نهض وهو يتساءل بنفس أسلوبه: ليه يا ماما، دة حتى وحشني أكلك الجميل... أقولك إيه رأيك ننزل سوا الهايبر وتشوفي إنتي محتاجة إيه للأكل، طالما انتي مش حابة السمك!! 
جزت أسنانها بغيظ: انت مستفز  
: وبحبك
كانت كلمته كالقذيفة، مجرد كلمة كفيلة بأن تجعلها تُسقط فكها ذهولًا .. يتطلع إلى صمتها وهي تعلق مقلتيها عليه بلا وعي، فرفع يده يلوح أمام وجهها، فترجع لطبيعتها لتحمحم
: عاوزة أكلم بابا
امتعض وجهه فهتف بحنق: حاضر
أخرج هاتفه المحمول واتصل على نيرة وبعد الرد طلب منها أن تعطي الهاتف لـ عز الدين، وقبل أن يتحدث إليه اختطفت الجوال من يده لتضعه على أذنها..
: ألو يا بابا، وحشتني أوي .. شوفت اللي حصلي
هاتفته بنبرة باكية وهي تدخل غرفتها وتصفع الباب بوجه مراد .. هز رأسه مستنكرًا لينتبه على بريد إلكتروني يأتي له، فتطلع إلى الحاسوب الموضوع فوق الطاولة، ليجلس ويتفقده..
وبعد عشر دقائق تقريباً خرجت فريدة من الغرفة وأعطته الهاتف وهي تقول
: في واحد اسمه تميم بيرن عليك
فينهض بسرعة ويضغط على زر الرد، ويترجل خارج المنزل حتى يحادثه، فتعجبت هي من فعلته تلك، فتحركت خلفه ووقفت عند الباب تستمع له..
يقف هو أمام المنزل فوق الرملة معطيًا ظهره ويتحدث
: لسة شايف الإيميل دلوقتي، بس إيه السرعة دي؟
التفتت برأسها نحو الحاسوب وهي تعقد حاجبيها، ثم تعود برأسها لـ مراد الذي قال
: وليد؟ بتقول مين اللي معاه؟ .. تمام ابعت كل التفاصيل، بسرعة يا شامي!
أغلق بعدها الخط، وكمش وجهه بتعجب وهو يهمس في عقله «وليد!» .. استدار ليرجع إلى المنزل، فتحركت بسرعة هي للداخل قبل أن يراها .. دلف وأغلق الباب بعده، ليستمع إلى هتافها..
: إيميل إيه دة اللي بتتكلم عنه يا مراد؟
قالت دون تفكير فرفع بصره إليها، لينعقد وجهه بشدة، فيهتف
: انتي بتتصنتي عليا يا فريدة؟ 
ابتلعت لعابها وهي ترى مقلتيه يتحولا للون القاتم، لتسمعه يقول محذرًا بنبرة أجشة 
: آخر مرة أشوفك تعملي كدة، فاهمة؟
 تحرك نحو الأريكة دون أن يتكلم، نعتت نفسها بالغبية على تسرعها الأخرق، لكنها شعرت بالغليل يسري في رأسها عند تذكرها كلمة بريد واهتمامه الزائد به.. فقررت المجادلة مرة أخرى دون العبء لتحذيراته
: ويا ترى الإيميل دة خاص بحبيبتك القديمة؟ لسة بتدور على الناس اللي قتلوها برضو؟ وبتعمل اللي بتعمله دة، وبتستغلني عشان تنتقم لها؟
كالعادة لا تكترث للنتيجة وهي تحادثه، لذلك هي التي تخسر في نهاية المطاف .. رفع مراد رأسه ببطء وتقاسيم وجهه أصبحت جامدة وحادة للغاية بشكل مرعب، وعينيه تجحظان بقوة، حالته هذه جعلتها تشهق منصعقة،
ليمسك الطاولة بكيفه ويدفعها بقوة حتى سقط كل ما عليها تحت نظراتها المذهولة.......

يتبع الفصل الواحد والأربعون اضغط هنا
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent