Ads by Google X

رواية ظل السحاب الفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم آية حسن

الصفحة الرئيسية

                 رواية ظل السحاب الفصل الرابع والثلاثون بقلم آية حسن 


رواية ظل السحاب الفصل الرابع والثلاثون

كانت تغوص في نوم عميق إلى أن سمعت هتافه الحازم عبر الجوال، ففتحت جفنيها لتتمتم باسمه، ثم تطلعت إلى الرقم وهمست لنفسها
: هو أنا بحلم ولا إيه!
لتستمع إلى هتافه من السماعة: فريدة! انتي سمعاني؟
وضعته على أذنها فتقول متعجبة بصوت مبحوح
: مراد انت بتكلمني بجد ولا تهيؤات؟
: مش وقته، أنا عاوز أقابلك ضروري، اجهزي عشان جاي آخدك
رد سريعًا، لتهب بفزع من مضجعها بعد أن أدركت أنها لا تحلم
: انت بتتكلم منين؟
سألته ليجيب عليها سريعًا: أنا سايق العربية وفـ طريقي لـ بيتك.
عبثت بشعرها بسبب التشوش الذي أصاب عقلها، وهي لا تفهم ما الذي يعنيه بأنه في طريقه إليها؟ .. لتستمع إلى صياحه
: إيه يا فريدة سكتي ليه؟
: هي الساعة كام دلوقتي؟
سألت بتثاءب وهي تضع يدها على فمها ليرد: الساعة 12 وحاجة، انزلي يلا عشان أنا قربت أوصل!
: انت مجنون! عايزني أنزل دلوقتي عشان أبويا يقتلني؟
قالت باستنكار ليرد عليها مصرًا: أيوة ولو منزلتيش أنا هطلعلك، سلام.
أغلق الخط، لترخي يدها عن أذنها وهي ممسكة بالهاتف ببلاهة لجنون هذا الشاب! 
------- 
مضى دقائق وهو يقود سيارته بسرعة، والتي مرت وكأنها ساعات متثاقلة، وكأن الطريق لا تريد أن تنتهي كما هي حياته البائسة، 
وبعد قليل قد بلغ غايته، ولا يدري كيف قد قطع كل تلك المسافة يتحمل الثقل الذي بقلبه .. أبطأ السيارة أمام بيت عز الدين، ينتظر خروجها بفارغ صبره، يحاول تهدئة اضطراب قلبه، 
لتسكن روعته قليلًا حين رآها تترجل من الباب وتقترب من السيارة، ترتدي ملابس بيت فضفاضة، عليهم معطفًا صوف يحميها برد الليل، وشعرها أشعث قليلًا لكنه ما زال جميلًا على وجهها .. مد ساعده يمسك بالمقبض ليفتح لها الباب، وهتف لها
: اركبي!
لتقول باستهجان: اركب فين يا مراد؟ بابا نايم جوة، ولو صحي ملقنيش هتبقى مشكلة .. وبعدين انت إيه اللي جابك هنا ف الوقت المتأخر دة؟ 
: موضوع مهم ولازم نتكلم فيه دلوقتي، اركبي يلا لأن الوضع كدة ما ينفعش!
قال بصرامة طفيفة، لتتمتم مستنكرة بنبرة خافتة وهي تصعد بجواره
: يعني جايلي ف نص الليل وكمان بتتأمر عليا؟ دة انت غريب! .. نعم يا سيدي عايز إيه؟
سألته، لتراه يدير سيارته وينتقل بها لمكان آخر فتسأله متعجبة
: انت واخدني على فين يا مراد؟
كانت نبرتها مهزوزة بعض الشئ، ورغم ذلك لم يعطيها إجابة .. ابتلعت ريقها وهي تتطلع إليه، تعابير وجهه لا تبرز أي مشاعر تستطيع ترجمتها، هي لا تعرف ما الذي يفكر به نحوها، وأيضًا ما حدث اليوم في الصباح ليس بالقليل، انتابها القلق حيث أنه ابتعد مسافة كبيرة عن بيتها بل خرج عن الشارع ليدخل في زقاق منفصل يسوده الظلام ويركن به السيارة..
عبر إلى أوصالها الرعب واتسعت عيناها هلعًا وبالأخص عندما أغلق نوافذ السيارة اتوماتيكيًا، ثم لامس أزرار قميصه، لتصيح فورًا بذعر
: انت هتعمل إيه يا مراد؟ عاوز تنتقم مني؟ وبالطريقة المقرفة دي؟ 
ليندفع رأسه نحوها وهو يتطلع إليها بنظرات شرسة، فيصيح بها استهجانًا
: انتي هبلة! انتقم إيه وقرف إيه؟ 
ارتجفت منه فتسائلت بصوت مهزوز يكاد يخرج من فمها
: أمال جايبني ف المكان دة ليه؟
: عشان...
همس لها وهو يمط حروفه مترددًا، ثم هتفت متسائلة وهي تنتظر إجابته متلهفة بعد أن رأت بعينيه إشارة للنور
: عشان إيه يا مراد؟ 
استجمع قوته وتنهد ثم فرد كفه إليها، ليهمس بأريحية بعد تيقن قلبه بما يريد قوله
: عشان أقولك إني عايزك تمسكي إيدي، عايزك تخرجيني من وسط النار اللي محاوطاني، وتشديني لجنتك، عاوز أفوق لنفسي.
تصنمت لبرهة وهي لا تقدر على استيعاب وإدراك ما سمعت لتوها .. لتهبط ببصرها على راحة يده وقد تسللت الفرحة والبهجة عينيها التي ترقرقت بالدمع، كاد قلبها يرقص فرحًا، 
فبعد كل تلك الفترة التي مضت في الجهود المبذولة خلفه ليحادثها بلطف ويبث ما في قلبه لها، 
أخيرًا قد أتى إليها بقدمه، وأخيرًا سينتهي الوجع وكاد أن ينهكها التعب منه، وستكلل كل مجهوداتها اتجاهه بالنجاح.
لتسمعه يقول: مش هتخطفيني زي ما قولتيلي؟ ولا غيرتي رأيك؟
لتسرع فريدة وتمسك بكفه بقدر المستطاع عندها، فيضغط هو على أناملها الصغيرة حتى يستمد قوته بها ..
نعم، فقد أصبحت هي نقطة قوة له، تلك الهوجاء المتهورة قد انتصرت وجعلت ذلك النمر الشرس يخضع لها..
: احكيلي كل حاجة يا مراد عايزة أسمعك!
سمع همسها وهي تطلب منه التحدث فأومأ برأسه وهو يطلق تنهيدة قوية .. ترك يدها ثم بدأ يهيئ نفسه للمضي داخل فجوة عميقة حتى يردمها بنفسه
: بصي هي أكيد نيرة حكتلك شوية تفاصيل، بس أنا أفضّل إني أحكيلك من الأول بمنظوري أنا!
تبسمت: وأنا عايزة أسمع الحكاية منك انت
بدأ مراد بسرد القصة، عن كيف تعرف على رغد وكل تلك التفاصيل التي قد كشفت عنها نيرة ولكن بتوسع، وعن حياته الشخصية، وبعض التفاصيل الخاصة بعائلته وعمله السابق، وبرغم سرية الأمر إلا أنه لم يتردد في الحكي،
وقد أصر أن يبوح بكل ما يكنه في صدره بأريحية، ومع كل حرف ينطقه كان يفر الهم منه بعيدًا، يطرد ذلك الألم الدفين لسنوات عديدة داخل وجدانه.. وشعور الثقل يُرفع عن قلبه رويدًا رويدًا.. 
ظل ما يقرب من الساعة وهو يتحدث ويتحدث، بأنفاس مشتعلة وهو يعترف بما يجيش به صدره، دون تعب منه أو تعبأ هي، بل بالعكس كانت تستمع له بوجدانها قبل آذانها .. تهتم بأصغر التفاصيل التي يتمتم بها،
حتى انتهى حديثه عما تعرفه هي، وآخر شيء قد قامت بسرده نيرة، وهو عندما قام مراد بـ طلب يد رغد، وبعد ذلك تطرق إلى متابعة ما حدث بعدها لـ فريدة التي ظهر على وجهها الحماس أن تعرف بقية التفاصيل.. 
تمسك بمرآة صغيرة للغاية، وترفعها بيديها لترى وجهها الصغير والطفولي التي تكاد تظهره، ثم سمعت طرق الباب فألقت المرآة على الفراش وتحركت وفتحت الباب، لينفرج عن ثغرها ابتسامة مشرقة حين رأته أمامها يحمل باقة زهور ملونة وهو يخفي وجهه ورآها..
فتسمعه يقول بصوت جعله مختلفًا: حضرتك الورد دة وصلك من واحد عاشق، يا تقبليه يا ترفضيه، اختاري بسرعة! 
خطفته من يده بسرعة واحتضنت الباقة، فضحك هو لتصرفها الطفولي، ليدلف للداخل ويغلق الباب، فيهمس بصوت يكسوه الشوق
: امتى بقا تبقي مراتي وف بيتي! .. مش عارف أنا الأيام واقفة ليه بعد ما كانت بتجري بسرعة!
قال مستنكرًا بسخرية، لتضحك هي فيتبسم لها ويسألها
: كنتي بتعملي إيه؟
: ببص ف المراية
أجابت بعفوية، ليتصنع الاندهاش: معقول؟ وشوفتي إيه؟ أكيد شوفتي قمر طبعاً!
ضحكت ساخرة: لا يخويا مشوفتش قمر، شوفت فسفوسة طالعة ف خدي أهي!
انكمش وجهها بطفولية وهي تشير إلى بقعة حمراء بارزة في وجنتها .. ليضحك هو فيقول مازحًا وهو يداعب وجنتها
: والله ما حد فسفوس إلا انتي... 
لينتبه لشيء: ثانية واحدة، انتي قولتي أخويا؟ انا أخوكي؟
استنكر وهو يرفع أحد حاجبيه، فتقترب منه وتحاوط عنقه، لتهمس بنعومة ودلال
: انت أخويا، وأبويا، وكل حاجة ليا
حمحم من قربها المربك له ليردف وهو يبعدها بلطف:
طب ما تيجي تعيشي عندنا، بدل ما أنا متشحطط كدة!وأهو أبقى أبوكي وكل حاجة لغاية ما نتجوز!
قال مشاكسًا وهو يغمز بعينه، فترد عليه بعفوية
: لا أنا مش حابة أقيم في بيتك غير لما أبقى على ذمتك
هاودها وهو يتلمس وجنتها بحنو: اللي يريحك، يا قمري
طال الصمت قليلًا بينهما وهما يتأملان ببعضهما بتيهان، إلى أن قطع تلك النظرات والصمت، صوت رنين جوال مراد، أخرج الهاتف ليجد عماد المتصل، ثم ضغط ع زر الرد..
: ارغي!
ليستمع إلى هتافه: اللوا سميح طالبك حالًا، في اجتماع ضروري ولازم تكون حاضر
زفر مراد ثم قال: نص ساعة وأكون ف الجهاز 
ليغلق الخط ثم تتساءل رغد عندما وجدت ملامحه تغيرت
: في حاجة يا مراد؟
رفع ببصره نحوها وأردف: الظاهر في حاجة حصلت، همشي وهبقى أكلمك! 
غادر مراد سريعًا واتجه نحو جهاز المخابرات، ليصل ف غضون نصف ساعة أو أكثر، طوال الطريق يتساءل في نفسه عن سبب الإجتماع المفاجئ هذا.. 
ليدلف إلى المصعد ويضغط على رقم الطابق الذي يقصده، ثم يقف بعد أن بلغ الدور، ويترجل منه بعد ذلك، ويسير نحو غرفة الإجتماعات ويدلف إليها، 
فيجد مجموعة من الضباط يجلسون حول طاولة مستطيلة، من بينهم تميم ومحمد عاطي، وزملاءه القدامى، وعلى رأسهم اللواء سميح .. أعطى مراد التحية العسكرية ثم جلس معهم ..
ليبدأ اللواء سميح بالتكلم فيقول بعملية
: طبعًا انتوا مستغربين أنا جمعتكم بالسرعة دي ليه؟ بس حصلت حاجة ف قضية "شمس" خلتنا نجمعكم ونقولكم على الإجراءات الأمنية المشددة اللي اتاخدت ضده!
تعجب مراد فسأل: حصل إيه يا فندم!
عاد اللواء سميح برأسه نحو مراد فأجاب: في معلومات وصلتنا إن في جاسوس وسطنا متعاون مع جماعة شمس الإرهابية، وناويين يهربوه!
اعتلت صوت همهمات وعلامات الدهشة صعدت إلى وجوههم، لينهض مراد ويهدر وهو يعقد حاجبيه
: جاسوس؟ ومين اللي ممكن يعمل كدة؟
: لغاية دلوقتي مفيش حاجة ظاهرة، وعشان كدة عملنا خطة مدروسة؛ حرصًا على تسليمه للسجن المشدد...
سار اللواء باتجاه منضدة فوقها بعض المستندات والأوراق، ثم التقط مرفقًا لونه أخضر وعاد به ليضعه على الطاولة، ثم يخرج منه ظرفًا أحمر ويرفعه..
: الظرف دة فيه الخطة بالكامل، وكمان رمز أمني يقدر يدخلك على موقع كشف المعلومات اللي حطناها، يعني ازاي هيخرج شمس، ومنين، والطريق اللي هيمشي فيه، مع مجموعة من الظباط والأمناء المُختارين.. 
والرمز دة مش هيبقى غير مع واحد منكم بس، واللي أنا اخترته وهو... مراد
قال وهو يمد بساعده له، لينظر مراد إلى الظرف ثم إلى اللواء الذي هز برأسه لكي يستمله، 
تطلع معظمهم إلى بعضهم بعضًا وعلى وجوههم أسئلة كثيرة تغني عن التحدث .. كون أن مراد ليس الضابط القائد، بل يوجد من هم أكثر خبرة منه، لكنهم على معرفة تامة بأن اللواء سميح يثق به ثقة عمياء .. 
لكن قام واحدًا منهم ليردف مستهجنًا: واشمعنى بقا مراد هو اللي يستلمه! ما فيه العقيد حامد مثلاً؟ مش هو القائد؟ أو المقدم صهيب! 
: أو انت مثلاً؟
انتبه الجميع على عاطي الذي وقف وهتف ساخرًا، فيردف مؤكدًا
: مش دة اللي عايز توصله يا عبسلام؟
ليزم "وليد عبد السلام"  فمه بحنق وينظر له بسخط ثم يقول ببرود
: لا يا حضرة الظابط مش دة قصدي، ثم إني موجهتش ليك كلمة!
ليرفع بشفتيه العلوية وينظر له مستهجنًا بسخرية
: هو انت فاكر نفسك فـ حضانة؟ ما تكبر يابني!
حدج بعينيه، ليصيح به والدماء تحتقن وجهه
: اتلم يا عاطي، ولا عشان هو صاحبك يعني؟
كانت ستحدث بينهما مشاجرة لولا أن منعهم صوت ضرب اللواء سميح على الطاولة بقوة، ويصيح بهما بحدة
: اخرسوا انتوا الاتنين, فاكرين نفسكم ف الشارع!!!!
: شوية أوباش!
ليتطلعوا إلى تميم الذي قام فجأة وزعق فيهما .. عقد حاجبيه وهو يحدق بهما بشراسة، ويتابع بصوت مرتفع وهو يشير إليهم
: اقعد ياض منك له .. ماحدش مالي عينيكم ولا إيه؟ طب احترموا وجودي يا جزم مقطوعة...
فيشزره اللواء بطرف عينه، ثم يحمحم تميم ويتابع مصححًا بهدوء
: قصدي يعني احترموا الراجل الكُّبرة اللي واقف معانا دة .. قال ظباط قال، عليا النعمة ظباط إيقاع!
همس بها، ثم حدج إلى وليد بطريقة مضحكة شبيهة لطريقة عادل إمام، ثم جلس بجوار عاطي الذي حرك فمه ليهمس له ساخرًا
: ولما احنا ظباط إيقاع، انت الرقاصة اللي وصلت متأخر؟
اندفع بوجهه نحوه وهو يجحظ عينيه، فتتسع ابتسامة عاطي الصفراء .. 
فيهتف اللواء وهو يعطي المرفق لـ مراد
: اتفضل يا مراد، وربنا معاك يا بطل
ضغط اللواء على آخر الكلمة المشجعة وهو يتطلع إلى وليد الذي عصره الغيظ .. ليستلم مراد الظرف وينتبه على تميم وعاطي اللذان افترّت ثغورهم عن ابتسامات مشاكسة.
-----------
انتهى الإجتماع ثم خرج الجميع من الحجرة ليسأل تميم مراد متعجبًا
: هو انت ليه مردتش على أخينا اللي جوة دة؟
ليجيب مراد بثقة: أصلي متعودتش أهدر وقتي ف الكلام مع عقول ناقصة، وبعدين الرغي دة بتاع الحريم مش لينا!
قال متطلعًا في حدقتي وليد بنظرة ثاقبة، ليضع تمتم يده فوق موضع قلبه ويتصنع الألم
: استنى كدة، عشان القذيفة كانت هتخبط فيا وهي رايحة لهدفها!
قهقه عاطي وبعض الزملاء، ليقبض وليد على راحة يده بقوة وهو يصطك على فكيه بحنق، ثم ذهب من أمامهم قبل أن يرتكب حماقة وينفجر بهم ...
ارتدى مراد نظارته الشمسية ثم تحرك مع أصدقائه متوجهين خارج الجهاز، ثم صعدوا إلى سياراتهم وانطلقوا حيث يودون.
--------------
عاد مراد من ماضيه وذكرياته التي اختلطت مع حاضره، ليأخذ هنيهة من الوقت، ورغم صعوبة الموقف والجروح التي انفتحت من جديد تزمانًا مع نزيف روحه، إلا أنه استطرد قائلًا بصوت مختنق
: خدت الظرف واحتفظت بيه معايا، لغاية ما جه معاد نقل الإرهابي "شمس" للسجن، و...
ارتد إلى حيث تلك النقطة، وهو يمسك بجهاز الإرسال، يسير خارج أحد المواقع ويهتف به 
: دقيقتين بالظبط وتخرجوا بالهدف المطلوب تأمينه، استعدوا
أعطى إشارة ثم استمع إلى الإجابة: علم وينفذ .. على وشك الانطلاق متوجهين إلى تسليم الهدف.
ليصعد إلى عربته ثم انطلق  متوجهًا صوب جهاز المخابرات .. استمع إلى رنين هاتفه الشخصي ليجد رغد المتصلة، ألغى اتصالها فعادوت الاتصال مجددًا وأيضًا لم يجيب بل قام بإغلاق هاتفه كليًا،
من طابعه الشخصي أنه لا يرد على مكالمات شخصية أثناء ممارسة مهامه؛ حتى لا يشوش هذا على عمله، فهو شخص نزيه ضميره يقظ دائمًا، حرصًا منه على القيام بواجباته الوطنية على أكمل وجه،
كان سيبعث لها رسالة لكن الضغط الذي يعيشه في تلك اللحظات جعله مضطربًا .. وصل إلى المبنى بعد وقت بسيط ودلف إلى داخل الجهاز ليجد حشد من الضباط متجمهرون حول بعضهم وعلامات الذهول احتلت وجوههم..
ليراه عماد ويركض إليه هاتفًا بهلع: إلحق يا مراد باشا، حصلت كارثه
ليندفع مراد متسائلًا بذعر: كارثة إيه؟
انتبه إليه ثم يقترب منه والشر يغزو قلبه صوبه، وعلامات الشماتة تستقر حدقتيه، فيصيح وليد عاليًا حتى يجذب انتباه الجميع
: فيه إن القوات الأمنية اللي رايحة تنقل شمس، اتهاجمت من مجهولين وخلصوا على معظم العساكر والظباط اللي معاه، وهو هرب!!!!
جحظت عيني مراد في ذهول تام، لم يصدق ما يسمع، ليهمس بتيهان
: ازاي الكلام دة؟
هتف بصوت أجش ونبرة تكمن في طيها الاتهام
: إسأل نفسك يا حضرة الظابط
ليرفع ببصره نحوه مندفعًا وهو يشتم رائحة غير مريحة، فيهدر متسائلًا
: تقصد إيه؟
: أقصد إنك بعت الرمز يا خاين
صاح وليد بقوة، لتجحظ أعين بقية الزملاء بسبب هذا الاتهام الصريح من وليد وضد من؟ مراد الحديد؟
اصطك على فكيه بقوة ومقلتيه ينضحان وهيج نارية، ثم هجم عليه بلا وعي وعروقه المنتفخة تنفر من رقبته، وأمسكه من حلقه بكف يده ويصرخ به بصوت مخيف..
: انت بتتهمني انا يا زبالة يا واطي!
ليهرع عليهم الضباط ويحاولون فض النزاع بينهم، وإفلاته من يد مراد الحديدية التي تقبض عليه كالكماشة، حتى احتقنت الدماء بوجه وليد مختنقًا .. حاوط تميم خصر مراد من الخلف حتى يبعده عنه، وآخرون قد أمسكوا معصمه كي يرخيه عن رقبة وليد الذي ثوانٍ بسيطة وستنتقل روحه إلى الأعلى، 
وبعد محاولات شاقة من الجميع، أبعدوا وليد عن مراد حيث أنه قد لغى عقله تمامًا فور سماع تلك التهمة الشنعاء من هذا الأخرق .. من الممكن التغاضي عن جميع الأخطاء ، لكن أن يُتهم بالخيانة؟ كلا لن يسمح لأحد أن يوجه له مثل هذه التهم الحقيرة، سحقًا إنها وصمة عار على الجبين وهو ليس خائنًا.. ليس خائنًا، ولن يكون!.
----------
يجلس مستندًا بظهره على أحد المقاعد، ويضع كفتيه على وجهه بجزع، أمام منضدة مكتب اللواء سميح الذي نهض وتحرك ببطء يجلس قباله ليقول بنبرة أسى وضعف..
: أنا عارف إنك مضايق عشان الهجوم اللي حصل لقوات الحماية، واللي راح ضحيتها أمناء وظباط شرطة، بس دة مش ذنبك!
: أمال ذنب مين يا فندم، ذنب مين!!
قال بتأنيب ضمير، ثم أردف: كان لازم أكون مع عربية الترحيل الوهمية، أنا مش عارف إزاي قدروا يقتحموا الموقع بعد كل الأمن المشدد دة، ناس كتير راحت ضحية... وبسببي.
لينهض اللواء مندفعًا: بلاش تحمل نفسك فوق طاقتها يا مراد، اللي حصل دة مش ذنب حد، احنا كنا واخدين احتياطاتنا كويس، لكن هم اللي خالفوا كل توقعاتنا، وفجروا عربيات الشرطة من غير ذرة ضمير، دة غير إنهم لما اكتشفوا إن شمس مش ف عربية الترحيل وقبل ما وحدة التدخل السريع تاخد خبر كانوا هربوا الجبنا ومش سايبين وراهم أي أثر!
ليضع يده على منكبه فيقول بهدوء: مراد، احنا لغاية دلوقتي ما اكتشفناش مين الخاين اللي ف وسطنا!***
----------
وبعد مرور يوم صعب وشاق على مراد، وبرغم نجاح الخطة البديلة التي وضعها مراد مع اللواء سميح، عندما اكتشف أن شخصًا داخل الجهاز يشي بهم ويعمل لصالح الأعداء، 
فلقد ذهب مراد إلى اللواء سميح ذات ليلة واتفق معه على خطة وهمية أمام الجميع حتى يبرزوا الخائن العميل من وسطهم، وأيضًا ترحيل شمس للسجن المشدد بأمان ..
وهي أن يجمعهم اللواء ليصارحهم بأنه على علمه بالخائن، وبخطتهم الدنيئة في تهريب شمس، فيوهم الجميع بالرمز الخاص بالخطة الوهمية، والتي بها كل المعلومات عن عربة الترحيل المموهة والتي ليس بداخلها شمس، فأعطاها لمراد، لتشتيت انتباه العدو ويجعله يفعل خطأ بسيط يكشفه وهو يحاول اكتشاف الرمز لمعرفة الطريق الذي سيسلكوه فيساعدهم في تهريب ذلك الإرهابي الملعون، 
لكن ما حدث اليوم غير متوقع بالمرة، ف الرمز كان بحوزة مراد ولا أحد اطلع عليه أبدًا، بل إلى اليوم كان يحتفظ به جيدًا، ولم يشك أيضًا بأحد، فكيف اكتشفوا طريق سيرهم، وهاجموا عربات الشرطة؟!!!! اللعنة رأسه ستنفجر...
*ليصل مراد بعد ذلك إلى مفترق القصة، إلى النقطة التي حولت حياته إلى جحيم*
وصل إلى بيت رغد ثم ترجل من عربته، فهو منذ الأمس لم يطمئن عليها، طرق الباب بهدوء فلم تجيب، ليكتشف أن الباب مفتوح، ليعتريه القلق فيدلف بسرعة ليجد الغرفة خالية ليهتف باسمها مناديًا
: رغـد، يا رغد انتي فين؟
لا يسمع لها حسًا، ارتعدت أوصاله وهو لا يعرف أين ذهبت، لينتبه على ورقة ملقاه على الفراش، فيلتقطها بسرعة ويقرأها...
«لو عايز السنيورة بتاعتك، تعالى خدها، بس هات شمس معاك وإلا قول عليها يا رحمن يا رحيم.»
وكأن ضربة وقعت على نصف رأسه شلت جسده، ليحاول أن يستجمع ويستوعب ما يحدث سريعًا، ضغط على الورقة التي بيده بغل وملامح وجهه أصبحت مخيفة، 
ليركض هرعًا ويصعد عربته متوجهًا نحو العنوان الموجود بالورقة .. يقود عربته كالمجنون لا يفكر سوى بحبيبته التي خُطفت، خفقات قلبه بدأت بالاضطراب، كآبة عبرت فؤاده، وهو حتى الآن لا يعرف هل سيجدها هناك أم لا، شكوكه الوهمية تتسع فجوتها بعمق ..
إلى أن بلغ ذلك العنوان بعد ساعتين تقريبًا، ليهبط من السيارة ومعه ذلك الإرهابي مكبل اليدين والقدمين، فأمسكه من كتفه ودفعه بقوة وهو يزعق به..
: يلا قدامي يا زبالة
ليدخل بهو واسع شبيه بمرآب السيارات ولكنه ذو مداخل وطرق متعددة، فيصيح بصوت أجش وهو يطوف بعينيه بالمكان..
: أنا جيت وجبت شمس معايا، انتو فين؟ 
ليخرج شخصًا يعرفه تمام المعرفة، شخصًا لم يتوقع أنه الخائن .. لتجحظ عيناه بذهول، فيهمس هدرًا
: حامد بيه؟ هو انت؟
توسعت ابتسامة جانبية على ثغره: مفاجأة مش كدة؟
ليخرج مراد سلاحه بسرعة ويسحب أجزائه، ويصوب نحو شمس، فيشير للحراس أن يتأهبوا، ثم يمسك بـ شعر رغد، ووجه المسدس نحو رأسها، لتصرخ هي بهلع..
لتتسع عيني مراد ذعرًا مما رأى، تسمر بمكانه وشعر بتجمد في أطرافه .. فيستمع لتهديد المقدم حامد
: نزل سلاحك يا مراد وإلا فجرت دماغها! 
تطلع إلى وجه رغد الباكي وملامح الرهبة والخوف تعتريها .. ليهبط مسدسه عن شمس ببطء وقلة حيلة .. فهتف له
: أيوة كدة خليك عاقل! سيبه يقرب بقا 
حرك شمس رأسه نحو مراد الذي تجمد الدم في عروقه وينظر بلا استيعاب، ليرسم شمس ابتسامة صفراء ماكرة
ثم يعود مراد برأسه ويهتف بصرامة: سيب رغد يا حامد وأنا أسيبلك شمس!
أحس حامد أنه في مأذق وحصار ثم قال من بين أسنانه
: ماشي.
ثم يبدأ شمس بالسير ببطء وبالمقابل رغد الذي تركها حامد لتذهب إلى مراد، حدقتيه عليها تمر الثواني ببطء شديد، يشجع خطواتها في نفسه بخوف .. فتسير هي في مسارها بجسد مرتجف، وقدما مضطربة لتأتي عند المنتصف بجوار الآخر،
ليدفعها بيده على جانبًا فتنزل هي ساقطة أرضًا ليصرخ مراد بصوت هز أرجاء المكان..
: رغـــد...!
ليبدأ تبادل إطلاق النار من الطرفين، فيحاول شمس الهرب لكن مراد الذي اختبأ خلف أحد الأعمدة أطلق رصاصة استقرت في ساقه فعرقلته ووقع أرضًا،
ليعود برأسه إلى رغد التي كانت قريبة منه لكنها منكمشة في نفسها بسبب الهلع الذي أصابها، ليركض إليها بسرعة ويرفعها بسرعة عن الأرض ويحتضنها، ويهمس بحنو 
: متخافيش يا قلبي، أنا معاكي 
حاوطته بذراعيها بقوة، فيشعر برعشة بدنها، فيمسد على ظهرها بلطف، ثم يسير في هرولة حتى يتفادى ضرب النار، بعث رسالة لعماد بأن يأتي بفرقة الانقاذ فورًا،
وضع رغد بمكان آمن وهمس لها محذرًا: خليكي هنا وإياكي تتحركي يا رغد سامعاني!
أومأت برأسها باضطراب ثم هرع هو مسرعًا، حينما رأى شمس يحاول الهرب، فرفع بمسدسه وقفز بمهارة ليطلق النار على الوغد اللعين برصاصة أنهت حياته..
في تلك اللحظة رآه حامد لتصعد الدماء إلى وجهه، وبينما مراد مشغول ف الاشتباك مع الحراس، قد لاحظ رغد تسير خلسة وتبتعد عن مكانها، ليهرول بسرعة وهو ممسك السلاح ويصوب اتجاهها بحزم، 
لينتبه مراد عليه فينطلق بصرخة صدعت كيانه
: حاااااااسبي يا رغـــد!
لتستقر رصاصة الغدر في صدرها، فيقف الوقت عندئذ، وكل شئ من حول مراد قد تحول إلى السكون............

يتبع الفصل الخامس والثلاثون اضغط هنا
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent