Ads by Google X

رواية نزيف الجدران الفصل الثاني 2 بقلم سيد داود المطعنى

الصفحة الرئيسية

  رواية نزيف الجدران الفصل الثاني بقلم سيد داود المطعنى


رواية نزيف الجدران الفصل الثاني 

«جلسة في المحكمة»
لم تكن القضية الموكل بها سعد قضية عادية كغيرها, و لكنها قضية معقدة, و لولا ذلك لتركها لأي من المحامين الشباب بمكتبه ليطلب فيها التأجيل, و لكن خطورتها اضطرته للذهاب بنفسه إلي هناك, و جلس في الصف الأول بالقاعة ينتظر هيئة المحكمة.
أسند رأسه برفق علي المقعد خلفه, و غرق في نوم عميق كان يتربص به, حتي تاه عن كل الحضور.
دخل رئيس الجلسة يرافقه عضو النيابة وعضوي اليمين واليسار, و نادي الحاجب "محكمة", ووقف كل من بالقاعة إلا سعد الغارق في نومه, لم يلتفت إليهم.
ــ يا أستاذ سعد! يا متر! يا سعد بيه!.
الكل ينادي عليه, و سعد في عالم آخر, حتي طرق القاضي المنصة طرقات شديدة بالمطرقة, جعلته ينهض مفزوعا يتلفت خلفه.
و كان قد رأي في نومه هجمات شرسة من العصابات الملثمة تخترق منزله ثانية, وتنحت الجدران, وكل جدار ينزف تحته بركة من الدماء تغرق المنزل, فأيقظته طرقات المنصة, وكأنها أصوات اقتحام العصابة المسلحة لمنزله.
ــ أنا آسف يا فندم راحت عليا نومة.
ــ ولا يهمك يا أستاذ سعد, كان الله بالعون, اتفضلوا يا جماعة.
جلس القاضي, وجلس الحضور, و لم يأتِ سعد من مسرح الأحداث حتي الآن, فعقله يسترجع مشهد الرؤية بأكمله.
كان سعد علي درجة عالية من الاستعداد لمناقشة المحكمة في القضية الموكل بها, لكن حالته النفسية التي أرهقتها تلك الرؤية المخيفة, لم تجعل في نفسه القدرة علي الاستمرار, و طلب التأجيل لسوء الظروف النفسية للمحامي, فاستجابت له المحكمة وأجلت الدعوي.
لم يكن سعد خائفا من الرؤية نفسها, ولكنه يخشي ترجمتها علي أرض الواقع, لا يدري ما الرسالة التي تحملها تلك الرؤية المخيفة.
فإذا كان سقوط الجدران من سنوات, كان تفسيره سريعا و ماتت علي إثره زوجته وأم أولاده, التي كانت هي بالفعل جدران البيت بأكمله.
كانت جداره الذي يسنده,  و يسكن بالركون إليه في المصائب والملمات.
كانت الجدار القوي لكل ابن من أبنائه, تقرأ الشكوي في عينيه و تجيبه قبل أن يتفوه بها, تخفف عنهم ما يلاقوه, وتسهر دوما علي راحتهم, و ترفع عن والدهم ما قد يثقل كاهله من مشكلاتهم اليومية.
و في تلك الليلة التي رأي فيها جدران البيت تتهدم, أصبح علي وفاة زوجته وصراخ أولاده.
خرج إلي المقهي الملاصق للمحكمة يبحث عن رفاقه, صادق و موسي, المحاميين الأقرب إليه, ليبعثر أمامهم ذلك الهم القابع في صدره لا يفارقه, ليبحثوا معه عن حل لذلك اللغز المحير.
                                    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التقي بهم و أخبرهم باقتحام بيته في أصعب رؤية ليلية رآها في منامه, و طعن الجدران ونزيفها ببحور من الدم أغرقت منزله.
أخبرهم بملاحقة عصابة ذلك الحلم الغامض له, حتي اتبعوه في المحكمة ليواصلوا طعناتهم لجدران البيت في غفوة عابرة, نام فيها داخل قاعة المحكمة.
لم يجد من رفاقه سوي السخرية من تلك الأمور.
ــ ايه اللي بتقوله ده يا سعد, يا عم انت محامي كبير, عيب  كده والله.
ــ هو ايه اللي عيب يا صادق, والله أنا صادق في كل كلمة حكيتها.
ــ هو يقصد عيب انك تخاف من مجرد عصابة جوة الحلم يا سعد.
ــ أنا غلطان اللي حكيت لكم, والله لأقوم أمشي.
ــ استني بس, هتمشي وانت زعلان كده, احنا بنكلمك بجد والله.
ـــ يا جماعة انتوا مش متخيلين تفسير الحلم ده ممكن يكون ايه؟
ــ هيكون تفسيره ايه يعني؟
ــ مش بعيد يكون تفسيره اني هموت قريب, زي ما ماتت مراتي.
ــ ربنا يمتعك بالصحة وطولة العمر, متقولش كده, والموت والحياة بتوع ربنا.
ــ ونعم بالله, بس أنا حلمت ان حيطان بيتي وقعت, ومراتي ماتت يومها, يبقي مين تاني الحيطة اللي فاضلة في البيت غيري؟.
ــ وانت خايف من الموت يا سعد؟
ــ والله ما خايف من الموت يا موسي, أنا خايف علي ولادي يا جماعة, خايف علي ولادي, انتوا مش متخيلين حياتنا عاملة ازاي.
        بدأت عينا  سعد تغرورق بالدموع وهو يحكي لهم عن مأساة أسرته بعد وفاة زوجته.
ــ انتوا مش متخيلين يا جماعة راندا بنتي ممكن يحصل لها ايه لو أنا مت, دي اتحرمت من أمها واتحرمت من طفولتها, واتحرمت من التمتع بأجمل فترة في حياتها, بقت لإخواتها أم وأخت  وكل حاجة, و بالنسبة لي أنا بنتي و مراتي وروحي وكل حاجة, هتتدمر يا جماعة لو أنا مت, هتعمل ايه بعدي؟, هتعمل ايه؟, رائف هيعمل ايه؟, سمر هتعمل ايه؟, حتي عصام الكبير.
           انفجر سعد في البكاء, وقام من جوارهم وأسرع ناحية سيارته داخل حرم المحكمة, وفتح الباب وركب حتي ينطلق, ولكن لحق به موسي وصادق, وركبا معه في سيارته, وأرغمه صادق علي ترك محرك القيادة, و ركب مكانه وقاد له سيارته.
 لم يستطع سعد التوقف عن البكاء داخل السيارة, و بجواره موسي يربت علي كتفه, يحاول تهدئته, و صادق يقود السيارة ببطء, ليستكمل معه الحوار.
ــ أنا عندي اقتراح يريحك يا سعد.
ــ اقتراح ايه ده؟
ــ احنا نروح للدكتور "رفعت نصر" إمام مسجد البراء بن مالك في الحتة بتاعتنا, ده راجل قوي في التفسير, ومعاه دكتوراه في علم النفس بجانب علومه الشرعية.
ــ نروح لأي حد يا صادق يا أخويا, نروح لأي حد.
    كان الحظ حليفهم آنذاك, فقد كان الدكتور رفعت نصر لا زال بالمسجد و استقبلهم وأنصت لرواية سعد عن الحلم الذي يلاحقه, فابتسم له الدكتور رفعت نصر قائلا:
ــ و الله يا متر مش عارف أقولك ايه, بس كل اللي أقدر أقوله لك, انه مش شرط الحلم يعنيك انت, أو يقصدك انت, ممكن يكون الحلم يقصد البلد كلها, زي العمليات الارهابية اللي بتتعرض لها كل فترة دي.
ـــ يعني ايه يا دكتور رفعت؟!
ــ يعني يا أستاذ صادق, ان البيت ده ممكن يشير للبلد كلها, يشير لمصر, و الملثمين دول الارهابيين, والجدران دي تشير للشعب اللي دمه بينزف كل يوم من العمليات الارهابية
ــ مش مقتنع يا دكتور رفعت, هو أنا حلمي يتفسر ليه بالبلد كلها ليه, هو أنا حاكم الدولة, ولا مسئول فيها, الحلم اللي فسره سيدنا يوسف إن البلد كلها هتمر بسنين عجاف, ده شافه الملك يومها, وأنا مش الملك, بيتي هو بيتي, وحيطان بيتي هي أنا, والنزيف ده معناه بيتي.
ــ متفسرش من خلال خوفك يا أستاذ سعد, و أنا متأكد من تأويلي.
ــ وأنا مع احترامي لتأويل حضرتك مش مقتنع غير باللي حاسه جوايا.
ــ أنا آسف يا دكتور رفعت, بس سعد تعبان شوية ومتوتر, ميقصدش حاجة.
ــ  ولا يهمك يا أستاذ صادق, ربنا يكون في عونه.
   انصرف الثلاثة عن المسجد, و عاد سعد إلي بيته, و دخل غرفته لينام قليلا حتي عودة أولاده من مدارسهم والجامعة, وغرق في نوم عميق.

يتبع الفصل الثالث اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent