رواية ظل السحاب الفصل الحادي عشر 11 بقلم آية حسن

الصفحة الرئيسية

  رواية ظل السحاب الفصل الحادي عشر   بقلم آية حسن 


رواية ظل السحاب الفصل الحادي عشر 

المركب اللي تودي.
تمتمت بها فريدة وهي تراقب بعينيها ذلك المغادر، بجوار نيرة التي ترقرقت مقلتيها بالدموع ع حال ابن أخيها الذي طالما كان يغوص فيه..
تابعنه جيدًا بناظرهما، وهو يأخذ سيارته قبل أن يخرج من البوابة الرئيسية ذاهبًا..
وضعت كفيها ع وجهها لتشهق ببكاء حزنًا ع ما فعله مراد .. اقتربت منها فريدة ومسدت ع ذراعها بحنو وهي تقول
: متزعليش، أنا آسفة ع اللي حصل بسببي .. بس أنا قولتلك دة عِنَدي أوي، انتي مصدقتيش!
رفعت وجهها ثم غمغمت من بين دموعها: أنا اللي بعتذرلك عن معاملته الوحشة، هو محتاج حد يوقفه عن اللي بيعمله دة، وإنتي هتساعديني صح؟
سألت بنبرة يشوبها الإلحاح، جعلت فريدة تومئ بإيجاب، رأفة بحالتها، عكس ما يدور داخل عقلها ..
لتقول بجدية: أنا عايزة أعرف كل حاجة حصلت مع مراد وصلته للحالة دي!
هزت رأسها: حاضر، هحكيلك
________
وقف أمام أحد الفنادق الفخمة، بسيارته الجيب ثم نزل ودلف إليه، وقام بحجز جناح خاص قبل أن يصعد للراحة..
ارتمى بجسده ع الفراش، ينظر للسقف وهو يفكر فيما آلت إليه الأمور، لقد ترك منزله من أجل شخصًا لا يعني له شيئًا، لماذا؟
كان أقله طردها للمرة الثانية أو... الثالثة؟، إصرار نيرة ع وجودها جعله يشعر بالغل نحوها أكثر، دائمًا هي عازمة ع ازعاجه بأي شكل كان، لا تفعل شيئًا سوى إشعال فتيلة غضبه.. يود لو يكسر عنقها بكفه حتى لا يراها مجددًا..
اعتدل ثم دلف للمرحاض حتى يوقف عقله عن التفكير فيما جرى..
________
تجلسا بالخارج ف الساحة .. تترقب فريدة حركات نيرة التي بدت متوترة وكأنها تستعد لدخول امتحان أو ما شابه .. تفرك بيديها بقوة تحاول إطفاء إرباكها قليلًا..
ثم قاطعت فريدة الصمت لتقول: أنا سمعاكي، احكي
تنهدت بقليل من الراحة وهي تستعد للولوج للماضي الذي هي طالما حاولت اخراج مراد من ظلماته.. 
رجعت بالزمن للخلف حين كان كل شئ يسير جيدًا..
يقود عربته وهو يطلق صفيرًا مرحًا، ينظر للمرآة ويمسد شعره .. ثم فتح تابلوه السيارة وهو يبحث عن هاتفه، فلم يجده .. عقد حاجبيه متعجبًا، ثم حول نظره وهو يبحث تحت قدمه ودون أن ينتبه ظهر أمامه أحد المارة، ولولا أنه أدرك ببصره ف آخر لحظة وضغط ع المكابح باندفاع لكان قد دهسه ..
أتاه صوت صرخة لفتاة، لتجحظ عينيه بصدمة .. ويهبط من السيارة بسرعة، ليجدها ساقطة أرضًا، وتستند بظهرها ع واجهة السيارة ممسكة بساقها..
ليقهقه مراد وهو يراها بهذا الوضع .. لترفع نفسها عن الأرض وهي ما زالت تستند بالسيارة..
لتزمجر: أنت واقف بتضحك عليا وأنا كنت هموت بسببك!!
ضحك ساخرًا: تموتي إيه بس! حد يعدي الشارع من غير ما يراقب الطريق؟
تذمرت:هو مين اللي يراقب أنا ولا إنت؟ ولا عشان ربنا مديك عربية تستهان بأرواح الناس؟
ثم تأوهت عندما شعرت بألم بقدمها، ليقترب منها بلطف ويتمتم: تعالي أوديكي المستشفى، لأن واضح ف كسر!
شهقت بصدمة: كسر؟ يا نهار مش فايت، هو أنا كنت ناقصة!
بدأت بالنحيب والنواح ع حالها، ليصيح بها: بطلي زن بقا، أنا بتوقع مش أكتر، هو أنا دكتور!
استنكر لترد بحنق: ولما انت مش دكتور، بتخوفني ليه وتقوللي كسر؟ .. آه يا رجلي آه
هتفت بوجع ليقول
: استندي عليا عشان أدخلك العربية!
: ابعد عني، أنا هركب أي اتوبيس
صرخت بنبرة ناعمة .. ثم وقف يتأمل عنادها وهي تمضي قدمًا محاولة عبور الطريق وهي تتمايل عرجًا.. ليسير ورائها وع حين غفلة كانت هي تجلس ع ذراعيه، لتنصدم من فعلته تلك..
: معلش بقا، أصل مش هينفع أسيبك وانتي مش قادرة تمشي، وأنا متعودتش أحس بالذنب..
هتف بلطف ثم تحرك بها صوب سيارته، لتصرخ وهي تضربه ع صدره حتى يدعها ع الأرض..
: نزلني يا قليل الأدب، يا حيوان، الحقوني يا ناس الراجل بيخطفني
ظلت هكذا تصيح ليتركها، لكنه لا يعبأ بضرباتها أو إلى صرخاتها التي لا تهدأ ..
تمتم وهو يجز أسنانه: ششش اسكتي خالص، صوتك بيضايقني!
رفعت حاجبيها بدهشة وهي تنظر له ف غير تصديق .. أيريدها أن تصمت وهو يتصرف معها هكذا دون حق؟ من يظن نفسه هذا المتعجرف .. 
اقترب من باب السيارة ثم فتحها ووضعها بداخلها ع المقعد الأمامي .. ليصعد هو الآخر بجانبها .. وينطلق بها إلى المشفى..***
: خير يا دكتورة؟
سأل مراد بعد أن تم فحصها، لتجيب: الحمد لله مفيش كسر، هو التواء بسيط مع العلاج هيخف
: طب أنا هروح امتى؟
هتفت بها الفتاة، لتقول الطبيبة: ساعة كدة نطمن ع الإشعات والتحاليل وهتخرجي، عن اذنكم
خرجت الطبيبة، ثم حدق مراد إليها وتحرك نحوها ليجلس ع مقعد بجوارها ويسأل..
: انتي اسمك إيه؟
أجابت ف هدوء: رغد
: وحش أوي ومش لايق خالص عليكي 
قالها بمداعبة ومزاح، ليجدها تحدج من عينيها ف صدمة التي تحولت لوجه يحمل معالم طفولية حزينة، جعلته يضحك ..
: بهزر، اسمك جميل بجد
همس فابتسمت: وانت اسمك إيه؟
أعدل من ملابسة ليردف ف غرور مصطنع: مراد الحديدي
: اسمك وحش
لتخرج لسانها بغيظ، فيضحك هو لبرائتها: يا شيخة؟
غمز لها بمكر لتخجل هي من نظراته اللعوب، ثم تقول: ممكن تشوف الدكتورة خلصت ولا لسة، عشان عايزة امشي!
هز رأسه ثم قام ليبحث عن الطبيبة فيتحرك بالممر ليجد حجرة الطبيب المختص، ويفتح الباب ليسمع الطبيبة تتحدث وهي ممسكة بالتحاليل..
بنبرة مؤسفة: البنت عندها فقر دم، كويس أننا عملنالها تحاليل
ليدلف مراد وهو جعد وجهه عبسًا ليهتف: فقر دم؟
وقفت الطبيبة وهي تشير لإحدى زملائها بالخروج، ثم تقول: اتفضل وأنا هفهم حضرتك
ليجلس مراد وتقول الطبيبة: هي البنت دي تقربلك؟
بتيه: ها؟ أه... يعني شوية
: طيب هي حالتها المادية إيه؟ لأن المرض دة مش ناتج عن عامل وراثي ولا مزمن .. عندها نقص معادن كتير ف جسمها، زي الحديد والفيتامينات، يعني واضح أوي سوء تغذية، ودة ممكن يسببلها مشاكل كتير ف صحتها..
عقد حاجبيه دون فهم، ما الذي يجعلها تصل لهذه الحالة، ليسأل
: طيب والحل يا دكتورة
: محتاجة فيتامينات قوية، وأكل صحي، وكمان راحة تامة ومتابعة 
: اعملي اللازم، بس يا ريت ماحدش يجيبلها سيرة، كإنه العلاج دة لرجلها
تعجبت الطبيبة لتقول: تحت أمرك
عاد مراد لـ رغد التي سألته ف لهفة: إيه همشي؟
تمعن النظر بها، تبدو صغيرة وجميلة، ملامحها طفولية وجذابة، كيف لمرض هكذا يصيبها، ألا يخجل هذا اللعين؟
رسم ابتسامة باهتة ثم قال: أه، بس انتي لازم تتابعي مع الدكتورة هنا عشان تخفي بسرعة
صمتت لوهلة وهي تبتلع غصة في حلقها .. هبط جفنها حزنًا، ثم أزاحت الغطاء لتنهض.. تحرك نحوها بسرعة ليساعدها..
: شكراً لحضرتك
ابتسم وهو ممسك بيدها: متشكرنيش دلوقتي، لما تبقي كويسة 
تعجبت .. هل سيظل معها حتى تتعافى؟ .. خرج وهو يحملها مرة ثانية، مخافة أن تتعب إذا جاهدت نفسها وهي تحاول أن تمشي، رغم اعتراضها ... هبط درج المشفى ثم وضعها بالسيارة كما هو الحال أول مرة وانطلق بها...
: قوليلي بيتك فين؟
همست بنبرة رقيقة: انت مش هتعرف البيت نزلني عند المنطقة وأنا هكمل..
كرر سؤاله بحزم دون الاهتمام لكلامها: بيتك فين؟
تنهدت ثم أشارت إليه .. دخل بالعربة إلي حي فقير جدًا، ليقف بمكان بعيد عن البيوت ..
: انتي بتعرفي توصلي لهنا ازاي يا بنتي! دة أنا توهت ومش هعرف أخرج تاني!
قالها بعفوية، ليظهر الجفاء ع وجهها، وتتمتم بحزن: أنا آسفة، بس انت اللي أصريت توصلني!
: هو أنا اشتكيتلك يا ستي عشان تتأسفي؟
استنكر بضيق، ثم أنزلها من السيارة، لكن هذه المرة اعترضت أن يحملها..
: أنا هعرف أمشي لوحدي ..
أسندت نفسها وتحرك خطوتين لكن كادت تقع لولاه أمسك بيدها: حاسبي...
تلاقت زمردتيه بسوادتيها للحظات حتى نسي مراد نفسه، ثم أدرك حاله ودلفا للداخل .. ليتعجب من البيت البسيط جدًا، وهو عبارة عن غرفة واحدة .. ليسأل
: انتي عايشة لوحدك ولا إيه؟
أومأت برأسها بعد أن أجلسها ع السرير الذي لا يوجد غيره بالغرفة، وخزانة صغيرة للغاية .. حتى أنه لا يوجد مرحاض!! .. كان يتفحص ما حوله بعينيه
ثم سأل مجددًا: أمال أهلك فين؟
: معرفهمش، أنا اتولدت لقيت نفسي عايشة لوحدي 
أجابت بحزن، ليلقي نظره عليها وكأن قلبه قد اعتصر.. الآن وضحكت الصورة، حالتها تعبر عما هي فيه الآن..
هبط بجذعه الأعلى، وينظر لعينيها ويبتسم لها: من النهاردة انتي مش لوحدك، اعتبريني صديق، قريب.. أي حاجة!
: ليه؟
تعجب: ليه إيه؟
: ليه بتعمل كدة، عشان خبطتني بعربيتك؟
ضحك، ثم داعب أنفها بيده: طيبة أوي انتي يا رغد، وقمورة أوي أوي
اخفضت رأسها خجلًا منه، ثم أردف: استنيني ربع ساعة هروح أجيبلك الدوا، وراجعلك 
كاد الذهاب ثم أمسكت بيده ليلتفت لها، وتبعد يدها عنه: آسفة.. بس يعني انت هتجيب العلاج ازاي، قصدي انا بكرة هجيبه متتعبش نفسك
ابتسم ليردف باستنكار: اتعب نفسي، مش احنا اتفقنا نبقى صحاب؟
أومأت: بس...
: مفيش بس .. هروح ومش هتأخر عليكي 
________
عودة للحاضر .. انكمش وجه فريدة بملامح حزينة وأخرى غامضة..
هتفت نيرة: ودي كانت بداية تعرفه ع رغد، اللي شوفتيها ف الصورة، ومن ساعتها هو ما سابهاش لحظة واحدة لغاية ما...
ثم تلاحظ شرودها: انتي معايا يا فريدة؟
بنبرة صوت مبحوحة: معاكي... بس خلينا نكمل بعدين، أنا لازم أمشي عشان اتأخرت
هزت رأسها ثم غادرت فريدة والدموع تهبط ع وجنتيها بغزارة، لا تعلم سببها، تزداد شهقاتها مرة تلو الأخرى، تعجبت من نفسها لما تشعر بكم هذا الألم في قلبها! 
حتى أدركت حالها وهي تدخل من باب البيت.. هتفت الجدة وهي تراها 
: انتي جيتي يا فريدة!
لتسرع إلى احضانها وتغوص ف البكاء، قلقت الجدة 
: ف ايه يا فيري؟ مالك؟ 
بصوت متحشرج: مفيش يا تيتة، تعبانة بس شوية 
: وهو اللي تعبان يعيط؟
رفعت برأسها: أيوة 
: ف حد زعلك؟
: لأ
: طب خشي طسي وشك بشوية مية، أحسن أبوكي زمانه جاي، وممكن يضايق لو شافك بالمنظر دة
أومأت برأسها: حاضر 
_________
: انت سبت البيت؟
هتف بها عماد الذي دخل مكتب مراد مندفعًا، ليرد ف برود
: أيوة، انت مين اللي قالك؟
: نيرة هانم، اتصلت بيا امبارح عشان تسأل عنك
هز رأسه وهو يهمهم، ليسأل الآخر: طب ليه؟ 
تذمر: شئ ما يخصكش يا عماد
: طب انت كنت قافل تليفونك ليه؟، انا اتصلت بيك كتير عشان اطمن عليك
كانت نبرته يتخللها القلق، ليزمجر الآخر: الله! هو انا يعني لازم اقولك ع كل تحركاتي!
: أكيد!
قال ببساطة ليزم مراد شفتيه بحنق، ويتمتم من بين أسنانه: عماد! مش عايز هبل
: دة مش هبل، أنا من حقي أعرف انت رايح فين وجاي منين، حتى لو داخل لا مؤاخذة بيت الأدب
ثم رسم ابتسامة يظهر أسنانه بسماجة ليردف: أصلي بغير عليك من عين القعدة
ليشير له بعينيه التي يجدحه بها: امشي يا عماد من قدامي!
ذهب من أمامه قبل أن يلتهمه بعينيه ..
ليجلس مراد ع المقعد، مستغربًا من نيرة التي لم تأته وتسأل عنه حتى الآن، رغم عمله أنها موجودة بالشركة، تنهد بقوة ثم نهض ليخرج لكي يراها، فهو لن يتحمل عدم السؤال عنها حتى وإن لم تسأل هي، جائز أنها لا زالت غاضبة من تصرفه .. 
وصل أمام مكتبها، ثم أمسك بالمقبض وفتح الباب دون أن يطرقه، ليسمع ضحكاتها مع فريدة التي تجلس أمامها .. 
ليكفان عن الضحك، ويلاحظان دخول مراد عليهما، وقد شكل وجهه، وينظر لهما بعينين حادتين ستفر مقلتيه مع رأسه غير مصدق جرأتها..
ليصيح بغضب: انتي بتعملي إيه هنا؟
: باخد حمام طراوة
أردفت ساخرة ثم ضحكت، وحاولت نيرة كبح ضحكتها، ليسير نحوها، وشدها من ذراعها حتى تألمت 
: أوعى إيدك يا مراد، دراعي
صرخت متأوهة، لتقترب نيرة بسرعة وتحاول افلات يده منها لكنه يقبض عليه بشدة..
صرخت ألم بعدما أحست أن الدم قد انحبس عند قبضته، ولا يصل إلى باقي يدها
هتفت نيرة برجاء: سيبها يا مراد، البنت بتتوجع حرام عليك 
هزها بقوة وصرخ: أنا مش قولت مش عايز أشوفك قدامي تاني؟ أنا سبت البيت بسببك، وجاية ورايا الشركة!
جز أسنانه بغضب .. فريدة لا تتحمل ضغطة أخرى من كفه، ونيرة غير قادرة ع فك قبضته ليتركها .. أمسك بالخشبة الموضوعة ع المكتب وبحركة ذكية منها، نزلت بها ع ذراعه فبعد بسرعة متألمًا، 
جعلت نيرة تضع يدها ع فمها من الدهشة، لتصيح به فريدة
: وديني أفتحلك نفوخك بيها، ما تقرب مني 
صك فكيه بقوة ليصدر صوتًا، حتى شعرت فريدة بأن أحد أسنانه قد كسرت، ثم حدج بعينيه وهو يتنفس بغضب، لتتراجع للخلف خوفًا وهي تتشبث بنيرة ثم تهتف
: الحقيني يا مدام نيرة، ابن اخوكي هياكلني 
تمتمت بملامح باكية: أنا مش مدام أنا لسة آنسة
حدقت إليها فريدة بملامح مذبهلة و........

يتبع الفصل الثاني عشر اضغط هنا 
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent