Ads by Google X

رواية امرأة العقاب الفصل الأربعون 40 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

  رواية امرأة العقاب البارت الأربعون 40 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب كاملة

رواية امرأة العقاب الفصل الأربعون 40

وصلت إلى مبنى الشركة الضخم واسرعت للداخل ثم استقلت بالمصعد الكهربائي تضغط على زر الطابق الثاني وبعد لحظات معدودة توقف المصعد وانفتح الباب .. خرجت وسارت بالطابق وهي تتلفت حولها بحثًا عنه .. كانت الشركة مظلمة بأكملها وبعض الاضاءات الخفيفة فقط تضيء المكان .. انتابها للحظة شعور بالقلق وانقبض قلبها لكنها صاحت تنادي باسمه كنوع من بث الاطمئنان لنفسها المضطربة :
_ رائد أنا جيت إنت فين ؟!
تحركت وكانت بطريقها لغرفة مكتبه الخاصة كما تتذكرها .. دخلت وبينما كانت تبحث عن الإضاءة بالغرفة حتى تنير ذلك الظلام الذي يملأها سمعت صوت الباب ينغلق وإضاءت الغرفة بأكمله بالنور .. التفتت خلفها فزعًا قرأته يقف أمام الباب بعد أن اغلقه ويبتسم لها .. ابتسامة لأول مرة تراها فوق شفتيه جعلتها تشعر بالقلق والخوف منه ! .
خرج صوتها الخافت والذي لا يزال يحمل نبرة الاهتمام رغم رؤيتها له يقف أمامها بكامل صحته :
_ رائد إنت كويس ؟!
تقدم نحوها بخطوات كانت تشبه خطوات الفهد المترصد لفريسته .. كانت ستتراجع للخلف كردة فعل لا إرادية دليل على قلقها من حالته العجيبة لكنها ثبتت بأرضها وتحلت بالشجاعة حتى وجدته يقف أمامها مباشرة ويهتف في عبث وبنفس ابتسامته :
_ إنتي شايفة إيه ياحبيبتي !!
زينة بعدم فهم :


_ إنت كنت بتكذب عليا ومعملتش حادث ولا حاجة !
رائد ببرود وهو يضحك :
_ يعني حاجة زي كدا بس تقدري تقولي كذبة صغيرة عشان اخليكي تجيلي ياروحي
بتلك اللحظة نظراته لم تكن طبيعية أبدًا واحست بأنها ترى شخصًا مختلفًا تمامًا لا تعرفه .. مما دفعها في تلقائية للتقهقر هاتفة باستغراب :
_ هو في إيه بظبط يا رائد وعايزاني اجيلك ليه !!
ضحك وهتف بنبرة مستفزة :
_ إنتي خايفة مني ولا إيه يازينة ؟!
زينة بثبات وشجاعة مزيفة :
_ لا بس نظراتك غريبة وتصرفاتك كمان .. وبعدين حاجة ايه اللي خلتك تكذب عليا وتجيبني ليك بليل وفي الشركة هنا !!
ابتعد عنها خطوات قليلة وجذب من فوق سطح المكتب عدة أوراق صغيرة ثم مدها إليها وهتف بجدية :
_ عشان تمضي على دول ياحبيبتي
زينة بتعجب وهي تنقل نظرها بين الأوراق وبينه :
_ إيه دول !!
_ ده ورق تنازل بفرع الشركة اللي في تركيا و أبوكي سرقها مني وبعدين كتبها باسمك
زينة بغضب :
_ شركة إيه وسرقة إيه ، إنت مجنون !!


صرخ بها بصوت جهوري جعلها تنتفض بمكانها :
_ إنتي لسا مشوفتيش جنان مني .. امضي بالذوق بدل ما اخليكي تمضي بالعافية
ضحكت بعدم استيعاب وخوف حقيقي هذه المرة :
_ رائد إنت بتهزر معايا مش كدا .. أكيد مش بتتكلم جد !
_ أنا مش بهزر ياقطة .. إنتي كنتي فاكرة إني هتجوزك بجد ولا إيه !!! .. أنا كان هدفي من البداية ارجع حقي وكنت قادر اخليكي تمضي من غير الحوارات اللي حصلت دي كلها والخطوبة والهبل ده بس حبيت اتسلى شوية

لوهلة ظنت نفسها أنها داخل كابوس وستستيقظ منه بعد لحظات .. " لا يعقل أن يكون هذا حقيقي .. هل كان كل هذا من البداية خدعة وكذبة .. كان يستمتع معها !! .. هل كان يستمتع بالتلاعب بمشاعرها وخداعها .. لا لا يمكن أن يكون ما يحدث هذا حقيقي " .. كانت تحدث نفسها داخل عقلها بذهول وصدمة .. هي حتى لا تستوعب ما يحدث .. منذ قليل كانت تركض متلهفة في الطرق حتى تصل إليه بعدما أخبرها بأنه تعرض لحادث .. والآن تواجه الحقيقة البشعة بأن كل هذا خدعة !!! .
تجمعت العبارات بعينها وقالت بألم وضحكة موجوعة :
_ يعني إيه .. أكيد إنت متعملش فيا كدا !!
تأفف بنفاذ صبر وقال :
_ أنا معنديش صبر يازينة .. امضي يلا وبلاش دراما
انهمرت دموعها فوق وجنتيها بحرارة وفجأة غارت عليه كالقطة المجروحة تضربه في صدره بحرقة وتصرخ ببكاء وألم :
_ إنت واحد حقير وكذاب وقذر .. أنا صدقتك وكنت مستعدة اكمل حياتي معاك .. وإنت خدعتني وجاي تقولي امضي على ورق وزفت .. تلاعبت بمشاعري وكسرتني وبتقول بكل سهولة كنت بتسلى .. عملتلك إيه أنا عشان تعمل فيا كدا ! .. رد عـــلـــيــا !!!

قبض على يديها الثائرة التي تضربه بها بعنف واوقفها صارخًا بعصبية :
_ لآخر مرة هقولهالك هتمضي بالذوق ولا لا
صرخت هي الأخرى من وسط بكائها بشراسة :
_ مش همضي على زفت وهوديك في ستين داهية ياحيوان
_ تمام إنتي اللي جبتيه لنفسك !
وجدته يدفعها بعنف لتسقط فوق الأريكة التي خلفها ويقفز هو فوقها يحاول تقبيلها والاعتداء عليها وسط صراخها ومحاولاتها الضعيفة لدفعه عنها بكل قوتها .. تمكنت من جرحه في وجهه وذراعيه بأظافرها وهي تصرخ ودموعها تجد طريقها من جديد لوجنتيها .. ضعيفة وعاجزة أمام قوته الجسمانية التي تفوقها .. وبالفعل تمكنت شفتيه القذرة من لمس بعض المناطق من جسدها بعدما نجح في تمزيق كنزتها الواسعة .. لكنها مازالت لم تستسلم وتحاول الإفلات منه دون أن تتوقف عن الصراخ والبكاء بألم من ملامسته القذرة لجسدها .. وبالأخير نجحت يدها في التقاط تحفة فنية صغيرة بجانب الأريكة وضربته بها فوق رأسه فابتعد هو عنها فورًا يضع يده فوق رأسه ويتأوه بألم .. وثبت واقفة وهرولت تجاه الباب تحاول فتحه لكنه احكم إغلاقه بالمفتاح .. شهقت والتفتت بجسدها للخلف تجاهه فتجده يحاول الوقوف حتى يقترب منها من جديد .. لكن قبل أن يصل إليها لمحت عيناها باب الحمام الداخلي الملحق بغرفته في زاوية غير مرئية جيدًا لتركض فورًا تجاهه تفر منه وتدخل وتغلق الباب من الداخل عليها جيدًا وهي تبكي وترتجف بخوف .. لا تتمكن من الوقوف على قدميها من فرط رعبها ويديها ترتعش فوق مقبض الباب وهي تدفعه جيدًا حتى لا يدخل إليها .. تستنجد ولا لكن دون فائدة .. ولحسن الحظ أنها كانت تضع هاتفها بجيب بنطالها فاخرجته فورًا وضغطت دون أن تنظر حتى على هوية آخر رقم كان بقائمة الاتصالات ويداها ترتعش وهو من الخارج يصرخ عليها ويحاول فتح الباب :
_ افتحي الباب بدل ما اكسره .. كدا كدا هاخد اللي أنا عايزه فخلينا نتفاهم واخده برضاكي احسن
وضعت يدها فوق شفتيها تكتم صوت شهقاتها ودموعها تنهمر بغزارة .. وأخيرًا سمعت الصوت الرجولي الذي أجاب على الهاتف :
_ الو
زينة ببكاء حار وصوت مرتجف :
_ هشام الحقني
انقبض قلبه بزعر وهتف مسرعًا :
_ في إيه يازينة مالك ؟
هتفت ببكاء :
_ أنا في شركة رائد اسمها ( ..... ) تعالي بسرعة الحقني منه ابوس ايدك
لم يفهم شيء فكلماتها كلها غامضة لكن بكائها وارتجاف صوتها وهي تستنجد به كان كافي ليثير جنونه ويجعله يهرول كالمجنون إلي عنوان تلك الشركة التي أخبرته بها .

سمعته من الخارج يضحك ويقول بشيطانية وغل :
_ جبتيه للموت بنفسك .. فكرك هيقدر ينقذك مني يعني
صرخت في بكاء هستيري وجسدها يرتجف :
_ إنت واحد مريض ومش طبيعي

***
دقائق مرت وهي يحاول فتح الباب وبالأخير نجح بدفعها هي والباب .. لترتد للخلف بفزع صارخة عندما وجدته يظهر من خلف الباب بهيئته المرعبة ويتقدم نحوها بتريث .. ظلت تتقهقر للخلف وتهتف وسط بكائها وارتجافها متوسلة إياه :
_ رائد ابوس ايدك سيبني امشي .. إنت أكيد مش في وعيك .. متعملش فيا كدا ارجوك
لم يبالي بتوسلاتها ورأت الابتسامة تتسع أكثر فوق شفتيه يتلذذ برؤية خوفها منه .. مدت يديها حولها تلتقط أي شيء تطوله يداها وتلقيه عليه صارخة ببكاء عنيف ورعب وبيدها الأخرى تحاول إخفاء جسدها ببقايا ملابسها الممزقة .. فجأة وبحركة واحدة أصبح أمامها لا تعرف كيف فصرخت بأعلى صوتها وحاولت دفعه عنها لكن دون جدوى !! .

كان هشام يتجول بأرجاء الشركة بعدما تشاجر مع حارس الأمن وهدده بأنه سيتصل بالشركة إن لم يدعه يدخل .. ووسط تجوله سمع صوت صراخها المرتفع منبعث من أحدى الغرف .. فاندفع كالمجنون يتبع أثر الصوت حتى وصل للغرفة .. أخذ يدفع الباب بجسده لكي يكسره وبعد لحظات تمكن من الدخول .. كانت قدماه تتبع صوتها الذي ينبعث من الحمام فركض إليه .. وصابه الذهول للحظة واحدة عندما وجده فوقها يحاول الاعتداء عليها وسط مقاومتها وصراخها الذي لا يتوقف .. أظلمت عيناه واحتقن وجهه بالدماء ليصبح تمامًا كالوحش الكاسر .

غار على رائد يجذبه من فوقها ويوجه له اللكمات المبرحة التي اطاحته أيضًا وسالت دماء أنفه وفمه على أثرها .. جثى فوقه وقبضة يده القوية لا تعرف للتوقف معنى .. يضربه ويسبه باقذر الألفاظ .. بينما زينة فانكمشت في إحدى زوايا الحمام تحاول بيديها إخفاء ما ظهر من جسدها وتبكي بصمت وجسدها كله يرتجف بعنف .

كاد أن يفقد وعيه من جموح هشام وضربه المبرح له حتى تحول وجهه للوحة من الدماء .. لكن تمكنت يده من التقاط إحدى أشياء الحمام الزجاجية وبحركة واحدة رفع يده لأعلى ونزل بها فوق رأس هشام لتتهشم كلها فوقه .. توقف وشعر بالدوار يداهمه ثم رفع يده يتحسس رأسه التي بدأت تسيل منها الدماء .. بينما الآخر فاستغل الفرصة وأبعده عنه ليبدأ هو بتوجيه اللكمات إليه .. ولم يكن هشام بحالة تسمح له بالرد على هجومه أو الدفاع عن نفسه حتى .

لكن باللحظة التالية كان رائد يترنح واقفًا عندما شعر بالضربة العنيفة فوق رأسه .. كانت قوية للدرجة التي جعلته يفقد وعيه بلحظة واحدة حيث سقط على الأرض بعدها فورًا .. تركت زينة من يدها عصاة الممسحة العريضة تحدق برائد الملقي على الأرض وملامحه غير واضحة ثم تنقل نظرها لهشام التي تحامل على نفسه بصعوبة ووقف على قدميه ليقترب منه وينزع سترته عنه ثم يلفها حول جسدها ويفرد ذراعيه ليضمها إليه هاتفًا بقلق وهو يلهث :
_ زينة إنتي كويسة ؟
كانت قد توقفت عن البكاء والارتجاف لتدخل بحالة من الصدمة والصمت المميت .. عيناها متسعة وتحدق أمامها دون أن ترمش حتى .. وكأنها فقدت الشعور !! .
سكونها التام ومظهر وجهها اقلقه بشدة ليبعدها عنه ويهتف بخوف وجدية :
_ زينة ردي عليا .. متخافيش أنا معاكي خلاص محدش هيقدر يلمسك أو يأذيكي .. زيــ ....
لم يكمل كلمته ووجد أعصابها ترتخي وتغلق عيناها ببطء ثم سقطت بين ذراعيه فاقدة الوعي .. رغم الدوار الذي مازال يداهمه والألم الذي يضرب برأسه إلا أنه حملها فوق ذراعيه غير مباليًا بأي شيء وغادر بها ذلك المكان بأكمله .. وضعها بمقعد السيارة الأمامي بجواره ثم أجرى اتصال بالشرطة ! .

***
سمعت أسمهان صوت خطوات ابنها فوق الدرج يتجه للطابق الثاني من المنزل نحو غرفته .. فوثبت واقفة من مقعدها وهرولت مسرعة خلفه تصعد الدرج وفور دخوله الغرفة كانت هي تدخل خلفه .. التفت آدم برأسه للخلف وحين رآها تنهد الصعداء بضيق وعاد بوجهه للأمام لينزع عنه سترته السوداء ويلقيها فوق الفراش .
اقتربت أسمهان منه ووقفت خلفه تقول بأسى :
_ برن على اخوك من امبارح ومش عايز يرد عليا يا آدم
استدار لها بكامل جسده ورفع حاجبه يهتف مستنكرًا كلماتها :
_ ياااه معقول .. ياترى ليه !!
أسمهان بعينان دامعة :
_ إنت متكلمتش معاه يابني ؟!
آدم في غضب :
_ هتكلم معاه أقوله إيه ياماما .. إذا كان انا مش مصدق اللي إنتي عملتيه ومتعصب ومضايق منك .. تتخيلي هو هيكون ازاي !

اقتربت أكثر منه ورفعت كفها تضعه فوق وجنته تهتف في رجاء :
_ بلاش إنت كمان يا آدم يابني .. مش هقدر استحمل بعدكم عني إنتوا الاتنين
ابعد يدها وهدر بعصبية :
_ ولما إنتي مش عايزة تبعدينا عنك بتعملي كدا ليه .. الأم بتكون عايزة سعادة وراحة ولادها مش تعاستهم
_ وهو اللي أنا بعمله ده مش عشان مصلحتكم ياحبيبي !
ضحك بصمت في سخرية واردف بانفعال :
_ مصلحة إيه ياماما هي أفعالك دي لملصحتنا معقول !! .. احنا مش أطفال عشان تاخدي قرارات حياتنا بدل مننا وايه اللي يناسبنا وإيه اللي لا .. عدنان بيحب مراته وعايز يعيش بسعادة وراحة معاها .. عرفتي سعادته وملصحته فين دلوقتي !

أسمهان بغضب وسط دموعها التي تملأ عيناها :
_ سعادته عمرها ما هتكون مع بنت نشأت .. دي خاينة وحقيرة زي أبوها وملهاش أمان
ابتسم بشكل مريب ومسح على وجهه هامسًا في صوت محتقن :
_ امممم نشأت .. مش كفاية ولا إيه يا أسمهان هانم !
طالعته باستغراب من جملته حتى وجدته يكمل بعينان حمراء كالدم :
_ واضح إنك لسا بتحبي الرزاي يا أسمهان هانم و ......
صرخت به في عصبية وانفعال هادر :
_ آدم ولا كلمة تاني متناش إني مامتك يا استاذ .. خسارة تربيتي فيك !!
صرخ بصوت مرتفع :
_ كرهك لجلنار مبيقولش غير كدا
صاحت به باستياء :
_ جايز أكون عملت تصرفات كتير غلط ومش صح بس مستحيل اخون ابوك حتى بعد وفاته
ثم هدأت نبرة صوتها ولمعت عيناها بالدموع من جديد لتقول بحرقة وانكسار حقيقي :
_ ربنا يسامحك يابني على كلامك القاسي ده
ألقت بكلماتها ثم استدارت وغادرت الغرفة مسرعة ودموعها تسقبها فوق وجنتيها .. بينما آدم فركل الفراش بقدمه وهو يزأر بسخط وعاد يلتقط سترته ليغادر المنزل مرة أخرى لكن هذه المرة مقررًا قضاء الليلة بالخارج .

***
داخل منزل ميرفت ......
كان يقف بالخارج أمام باب غرفتها بالضبط وحين رأى زوجة خاله تخرج ودموعها تملأ وجهها هتف مسرعًا :
_ فاقت يا مرات خالي ؟!
هزت ميرفت رأسها بالإيجاب وهي تبكي بحرقة وتهتف :
_ فاقت بس مش بترد عليا كأنها في عالم تاني يا هشام .. هو عمل في بنتي إيه .. منه لله .. حسبي الله ونعم الوكيل فيه
رفع يده ووضعها فوق ذراعها برفق هامسًا في هدوء مزيف :
_ الحمدلله أنا لحقتها اطمني .. وال**** ده البوليس قبض عليه ومش هسيبه متقلقيش غير لما ياخد جزائه

انهارت ميرفت باكية بألم وحزن على ابنتها بينما هشام فأخذ الاذن من زوجة خاله ودخل لها .. رآها تجلس فوق فراشها وتحدق بالفراغ أمامها في سكون مريب .. تقدم منها بهدوء وجلس بجوارها ثم أخذ نفسًا عميقًا وهمس بقلق :
_ زينة !
لم تجيب ولم تنظر له حتى .. بالواقع هي لا تشعر بشيء وربما لا تسمعه أيضًا !! .. انفطر قلبه وامتلأ صدره بالنقم والضغينة لذلك الوغد .. حين يراها هكذا يشعر بالندم لأنه لم يقتله .

امتدت يده بحركة عفوية منه لكي يمسك بكفها لكنها جذبت يدها فورًا بزعر وابتعدت عنه كردة فعل لا إرادية بعدما حدث معها .. ارجع يده بسرعة حتى لا يخيفها أكثر وهتف ببعض الدهشة :
_ زينة ده أنا هشام ! .. أنا لا يمكن اذيكي إنتي خايفة مني !!

انهمرت دموعها فوق وجنتيها بغزارة وهي تحتضن كفيها لصدرها كالطفل الصغير المرتعد .. استقرت نظراته الدافئة والحزينة عليها قبل أن يتبع برجاء حقيقي وخوف يظهر في نبرة صوته :
_ طيب على الاقل ردي عليا خليني اسمع صوتك .. طمنيني عليكي ارجوكي
لحظات عابرة من الصمت حتى خرج صوتها أخيرًا يكاد يسمع بصعوبة تجيبه وسط بكائها دون أن تنظر له :
_ عايزة اقعد وحدي
لم تزعجه رغبتها في عدم بقائه معها فهو يتفهم وضعها .. ويكفيه راحة واطمئنان أنه سمع صوتها مما جعله يجيبها فورًا بالموافقة :
_ حاضر هطلع واسيبك
استقام واقفًا بعد ثواني معدودة من تأمله بها واستدار ليغادر الغرفة بأكملها ويتجه لميرفت التي سألته بلهفة :
_ ردت عليك يا هشام قالت حاجة يابني
زفر بضيق ورد بإيجاب في هدوء :
_ ردت .. بس اللي حصل كان صعب عليها هتحتاج وقت لغاية ما ترجع لطبيعتها .. خلي بالك عليها يامرات خالي عينك متغيبش عنها لحظة .. ممكن تأذي نفسها أو تعمل أي حاجة مش متوقعة

أماءت له بالموافقة عدة مرات متتالية ثم هتفت ببكاء وندم :
_ أنا اللي اقنعتها وخليتها توافق عليه .. أنا السبب بنتي كانت هتروح مني بسببي
هشام برزانة :
_ إنتي ملكيش ذنب .. ده واحد حيوان و**** والحمدلله إن ربنا نجدها منه قبل فوات الآوان
اقتربت منه ميرفت وعانقته بعاطفة صادقة وحنان أمومي هاتفة بصوت مبحوح :
_ ربنا يخليك لينا يابني ويحفظك ، لولالك الله اعلم كان بنتي هترجعلي ولا لا
هشام بصوت رجولي غليظ :
_ طول ما أنا موجود زينة في عيني ومش هسمح لحاجة تاني ابدًا إنها تمسها أو تأذيها
ابتعدت عنه وقالت بلطف واهتمام :
_ عارفة .. ربنا يباركلنا فيك ياحبيبي .. طمني عليك إنت بقيت كويس دلوقتي ؟
_ كويس الحمدلله متقلقيش
رتبت ميرفت على ذراعه برفق وغمغمت :
_ الحمدلله

***
بصباح اليوم التالي ......

تململت في نومها على أثر لمساته الرقيقة فوق بشرتها الناعمة وانامله التي تعبس بخصلات شعرها .. وحين فتحت عيناها ببطء وأدركت صورته أمام وجهها وهو يتأملها ابتسمت برقة وهمست بخجل بسيط :
_ صباح الخير
ابتسم وانحنى عليها يلثم وجنتها بحب مجيبًا :
_ صباح الورد يارمانتي
رفعت أناملها الرقيقة لشعرها ترجع بخصلاتها المتمردة خلف أذنها ولا زالت ابتسامتها المشرقة فوق شفتيها .. بالأمس قضوا ليلة رومانسية ساحرة .. هي حتى لا تصدق كيف استسلمت له بهذا الشكل .. كان حنون ودافيء وغمرها طوال الليل بعشقه وكلماته الغرامية والمذيبة للقلوب .. بل وكيف لها أن تتمنع أمام سيل المشاعر الذي اغرقها به في الساعات الماضية !! .
همست بخفوت :
_ إنت صاحي من إمتى !!
غمز بعبث وتمتم :
_ مش عارف بس صحيت واستغليت الفرصة وإنتي نايمة

نكزته في كتفه وهي تضحك بصمت .. ثم حاولت إبعاده عنها متمتمة بجدية مزيفة :
_ طيب ابعد بقى خليني اقوم
لم يعيرها اهتمام واستمر بالتحديق بها في ابتسامة لئيمة ويديه من الجهتين تحاوطانها فكتمت ابتسامتها الخجلة وقالت بتصنع الحزم :
_ عدنان الله ابعد في إيه !!
انحنى عليها يدفن وجهه بين ثنايا رقبتها هامسًا بعبث :
_ وحشاني أوي .. وإنتي نشفتي ريقي لغاية ما رضيتي عني

تلاشت ابتسامتها وابعدته عنها برفق متمتمة في ملامح جادة حقًا :
_ عدنان
ضيق عيناه بتعجب من تحولها المفاجيء وانتظر أن تستكمل حديثها وبالفعل تمتمت في ضيق :
_ أنا آسفة
_ آسفة !!!
كان رده بقسمات متعجبة حتى تابعت وهي تمد أناملها الرقيقة لصدره العاري وباليد الأخرى تملس فوق رقبته متمتمة في اعتذار وندم حقيقي :
_ آسفة إني خبيت عنك .. كان لازم اقولك مهما كان في بينا إيه مشاكل مينفعش كنت اتصرف كدا .. أما بخصوص إني حاولت انزله أنا مدركة غلطي من البداية وعارفة إني غلطانة بس علاقتنا في وقتها والمشاكل هي اللي دفعتني للتفكير بالشكل السلبي ده .. وكمان آسفة على اللي قولته امبارح الصبح مكنتش اقصد

عندما توقفت عن الكلمات وتطلعت إليه رأته يبتسم بغرام ونظرات عيناه دافئة و رائعة جعلتها تلقائيًا تبتسم بخفة واتسعت حين وجدته يجيب بخبث مشاكسًا إياها :
_ آسفة بس كدا من غير أي حاجة .. يعني صالحيني بضمير شوية ياحبيبتي
ضحكت بخفة ورفعت رأسها نحوه ثم مالت للجانب تجاه وجنته وطبعت قبلة عميقة وناعمة ثم هدرت :
_ حلو كدا !
كان على وشك أن يدنو منها وهو يضحك لكن الدخيل المعتاد وتلك الأيدي الرقيقة تطرق فوق الباب من الخارج هاتفة بتذمر :
_ بابي .. مامي .. اصحوا يلا
اخذ عدنان نفسًا عميقًا يجيب بعدم حيلة :
_ طالما هنا هانم صحيت يبقى لازم نصحى احنا كمان .. قومي يا جلنار .. قومي هي مش هترتاح غير لما تجلطني البنت دي

انطلقت من بين شفتيها ضحكة عالية وأجابت على صغيرتها من بين ضحكها :
_ أيوة ياهنون ياحبيبتي
نهضت من الفراش واتجهت نحو الباب لتفتح لابنتها التي استقبلت والدتها بوجه مشرقة وضحكة عريضة وبعدما عانقت أمها ركضت للداخل إلى أبيها تقفز إلى الفراش ثم عليه وهي تضحك بمرح .. فاستطاعت بعفويتها وروحها التي يعشقها أن تدخل السرور والبهجة لصدره وجعلته يضحك ويداعبها بحنو ! .

***
استقامت نادين من فراشها واقفة بعدما سمعت صوت طرق الباب وسارت تجاهه بخطواتها الرقيقة حتى وصلت وامسكت بالمقبض تديره ثم تجذب الباب إليها فتقابل حاتم الذي كان يقف مستندًا بكتفه على جانب الباب ويحدقها مبتسمًا باتساع .. توردت وجنتيها فور رؤيتها له وهمست :
_ حاتم !!
تلفت برأسه في الأرجاء حوله يتأكد من عدم وجود خالته ثم دفعها للداخل ودخل معها ليغلق الباب بقدمه ويهتف :
_ وحشتيني !
انزوت نظرها عنه وقالت بخجل وتوتر حقيقي :
_حاتم بليز أمشي هلأ .. إذا عرفت الخالة إنك هون راح تتعصب كتير
حاتم بخنق ونفاذ صبر :
_ يانادين دي خالتي عاملة حظر تجوال علينا .. أنا من يوم كتب الكتاب مش عارف أتلم عليكي ولا اقعد معاكي دقيقتين على بعض .. امال لو مكنتيش مراتي !!
نادين بتوسل وهي تضحك :
_ مشاني امشي وبوعدك إننا نضل مع بعض بس مش هلأ .. ما بيصير تضل باوضتي هيك .. امشي يلا بلا ولدنة
ضيق عيناه بدهشة وهتف ببعض الغيظ :
_ ولدنة !! .. عشان عايز اقعد مع مراتي بقيت مولدن .. بقولك إيه متجننيش أنا على أخرى أساسًا و .....
كتمت بيدها على فمه فجأة في فزع عندما سمعت صوت فاطمة وهي تطرق على الباب هاتفة :
_ نادين ياحبيبتي إنتي لسا نايمة يابنتي !!
تطلعت لحاتم بعينان متسعة ومرتعدة بينما هو فابعد يدها عن فمها وهتف بصوت منخفض :
_ في إيه .. مالك اتفزعتي كدا !!
وجدها تجذبه من ذراعه بسرعة وتركض به تجاه الخزانة تجره خلفها في ملامح مفزوعة فقال هو بذهول :
_ بتعملي إيه !!
فتحت باب الخزانة ودفعته للداخل هاتفة بتحذير :
_ اياك تطلع ياحاتم عم تسمعني وإلا والله ما بطّلع فيك تاني وما بكلمك
حاتم بعصبية بسيطة :
_ إنتي عبيطة يابت !! .. ابعدي بـلاش ......
لم يكمل الكلمة ووجدها تغلق عليه باب الخزانة فضرب بقبضة يده على الباب وكان على وشك أن يفتحه ويخرج لكنه سمع صوت خالته بعد أن فتحت لها الباب .. فاضطر للبقاء مكانه وهو يلعن ويسب بكل شيء .. ويتأفف بغضب وغيظ يتوعد لنادين على فعلتها تلك .. وماهي إلا لحظات حتى سمع خطواتهم تبتعد عن الغرفة وقد غادرت مع فاطمة وتركته بمفرده وهو حبيس الخزانة !! .
فتح الباب بعنف حتى كاد أن ينخلع وخرج وهو يشتم بالألفاظ النابية ثم انصرف عن غرفتها بأكملها ! .

***
داخل مقر شركة الشافعي ........
انفتح الباب دون أي استآذان .. وظهرت من خلفه امرأة يافعة بجسد ممشوق وملابس جريئة .. تترك العنان لشعرها الكستنائي وتطلي وجهها بمساحيق الجمال المبالغ فيها .. وكانت خلفها تمامًا ليلى التي قالت باعتذار وخوف :
_ أنا آسفة يا عدنان بيه بس مقدرتش امنعها !!
تطلع عدنان لتلك المرأة وابتسم ثم قال بهدوء :
_ خلاص ياليلى روحي إنتي
هزت رأسها بالموافقة ثم استدارت وغادرت .. بينما الأخرى فاقتربت من عدنان وهي تضحك وتهتف بمداعبة :
_ كويس أنا كنت متوقعة إنك نسيتني
عدنان ببساطة وابتسامة عذبة :
_ لا طبعًا ودي تيجي .. شهر بحاله يابشمهندسة
ضحكت وقالت بدلال وخبث دفين :
_ وحشتك مش كدا
ابتسم بسخرية يتطلعها رافعًا حاجبه ثم هتف :
_ اقعدي يا جميلة وقوليلي اخبار اجازتك إيه
جميلة ضاحكة بمشاكسة :
_ طيب أجبر بخاطري حتى وقولي أيوة .. عمومًا كانت perfect مش هتتخيل انا كنت مبسوطة إزاي
_ الحمدلله .. نرجع بقى للشغل من تاني .. وننسى فترة اللعب اللي فاتت
إجابته برقة وابتسامة واسعة :
_ sure !!
.. ده أنا الشركة ومكتبي وحشوني أوي .. هي البنت الي اسمها ليلى دي جديدة ولا إيه !
هز رأسه بالإيجاب فتابعت هي بتفهم :
_ امممم عشان كدا معرفتنيش
ثم تابعت بحماس :
_ طنط أسمهان عاملة إيه ؟
حك عدنان ذقنه وقال بشيء من نفاذ الصبر :
_ جميلة إنتي شهر واحد اللي غبتيه مش شايفة إنك مزوداها !
جميلة بضيق وعبوس :
_ الله في إيه ياعدنان .. وحشتوني وبطمن عليكم .. إنت دايمًا كدا بتقتل حماسي
ضحك رغمًا عنه لكن هتف بحزم مزيف :
_ على مكتبك ياجميلة .. في شغل كتير قدامك يلا .. لأن حتى أنا مش فاضي
استقامت واقفة وهي تزم شفتيها بغيظ وتجيبه بخنق :
_ اوامرك ياعدنان بيه .. معاملتك ليا زي الزفت ومش بزعل منك للأسف برضوا

أشار بعينيه تجاه الباب وهو يبتسم يحثها على الاختصار والمغادرة لتصدر هي تأففًا مرتفعًا بغضب وتستدير وتغادر .. بينما هو ففور خروجها تنهد مبتسمًا بعدم حيلة .. فلن تتغير أبدًا ستظل جميلة كما هي في محاولاتها السخيفة التي تستفزه ! .

***
استر الليل ستائره وارتفع ضوء القمر في السماء لتظهر النجوم الساهرة بشكل جميل في لوحة من ابداع الخالق عز وجل ......
كانت جلنار تقف بالمطبخ وتجلس على الرخام أمامها " هنا " التي تتابع أمها وتضحك معها ويمزحون بينما جلنار تقوم بتحضير كعكة شوكولاتة صغيرة .
رأت هنا أبيها الذي عاد للتو من الخارج وهو يدخل المطبخ فكادت أن تصيح بفرحة كعادتها لكنه رفع سبابته يكتم على شفتيه كإشارة لها حتى لا تتكلم .. فتسكت هي فورًا وترفع كفيها لفمها تكتم ضحكتها الطفولية بصعوبة .. بينما هو فتسلل من خلف زوجته بخطوات حذرة حتى وقف خلفه ومد ذراعه يحاوطها من خصرها ويميل عليها من الخلف هاتفًا بعبث :
_ بتعملي إيه ؟!
صرخت جلنار بهلع والتفتت بجسدها فورًا في قسمات وجه مزعورة ودون قصد لامست يديها الممتلئة بالشكولاته وجهه ولحيته .. تجمد بأرضه وهو يشعر بوجهه ولحيته امتلأت بالشوكولاته بينما هنا فانفجرت ضاحكة وبادلتها جلنار التي بعد لحظات من صدمتها بظهوره المفاجيء وما حدث بعد ذلك انفجرت هي الأخرى على مظهره .

رفع أنامله لوجهه يمسح الشوكولاته ثم ينزل أصابعه ويتطلع إليه بسكون ويرفع نظره لهم باستنكار على ضحكهم .. وكانت ثواني معدودة قبل أن تميل هنا ناحية الصحن الممتليء بالشوكولاته وتغرس يديها فيه ثم تخرجها و تمسك وجه أمها لتلطخها هي الأخرى بالشوكولاته .. شهقت جلنار بصدمة وسرعان ما ضحكت وغارت على ابنتها تداعبها وتلطخ وجهها أيضًا مثلهم .. وسط صوت ضحكاتهم التي ملأت المنزل بأكمله يقف هو يتابعهم مبتسمًا بدفء وسعادة .. تلك الأجواء العائلية البسيطة تنسيه أي حزن أو ألم يسكن قلبه .. وحين يراهم يضحكون هكذا يرفرف قلبه بسعادة غامرة .. داعيًا الله أن يمكنه من رسم الضحكة والبسمة على وجههم دائمًا .

انحنى على ابنته وقبلها بحنو من جبهتها هامسًا :
_ ربنا يخليكم ليا يا هنايا
تطلعت إليه وهي مازالت تضحك بحب نقي ووصافي بينما جلنار فهدأت ضحكاتها ورمقته بعمق وعاطفة حتى وجدته يبعتد عن صغيرته ويقترب منها يلثم وجنتها الممتلئة بالشوكولاته ويهمس بالقرب من أذنها قبل أن يبتعد :
_ شوكولاته بالرمان !
فغرت عيناها وفمها بدهشة وصعدت الحمرة البسيطة لوجنتيها .. ولم تلبث حتى وجدته يبتعد ويسير لخارج المطبخ .. وحمدت ربها أن ابنتها لم تلاحظ وكانت منشغلة بمص الشوكولاته من فوق إصبعها الصغير .

جلنار بغيظ متصنع وهي تضحك :
_ عاجبك كدا يا هنون اهي الكيكة باظت خلاص
ضحكت الصغيرة بقوة وأجابت باستمتاع :
_ يلا نلعب تاني يا مامي
_ اهاا عشان بابي يعلقنا أنا وإنتي المرة دي
ضحكت برقة وهي تكتم على فمها بكفيها الصغيرين في لطافة لا تحتمل .. جعلت جلنار تنحنى عليها تلثمها بعدة قبلات متفرقة هاتفة في حب أمومي صادق :
_ حبيبتي
ارتمت على والدتها تعانقها وتهتف في رقة :
_ وإنتي كمان حبيبتي يامامي

***
بعد دقائق طويلة نسبيًا.....
خرج من الحمام بعدما غسل وجهه جيدًا وكان يمسك بالمنشفة الصغيرة يجفف وجهه من الماء .. وإذا بلحظة مفاجأة تقذف صورة فريدة لذهنه .. تسمرت يديه عن الحركة واحتدمت ملامحه وهو يتذكرها لا إراديًا .. فنسيان ما فعلته به لن يكون سهلًا سيظل الجرح يألمه ولن يلتئم أبدًا .. ليتها أخبرته بوضوح أنها لا تحبه وطلبت الانفصال وكان كل شيء انتهى بينهم بهدوء .. لكنها خلفت ورائها جرح عميق لن تداويه السنين سيظل يذكره بها للأبد وبكل مرة يتذكرها سيزداد كره لها أكثر .

استفاق على صوت جلنار التي دخلت للتو وكانت تقف أمامه تحدثه بريبة من شروده الغريب :
_ عدنان !
نفرها من ذهنه كالقمامة تمامًا وثبت كامل تركيزه على زوجته متمتمًا :
_ نعم !
_ إنت كويس ؟!
رفع يده يمرر إبهامه برفق فوق وجنتها مجيبًا بخفوت :
_ أنا كويس طول ما إنتي وهنا جمبي
ابتسمت له بحب ثم رفعت يدها الناعمة تحتضن بها كفه الذي فوق وجنتها وتهمس باهتمام وقلق :
_ في حاجة حصلت وضايقتك طيب ؟
رأت ثغره يفسح عن ابتسامة عريضة ويتمتم بغمزة ماكرة :
_ فلنفترض إني مضايق .. هتعملي إيه !!
سكتت للحظات بتفكير ثم ردت بخفوت جميل وابتسامة شبه حزينة :
_ معرفش هو أنا متعودتش إنك تحكيلي على حاجة مضيقاك قبل كدا .. بس يمكن لو قولتلي اقدر اخفف عنك

نظراته كانت كلها عشق ودفء قبل أن يتمتم بتأكيد وترقب لردها :
_ متأكدة إنك عايزة تسمعيني .. يعني مستعدة تسمعي اللي مضايقني
أماءت برأسها في إيجاب وأجابت بثقة تامة وثبات :
_ أكيد عايزة اسمعك ياعدنان
عدنان بصوت رجولي خافت يحمل بحته المميزة :
_ مش هتحكمي عليا وتفهميني غلط ؟!
لمعت عيناها بوميض مختلف وابتسمت له بغرام حقيقي هامسة في نظرات ذات معنى :
_ لو إنت فهمتني وفتحتلي قلبك لا يمكن افهمك غلط

شعرت بملمس كفه فوق بشرتها الناعمة يتأملها بعشق جارف وأعين ممتزجة فيها الندم بالوعود الصادقة ، ثم ينحنى عليها حتى لا يفصله عنه سوى سنتي مترات قليلة مغمغمًا :
_ كل يوم بحبك فيه أكتر من الأول .. ندمان على كل لحظة ضيعتها ومستغلتهاش في حبك وأنا جمبك ياجلنار .. بس اوعدك إني هعوضك واعوض السنين دي كلها
جلنار بصوت ناعم ورقيق :
_ عارفة وعشان كدا سامحتك واديتك فرصة
قال بنظرة ذات مغزى وبعض اللؤم :
_ وأنا هنتظر عشان اسمع منك السبب التاني اللي خلاكي تسامحيني
ضحكت وغمغمت بعناد وخبث امتزج بمشاكستها بعدما فحمت تلميحاته :
_ يبقى هتنتظر كتير للأسف
_ ما بلاش نقول كلام احنا مش قده .. عشان ميبقاش شكلنا وحش واحنا بنرجع في كلامنا بعدين
قهقهت بقوة في عفوية .. امعن هو النظر بها في حب يشاهدها وهي تضحك بذلك الشكل الجميل الذي يذيب قلبه ويجعله يهيم بها أكثر .
همس غامزًا بنظرات جريئة :
_ هنا فين ؟
_ نامت .. ليه !!!
ابتسم بانتشاء وتمكنت أخيرًا من فهم نظراته الماكرة ولم تلبث لتجيب عليه حتى وجدته يحملها ويمد ذراعه يطفيء الضوء .. لينغمسوا معًا في ظلام ينيره عشقهم فقط ! ....

***
توقفت السيارة والتفت السائق برأسه للخلف يهتف في رسمية :
_ هو ده المكان يا أسمهان هانم
ألقت نظرة من داخل السيارة على تلك المنطقة الشعبية التي تعكس الحياة البسيطة والفقيرة .. رأت الأطفال يركضون ويلعبون رغم تأخر الوقت وبعضهم ملابسهم متسخة بالأتربة .. أما سكان المنطقة فكانوا يرتدون ملابس بسيطة تعكس طبيعة حياتهم .

فتحت باب السيارة وترجلت من السيارة ثم رفعت رأسها لتلك البناية الصغيرة المكونة من طابقين وسارت نحوها بخطوات واثقة وقوية .. غير مبالية بالانظار التي تعلقت عليها باستغراب من الوجه الجديد الذي يدخل مكانهم .. أعين كان تحدق بالسيارة الفاخرة والأخرى عليها وعلى هيىتها التي لا تقل فخامة عن سيارتها .. ترتدي ملابس أنيقة وفاخرة تعكس طبقتها المخملية فاحشة الثراء .

صعدت الدرج بحذر وهي تتنقل بنظرها على الحوائط المتآكلة والمتشققة حتى وصلت للطابق الثاني فوقفت أمام الشقة ورفعت يدها تطرق فوق الباب .. لتسمع صوت سيدة تسير باتجاه الباب وتهتف في غضب :
_ ما لسا بدري يابنت رمضان كـ......
لكن سرعان ما ابتلعت بقية كلماتها في جوفها حين فتحت الباب ولم يكن الطارق هو مهرة كما ظنت !!!

يتبع الفصل الواحد والأربعون اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent