رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية

    رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل الثالث والعشرون  بقلم مريم محمد غريب 



رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل  الثالث والعشرون  

.كان "مصطفى" يذرع شقته الخاصة الآن مبلبل الأفكار ... 
بعد أن خلع سترته السوداء و بقى بقميصه الأبيض و ربطة عنقة المحلولة فقط، لقد مل و نفذ صبره، ذلك لأنه يمكث بمفرده هنا بالصالة لأكثر من نصف ساعة 
ما أزاد الأجيج المستعر بصدره حين تسللت إلى مسامعه أصوات الزغاريد المكثفة و الهاتفات المباركة، جميعها تفيد بدلائل تفوّق أخيه الأكبر عليه مجددًا 
لم يعد يتحمل أكثر، خاصةً عندما كان بالقرب من النافذة و سمع حوار أبيه و أعمامه المعني هو به.. تصاعدت الدماء الملتهبة إلى وجهه فصار أشبه بالقِدر المغلي 
إنطلق كهبة إعصارٍ عاتٍ نحو غرفة النوم المغلقة، و بجماع قبضتاه ضرب لوح الباب ثلاثًا و هو يصيح بفجاجة : 
-كل ده بتغيري الفستان ؟؟؟؟
إفتحي يا بطة !!! 
و أمسك بمقبض الباب محاولًا فتحه عبثًا كما توقع، أغلقته من الداخل.. ليتفاقم غضبه و هو يضرب الباب بقوةٍ أكبر هادرًا : 
-إفتحي الباب ده حالًا يا فاطمة أحسن و الله أكسره فوق دماغك سااااامعة !!!! 
لم يسمع منها ردًا سوى النحيب الذي فاجئه و أثار جنونه في آنٍ إلى حد دفعه للصراخ الجهوري متجاوزًا بصوته جدار و جنابات الشقة الأربعة : 


-و كمان بتعيطي ؟؟؟
يبقى إللي أنا ظانه فيكي صح. عشان كده قافلة على نفسك كمان.. و حياة أمي لتبقى بموتك الليلة دي. إفتحي يا بت. إفتحي و إلا و ديني لاكون قاتلك. إفتحــــــي !!!! 
كان الباب يرتج تحت عنف ضرباته، بينما راح بكائها يزداد، سمع "مصطفى" جرس باب الشقة يدق بإلحاحٍ، ما أنقذ الفتاة المسكينة من جنونه مؤقتًا 
إبتعد عن باب الغرفة و ذهب ليفتح هائج الأنفاس محمر الوجه كالشيطان الرجيم ... 
-إيه في إيه يا مصطفى ؟؟!!! 
كانت أمه.. السيدة "هانم" أول من قابله بهذا السؤال، تراجع للخلف ليكتشف حضور كافة العائلة في إثرها 
والديّ زوجته، "إمام" و "نجوى" و إبنهما "علي" 
عمه "عبد الله" و زوجته "عبير" 
و في الأخير ظهر أبيه من بعدهم يمشي إلى جواره ولده الأصغر.. الشاب "حمزة" ... 
-إيه الحكاية يا مصطفى ؟ .. تساءل "سالم" بهدوئه المعهود 
-صوتك عالي و مسمع الحتة كلها.. أخوك رزق محدش سمعله حس. مالك إنت بقى ؟! 
هذه المرة تمالك "مصطفى" نفسه بجهدٍ جهيد حتى لا يطلق لسانه سبابًا و ألفاظٌ يبرأ اللسان عن وصفها لأخيه و أبيه معًا ... 
و عوض ذلك مرر ناظريه على الوجوه ذات التعبير الواحد.. ألا و هو القلق... أخذ نفسًا عميقًا ليهدئ أعصابه، ثم فرد ذراعه مشيرًا ناحية غرفة النوم و قال بصوتٍ غليظ : 
-الست هانم. العروسة.. من ساعة ما طلعنا و هي قافلة باب الأوضة على روحها. قالت هاتغير فستانها. بقالها ساعة جوااااا.. و أخبط عليها اسألها من إيه التأخير. ماتردش.. أسمعها بتعيط بس ! 
يقفز صوت "علي" في هذه اللحظة قائلًا بجلافةٍ محتدة : 
-ما ليها حق بطريقتك و منظرك ده تخاف و تعيط ورا الباب.. و بعدين متوقع إيه من أختي مثلًا ؟
تفتحلك الباب و تترمي في حضنك ؟!!!


إصحى للكلام يا ديشا. فاطمة ماتعرفش الفرخة بتبيض إزاي و لا شافت في حياتها رجالة غيرنا 
إبتسم "مصطفى" بتكهمٍ مغمغمًا : 
-مهو باين و الله ! 
كست الدماء وجه "علي" بلحظةٍ و هو يقترب منه خطوة على سبيل التهديد ... 
-إنت بتقول إيه يالا ؟؟؟ .. صار صوت "علي" البارز الآن 
مدت "نجوى" ذراعها أمام إبنها مسرعة للقول بتلطيفٍ متوتر : 
-بس بس يا ولاد. دي ساعة شيطان و الله. العين كلها علينا.. مصطفى مايقصدش يا علي. و إنت يا مصطفى يا حبيبي. كان حقك تاخدها بالراحة. الأمور دي تيجي بالهداوة يابني.. و لا إيه يا هانم ؟!! 
وافقتها "هانم" دون ترددٍ : 
-مرات عمك بتتكلم صح. إنت إيه إللي جرالك يا مصطفى ؟ إمسك نفسك شوية أومال ! 
أضافت "عبير" قسمًا من الهدوء بدورها : 
-معلش يا جماعة. لازم نعذر الاتنين. و بعدين الحاجات دي بتحصل عادي ماهياش غريبة يا مصطفى. دلوقتي تروق بس لما تهديها بنفسك كده صدقني كله هايبقى عال و آ ا ... 
-أنا مش عايز أسمع كلام حريم لو سمحتوا !!! .. صاح "مصطفى" منفعلًا بشدة 
ألجمت ألسنة النساء بالفعل تحت تأثير غضبته المفاجئة ... 
ليوجّه "مصطفى" نظرة مباشرة نحو عمه... و يقول بصوتٍ كحد السكين : 
-إنت ساكت ليه يا عم إمام ؟ مش بنتك دي ؟؟ 
رد "إمام" بتعبيره المتجهم الغريب : 
-عايزني أقول إيه مصطفى ؟ 
-عايزك تقول إيه ؟!!!
بقى كل إللي بيجرى الساعة دي بالذات. و مش لاقي حاجة تقولها ؟ إنت عاقل كلامك يا عمي ؟ ده شرفك ده !!! 
كاد "علي" يهجم عليه هذه المرة، لولا يد أبيه التي إمتدت و أوقفته، ثم مضى "إمام" يقول بحدة مخاطبًا زوج إبنته : 
-إنت إللي مش طبيعي. إنت مفكر نفسك أول راجل يتجوز. ما كلنا كنا شباب أدك و إتجوزنا.. أنا عمري ما شوفت عريس واخد الدنيا قفش بالشكل ده ليلة دخلته. فيك إيه بالظبط يا مصطفى قول ؟؟؟ 
-كمان عايز تشكك فيا أنا ؟ طاااااايب. معاكوا كلكوا للآخر. و هابقى هادي و زي الفل. بس حد فيكوا كده يقنع ست العرايس تفتح الباب ده و تسمحلي أتفاهم معاها بالطريقة إللي تعجبها. أنا موافق على شروطها كلها.. في أكتر من كده ؟ 
نظر له الجميع بعجزٍ و حيرة، كان صوت بكاء "فاطمة" مسموعًا من جهة، و وجهه هو المبّلغ عن سوء نواياه أمامهم بالجهة الأخرى.. كان مأزق حقيقي و لا أحد يعلم ما العلة تحديدًا و كيف يحلونها ؟!!! 
فجأة ... 
إستدار "إمام" ناحية الكبير.. أخيه... "سالم الجزار" و قال : 
-القرار ليك ياخويا.. شوف هانحل الوضع ده إزاي. بصراحة مصطفى خيّب ظني على الآخر ! 
للمرة الثانية أمسك "مصطفى" لسانه حتى يرى مآل الأمر فقط ... 
إنتظر أفراد العائلة بإصغاءٍ و نظراتٍ مرهفة كلمة "سالم".. بينما كان الأخير على هدوئه، يحرك مسبحته بين أنامله و هو يصوّب نظراته الثاقبة إلى عينيّ إبنه، يدرسه و يكشف إنفعالاته و مشاعره العميقة بنجاحٍ منقطع النظير 
لينطق أخيرًا دون أن يرف له جفن عن عينا "مصطفى" : 
-الحريم يدخلوا لفاطمة.. تحاولوا تهدوها و تعقلوها كده. الحكاية مش هاتاخد خمس دقايق. عشان البيه يرتاح.. خلي الليلة دي تعدي على خير بقى ! 
كانت أول من نفذت الأمر "نجوى" ... 
إنطلقت مسرعة تجاه غرفة النوم في إثرها بقية نساء العائلة، بينما كن يقرعن الباب على "فاطمة" غمغم "علي" بصوتٍ حانقٍ مسموع : 
-أما نشوف أخرتها !! 
و أولاهم ظهره مطبقًا على رأسه بكفيه بقوةٍ ... 
في المقابل ينجحن النساء باقناع "فاطمة" أن تفتح لهن، و مر قليلٌ من الوقت، ما لبث صوتها أن إتضح و هي تهتف بصراخٍ مقهور : 
-ياما ونبي ماتعملوا فيا كده.. أنا قولتلك مش عايزاه. أنا حاسة إني هموت لو إتجوزته.. مش قادرة يا مرات عمي. حسوا بيا أبوس إيديكوا.. إنتوا ليه كده.. ليه بتعموا فيا كده كلكوا لـيـــــه ؟؟؟؟؟ 
أكثرهم حرصًا على الاستماع جيدًا و إمعان التفكير بكلمات الفتاة كان "سالم"... إستطاع أن يدرك مدى فزعها.. و إن كان غير مبرر بالنسبة له.. كانت لديه القدرة ليتفهمها 
لكنه خشى ألا يوافقه البقية في ذلك، خاصةً إبنه الذي يقف متحفزًا هكذا 
لكنه و بالرغم من اللغط و القيل و القال المتوقع تداوله قريبًا بعد قراره هذا.. إلا أنه حسم الأمر و صار منتهيًا بيده ... 
-خلاص يا مصطفى ! .. هتف "سالم" بصرامةٍ و هو يضع يده فوق كتف إبنه 
-البت نفسيتها مش مساعداها. مش لازم الدخلة تتم الليلة. الدنيا مش هاتخرب.. فضولي الليلة دي يلا و مشوا الناس إللي تحت ! 
و استدار نحو بقية عائلته مصدرًا هذه الأوامر 
و لكن كان لإبنه رأيًا آخر ... 
-ماحصلش و لا هايحصل الكلام ده يابا !!! .. هكذا برز احتجاج "مصطفى" و هو ينتفض بقوة مبتعدًا عن أبيه 
يلتفت "سالم" إليه عابسًا ... 
-إنت بتعلي صوتك عليا. لأ و كمان بتعرضها معايا في الكلام.. إنت نسيت نفسك يالا ؟؟؟؟ 
و تفاقم غضبه و صار جليًا الآن و هو يضيف بخشونة : 
-ألا تكون مفكر عشان وافقت تتجوز في المعاد إللي حدته تبقى كده الكلمة كلمتك. لاااا يا روح أمك. ده العقد إللي إنت لسا ماضي عليه ده ممكن أقطعهولك وقتي و تنسى إن الليلة دي حصلت أصلًا.. فوووق ! 
لم ينطق "مصطفى"... لكنه أتخذ خطوة جانبية جعلته يسد عتبة باب غرفة النوم تمامًا، حيث توجد زوجته بالداخل برفقة نساء العائلة، يملأ صوت نحيبها المكان كله 
مد يده خلف ظهره ساحبًا سلاحه الناري حديث الطراز، صوّب نحو والده نظرة كره صرف، ثم قال بصوتٍ أشبه بالزمحرة الخفيضة : 
-يمين بالله.. إذا ماتمتش دخلتي عليها الليلة. هاتكون دخلتها هي على قبرها. الخاطيـــة !!! 
و هنا يفقد "علي"السيطرة على نفسه كليًا ... 
-لأ إنت ماعادش يتسكت عليك و لازم تتربى ! 
و هجم عليه من فوره و إشتبكا الإثنان، ليوجّه له "علي" لكمة قوية طرحته أرضًا و أسقطت المسدس من يده ... 
-هي مين دي إللي خاطية يا و××× يا ××××× !!!! 
و لكن "مصطفى" رد عليه القتال بنفس القدر من الشراسة مصوبًا إلى قدمه ركلة أفقدته توازنه، ليسقط "علي" فوق الأرض إلى جواره أيضًا 
قاما في نفس اللحظة و وقفا متواجهين مستعدان لنزالٍ آخر، إلا إن "سالم" حال بينهما هاتفًا بغضبٍ مستطير : 
-إثبت منك له
عليا الـ×××× لو شوفت واحد فيكوا رفع إيده عالتاني لاقطعهاله. سامعين ؟؟؟؟ 
عض "علي" على شفته بقوةٍ كابحًا نفسه بصعوبةٍ، بينما "مصطفى" ينفض ملابسه المشعثة و هو يشعر بالضغينة تجاه شقيق زوجته و بألمٍ حاد في صدغه حيث موضع اللكمة.. مع ذلك و رغم تحذير "سالم" ظل الإثنان يحدقان ببعضهما بإجرامٍ تام ... 
-بلاها الجوازة دي ! .. خرجت العبارة الثائرة من فم "إمام" في هذه اللحظة 
و استطرد في فورة غضبه مخاطبًا أخيه : 
-أنا مش عايزها و مش عايز إبنك لبنتي يا سالم. خلينا نفضها حالًا. أنا مش لاقي فاطمة في الشارع ياخويا دي بنتي و أنا واثق فيها. بس بكرة الصبح هاخدها بإيدي للضاكتور و أكشف عليها و هاحط صباعي في عين المحروس إبنك. و بسببه يا سالم دي قطيعة بيني و بينك !!! 
-إهدا يا إمام ياخويا مش كده ! .. قالها "عبد الله" محاولًا تهدئة أخيه 
نفض "إمام" يد شقيقه عنه مصممًا على قراره بقوة : 
-مافيش هداوة خلاص. الواد ده مش هايلمس شعرة واحدة من بنتي.. إنتهى. خش يا علي هات أختك ! 
لم يكد "علي" يتخذ تلك الخطوة إلا و شعر بقبضة "سالم" تصده في صدره ... 
-مكانك ياض ! .. حذره "سالم" بحدةٍ 
ثم تجاوزه ماضيًا ناحية أخيه الأوسط، جمع مسبحته في يده، و بيده الأخرى ربت على ذراع "إمام" و هو يقول مشددًا على كلماته : 
-إمام.. إمام ياخويا ! 
قطب الأخير بشدة.. عاجزًا عن رد كلماته، و لو بحرفٍ واحد... ليبتسم "سالم" مستطردًا بثقة : 
-ماتقلقش يا إمام. فاطمة مش بنتك لوحدك.. و حط ثقتك في أخوك. مش هقولك أكتر من كده !! 
بعد ذلك لم يجرؤ "إمام" على النبس بأيّ إعتراض، فباركه "سالم" بايماءة تعبر عن رضاه عليه و إمتنانه لاصغائه لأمره في آنٍ... ثم إلتفت ثانيةً و عاد أدراجه أمام "مصطفى" 
حيث كان يقف بينه و بين عتبة غرفة النوم، ساد وجهه تعبير مبهم و علا صوته باللحظة التالية آمرًا بحزم : 
-كل الحريم تطلع من الأوضة دلوقتي.. ما عدا فاطمة ! 
لم تمر دقيقة إلا و كن جميعهن بالخارج أمامه ... 
مد "سالم" رأسه راصدًا وجود ولده الاصغر "حمزة".. فأمره هو الآخر : 
-حمزة.. إطلع برا. و خد باب الشقة في إيدك ! 
إنصاع الصبي لأبيه و فعل ما أمر به ... 
و أخيرًا، أتى دوره هو، ذو النظرات المتبجحة 
نظر "سالم" إلى "مصطفى" و قال بهدوء مشيرًا له بيده : 
-إتفضل.. خش لعروستك ! 
إبتسم "مصطفى" بظفرٍ مريض و حانت منه نظرة كيدٍ نحو "علي" المتميز غضبًا، ثم حث الخطى إلى الداخل ... 
و لكن يقبض "سالم" على ذراعه فجأة، ليميل صوب أذنه هامسًا بقتامةٍ مخيفة : 
-في حالة ثبتت طهارة البت. حسابك معايا هايكون شديد أوي.. و في حالة جرالها أي حاجة بين إيديك. أنا إللي هاحطك بإيدي في قبرك الليلة ... 
و ربت على كتفه مكملًا : 
-يلا.. خش يا عريس ! 
__________________ 
كانت "فاطمة" تجلس على طرف الفراش، ترتعش من الخوف، عندما أغلق عليها بابًا واحدًا برفقة "مصطفى"..  مثل حيوانٍ مذعور أخذت تجيل حدقتيها بعينيها باحثة عن مفرٍ 
لكن مع علمها بأن عائلتها، والديها و أخيها، الجيمع هناك وراء هذا الباب، و قد تخلّوا عنها و تركوا مصيرها بيد ذاك المختل القاسي... لم تفعل بها هذه الحقيقة شيئًا سوى أن جعلتها ساكنة كالصنم 
حتى حين صار قريبًا منها، بطرف عينها تبين لها أنه يهم بخلع ملابسه، لم تغامر للحظة بأن تنظر إليه 
إلى أن قرر هو الاقتراب منها، بل أنه إلتصق بها، و باشر بنزع الفستان المصنوع من التل عنها، كان فتحه سهلًا، و قد كانت بدون وشاح الحجاب و الطرحة البيضاء 
شعرها الكثيف و الغجري الفاحم غمر وجهه و ملأ عبيره المسكر رئتيه.. لعل خطته تغيّرت الآن حين أبدت الطاعة له على هذا النحو 
ما جعله أن يتصرف برقة.. لكن بجرآة أكثر و هو يجردها من بقايا ملابسها الآن معيثًا بجسمها فسادًا عظيم، مفقدًا و خادشًا لبراءتها البتول 
هذا الذي يعد بنظرها اعتداءً، لم تستطيع "فاطمة" عليه صبرًا، لتخرج عن استكانتها فجأة صارخة و محاولة دفعه عنها بكلتا ذراعيها.. مما دب فيه مشاعره السلبية ثانيةً و أيقظ الشك فيها بصدره 
لينقلب حاله بطرفة عينٍ، فيمسك بجسمها كدمية لا تزن شيئًا، يقلبها على وجهها و قبل أن تستوعب أيّ شيء شعرت بثقله فوق ظهرها.. صرخت حين ضغط بركبته على عمودها الفقري، بينما تشعر به يعبث بشيء من خلفها 
تبيّنت بعد لحظة بأنه كان يستلّ وشاح رأسها المصنوع من التل، ليقيّد به ذراعيها و هو يسحب أحدهما بعنفٍ للخلف جعلها تطلق صرخة أكثر ألمًا، قبل أن يقلبها على ظهرها مرةً أخرى، ليفعلها و هو ينظر هكذا بعينيها
لا يمكن أن تتم بغير تلك الطريقة ...
سالت دموع "فاطمة" بحرارةٍ من حواف عينيها الواسعتين و هي تنظر بتضرعٍ إلى عينيّ "مصطفى" القاسيتين، و كان آخر سلاحًا بيدها أن تهمس متوسلة أمام وجهه بأنفاسها المقهورة المنتحبة علّها تنال منه أيّ شفقة : 
-مصطفى.. وحياة أغلى حاجة عندك... سيبني ! 
-إنتي أغلى حاجة عندي !! .. لم ينطقها بلسانه 
بل بقلبه 
و لكم أراد كثيرًا أن يقبّلها في هذه اللحظة ... 
لكنه علم جيدًا، إنه إن فعلها.. فإنها ستموت... إذا تأكد شكه فيها.. و قد منحها و لو نفحةٍ صغيرة من مشاعر حبه لها 
فإن الموت وحده سيكون أقل ما سينزله بها 
لذلك لم يسمح  "مصطفى" لنفسه بالانقياد خلف عواطفه، و هو ما لم يتطلب منه جهدًا كبيرًا بما أنه ما كان يرى أمامه سوى صورة لشخصٍ واحد... و هو "رزق" 
حسم الأمر في هذه اللحظة، و بدأ اعتدائه الوحشي عليها فورًا، مغلقًا عينيه و صامًا أذنيه عن صراخاتها المستغيثة المتألمة ... 
°°°°°°°°°°°°°°°°° 
ذلك الدولاب الأثري الذي يضعوا فيه مقتنيات العروس من الخزف و الأواني، لقد حطم "علي" نصف محتوياته بحلول الآن 
رغم أنه لم يمر على مكوث "مصطفى" بالداخل مع "فاطمة" سوى بضعة دقائق ... 
لكن لم تمضِ لحظات طويلة على دخوله إلا و مزق صراخ أخته الصمت، و كم من مرة أراد أن يقتحم هذه الغرفة و ينقذها من بين براثن ذاك الوغد الحقير، بل و يقتص لها منه و يقتله جزاء على كل كلمة قالها بحقها و ما يفعله بها الآن 
إنما كان أبيه و أعمامه يمنعونه في كل مرة يحاول فيها ذلك، فلم يجد شيئًا يفرغ عليه غضبه و عجزه سوى أن يحطم الأشياء و يلكم الجدار و أي غرض تلمسه يده.. يدمره تمامًا كلما سمع صرخة من أخته ... 
حتى ساد الصمت فجأة 
سكن "علي"... كذلك أمه التي جلست تبكي بين أحضان "هانم".. و أبيه الذي جلس مقابلها واضعًا رأسه بين كفيه متجاهلًا مواساة أخيه الأوسط 
جميعهم تنبهوا الآن لأقل حركة و سكنة تأتي من جهة الباب الذي وقف "سالم" عند عتبته منتظرًا ... 
لحظاتٍ قليلة جدًا و إنفتح الباب أخيرًا، ليطل من ورائه "مصطفى"... يبلغ العتبة منكس عاري الجزع، منكس الرأس 
لم يكن هناك فرصة لطرح الأسئلة، إذ قامت "نجوى" راكضة من فورها إلى عند إبنتها، بينما إنزوى "مصطفى" إلى جوار أبيه، جاء "إمام" من خلفه صائحًا بصلابةٍ : 
-هاه يا دكر. يا راااااجل.. حصل إيه ؟ شوفت بعينك إيه ؟ بنتي طاهرة و شريفة و لا لأ ؟ ما تررردددد يااااااااض !!! 
و إجتذبه من ذراعه بعنفٍ ... 
عبس "مصطفى" ليخفي خزيه من نفسه و من الجميع و لم يرد، ليملأ صراخ "نجوى" الأجواء باللحظة التالية : 
-يا إمــــــام يا عــــلــي.. إلحقووووني فاطمة مابتنطقش !!! 
كان هو أول من إنخلع لهذا، لكن هيهات ! 
لم يُسمح له بالدخول مجددًا، إذ منعه أبيه و جعل "إمام" و "علي" يمرا فقط، ثم قرب وجهه منه و قال بنظراتٍ و لهجة مستوحشة : 
-خليك فاكر كلامي كويس.. لو البت جرالها حاجة. هاتحصلها يا مصطفى !

يتبع الفصل  الرابع والعشرون  اضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent