Ads by Google X

رواية امرأة العقاب الفصل الثالث والعشرون 23 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

  رواية امرأة العقاب البارت  الثالث والعشرون 23 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب كاملة

رواية امرأة العقاب الفصل  الثالث والعشرون 23

يجلس فوق أريكة عريضة رافعًا ساقًا فوق الأخرى ويبسط ذراعه على الحافة العلوية من الأريكة ، متطلعًا بنظراته المميتة في ذلك الرجل الجالس أمامه باضطراب وخوف .. كان هدوئه مريبًا لا يبشر بخير وهو ينتظر أن يبدأ في الحديث ، لكن الصمت طال وبدأ يفقد صبره فصاح به بصوت جهوري :
_ انطق
اجابه الآخر بنبرة مرتبكة :
_ نادر هو اللي طلب مني اروح لسليم بيه و...
صاح به عدنان بعينان تطلق شرارات نارية مرعبة :
_ غيره .. أنا عارف إن نادر هو اللي سرق الملفات .. فاكرني جاي هنا عشان اسمع الكلمتين دول
_ عايز تعرف إيه ؟
عدنان بصوت خافت ومخيف :
_ كله
حدجه الرجل بارتباك وتردد للحظات ليست بطويلة ، يفكر هل يخبره بكل شيء يعرفه عن نادر أم لا .. لكن ليس هناك خيار آخر أمامه هو محاصر بين ذئب بشري لا يرحم .
أخذ نفسًا طويلًا قبل أن يتكلم بصوت مضطرب :
_ نادر هو اللي خطط للحادث اللي إنت عملته .. كان عايز يخلص منك عشان يفضاله الجو تمامًا من كل الجهات



تشنجت عضلات وجهه فور سماعه لآخر جملة فقد وصل للنقطة المنتظرة منذ بداية الحديث والسبب في قدومه لهنا .
عدنان بنبرة محتدمة ونظرة قاتلة :
_ جو إيه اللي يفضاله ؟!
صمت الرجل وهو يتطلع له بخوف مترددًا في أن يكمل ، فقد وصل للنقطة الأخطر على الإطلاق .. لم يكن يتوقع أنه استنفذ طاقة صبر عدنان كلها وأصبح كالوحش الجائع هكذا حيث وجده يثب واقفًا من الأريكة ويندفع إليه يجذبه من لياقة قميصه صائحًا :
_ جو إيه !
_ مراتك فريدة وهي اللي ساعدته أنه ياخد نسخة من مفاتيح مكتبك في الشركة عشان يقدر يسرق الملفات

لحظة من الصمت القاتل مرت وقد ارتخت عضلات وجهه ويده ، الآن اتضحت الصورة كاملة أمام عيناه وتأكد من شكوكه حولهم .. شعر الرجل بالخوف الحقيقي وهو يرى ابتسامة بسيطة تنبع بالشر ارتفعت لثغره ، وكأنه هدوء ما قبل العاصفة ، ثم تركه وانتصب في وقفته وهتف بنظرات شيطانية بعد أن أخذ مبتغاه وحصل على سبب قدومه لهنا :
_ البوليس مستنيك تحت .. لتكون كنت فاكر إن اللي عملته ده هيعدي من غير عقاب ، تبقى لسا متعرفنيش .. أما **** نادر انا شايله الكبيرة وهيحصلك قريب بس مش قبل ما اصفي حساباتي معاه



ثم استدار واتجه إلى باب المنزل ليغادر بينما الآخر فوثب واقفًا بهلع وهرول إلى النافذة يتطلع للأسفل ، حتى يتأكد من حقيقة ما قاله وبالفعل وجد سيارة الشرطة تقف بالأسفل وفي طريقهم إليه بالأعلى الآن .. اسرع راكضًا للباب حتى يهرع في تصرف سخيف منه كمحاولة للهرب لكنه وجد ضابط الشرطة يقف أمامه ! .

***
يشق الطرق بسيارته في سرعة هائلة .. ويده تقبض على مقود السيارة بقوة مريبة ، عيناه معلقة على الطريق لكن عقله بمكان آخر .. نظراته تقذف الرعب في اقوي واعتى الرجال .
أصبحت النقاط فوق الحروف الآن ، وبات يقرأ الحقيقة كاملة .. لا يعرف أهي حقيقة سذاجته وغبائه أم حقيقة زوجة منحها حب وثقة لا تستحقهم ، كان ينتظر أن يحصل على التأكيد لشكوكه حتى يطلق سراح الوحش المحجوز في قفص داخله ، وهاهي قد حانت لحظة إطلاقه .
توقفت سيارته أمام المنزل .. نزل منها وقاد خطواته السريعة للداخل ، مظهره يثير الرهبة في قلوب كل من يراه .. طرق عدة طرقات متتالية وعنيفة على الباب وماهي إلا لحظات وانفتح الباب وكانت أسمهان التي فتحت له ، لم تتمكن من التفوه بكلمة حيث وجدته يبعدها من طريقه ويندفع نحو الأعلى صاعدًا الدرج تمامًا كقنبلة القت وتعرف أين مكان وقوعها بالضبط .. ضيقت عيناها باستغراب ولحقت به فورًا لأعلى بقلق ، رأته يقتحم غرفته دافعًا الباب بعنف يفتحه عن مصراعيه ووقف لثانية وهو يغلي عندما لم يجدها ثم اندفع للداخل نحو الحمام وفتح الباب بقوة ولكن لا أثر لها أيضًا .. كان يزأر من بيت شفتيه كالأسد فالتفت لأمه يهتف بوجه محتقن بالدماء :
_ فينها !
ارتبكت أسمهان من مظهره وقلقت فلأول مرة تراه بهذه الحالة المخيفة .. ردت عليها بخفوت وريبة :
_ فريدة ؟!!
صرخ بانفعال :
_ أيوة هو مين غيرها في البيت
أسمهان بصوت يحمل الحيرة :
_ خرجت .. في إيه ياعدنان ؟
تقلصت عضلات وجهه وأصبح أكثر رهبة وهو يهتف بعدم استيعاب وكأن هدوء نبرته بداية لطوفان عاتي سيدمر المكان بأكمله الآن :
_ يعني إيه خرجت وراحت فين ؟!
باتت هيئة ابنها المرعبة تخيفها وتقلقها هي أيضًا خصوصًا أنها لا تفهم ما سبب تحوله هكذا .. لكنها ردت عليه بهدوء :
_ قالت رايحة تشتري كام حاجة وراجعة علطول
اندلع الطوفان وصرخ بصوت اهتزت له الجدران :
_ أنا مش قايل ومنبه رجلها متعتبش برا عتبة البيت
أسمهان ببعض الخوف :
_ وأنا هقدر امنعها ازاي كل مرة إنت مش عارف مراتك يعني
ارتفعت ابتسامة مريبة ومخيفة على شفتيه وهو يجيب على أمه بإيجاب :
_ اعرفها طبعًا بس هي اللي لسا متعرفش عدنان الشافعي .. إنتي قولتيلي راحت تشتري حجات مش كدا ، تمام

اختفت ابتسامته واندفع للخارج ثائرًا يغادر المنزل بأكمله .. وبينما كان في طريقه لسيارته اصطدم بآدم الذي رمقه بدهشة من مظهره وسأل :
_ عدنان ! .. في إيه ؟!
لم يجيب عليه فقط دفعه من أمامه واتجه لسيارته واستقل بها .. وسط نظرات آدم المنذهلة وحين التفت بجسده للخلف رأى أمه وهي تخرج من باب المنزل مهرولة وعلى محياها علامات الزعر فسألها فورًا بقلق :
_ في إيه ياماما ؟
أسمهان بحيرة وقلق مماثل :
_ معرفش يا آدم هو دخل البيت بالمنظر ده وفضل يدور على فريدة ولما قولتله أنها خرجت زعق وبهدل الدنيا وبعدين خرج
توقع آدم ما حدث فسأل أمه مرة أخرى حتى يتأكد :
_ هي فريدة راحت فين ؟
_ معرفش معرفش يا بني قالت رايحة تشتري حجات واول ما قولت كدا لاخوك خرج زي المجنون وكأنه عارف راحت فين

لحظة مرت على آدم وهو يحدق بأمه ويفكر في ذلك الاحتمال الذي يدور برأسه وحتمًا أنه اكتشف كل شيء .. باللحظة التالية كان آدم يندفع راكضًا تجاه سيارته ليستقل بها ويلحق بأخيه وسط صياح أسمهان وهي تقول :
_ رايح فين يا آدم استني فهمني طيب .. آدم

***
_ إنت متأكد إن عدنان عرف كل حاجة ؟
كان سؤال مرتعد من فريدة وهي تجلس بالسيارة مع نادر وهو يقودها .. فرد عليها بعصبية :
_ايوة يا فريدة بقولك بلغ على منصور وكان عنده قبل ما تاخده الشرطة
فرت الدماء من وجه فريدة وهي تجيبه وتضع ابعد الاحتمالات :
_ طيب ما يمكن يكون مقالهوش حاجة يا نادر
نادر منفعلًا وبوجه يحمل بعض الزعر :
_ قاله يافريدة أكيد ومنصور يعرف كل حاجة وبالأخص علاقتي أنا وإنتي .. وحتى لو مقالهوش احنا هنفضل قاعدين مستنين الساعة اللي يعرف فيها كل حاجة وياجي يقتلنا

أخذت فريدة تفرك يديها برعب حقيقي ونبضات قلبها تسارعت بقوة ، مجرد التفكير في حالة عدنان كيف هي الآن اذابت أوصالها من فرط الخوف ، حتمًا لو وجدها سيقتلها بدم بارد دون أن ترف له جفن .. التفتت برأسها تجاه نادر وهتفت بصوت مرعوب :
_ هنعمل إيه دلوقتي .. عدنان لو عرف مكاني هيقتلني ، غضبه أعمى ومش بيشوف قدامه
تنهد نادر محاولًا تهدئة نفسه وهتف بثبات متصنع :
_ هنروح على بيت قديم ليا محدش يعرفه هنقعد هناك ونشوف هنتصرف ازاي ونعمل إيه مع عدنان .. أنا كنت ناوي اقتله واخلص منه نهائي بس الظاهر إنه لسا في عمره بقية ولو كنت حاولت اتخلص منه تاني إنتي مكنتيش هتوافقي

انسابت دموعها على وجنتيها من فرط الخوف وهتفت تلوم نفسها بعنف :
_ أنا اللي غبية لو كنت حريصة اكتر في تصرفاتي وافعالي وخروجي مكنش هيشك فيا ومكنش ده كله هيحصل

_ لا عشان مكنتيش هتعرفي تخدعيه طول العمر يا فريدة هو أنا أساسًا مصدوم إنتي ازاي قدرتي تخدعيه طول السنين دي

جففت دموعها وهي ترد عليه بصوت مبحوح :
_ أنت عارف إن علاقتنا مبدأتش بجد غير من سنة وقبل كدا كان مفيش حاجة بينا ، فمكنتش بخليه يحس بحاجة لأننا مكناش بنتقابل ولا بنتكلم كتير ، لكن طول السنة اللي فاتت وأنا كنت بعاني اني مخلهوش يحس بحاجة بس في الفترة الأخيرة بغبائي كشفت نفسي
ضحك نادر بسخرية ورد عليها بحدة :
_ فريدة أنا وإنتي نعرف بعض من اربع سنين مفرقتش بقى إمتى علاقتنا بدأت بظبط من سنة ولا اتنين ولا غيره .. احنا دلوقتي في ازاي نتصرف مع عدنان بعد ما كشف خيانتك أو خيانتنا بمعنى أصح

لم تجيب عليه استمرت في البكاء بصمت وهي تعلق نظرها على الطريق أمامها في شرود ويدها ترتجف من فرط الخوف بينما هو فاستمر في القيادة يشق الطرق متجهًا لذلك المنزل الذي أخبرها عنه .

***
توقف بسيارته أمام بناية كبيرة ثم فتح باب مقعده ونزل وسار لداخل البناية مسرعًا .. حاول الحارس أن يوقفه لكنه لم يستطيع ، لحظات قليلة وتوقف آدم بسيارته فنزل منها هو الآخر وهم بأن يركض لداخل البناية حتى يصعد لشقة نادر ويلحق بأخيه لكن حارس البناية أمسك به واوقفه هاتفًا بحدة :
_ استني يا أستاذ رايح فين وفي واحد قبلك دخل برضوا كدا على علطول وفضلت انده عليه مردش عليا
هتف آدم بصوت رجولي خشن :
_ هو نادر المصري موجود في شقته فوق
_ لا طلع من شوية .. هو إنت مين لا مؤاخذة ؟!
تجاهل آدم سؤاله وهتف بترقب :
_ طلع وحده ولا كان معاه حد
رد عليه بنظرات دقيقة :
_ كان معاه الست فريدة مراته
_ نـــعـــم !!
هم بأن يجيب عليه لكن آدم رمقه بنظرة مميتة واندفع للداخل خلف أخيه .. هرول صاعدًا الدرج ركضًا وعندما وصل إلى طابق شقة نادر سمع صوت الطرق العنيف على الباب فأسرع تجاه أخيه وهتف :
_ عدنان ، نادر مش موجود
التفت برأسه تجاه أخيه ورد عليه بعينان تعطي انعكاس مريب :
_ راح فين ؟!
آدم بصوت رزين :
_ معرفش البواب قالي طلع .. تعالى نروح مكان وتهدى الأول وبعدين نبقى ندور عليه ونشوفه راح فين
عدنان صائحًا بصوت جهوري وعصبية :
_ اهدى ازاي يعني وأنا عارف أن مراتي معاه

آدم بجدية وهو دمائه تغلي من الغيظ على أخيه :
_ هنلاقيهم ياعدنان يعني هيروحوا فين .. تعالى بس مينفعش اللي انت بتعمله في العمارة كدا

أبعد عدنان آدم من طريقه واتجه نحو الدرج ينزل ويمسك بهاتفه ثم يجري اتصال بأحدهم .. تنهد آدم الصعداء بغضب ونزل خلفه .

***
كانت فوزية في طريقها لمنزلها بعد أن قامت بشراء بعض مستلزمات المنزل .. وأثناء عبورها من أمام بنايتها الصغيرة أوقفتها السيدة العجوز ( سماح ) الملازمة لنافذتها تجلس أمامها طوال الوقت نظرًا لأنها تسكن بالطابق الأرضي للبناية .
_ ازيك يا فوزية
التفتت لها فوزية برأسها وابتسمت بود هاتفة :
_ بخير الحمدلله ياحجة سماح .. عاملة إيه إنتي ؟
سماح بلهجة ماكرة :
_ أنا كويسة .. هو انتي مسمعتيش اللي حصل لبدرية ولا إيه ؟
عقدت فوزية حاجبيها باستغراب وهدرت :
_ لا مالها بدرية ؟
_ جات الحكومة قبضت عليها وشمعتلها محلها ، طلعت بتبيع بودرة ومخدرات
_ ايه إزاي ده .. معقول بدرية تعمل كدا
ضحكت الأخرى ساخرة وقالت :
_ وتعمل اكتر من كدا انتي بس اللي غلبانة ومش دايرة باللي بيحصل حواليكي .. عارفة مين بلغ عنها كمان ؟!

قرأت علامات الاستفهام على محياها والفضول فكانت على وشك أن تخبرها لولا أن مهرة صاحت على جدتها وهي تهرول نحوها بعد أن رأتها من منتصف الطريق .. التفتت فوزية تجاه مهرة تتابعها بعيناها حتى وصلت أمامها وهدرت بصوت لاهث :
_ إيه ده .. إيه اللي نزلك بس يازوزا ؟
فوزية بابتسامة عذبة :
_ نزلت اشتري شوية طلبات للبيت .. إنتي رجعتي بدري من الشغل كدا ليه ؟
القت مهرة نظرة جانبية مشتعلة على سماح لكنها تصرفت بطبيعية أمام جدتها وهي تهتف :
_ لا مش بدري ولا حاجة .. تعالى يلا نطلع البيت بس عشان متتعبيش
تطلعت فوزية إلى سماح ورسمت ابتسامة صافية على شفتيها ثم استدارت وسارت مع مهرة التي كانت تلتفت للخلف برأسها وتنظر لسماح بغيظ ، فبالتأكيد كانت تسرد لجدتها كل الأحداث الأخيرة التي حدثت لها ولحسن الحظ أنها أنقذت الموقف بالوقت المناسب .
هتفت فوزية وهم يصعدون الدرج :
_ صحيح بدرية اتقبض عليها ؟!
مهرة بنبرة عادية حتى لا تظهر شيء لجدتها :
_ أيوة اخدت جزائها والبوليس أخدها
استكملت فوزية اسألتها بفضول أشد :
_ وهو مين اللي بلغ عنها وعرف إزاي ؟
_ معرفش يازوزا اهو اللي بلغ بلغ بقى احنا مالنا .. خلينا في الأكياس دي جبتي إيه ؟!
ضحكت بعذوبة وردت على حفيدتها بحنو :
_ جبت لحمة وقولت نعمل كفتة النهارده بما إنك بتحبيها

انحنت عليها مهرة وطبعت قبلة قوية على وجنتيها هاتفة بضحكة وبمرح :
_ أصيلة يا حجة فوزية والله ربنا يجبر بخاطرك زي ما جابرة بخاطر بطني كدا دايمًا
انطلقت من فوزية ضحكة عالية على مزاح حفيدتها المعتاد ، ثم وقفوا أمام الباب وأخرجت المفتاح لتفتح ويدخلوا .

***
كانت تجلس زينة بالمقهى المفضل لها كالعادة .. وبينما هي تمسك بفنجان القهوة ترتشف منه بتريث وتتابع حركة الناس والسيارات في الشارع من خلال زجاج المقهى بشرود .. استمعت إلى صوت أنوثي بجانبها يهتف :
_زينة ؟!
التفتت برأسها تجاهها وتطلعت إليها بابتسامة باهتة هادرة بتعجب :
_ إنتي تعرفيني ؟!!
كانت فتاة متحررة بشكل زائد عن الطبيعي من خلال ملابسها وطريقة وقفتها وكلامها .. حيث ردت عليها بخبث دفين :
_ مش إنتي برضوا خطيبة رائد .. أو خلينا نقول خطوبتكم بعد يومين
تلاشت ابتسامة زينة واعتدلت في جلستها لتجيبها بلهجة جادة :
_ أيوة أنا .. إنتي مين ؟
رأت ابتسامة لعوب تظهر على ثغرها وتردف بثقة :
_ معقول رائد مقالكيش عني !!
احتدمت نظرات زينة وطالعتها بقرف هاتفة في شيء من الاستهزاء :
_ لا مقاليش والله .. بس أنا حابة يحصلي الشرف واعرف مين سيادتك !
قهقهت بأسلوب مستفز وردت عليها في برود :
_ لا الأفضل تسأليه وهو يقولك بقى .. وعلى العموم مبروك .. معلش ازعجتك
تابعتها زينة بنظراتها النارية وهي تراها تستدير وتسير مبتعدة عنها وبداخلها تشتعل غيظًا .. كيف له أن يتعامل مع فتيات بهذا الشكل أساسًا ، أي كانت علاقتها به فمظهرها وأسلوبها مثير للأعصاب ولن تدع ما حدث يمر مرار الكرام .

***
مع تمام الساعة العاشرة مساءًا ......
خرجت من الحمام بعد أن أخذت حمامها المسائي وعقلها شارد بأكثر من شيء مختلف .. تحركت باتجاه المرآة ووقفت أمامها تجفف شعرها وتقوم بتسريحه ، وبلحظة شرودها قذفت في ذهنها جملة والدها لها ( مطلقتكيش منه عشان بيحبك وهو قالي وطلب مني اديله فرصة يصلح علاقته بيكي ) .. توقفت يداها عن تسريح شعرها وجعلت تنظر لانعكاس وجهها في المرآة بتفكير فاسترجع عقلها بعض مشاهدهم معًا ، تبحث بأي منهم عن حب خفي يضمره لها في أعماقه لكنه لم يشعرها بأي من شيء بل حتى أنه أخبرها بوضوح أنه لا يحبها ولا تزال حتى الآن تتذكر تلك اللحظة بالتفصيل

صرخة عنيفة خرجت منها وهي تصيح به :
_ أنا زهقت من تهميشك ليا وكأني مش موجودة ياعدنان
رد عليها بتعجب :
_ تهميش !!
جلنار بصياح وانفعال هادر :
_ أيوة مبقتش قادرة استحمل اكون على الرف تاني .. وأنا عارفة كويس أوي إنك مش بتحبني ومتنكرش وتقول إني بحبك
مرت لحظة وهو يمعن النظر فيها بسكون حتى هتف بقسوة دون أن يشعر :
_ لا مش هنكر يا جلنار وإنتي كمان متنسيش سبب جوازنا
توقفت عاصفتها فجأة وهدأت معالم وجهها الثائرة ، وظهر شبح ابتسامتها المنكسرة على ثغرها تهتف بعينان متلألأة بالعبارات :
_ يعني معترف إنك مش بتحبني
صاح بها بعصبية وصوت رجولي غليظ :
_ عايزاني اقولك إيه يعني وإنتي كل ما تشوفيني تقوليلي الكلام ده .. تهميش ومعتبرني مش موجودة ومش مهتم بيا ومعرفش إيه .. أنا مبقتش فاهم إنتي عايزة إيه بظبط

غامت عيناها بالدموع من جفائه لكنها استعادت رباطة جأشها وردت عليه بثبات وقوة :
_ عايزة اتطلق وده قرار نهائي ومفيش رجعة منه .. عشان كل حاجة انتهت وأنا وإنت مينفعش نكمل اكتر من كدا مع بعض

عادت لواقعها ووجهها ممتليء بالدموع .. أخذت تنظر لنفسها في المرآة وبالأخير هزمت أمام آلامها فانفجرت باكية بحرقة وأسى يمزق قلبها إلى أربًا ، هي فقط أرادت حياة هادئة وسعيدة تنعم بها مع رجل يعشقها ولكنها لم تحصل على أي منهم .. أعطت دون مقابل وهي الآن التي تعاني فقدان جزء من قلبها .

سمعت صوت طرق الباب وابنتها تهتف من خلف الباب :
_ مامي افتحي الباب
اعتدلت فورًا في جلستها وجففت دموعها جيدًا ، وعادت لطبيعتها الشامخة المعتادة ، ثم اتجهت نحو الباب وفتحت لصغيرتها التي دخلت وتطلعت لها بعينان يائسة وهي تسأل :
_ هو ليه بابي مجاش امبارح والنهارده تمان ( كمان ) ؟!
جلنار بنبرة عادية وهي تهز كتفيها بجهل :
_ معرفش ياحبيبتي يمكن معاه شغل ولما يخلصه هيجي
_ طيب أنا عايزة اكلمه !
تنهدت جلنار بقوة واصدرت زفيرًا حارًا ثم انحنت لمستوى ابنتها وحملتها على ذراعيها هاتفة بنعومة محاولة تغير الموضوع :
_ أنا كلمته ومكنش بيرد عليا هو لما يفضى هيكلمنا .. المهم إيه رأيك نروح نتفرج كرتون حلو على TV

اماءت لأمها بالموافقة في وجه عابس وسارت بها جلنار للخارج نحو التلفاز وجلسا على الأريكة ثم بدأو بمشاهدة أحدى قنوات الأطفال .

***
خرجت نادين من باب المنزل ثم تلفتت حولها في الحديقة تبحث عنه لكن لا أثر له .. تحركت وهي تجوب الحديقة بنظرات دقيقة على أمل أن تعثر عليه يجلس في أحد الأركان بمفرده .. وإذا بها تلمح ضوء خافت منبعث من غرفة خلفية في الحديقة لديها باب خشبي ضخم ! .. تقدمت نحوها بخطوات بطيئة ثم وقفت أمام الباب وحاولت النظر من فتحات الباب الخشبية علها ترى شيء ولكنها لم تتمكن من رؤية شيء .. مدت يدها وفتحت الباب بهدوء شديد وهي تدخل جزء من رأسها تلقي نظرة متفحصة أولًا في المكان حتى ترى إذا كان هو من يجلس هنا أم لا .. وبالفعل وجدته يجلس على أريكة عريضة وكلاسيكية جميلة وأمامه شاشة تلفاز ضخمة أشبه بشاشة السينما ، غضنت حاجبيها بحيرة ثم دخلت بخطوات هادئة تمامًا كصوتها :
_ حاتم !!
التفت لها برأسه فور سماعه لصوتها وابتسم لها بدفء يهتف وهو يشير لها بأن تقترب وتنضم له :
_ تعالي يا نادين
بادلته الابتسامة لكن بأخرى كلها ريبة وسارت إليه ثم جلست بجواره فوق الأريكة وهدرت بتعجب :
_ شو اللي مقعدك وحدك هيك ؟!
لاحظت العبوس على ملامحه وهو يبتسم لها بمرارة ثم يعود بنظره للشاشة ويتمتم بصوت خافت وحزين :
_ من وقت وفاة بابا وماما اللي يرحمهم وأنا مدخلتش الأوضة دي .. كل ما آجي البيت مش بقدر ادخلها ، وبعد تفكير طويل دخلتها النهارده أخيرًا بعد خمس سنين متخيلة

_ لشو كانت هاي الأوضة ؟!

سألته بفضول واهتمام بعد أن رأت العبوس والحزم على محياه ، بينما هو فأخذ نفسًا عميقًا ورد عليها بألم :
_ بابا كان أغلب الوقت مشغول ومش بيعرف يقعد معانا فماما اقترحت إننا نعمل الأوضة دي وكنا كل خميس بليل بنقعد كلنا هنا كعائلة نتفرج ونلعب ونهزر .. وكان في قوانين إن بابا بيقفل تلفونه تمامًا في الوقت ده عشان محدش يزعج جلستنا .. في الوقت ده كنت أنا لسا في الابتدائي ولغاية ما وصلت للثانوي واحنا كنا مواظبين على العادة دي .. وحتى لما بقينا مش بنعلمها كل اسبوع زي الأول كنا كل فترة والتانية بنيجي نقعد هنا كلنا مع بعض .. بس بعد الحادث وبعد وفاتهم أنا سافرت تاني لأمريكا ومبقتش بنزل مصر إلا زيارات قليلة وكأني بهرب من ذكرياتهم في البيت والأوضة دي بذات

تلألأت عيناها بالعبارات في تأثر .. تأثرت ربما ليس بسبب ما سرده لها من ذكريات جميلة كانت بينه وبين والديه ولم تعد موجودة بعد رحليهم .. بل لحزنه هو وعيناه التي لأول مرة تراها تلمع بالدموع ، ضعفت والمها قلبها لألمه .. فوجدت نفسها دون أن تشعر تمد يدها وتضعها فوق كفه تحتضنه بقوة وتثبت نظراتها عليه بثقة تخبره من خلالهم أنها ستظل دومًا معه ولن تتركه .
أخفض نظره إلى كفها الناعم الذي يحتضن كفه ولاحت ابتسامة محبة على شفتيه وبكفه الآخر أمسك بكفها الذي فوق يده وحتضنه بين كفيه بقوة متطلعًا في عيناها كأنه يجيب عليها بنظراته أيضًا .. وباللحظة التالية رأته يقترب منها ويلف ذراعيه حول خصرها ويضمها إليها معانقًا إياها في رقة هامسًا بالقرب من أذنها في نبرة تنسدل كالحرير ناعمًا :
_ شكرًا إنك موجودة يا نادين
بقدر ما صدمها بضمه لها بقدر ما أسعدها وكان شعور رائع وهي تعانقه .. فلفت ذراعيها حول رقبته وهمست فى صوت رقيق ساحر :
_ أنا دايمًا هكون موجودة معك وما راح اتركك أبدًا
رد عليها بخفوت جميل :
_ ربنا يخليكي ليا
لوهلة أحست بنفسها تحلق في السماء من فرط سعادتها وهي تسمع منه هذه الكلمات لأول مرة ، اتسعت ابتسامتها فوق ثغرها واغمضت عيناها بفرحة تستمتع بأول لحظة لطيفة بينهم .

***
بعد مرور ساعات قليلة .....
أجاب على الهاتف بهدوء وهو يقود سيارته :
_ الو
_ أيوة يا عدنان بيه أنا قلبت الدنيا على نادر ملوش أثر بس عرفت إنه ليه بيت قديم هعرفلك عنوانه فيه وهقولك فورًا
عدنان بصوت رجولي خشن ومريب :
_ عايز عنوان البيت ده قبل طلوع الشمس مفهووم
_ حاضر باشا متقلقش كمان كام ساعة بالظبط ويكون العنوان بين ايديك

انهى الاتصال وألقى الهاتف بجانبه على المقعد المجاور وعاد يثبت نظره على الطريق وهو يقود بهدوء .. توقف الطوفان وهدأت العاصفة لكن الخراب الذي خلفته لن يُمحي ، سكونه غريب وكأنه تحول مائة وثمانون درجة عن الصباح .. الوحش المخيف الذي كان منذ ساعات أصبح هادئًا بشكل ربما يخيف أكثر .

توقف بسيارته أمام منزله ونزل منها ثم قاد خطواته في الحديقة متجهًا نحو الباب الرئيسي للمنزل ، أخرج المفتاح من جيبه ووضعه في القفل ثم فتح الباب ودخل .. وكالعادة كان المنزل يعمه السكون والهدوء الشديد ، فتحرك أولًا تجاه غرفة ابنته ليطمئن عليها في فراشها ثم اتجه إلى غرفته .. فتح الباب ببطء ودخل فوجدها نائمة في الفراش والغطاء بعيدًا عن جسدها ، تنهد الصعداء بعد أن تأملها لدقيقتين واقترب منها ثم انحنى عليها ومد يده يمسك بالغطاء ويسحبه على جسدها ، لمست يده جسدها بعفوية وهو يدثرها فانتفضت هي وفتحت عيناها مفزوعة هادرة :
_ بتعمل إيه ؟!
عدنان في صوت رخيم :
_ ولا حاجة كنت بغطيكي
دققت النظر في وجهه ولا تعلم لما حدثها قلبها بأن هناك شيء حدث خصوصًا بعدما سمعت نبرته الرخيمة التي نادرًا ما يتحدث بها .. سحبت الغطاء على جسدها جيدًا وهي تعتدل في نومتها وتهمس باقتضاب :
_ شكرًا
تحدث للمرة الثانية يسأل بنفس نبرته السابقة :
_ اكلتي ؟
تعجبت سؤاله وطريقته لكنها اماءت بإيجاب في نظرات تطلق علامات استفهام ، انتصب في وقفته أخيرًا وتمتم بإيجاز وخفوت :
_ كملي نوم .. تصبحي على خير
تابعته بعيناها في تدقيق وهو يستدير ويغادر الغرفة ، كانت شبه مدوهشة من هدوئه وأسلوبه المختلف في الحديث .. بعد ثواني معدودة سمعت صوت باب المنزل ينغلق فضيقت عيناها بذهول ( هل رحل مجددًا بهذه السرعة !! ) وثبت من الفراش واقفة واسرعت نحو الشرفة تنظر منها فوجدته جلس على الأريكة المتوسطة في نصف الحديقة واطفأ جميع الأضواء ليبقى في الظلام الدامس لا ينير الحديقة سوى ضوء القمر الخافت .. سؤال وحيد طرحته على نفسها في هذه اللحظة وهي تهتف بحيرة :
_ واضح إن في حاجة حصلت !!

بينما في الأسفل فكان هو هادئًا بشكل يخنقه هو ذات نفسه ، يمكن القول أنه احتفظ بالموجة الثانية من الطوفان حين يعثر عليهم .. فنيران الخذي والألم المندلعة في صدره أوشكت أنه تجعله رمادًا ، كان يتساءل عن هوية ذلك الوغد الذي تقوم بخيانته معه واتضح أنه مع اقرب صديق له تمامًا كما كان يشك ، كلاهما تآمرا عليه وكان هو الأغبي في المؤامرة لكنه لن يخرج خاسرًا .. سيذيقهم العذاب الوانًا وأشكال .. وبالأخص هي ! ، لم تستحق ذرة واحدة من الحب الذي منحه لها .. ثقته العمياء وتعلقه بها جميعهم كانوا لسذاجته فقط .. منذ الصباح وهو يطرح سؤال واحد ( لماذا وكيف ؟! ) .. ربما لم يكن عليه أن يكون وفيًا إلى هذا الحد .. فهذا هو جزاء الإحسان .. الطعن في الظهر والشرف ، يقسم لها أنه كما أشبعها بحبه وأظهر لها كيف يكون الحب سيريها أيضًا كيف يكون العذاب والكره الحقيقي .
رفع يديها ومسح على شعره نزولًا إلى وجهه وهو يزأر من بين شفتيه كالأسد المجروح ويرغب في الانتقام والثأئر لجرحه .

***
في صباح اليوم التالي .......
ارتفع صوت رنين الباب فنهضت هي من مقعدها وسارت باتجاه الباب لتفتحه ، وهي تهتف بتلقائية بعد أن ظنت أنه هو وقد نسى شيء وعاد ليأخذه :
_ إنت مخدتش المفتاح ولا إااا......

ابتلعت بقية الكلمة في جوفها فور رؤيتها لعدنان يقف أمامها بهيئته المخيفة ويتطلع لها بنظرات لا يمكن وصفها إلا أنها أشبه بجحيم سيبتلعها الآن .

يتبع الفصل الرابع والعشرون اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent