Ads by Google X

رواية في غيابة الجُب الفصل الأول 1 بقلم نعمة حسن

الصفحة الرئيسية

   رواية في غيابة الجُب الفصل الأول بقلم نعمة حسن


رواية في غيابة الجُب الفصل الأول 

يُحكي أن قلوبٌ قد إنتزعت منها الرحمة لتصبح أشد قسوة من قلوب العتاة الچبابرة، أعماها حُب الذات و الأنانيه لتلقي بمن هو قطعةٍ من قلبها إلي التهلكة بيديها دون أن يرّف جفنها أو يجفل فؤادها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في يوم من الأيام التي تبعث في نفسك شعور بـ عدم الطمأنينه، هواءه بارد تشعر و كأنه محمّل بكل الطاقة السلبيه التي يحتويها المكان، ذهبت "مشيرة" إلي بيت ذاك الذي يتهّرب منها دائماً بعد أن أعطاها موثقاً بأنه سوف يتزوجها.

وقفت تقرع باب منزله بيأس و هوان تملكا منها و عَبَراتها تسابق دقات قلبها أيهما سيسرع؟!

أتاها صوت "رشدي" ذلك الكهل الطيب قائلاً:

_مش موجود يا "مشيرة" يا بنتي، قولتلك وفرّي صحتك و أعصابك و متسأليش عنه تاني.. ده كأنه فص ملح و داب!!

نظرت له "مشيرة" نظرات تَنُم عن كم الأذي الموجود بداخلها ثم جففت دمعاتها بظهر كفيها و أومات له بإيجاب ثم غادرت كما أتت!

عادت إلي بيتها تجرّ أذيال الخيبة ثم دخلت و ألقت التحية علي والدتها العجوز التي تسائلت:

_كنتي فين من صباحية ربنا يا مشيرة؟!

ثم أكملت بتوعد مبطن: ده الشيخ"بلال"حالف بس لما يشوفك.. إدخلي نامي بقا قبل ما ييجي.

نظرت "مشيرة" إلي والدتها بتأفف و قالت: شيخ؟! شيخ علي نفسه مش عليا.

زجرتها والدتها بغضب و قالت: إتكلمي كويس عن أخوكي.. أيوة شيخ.. ربنا يحميه لشبابه و يخليه.

هزت رأسها بلا مبالاه و قالت: والنبي يا اما أنا اللي فيا مكفيني.. أنا داخله و متصحينيش.

أسرعت "مشيرة" إلي غرفتها و قامت بخلع ردائها سريعاً ثم بدأت بفك ذلك المشدّ اللعين التي تربطه علي خصرها لإخفاء بطنها المتكوّر الذي بات ظاهراً.

_أنا مش عارفه ماسك و متبت فيا ليه، إذا كنت نفسي مش عيزاك!! أعمل إيه بس يا رب؟!

قالت جملتها وهي تحدّث جنينها صاحب الأشهر الخمسه بنزق ثم دخلت إلي فراشها المتهالك و أغمضت عينيها و سرعان ما غطّت بالنوم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"تري أنها و كأن قوةٍ ما تسحبها لأسفل و هي لا تقاوم أدني مقاومة تُذكر، تستمع إلي أصوات تتردد من حولها و كأن أحدهم يستغيث بها، أصوات متداخله لا تفقه منها شيئاً إلا كلمة واحده ميّزتها أذناها عن سائر الكلمات:

_مامااا إلحقيني!!

إلتقطت أذنيها تلكا الكلمتين لصوت صارخ باكي.

ظلت هي تجوب ببصرها يميناً و يساراً عن صاحب ذلك النداء و لكنها لم تجده.

فزعت من نومها بشدة عندما أحست و كأن أحد ما يمسك بقدميها و لكنها تنهدت عندما وجدت" القط"الذي ترعاه والدتها فـ ركلته بقدمها بإنزعاج و تمتمت: غور إنت كمان.

عادت لتكمل نومها و لكنها لم تستطيع، أطلقت لخيالها العنان فإذ به يقودها نحو مهلكها و معذبها الأوحد.

حدثت نفسها فقالت: منك لله يا "جمال".. من يوم ما عرفتك و أنا مشوفتش يوم عدل بس أعمل إيه.. أنا اللي أستاهل إني آمنت لـ كلب سعران زيك.. و ديني لأنتقم منك و أشربك العذاب ألوان بس ألاقيك!

شعرت بإقتراب خطوات أخيها من باب غرفتها فأغمضت عينيها بسرعه متصنعه النوم.

طَرق" بلال" باب غرفتها مرات عدة فلم تجيب فإنصرف عائداً نحو مكان مقعد والدته.

جلس بجانبها فسألته: عملت إيه يا حبيبي في جلسة النهارده؟!

تنهد مطوّلاً ثم أجاب: كان يوم صعب أوي أوي يا اما.. تخيلي بنت عندها 14سنه و معمولها سحر سفلي!! أنا مش عارف مين اللي يجيله قلب يأذي حد بالشكل ده؟! و عشان إيه أصلاً، الدنيا فانيه و مش مستاهله والله.

مصمصت والدته شفتيها بحسرة و قالت: يا حبيبتي يا بنتي.. منهم لله اللي بيأذوا الناس.. ربنا يأذيهم في نور عنيهم و يجازيك خير عن كل خير بتعمله يا حبيبي.. إوعي يا بلال تكون بتاخد فلوس قصاد الخير اللي بتعمله؟!

_و إنتي تعرفي عن إبنك كده يا أم بلال؟! إطمني.. كله لوجه الله.

أبتسمت و قالت: ربنا يحبك و يحبب فيك خلقه يا حبيبي.

_يااارب ياما.. عن إذنك بقا إيه.. أخدلي دش كده و أفرد ضهري ألا أنا هلكاان.

=لو جعان الأكل عندك.. إغرف و كل.

_لا مش جعان.. تصبحي على خير يا بركة.

=و إنت من أهله يا حبيبي.

قالت الأخيرة وهي تلوح بيديها للقطط التي ترعاها فإلتفوا حولها و بدأت بوضع الطعام و الماء أمامهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يقف "جمال" أمام منزله القديم المتهالك بعد أن جمع كل أغراضه من الداخل و نادي إلي "عطوة" الذي يعمل بالمقهي المقابل لمنزله و قال: بص يا "عطوة".. أي حد يسأل عليا قول له سافر الكويت و مش هيرجع قبل سنه.

_طب و الأبله "مشيرة" يا عم "جمال" دي يوماتي بتيجي تقف قدام الباب و تعيط و تفضل تخبط عليك.

=أهي "مشيرة" دي بالذات لما تيجي قوللها هو مسافر و مش راجع تاني أبداً.. تمام يا "عطوة"؟!

_أوامرك يا عم" جمال".

إستل "جمال" من جيب سترته حفنة جنيهات ثم وضعها بقبضة يد "عطوة"، ثم أخذ أغراضه و غادر الحـي.

قام بالإتصال بصديقه" مرسي" الذي أجاب و كأنه كان بإنتظار تلك المكالمه فقال: إيه يا "جمال" هو ده اللي ساعه و أرن عليك؟!

أتاه صوت "جمال" متذمراً و قال: يبني علي ما لميت هدومي و جبت الحاجة و خرجت.. ها أجيلك فين؟!

_تعالي علي الشقة الجديده حالاً.. الناس مستنيين و مجهزين الفلوس، عايزين نخلص من الحاجه دي قبل ما تتشم.

=حصل..نصايه و أوصل.. بس علي إتفاقنا.. إنت الربع و أنا التلت إربع.

_ياعم مااااشي.. إخلص بس وحياة أمك ألا أنا متوغوش.

=قربت أهو.. يلا سلام.

بعد مرور أقل من نصف ساعة كان يقف "جمال" أمام الشقة التي سيتم بها الإتفاق، طرق الباب ففتخ "مرسي" مسرعاً ثم جذبه للداخل مسرعاً و أغلق الباب بعد أن تطلّع حوله بأعين مرتابه!

_هاا يا "جمال" البضاعه حاضرة؟!

سأل كبيرهم المدعو"بيومي"، فأومأ "جمال" موافقاً و قال: حاضرة يا باشا و كله تمام التمام.. أشوف الفلوس بقاا.

نظر "بيومي" إلي شاب بجانبه ففتح حقيبة جلد كبيرة تمتلأ إلي آخرها بالنقود مما جعل أعين "جمال" و"مرسي" تجحظ بشدة و لعابهم يسيل علي ما يرونه فقال "جمال":

_سلّم و إستلم يا ريس.

أعطاه ذلك الشاب الحقيبه المزدحمه بالأموال فناوله" جمال"الحقيبه الأخري التي تحتوي علي "المخدرات" فأخذوها و إنصرفوا مغادرين.

جلسا"جمال"و"مرسي" يتقاسمان النقود بحسب إتفاقهما فتسائل "مرسي": هتعمل إيه بال2مليون دول يا بن الأبالسه؟!

_هعمل؟! دنا هعمل و هعمل و هعمل.. أول حاجه هـطير علي إسكندريه و هشتري أجدع شقه علي البحر و أتجوزلي بت متدلعه كده من بنات بحري و أفتح أي مصلحه أعيش منها.

=طب و" مشيرة "؟!

_مشيرة مين و زفت مين؟!مشيرة دي ورقتها باشت خلاص..خلينا ننضف بقا و نشوف النسوان النضيفه..و حسك عينك يا "مرسي" تعرفها إني لسه في مصر..أنا قايلهم في الحارة يبلغوها إني مسافر الكويت.

تعجب"مرسي"و لكنه شعر بغبطة تملؤه ولم يعقّب و إكتفي بإماءه مقتضبه منه فـ تابع "جمال"قائلاً:

_أدي يسيدي نصيبك أهو و فوقه بوسه..ألحق أهبأ أنا بقا علي إسكندريه و أصرّف الفلوس قبل ما يتحط عليهم..سلااام يا صاحبي.

=سلاام يا جمل.

علي الفور إنطلق"جمال"نحو الإسكندرية و قابل سمسار عقارات كان هو علي تواصل دائم معه و قام بشراء شقة تناسب متطلبات و إمكانيات"جمال" و أخذ منه النقود و سلّمه مفاتيح شقته ثم إنصرف.

ظل يتطلع حوله بحالمية و سعادة وهو يفرك يديه ببعضهما و يقول:والله و هتحلو يا يا "جمال يا بدري" و هتبقا من عين أعيان إسكندريه..الصبر حلو..كلها سنتين و أبقا "جمال بيه البدري"و يتضرب لي تعظيم سلام كمان!

أنهي جملته وهو يقفز قفزة متحمسه علي ذلك الفراش الوثير فارداً ساعديه يستقبل الأيام القادمه بصدر متسع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد مرور أربعـة أشهر......

إستيقظت"مشيرة" إثر ألم شديد يفتك بأحشائها،منذ أن تركت بيتها و هربت وهي تمر بأسوأ الظروف،لا تتناول الطعام لأيام متتاليه،حاولت مراراً و تكراراً التخلص من ذلك الرابض بأحشائها و لكنها فشلت فكانت تسأله دوماً:

نفسي أعرف إنت ولا إنتي متمسكين بالحياة علي إيه؟!مش هتلاقوا فيها غير كل حزن و غدر و خيانه..و بكرة تشوفوا.

تحاملت علي آلامها و نهضت تحاول الخروج من ذلك الكوخ النائي الذي تمكث به فلم تستطع، أحست بسائل لزج يسيل علي جانب قدميها فنظرت و تفاجئت عندما علمت أنها علي مشارف الولادة و أن جنينها أعلن قدومه للحياة.

سقطت في الأرض من شدة التعب،تفكر كثيراً ماذا ستفعل و كيف ستطلب المساعدة و ممن ستطلبها؟!

صرخت بأعلي صوتها تحاول الإستغاثه بأي شخص من الممكن أن يساعدها و لكن دون جدوي فنطق لسانها بقلة حيله:يااااارب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

_ياااااا رب.

قالتها والدة "مشيرة"وهي تبكي بقهرٍ فسألها"بلال":

=فيكي إيه يا اما؟!

قالت ببكاء:قلبي مقبوض يا بلال..حاسه إن مشيرة في ضيقه..يا تري إنتي فين يا بنتي؟!

مسح وجهه و شعره بضيق و غضب و قال:قلبت الدنيا عليها ياما و كأنها إتبخرت..لو حيه كان بان لها أثر.

_لااا..تف من بؤك هي عايشه أنا متأكده..بس هتجنن..إتخطفت ولا سابت البيت بمزاجها ولا راحت فين بس..يارب ينجيكي يا مشيرة يا بنت قلبي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مرت قرابة الساعة و"مشيرة" تحاول مساعدة نفسها كي تضع طفلها.

كانت حبات العرق تتناثر فوق جبينها بغزارة و حالها يُرثي له إلي أن إستمعت إلي صوت بكاء صغيرها و قد أطل برأسه فإنتزعته بشدة من داخلها و لفظت أنفاسها المشتته ثم زحفت قليلاً و إلتقطت سكيناً و قطعت به الحبل السري وهي تلهث بخوف شديد تملّك منها وذلك مخافة الوصمة التي تلحق بكل أمّ عزباء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بعد أن إستقر به الحال و قام بشراء "مطعم" بحي راقي في الإسكندريه،بدأت حياته تتبدل إلي الأفضل و كف عن تجارة الممنوعات و بدأ يخطو خطوات جدية.

في صباح يوم جديد و هو يفتح باب شقته الجديدة التي تعتلي "المطعم"الخاص به،فإذ به يصطدم بفتاة حسناء أسرت ملامحها الرقيقه قلبه.

تنحنح و إقترب منها و قال:إحمممم..صباح الخير يا آنسه.

إبتسمت و نطقت بصوتها العذب:صباح النور.

_إنتي جديدة معانا هنا في العماره؟!

=أيوة بقالنا يومين بس..حضرتك ساكن قديم هنا؟!

_لا أنا مالك..الشقه دي بتاعتي..و المطعم اللي تحت كمان بتاعي.

=معقوله!!مع إني كنت تحت إمبارح مشوفتكش!

_ممكن اكون كنت نايم..أصل أنا مواعيدي ملخبطه..علي العموم تنوري المطعم في أي وقت..هستني زيارتك.

=إن شاءالله..قريب جداً..عن إذنك عشان ماما بتنادي.

إنصرفت للداخل بعد أن أطلقت سهام عينيها علي قلبه الذي وقع صريعاً لها.

نزل هو إلي"المطعم" و محيّاه يبتسم لا إراديّاً.

أتاه إتصال من "مرسي" فأجاب:

_فينك يبني..رنيت عليك كتير و تليفونك مقفول؟!

=والله يا "جمال" كان عندي شوية مشاكل و أمي كانت تعبانه و مكانش ليا نفس لأي حاجه.

_لا ألف سلامه يا حبيبي..و هي عامله اية دلوقتي؟!

=أهو الحمدلله..أحسن..قوللي إنت عامل إيه؟!

_أنا فل الفل الحمدلله..ربنا كارمني آخر كرم و القشيه معدن..ما تيجي تشتغل معايا و سيبك من الحاره و دوشتها.

=و أسيب أمي و إخواتي لمين؟! ما انت عارف مفيش غيري..المهم كنت عايز أسألك عن "مشيرة".

_يوووه ده أنا نسيتها يبني..مالها"مشيرة"؟!

=مالها إيه؟!البت إختفت يبني و كأنها مكانتش موجودة من أصله..أهلها قلبوا عليها الحارة و مصر القديمه كلها ملهاش أثر..إنت عملت فيها إيه؟!

رفع"جمال"كتفيه بعدم إهتمام و قال:

_و أنا هعملها إيه..أنا من آخر مرة كانت معايا فيها و أنا مشوفتهاش تاني..و بعدين متقلقش علي اللي زي"مشيرة" تلاقيها غطسانه مع زبون جديد ولا حاجه و لما تخلص المصلحه هتظهر تاني.

=يا عم حرام عليك..إنت عارف إنها مش كده و كانت ماشيه معاك عشان بتحبك بجد.

_يا عم "مرسي"الكلام ده مبياكلش ولا يشرب معايا..منتا عارف اللي فيها..و بعدين أنا ناقصني إيه عشان أتجوز واحده متداس عليها قبل الجواز..لا ده أنا بكره هوريك اللي هتجوزها دي شكلها إيه؟!و ديني لأتجوز برنسيسه.

=برنسيسه؟!ربنا يهديك يا"جمال"و يسامحك.

_ماشي يا شيخنا..إدعيلي..يلا هروح أنا بقا عندي شغل.

=ماشي يا صاحبي..مع السلامه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

علي مضض..نهضت و حاولت تجاهل تلك الآلام التي تفتك بجسدها كلياًّ..قامت و جذبت قميص خاص بها و لفت به مولودتها ثم إرتدت ملابسها و نقابها ثم خرجت من الكوخ تحمل طفلتها التي لا تكف عن البكاء و الصراخ.

_بتعيطي ليه؟!منا قولتلك أنا منفعكيش..جيالي أعمل بيكي إيه؟!ولا هعرف أرضعك..ولا هعرف أخلي بالي منك..إنتي كده كده ميته.

سارت قليلاً حتي رأت علي إمتداد بصرها"بئر" فتقدمت منه و وقفت أمامه ثم نظرت إلي طفلتها بأعين باكيه و قلب مشتعل و قالت:سامحيني..مينفعش أتعلق بيكي و بعدين أموتك..دلوقتي أحسن!

قالت الأخيرة متجاهله صراخ تلك الصغيرة ثم رفعتها إلي أنفها تشتم رائحتها للمرة الأولي و الأخيرة ثم ألقت بها إلي البئر..و مضت!


يتبع الفصل الثاني  اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent