Ads by Google X

رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل العاشر 10 بقلم مريم محمد

الصفحة الرئيسية


   رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل العاشر بقلم مريم محمد غريب 



رواية و قبل أن تبصر عيناكِ الفصل العاشر 

محرابه المحرم على الجميع، لا يستقبل فيه إلا قلة، من ضمنهم أبناؤه كما جرت العادة منذ سنواتٍ طويلة، عندما قرر أن ينأى بنفسه عن بقية عائلته، أن يبتعد عن زوجته و يتخذ من دونها مكانًا أكثر خصوصية لا يسعه فيه إلا التفكير و التواصل معها بقلبه و عقله و كل وجدانه 
ربما هذا ضربًا من الجنون، لكنها كانت الطريقة الوحيدة التي تهون عليه مرارة غيابها و حرمانه منها.. كانت وحدته هي السلوى التي تمنحه سكينة نسبية ... 
أما اليوم 
اليوم قد فتح عينيه على مكالمة هاتفية من زوجته، طلبت منه لقاءً عاجلًا و قد كان صوتها يكنف انفعالًا مبطنًا.. لم يكن يريد لها هي بالأخص أن تطأ قدماها هذا المكان 
لكنه كان يدرك فداحة الوضع بالاسفل، رغم أنه سيطر عليه كليًا و طوى الصفحة بشكلٍ سطحي، إلا أنه يعلم بأن ما بالقلوب يظل بها، و أن كثرة الضغط تؤدي إلى إنفجارٍ حتمي 
لذلك هو قد وافق على استضافتها لوقتٍ وجيز، ليسمع منها ما تود الادلاء به.. ليرى و تكون الصورة كلها واضحة أمام عينيه، فيتصرف على أساسها ... 
°°°°°°°°°°°° 
لم تتكلّف كثيرًا في مظهرها، فهي تعرف جيدًا و منذ زمنٍ طويل بأنها مهما فعلت أبدًا لن تنال إعجابه.. أو حتى رضاه 
آمنت دون جدال بأنه ليس لها، و أن قلبه لأخرى، ما من فرق إذا بقى معها بجسده... لقد تعلّمت على يديه ألا تسمح لنفسها بالتمني أو تعليق الآمال 
لقد نست بأنها أنثى على أيّة حال ... 
صعدت "هانم" إلى الطابق الخاص بزوجها، كان يضع لها المفتاح بالقفل، فلم تضطر لقرع الجرس.. فتحت بنفسها، ثم ولجت بحذرٍ و هي توزع نظراتها لأول مرة بالشقة فاخرة الفرش و الأثاث على مختلف أشكاله و أنواعه 
ظنّت بانه هنا بمكانٍ ما، لكنها لم تجده مطلقًا.. فصاحت منادية باسمه بصوتٍ جاف : 
-سالم ! 
لم يجعلها تكرر ندائها، إذ هتف بصوته الرصين من إحدى الغرف بالداخل : 
-أنا هنا يا هانم.. خشي ! 
و ها قد حصلت الإذن ... 
أغلقت باب الشقة خلفها، سحبت نفسًا عميقًا، ثم مشت تجاه المسار الذي صدر منه صوته.. لحظاتٍ... و كانت تقف عند عتبة الباب الموارب 
مدت يدها و نقرت نقرتين، فأتى صوته سامحًا لها للمرة الثانية : 
-خشي يا هانم ! 
كان وجهها محكم التعابير الواجمة، رفعت ذقنها و دلفت إليه بشموخٍ، و لكن عينيها كانت بالأرض، مسبلة أهدابها هكذا كدليلٍ على احترامها لكبير البيت.. كبير العائلة و الحي كله.. زوجها ... 
-صباح الخير ! .. ألقت عليه بتحيتها باقتضابٍ ملحوظ 
بينما كان هو يقف أمام خزانته بروب الاستحمام، كان يستعرض مشاجب العباءات خاصته، يختار واحدة بعنايةٍ كما إعتاد و هو يرد عليها : 
-صباح الخير.. خير يا هانم. إيه الموضوع المستعجل ده إللي ماينفعش يستنى و كنتي عاوزاني فيه ؟! 
بدا عدم إكتراثه لزوجته، أما هي فلم تكن تنتبه لوضعه.. إلا حين أمرها فجأة بصوته الفاتر : 
-هانم.. ياريت تنطقي أسرع من كده. أنا لسا يومي طويل 
و هنا رفعت عينيها صوبه ... 
كان وجهها محتقن.. بسبب إسلوبه معها، لكنه الآن يتحوّل إلى الشحوب التام حين نظرت و شاهدته على هذه الصورة 
صورة أكثر حميمية، منذ متى لم تره عليها ؟ 
أجل تتذكر جيدًا 
قبل ميلاد إبنتها "سلمى" بثمانية أشهر 
أي منذ ثلاثة عشر سنة !!! 
و مع ذلك... لم يبدو أقل حيوية و شبابًا.. كان كما عهدته دائمًا.. رمزًا للرجولة الكاملة... و مثالًا حي للقسوة و العذاب 
تتمالك "هانم" نفسها قبل أن تفضحها مشاعرها الدفينة تجاهه.. و تحمد الله بأنه يقف موجهًا لها ظهره، لم يراها و هي تحدق فيه كأنها لا ترى رجلٌ غيره على ظهر هذا الكوكب 
تنحنحت منظفة حشرجة حنجرتها، ثم قالت بجمودٍ و هي تضم يديها أمامها كتلميذةٍ : 
-أنا كنت عاوزاك بخصوص مصطفى ! 
-ماله ؟ 
-مصطفى حالته وحشة أوي من إمبارح 
رد عليها و هو يسحب أخيرًا عباءة تناسب يومه : 
-حالته وحشة إزاي يعني. محتاج دكتور. أبعت أجيب من المستوصف و لا إيه ؟! 
رمى بالعباءة فوق السرير، ثم تطلع إليها بانتظار جوابها، بينما تقول مقطبة جبينها : 
-لأ هو علي و حمزة جابوله دكتور إمبارح و طمنا عليه.. هو كويس. بس نفسيته هي إللي مش كويسة خالص 
لوى "سالم" فمه و هو يقول بتهكمٍ : 
-و المطلوب مني إيه يعني.. ألبس بلطو و أنزل أعمله دكتور نفساني و لا إيه مش فاهم !! 
فارت دمائها غيظًا من طريقته، فشدت على أسنانها مغمغمة بحنقٍ : 
-لأ إنت مش مطلوب منك حاجة خالص يا سالم. هو بس من ليلة إمبارح و هو على جملة واحدة.. "دخلتي على فاطمة الجمعة الجاية" ! 
سالم ببرود : يبقى يشوف مين هايدخله عليها الجمعة الجاية 
-ده إبني يا سالم !! .. هتفت "هانم" منفعلة فجأة
-مصطفى ده غلاوته عندي بولادي كلهم. مش كفاية إللي حصله طول عمره.. عاوز تموتهولي بقهرته ؟؟؟؟ 
سالم بحدة : صوتك عالي.. و بعدين إيه إبني هو إبنك لوحدك. بلاش شغل النسوان ده تتعاملي بيه معاه. خليه يبقى راجل 
-إبني راجل غصب عن أي حد !!! .. صاحت بعصبيةٍ مفرطة 
ليقترب منها خطوة على سبيل التهديد و هو يزجرها بخشونةٍ : 
-مش هحذرك تاني تعلي صوتك عليا.. فوقي يا هانم. إنتي واقفة قصاد سالم الجزار. ماتنسيش نفسك 
تفقد "هانم" السيطرة على أعصابها تمامًا الآن و هي تقف في مواجهته ناطقة بلا خوفٍ : 
-إنت إللي ناسينا و نسيت إن ليك ولاد غير المحروس إبن البرنسيسة بتاعتك. إنت فاكر إيه.. ماجبتش عيال غيره ؟
لو انت شايفه الدنيا و ما عليها أنا شايفة الضوفار إللي بيطره مصطفى برقبته و رقبة إللي خلفــتـ ــه آ آااااااااااااااه !!!! 
غصّت بقية عبارتها بحلقها و استبدلتها بصرخة متألمة 
حين هوى كفه الضخم على خدها بلحظة، فأطاح بوجهها للجهة الأخرى ... 
عاودت النظر إليه فورًا 
هذه هي المرة الأولى التي تمتد يده إليها هكذا، كما هي المرة الأولى التي تعمد إلى التطاول عليه لفظًا و فعلًا... لا تصدق، لقد صفعها حقًا 
و إذا لم تكن مصدومة كليًا، فإنها تشعر الآن بطعم الدماء بفمها، لعل صفعته سببت جرحًا داخليًا بشفتها السفلى حسب ما تظن ... 
-بتضربني يا سالم ؟!!! .. همست بذهولٍ لا يخلو من الاستنكار 
بينما يقف أمامها مرفوع الهامة، يبادلها نظرة الصدمة بأخرى متجبرة، تتسم بالاجرام الذي يصنعه و يصدره، الآن فقط أدركت "هانم" بأنه في حياته لم يضمر لها و لو ذرة عطف.. أو حتى شفقة ! 
فجأة أصبحت الغرفة حارة، كأن اجوائها خانقة.. و هو لا يزال واقفًا كما لو أنه يتربص لها على كلمة أخرى تنطقها و لم تعجبه 
لكنها بعد الذي فعله لم يعد شيئًا يهمها حتى لو قتلها الآن 
هنا 
كزت على أسنانها قبل أن تجرؤ على إذلال نفسها معه أكثر مما فعلت طوال عمرها، استدارت مجددًا لتواجهه، ثم صاحت من قلبٍ محروق : 
-هو أنا مستنية منك إيه غير كده. صحيح ده أنا هبلة أوي.. فيها إيه يعني لو مديت إيدك عليا. أزعل ليه بعد ما عملت فيا اكتر من كده. إنت إيه أصلًا بالنسبة لي ؟
إنت و لا حاجة.. عارف و لا حاجة إزاي ؟! أنا هاقولك ..
من 30 سنة لما جيت تطلبني من أبويا و أنا لسا بت 16 سنة. لسا قطة مغمضة و مقفول عليا. كنت الراجل الوحيد إللي شوفته بعد رجالة عيلتي و محارمي. كل البنات حسدوني عليك لما جبت أبوك و جيت تخطبني. رغم إنك كنت لسا صغير في السن. يدوب أكبر مني بكام سنة. بس كل إللي كان يعرف إن سالم إبن شبخ المعلمين مصطفى الجزار عاوز ياخد هانم بنت عبد الرحيم عليان كانوا بيقولوا يا هناها يا سعدها.. دي إللي تكون مرات زينة الشباب سالم. كبير ولاد الجزارين و دراع أبوه اليمين الناصح إللي مايقدرش عليه ألا إللي خلقه. الناس كانوا بيحبوك و بيخافوا منك في نفس الوقت.. و أنا. أنا ماكنتش فاهمة أي حاجة. بس زيهم كلهم إنبهرت بيك و حبيتك. أول ما شوفتك من ورا الباب و إنت قاعد واثق من نفسك و من كلمتك. أبويا لما جه و سألني موافقة قولتله و أنا مغمضة موافقة يابا. كتبت عليا في نفس اليوم.. خدتني منغير زفة و لا فستان. العيلة أم ضفاير. فجأة كده فكيت ضفايرها دي بإيديك و حوّلتني من بنت لست منغير أيّ مقدمات. رغم كده.. كنت عبيطة و فاكرة إن ده الطبيعي. و إن هي دي السعادة بس أنا محتاجة أستوعبها و أعيشها.. لحد ما فوقت على كابوس
و هو إن عمرك ما حبتني. و لا حتى عاملتني كأنثى. لما جالي خبر جوازك بعد فترة طويلة شوية من جوازنا. إنت حتى مادتنيش فرصة أحبل.. كنت عارف إني لسا صغيرة. إتحججت و روحت إتجوزت و خلفت. كنت بتجيلي في الشهر مرة تقضية واجب و ساعات ماكنتش بتعبرني أصلًا. لحد ما حبلت في مصطفى.. و كنت فاكر إنت إن العلة فيا و إني مابخلفش. من بعدها و إنت بتلمسني بحساب و ترتيب إنت فاهمه و عاوزه. أعدلك كام مرة لمستني بعد ما إتجوزت بنت الباشا بتاعتك لحد اللحظة دي ؟
3 مرات. 3 مرات يا سالم... مصطفى. حمزة.. و سلمى !!! 
و سكتت عند هذا الحد
بعد أن أحصت له على أصابعها
شعرت بوخز بعينيها و اكتشفت بأن الدموع تلح عليها لتظهر، لكنها قاومتها بشدة و هي ترفع رأسها محدقة بقوة أكبر إلى عينيه الجامدتين كتعابير وجهه ... 
-كسرتني ! .. تمتمت بمرارةٍ 
-قضيت على ثقتي في نفسي. بقيت مقتنعة إن الغلط مني.. إني مش حلوة. مش مرغوب فيا.. إنت وصلتني إن بقى عندي وسواس. ده مابيحبش يقربلك عشان إنتي مقرفة. ف بقيت مهووسة بنضافتي الشخصية. بعدين لاقيت مافيش حاجة بتتغير. إنت لسا زي ما إنت. ف قلت أكيد عشان مهملة في نفسك.. مش بتجددي في شكلك. و هدومك بلدي مش ألا فرانكا زي البرنسيسة بتاعتك. مكياجك و برفاناتك رخيصة و هو كل ليلة بيترمي في حضن واحدة شكلها لوحده مش بس ينسيه وشك العِكر. لأ.. ينسيه إسمه كمان. نزلت و لفيت على أكبر المحلات. إشتريت أكوام من الاحمر و الاصفر و البرفانات و لبس حريمي اشكال و ألوان.. على أمل أعجبك زيها.. و بردو كل ده و لا أثر فيك ... 
إختنق صوتها في هذه اللحظة، و قد كوّنت الدموع المحبوسة بداخلها غصّة، ضغطت بقسوة على حنرجتها مانعة إياها من الكلام... إنها تخبره بتفاصيل لا يجب حتى أن تذكرها بينها و بين نفسها
بالرغم من هذا كافحت لتلقي أخر ما بعجبتها مغتنمة تلك الفرصة لتصارحه بكل شيء لأول و لأخر مرة : 
-حتى بعد ما سابتك و مشيت.. زي ما تكون اعتزلت صنف الستات من بعدها. بنيت الدور ده و قعدت فيه لوحدك.. و رمتني أنا تحت أخدم أمك و عيالك وأخدمك بردو. منغير كلمة شكر.. و أخرتها. بتوريني رجولتك إزاي ؟
بمد الإيد.. بتمد إيدك عليا عشان تقولي إنك لسا راجل و تعرف تتصرف معايا. ماشي.. لو ده إللي يريحك أعمله يا سالم ! 
و لم تزد كلمة أخرى 
أدارت له ظهرها و توّجهت ناحية باب الغرفة بنية الرحيل ... 
لكنها شعرت فجأة بقبضته الحديدية تمسك بذراعها من الخلف، ثم تجتذبها بعنفٍ لترتد إليه مصطدمة بجسمه الصلب، بينما يهتف بغلظةٍ : 
-بقى عاوزة تشوفي رجولتي يعني ؟
أوريهالك يا هانم.. مانتيش خارجة من هنا ألا و إنتي واخدة إللي عاوزاه ! 
إنكمش جسمها لتلك الفكرة التي أوردها إلى عقلها و فهمتها بسهولة، و لاحظ "سالم" ازدراء زوجته منها و الذي إنعكس في ردة فعلها و هي تحاول دفعه بيدها الأخرى قائلة بتوترٍ حاد : 
-إوعى يا سالم.. إنت شايفني إيه قدامك. أنا مش عيلة صغيرة على الكلام ده. سيبني ! 
إشتد غضبه، فرد بصوتٍ جمد الدماء بشرايينها : 
-و إنتي فاكرة أنا إللي كبرت صح ؟ 
لم يعطها فرصة للرد 
بل أنها أطلقت صرخة مذعورة قصيرة، حين إمتدت يداه و شق الجلباب الخفيفة أسفل العباءة السوادء التي ألقت بها فوق كتفيها ... 
و من دون أن تدرك حتى وجدت نفسها بلحظة بدفعة واحدة ملقاة فوق سريره الكبير.. جاءت لتنهض، لكنه دفعها في كتفيها بقساوة لتثبت مكانها 
ضمت طرفي الجلباب إلى صدرها المكشوف، بينما يجثم فوقها بعد أن فك رباط روب الاستحمام.. تتسع عيناها صدمة، و كأنها المرة الأولى، و كأنها ببقائها فوق الرف مغطاة بالغبار، كأنما مُنحت عذرية جديدة 
حتى هو... أحست بأنه صار أشد ضرواة مما كان أبدًا.. و لكنها أبت.. بكل ذرة فيها أبت أن يقربها هكذا 
و مع أنها كانت تحافظ دومًا على العهد الذي قطعته لنفسها، بأن لا أحد و لا حتى هو مسموحًا له برؤية قطرة واحدة من دموعها 
إلا إنها لم تستطع كبحها أكثر و هي تشعر بأن الأمر صار وشيكًا، أطلقت لنفسها العنان و بكت كطفلةٍ و سالت دموعها بحرارةٍ.. و من صدرها جاء نشيجٍ قانط و هي تصرخ متوسلة : 
-لالالالا.. خلاص يا سالم... خلاص ونبي عشان خاطري. سيبني أنا آسفة. و الله ما هفتح بؤي معاك تاني.. بس سيبني وحياة أغلى حاجة عندك تسيبني !!!! 
كان يسمعها جيدًا.... و لأول مرة يشعر بها... لكنه لم يستجيب لها.. و لم يتوقف أو يتركها لحظةٍ واحدة ! 
لم يصمت فمها عن التوسل إليه، حتى بدأت تتناسى الرفض الذي ملأها تجاهه شيئًا فشيء.. ربما حين تحوّلت تصرفاته من الشدة إلى اللين المفاجئ و الرقة !!!! 
هذا 
الذي يحدث 
كان عصيًا على التصديق بالنسبة إليها، لكنها مع الاحساس بسيطرته، و نعومته في آن.. أصابع يده و هي ترتفع لتزيح وشاح رأسها و تحرر شعرها الاسود الحريري الذي لم ينال منه الشيب بعد و لو بخصلةٍ واحدة
ضغط ذراعه حول خصرها النحيل، قبلاته الخشنة الذي يحركها غضبه عليها و أسفه في آن ... 
لم تستطع أن ترفض كل هذا 
و هي التي لطالما تاقت لوصاله، لطالما كانت بحاجة أن يشعرها بانها امراءة.. امراءته هو... يرغبها و يشبع لها احتياجاتها 
بالضبط كما يفعل الآن ! 
_____
فوق سفح جبلٍ لا يبعد كثيرًا عن محل إقامته ... 
كان "رزق" يبيت طوال الليل في سيارته هنا، فوق أعلى قمة.. حيث بامكانه رؤية المدينة كلها 
صحيح كان ظهره يؤلمه، لكنه إعتاد، فقد نام في الماضي على أشياء اسوأ من كرسي قيادة مائل ... 
كانت الكلاب و جرائها ينامون فوق مقدمة السيارة و حولها جماعاتهم كأنهم يصنعون حوله أجواء من الونس... لكن ما إن تصاعد رنين هاتفه حتى انتفضت الجراء الصغيرة و فرت بعيدًا 
بينما أخذ بعض الوقت ليعود إلى وعيه تحت إلحاح المتصل 
و بدون أن يزيح جفونه، سحب هاتفه من جيب سرواله و فتح الخط و هو يضع السماعة فوق أذنه ... 
-آلوو ! .. غمغم "رزق" بصوتٍ ناعس 
أتاه صوت "نسمة" نزقًا على الفور : 
-رزق ! إنت فين يا رزق ؟؟؟ 
لا يزال صوته ناعسًا : 
-نوسا.. صباح الخير ! 
-قصدك مساء الخير.. إحنا العصر يا حبيبي. إنت فين ؟ أنا من إمبارح بكلمك 
-أنا بايت برا من إمبارح آ .. 
قاطعته بغضبٍ واضح : 
-بايت برا ؟!
و بايت عند مين بقى إن شاء الله.. أوام كده راحت عليا. و لا تكونش زهقت مني !!! 
-إبلعي ريقك شوية يا نسمة !! .. قالها "رزق" بخشونة و قد أفاق الآن 
-في إيه على الصبح.. شادة السلخة عليا و أنا لسا مافتحتش عيني. بصي لو كيفك تتخانقي أقفل أحسن. أنا دماغي مش رايقة خالص 
تراجع اسلوبها الحاد بسرعة : 
-طيب خلاص خلاص.. أنا مش قصدي. افتكرتك بتعرف حد غيري 
-أعرف مين يابنتي. أنا فاضي.. ما إنتي صحيح مش عارفة حاجة 
-خلاص حقك عليا.. ونبي ماتزعل مني 
-طيب عاوزة إيه دلوقتي ؟ 
-عاوزاك.. عاوزاك تجيلي إنهاردة 
-خير يعني. في حاجة ؟! 
-مافيش حاجة. وحشتني.. و لا إنت مابتجيش ألا بمزاجك !! 
زفر "رزق" بضيقٍ، لكنه قال بهدوء : 
-حاضر يا نسمة.. هاجيلك 
نسمة بتلهفٍ : إمتى ؟!! 
رزق برفقٍ : هاخلص إللي ورايا و هاجيلك.. عاوزة حاجة أجبهالك و أنا جاي ؟ 
-إنت كفاية تجيب نفسك بس.. ما تتأخرش عليا 
-حاضر.. سلام ! 
-بحبك ! 
و انتظر حتى أغلقت هي أولًا ... 
أعاد الهاتف إلى جيبه و هو يضغط على زر مقعد القيادة الجانبي ليستقيم مجددًا، بينما جالت عينيه من حوله، فيرى الفوضى التي خلفها قبل أن يغط في النوم بعد الشروق بقليل
زجاجات الخمر التي سهر يتجرعها طيلة ليلته الماضية متناثرة و تحاصره من كل إتجاه 
تأفف و هو يفتح باب السيارة ليلقي بهم جميعًا إلى الخارج ... 
كان يشعر بدوارٍ و صداع خفيف ألم برأسه 
حتى مخزونه من الماء قد نفذ 
ليقرر و هو يشغل محرك سيارته المرور بالمطعم الشهير أسفل الجبل، يستخدم أولًا دورة المياه.. ثم إذا رغب فليأخذ وجبة خفيفة قبل أن يعود إلى الحي ... 
__________ 
حالة من الخزي الشديد و الخجل طغت عليها ... 
و هي تلملم ثيابها المبعثرة حولها بعد أن تم ما ناشدت حدوثه، الآن لا تعرف.. لعلها نادمة، لكنها لا تنكر بأنه منحها ما أرادت، بل و أكثر 
الأمر الذي ألمها فقط هو عودته لذاته الباردة، و الطريقة التي تركها بها.. كان هذا أشبه بخروجها فجأة من غرفة محكمة الدفء إلى صقيعٍ أشيب ... 
-إلبسي هدومك و إنزلي ! .. قالها "سالم" باقتضابٍ و قد وضع مئزر استحمامه فوق كتفيه مجددًا 
عندما نظرت إليه كان ينهض واقفًا، و يستطرد دون أن يلتفت نحوها : 
-محدش يطلعلي غدا إنهاردة.. أنا عندي مشوار و هاتغدى برا. إبقي إقفلي الباب وراكي ! 
و مضى متوجهًا إلى الحمام الملحق بغرفة نومه ليغتسل مرةً أخرى ... 
زمت "هانم" فمها و قد عاودها طعم المرار من جديد، ارتدت ملابسها ثانيةً، و كانت سترحل كما أمرها 
لكن... لم يسعها إلا الوقوف جامدة عندما قررت أن تشمل الغرفة بنظرة فاحصة فضولية قبل أن تخرج 
لترى لغريمتها.. ضرتها... إطارات و صورٌ معلقة في كل زاوية هنا 
حقًا ! 
أيحبها إلى هذه الدرجة الجنونية ؟ يعلق صورتها في كل مكان هكذا ؟!!! 
شدت "هانم" على فكيها و هي تقترب من أكبر إطار يحوي صورتها أمام فراش زوجها مباشرةً.. و قد كانت صورتها هي و طفلها... "كاميليا" و "رزق" في طفولته
أجل بالطبع
أكثر شخصين يحبهما "سالم الجزار" في هذه الحياة ... 
كان إغراء كبير 
لم تستطع مقاومته.. أمسكت "هانم" بتحفة خزفية مجاورة، و بكل غضبها و نارها ضربت زجاج الإطار صارخة... ليسقط شظايا متناثرة 
لم تنتظر بعدها لحظة أخرى و هربت قبل أن يخرج و يكتشف جريمتها ... 
لكنه كان هنا، حيث يقف مكانه أسفل زذاذ الماء البارد، سمع كل هذا الضجيج و صرختها الحادة.. و قد كان يعرف جيدًا ما أقدمت على فعله.. فلم يسعه إلا أن يبتسم ببرودٍ و يسترخي لبرهةٍ قبل أن يعود إلى عالمه الحالك من جديد ! 

يتبع الفصل الحادي عشر اضغط هنا

google-playkhamsatmostaqltradent