Ads by Google X

رواية أتحداك أنا الفصل الرابع 4 بقلم أميرة مدحت

الصفحة الرئيسية

  رواية أتحداك أنا الفصل الرابع بقلم أميرة مدحت


رواية أتحداك أنا الفصل الرابع

ضوضاء وتشوش يُصاحبانها، أحاطا بعقلها، غمامة سوداء باهتة تزحف بعيدًا عن وعيها؛ لتسمح بتأوهاتٍ خافتةٍ متلاحقةٍ تنطلق من صدرها؛ لتبدأ ذاكرتهـا بإسترجاع اللحظات الأخيرة قبل أن تفقد وعيهـا، تشنج جسدها، وقاومت ثُقل جفنيهـا بفزعٍ، وهي تحاول فتح عينيهـا مراتٍ ومراتٍ، مقاومتهـا تزيد تدريجيًا مع زيادة نبض قلبهـا الذي يضخ الدم في عروقها بجنونٍ، وقد تمكن منها الرعب قبل أن تفتح عينيهـا تمامًا.
وقبل أن تُدرك وضعهـا الصعب، سمعت صوته الساخر الذي جذب انتباههـا نحو الباب الخشبي العريض في زاوية تلك الغرفة الغريبة:
-لما تستوعبي، إبقي قوليلي.
تجمد بصرها ذاهلةً فوق سطح وجهه البارد النظرات وهي تهمس بإسمه:
-مراد؟!..
كان واقفًا مُستندًا بكتفه إلى حافة الباب المفتوح عاقدًا ذراعيـه فوق صدره، إبتسامة ساخرة زينت شفتيه وهو يقول:
-مفاجأة، بس ماتقلقيش مش هتدوم.
لحظةٌ، أثنتان، ثلاث.. لا تتكلم، صامتةٌ مذهولةٌ كما هي تناظره بعينين شاخصتين، نهضت من على الفراش ببطءٍ، محاولةٍ أن تتغلب على دوار رأسهـا الذي هاجمها بضراوة قبل أن تقول بصوتٍ متجهم:
-عايز إيه يا مراد؟؟..
رفع كتفيه بلامبالاةٍ كأن الأمر لا يعنيه، مُجيبًا وهو يحدق بعينيهـا:
-الموضوع ميخصنيش، دي أوامر والدك.
أنفرجت شفتاها بتساؤلٍ قائلةٌ:
-يعني إيه؟؟..
دنى منها عدة خُطوات قبل أن يسألها بصوتهِ الحاد:
-كُنتي بتعملي إيه لما هربتي من هنا على مصر؟؟.. عشتي هناك إزاي في الشهر إللي أختفيتي فيه بعيد عن داود باشا.
ألقت عليهِ نظرةٍ مُحذرةٍ ناريةٍ وهي تُجيبـه:
-إنت جاوبت بنفسك، كنت هربانة منه، ولما بعت حد عشان يقتلني وضربني بالنار، إنت إللي عالجتني بنفسك، فقررت بدل ما أموت في الشارع، أرجعله تاني.
بحروفٍ مُهددة قـــال:
-يعني إنتي مفكرتيش تخونيـــه؟!..
لحظةٍ واحدةٍ فقط، وصوت ضحكاتهــا تعالت بالمكان، بينما هو يحدق فيهـا بغضب جامح لا أحد يعلم سببه، صمتت فجأة وهي تسأله بتهكم:
-هروح مثلًا أبلغ عليه؟؟.. طب إزاي وهو كل عملية كانت بتتعمل كنت ببقى أنا معاه فيها، هودي نفسي في داهية يعني؟؟..
صمت طويل دام، قبل أن يخرج سلاحـه الخاص به الذي كان مُندس خاف قميصـه، ثم صوبـه نحوهـا وهو يقول:
-أنا عندي تعليمات بإني أبعتك لرحلة بدون رجعة، مُتأكدة إنك مخونتيناش؟؟..
رمقتـه بثقةٍ وإبتسامةٍ صغيرةٍ مُرتسمة على وجهها وهي تقول:
-إللي زيي مش بيخاف من الموت، وردي هو هـو، محصلش أي خيانة، لأن ده معناه هلاك لنفسي.
ثم نظرت للسلاح وهي تُضيف:
-تقدر تضرب.
أتسعت إبتسامتـه الساخرة، قبل أن يمد يده بالسلاح وهو يقول بثبات:
-إثبتي ده بنفسك.
أمسكت السلاح بعينين حادتين خلفهمـا الكثير من الألم، سُرعانٍ ما أغمضت عينيهـا وهي تضع فوهه سلاحـه على جانب جبينهـا، تستعد لإطلاق النار، ضغطت على الزناد ولكن لم تنطلق أي رصاصةٍ، فتحت عينيها بدهشة وهي تنظر للسلاح قبل أن تسمعه يهتف بجمودٍ:
-كده أثبتي عدم خيانتك لينا، يالا بينـا نرجع عشان نتفق على العملية، لأن السفر بكرا.
نظرت لـه بعينين حادتين لتقابلهـا عينيـه القاسيتين، أمسكت يده بقوةٍ لتضع السلاح على راحة يده قبل أن تقول بصوتٍ هامس خافت:
-المرة دي هعديهـا لأنها أوامر داود باشا، غير كدا مش هيحصل المرة الجاية إنك تقف قصادي وتهددني كدا.
وبدون كلمةٍ أُخرى تركتـه مُغادرة من ذلك المكان الذي أشبه بمخزنٍ قديمٍ، راقبهــا بعيونٍ قوية وهو يمسح على شعره بقوةٍ قبل أن يهمس بصوتٍ شارد.. وبه شيءٍ من خيبة الأمل:
-خُسـارة، خُســارة يا لينـا، أول مرة ظني يخيب.
*****
ما أن عادت إلى القصر حتى ركضت بسرعةٍ خفيةٍ نحو غُرفتهـــا، ثم أغلقت الباب بالمفتاح حتى تمنع دخول أيّ شخصٌ مؤقتًا، نبضات قلبهـا تتزايد بعنفٍ، أغرورقت عينيهـا بالدموع القهرة وهي تنظر حولهـا بغضبٍ حـارق، تُكاد أن تنفجر، سحبت نفسًا عميقًا قبل أن تتحرك بهدوءٍ غريبٍ، أنحنت بجسدها لتبعد بالبساط المفترش عن الأرضية، جلست في وضع القرفصاء وهي تتأمل تلك البلاط المقصودة، فوجدتهـا بالفعل غير مُثبتة بالأرضية كالبقية، أخرجت «لينا» حديدية للأعتناء بالأظافر؛ وبدأت في رفعها، لتجد مجموعة أوراق مع كيس بلاستيكي به هاتف صغير، فـ ألتقطتـه بلهفةٍ.
دقيقة واحدة، وكانت تضع الهاتف على أذنها وهي تقول بصوتٍ حاولت إخراجه طبيعيًا:
-العملية بكرا على الساعة ٤، أيوة الشحنة هتوصل على المينـا هناك، وأنا هكون موجودة، دي أوامر داود باشا.
بلعت ريقهـا بصعوبةٍ وهي تسأله بتعب من أثر ما يحدث لهـا:
-مطلوب مني إيه؟؟..
*****
بعد قليل، مددت جسدهـا على الفراش، وأغلقت الأنوار وأكتفت بتلك الإضاءة الخافتة التي تظهر من النوافذ والشرفة، زفرت بحرارة قبل أن تغمض عينيهــا محاولة جلب النوم إليها؛ حتى تهرب قليلًا من الواقع المرير، ولكن شعرت بوجود شخص ما بغرفتهـا، فتحت عينيهـا سريعًا وقبل أن تستوعب الأمر وجدت رجلٍ ملثم على وشك أن ينقض عليهـا، شهقت بخفوت وهي تُدير ذاتها على الفراش حتى وقعت على الأرض، ثم هبت واقفة لتجده يحمل سلاح ناري يوجهه نحوهـا، وصوتٍ خشن يقول بالإنجليزية:
-يجب التخلص منك، أنتِ العقبة الوحيدة التي تقف في طريقنا منذ البداية.
أتسعت عيناها قليلًا بقسوةٍ وهي تقترب منـه بهدوء، وقفت قبالتـه حتى أصبحت فوهة السلاح على صدرهـا مكان قلبهـا وهي تقول بهمسٍ فحيح:
-أقتلني إن كنت تستطيع.
وقبل أن يضغط على الزناد ألتقطت منـه السلاح بعد أن قبضت على معصم يده كي تلف ذراعه خلف ظهره، ورفعت قدمهـا تضربـه بكل قوة، فـ أندفع جسده إلى الأمام حتى وقع على طاولة التي وقعت معه، وكُسر زجاجهـا، ولكن سرعانٍ ما وقف وهو يصرخ فيهـا بغضب قبل أن يحاول الإنقضاض عليهـا ولكن هاجمتـه بكل قوتهـا، وأستمر العراك بينهما حتى وقع على الأرضية، أنحنت بجسدهـا وقبل أن تقتلـه بكسر رقبتـه، أنفتح الباب على مصراعيه ليدخل «مراد» وتعبيرات وجهه تعكس عما بداخله.
نظرت لـه بذهولٍ وبأنفاسٍ عالية دون شعور، لتشعر بألم مفاجئ في ظهرهـا وفكهـا بعد أن لكمهـا الرجل الملثم، فإندفع جسدها للوقوع على مكان الزجاج المتناثر، وركض هاربًا، ولكن رصاصة «مراد» كانت أسرع منه، فأستقرت بقدمــه وأنطلقت صرخاتـه الآلآمة.
ركض «مراد» نحو «لينـا» محاولًا إبعادها بحرص عن الزجاج الذي دخل بعضًا منه في ذراعيهـا، أمسك وجهها بين راحتيه وهو يسألهـا بقلق:
-لينا، لينـــا، أنتي كويسة؟؟..
أومأت رأسهــا بتعب، لتجده يضم رأسها إلى صدره دون أن يمس بجسدهـا وهو يتمتم:
-ماتقلقيش، إنتي في أمان.
دخل حراس القصر ما أن وصلت إليهم إشارة من هاتف «مراد»، فـ ركض جميعهم نحو الرجل الملثم؛ كي يأخذوه، ماعدا ثلاثة منم الذين إستمعوا إلى أمر «مراد» القائل:
-يالا بسرعة خدوه عندكم وتعرفوا هو تبع مين.
دقائقٌ، نهضت «لينـا» بمساعدتـه محاولة أن تظهر ثباتهـا، وضع ذراعه على كتفهـا وكأنه يحميهـا، ثم تحرك بهـا نحو الفراش، مددت جسدهـا عليه وهي تسأله بهمسٍ خافت:
-مش هتمشي؟؟..
هز رأسه نفيًا وهو يتحرك نحو الركن البعيد عنها بقليل، ثم جلس على المقعد العريض والناعم وهو يُجيب بإبتسامة هادئة:
-لأ، هقعد هنا شوية لغاية ما تنامي، عشان أبقى أطمنت عليكي، بس لازم نتكلم في إللي حصل ده.
ردت عليه «لينا» بصوت جامد:
-أوعدك بكرا، بس سبني أنام، أنا تعبانة.
لا يعلم لم شعر بأن تعبهـا ليس جسدها بل تعب روحهـا المشوهة، تأملهـا بعيون دقيقة وهو يشعر بجنون نبضات قلبه ما أن أستمع إلى صوت عراك قوي وهو يمر بجوار غرفتها صدفةٍ، ولكن حينما دخل ورأى سيطرتهـا تأكد أنها فتـاة ليست قويةٍ، بل شرسةٍ.
ولكنـه الآن يخشى كثيرًا، أن يقع في حب تلك الفتاة، إبنة تاجر المخدرات، والذي مصيرهـا بالتأكيد المــوت.
*****
بعد عدة ساعاتٍ كثيرةٍ، وصل كل من «مراد» و«لينا» إلى أرض مصر، ليتجها معًا فور وصولهمـا إلى الفندق بعد أن قام كل منهم بحجز غرفة ولكن بأسماء مختلفة تمامًا حتى لا يكشفهمـا أحدًا، وبعد مرور ساعتين تحركا معًا مرةٍ أُخرى إلى الميناء والمقرر وصول الشحنة له وفور وصولهمـا، وقف «مراد» يتأمل «لينا» وهي تنظر حولهـا بثقة وذقنها مرفوع قليلًا وكأنها ولدت هكذا، دنى منها وهو يسألها بإهتمام:
-أنتي كويسة؟؟..
ألتفتت له وهي تجيبه بالامبالاة:
-آه كويسة، هيكون مالي يعني؟؟..
حرك رأسه سلبًا وهو يقول:
-مش باين يا لينا.
جف حلقهـا فجأةٍ، وهي تسأله في شئ من التوتر:
-إيه مالي يعني.
-عينيكي عكس شكلك، شكلك بيقول إنك باردة، لكن عينيكي بتقول أن جواكي غضب يقدر يحرقنا كلنا.
-هتعمل فيهـا بتقرأ العيون؟؟..
قالتها بلهجة ساخرة، ليقضع يديه بداخل جيبه وهو يقول بثقة تليق به:
-أنا فعلًا بعرف أقرأ العيون كويس أوي، والكلام إللي قولته هو إللي موموجد في عينيكي في اللحظة دي.
لم تعرف بماذا تجيب، فوجدت أنه من اليجب أن تصمت، ولكن سؤالـه جعلها تتصلب في مكانها حينما قال بريبة:
-إللي هجم عليكي إمبارح ده أنتي تعرفيه؟؟..
-لأ، معرفوش.
قالتها بإقتضاب محاولة أن تتحشى النظر إلى عينيه الحادتين كالصقر، أنتفضت من مكانها عندما سمعت أصوات سيارات الشرطة تداهم المكان لتنتشر حالة من الذعر والتوتر، وتجد الجميع يخرج سلاحـه، يستعدون للهجوم، ألتفتت لـ«مراد» الذي هدر فيهـا بغضب وهو يخرج سلاحه:
-سلاحك يا لينـا، يالاااااا.
أخرجت «لينا» سلاحهـــا وهي تخلع نظارتهــا الثمينة تلقيهــا بأي مكان تستعد للهجوم مع «مراد» والجميع، وبالفعل دقائق قصيرة وكان المكان بأكمله يعج بأصوات الطلقات النارية، وأنتشرت الفوضى والدمـــاء.

يتبع الفصل الخامس اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent