رواية للقدر اقوال اخري الفصل الرابع 4 بقلم فاطمة مصطفي وايمان جمال

الصفحة الرئيسية

  رواية للقدر اقوال اخري الفصل الرابع  بقلم فاطمة مصطفي وايمان جمال

رواية للقدر اقوال اخري الفصل الرابع

فتح خالد عينيه بكسل، ليلتفت برأسه قليلًا مقابلًا وجه رحمة الملائكي بشعرها الأسود الذي يغطي نصفه باِنسيابة فوقه، أعطاها هالة من الجمال والفتنة.

لتغزو الابتسامة وجهه على تلك الفتاة التي يحمل لها الكثير من المشاعر ولا يستطيع البوح بها؛ خائف من ردة فعلها، لتتحول أنظاره للفراغ عائدًا بذاكرته إلى أول لقاء بينهم.

^_________________^

أغلق خالد باب سيارته وهو يحاول الإسراع؛ لرؤية ماذا فعل صغيره عندما أتته مكالمة هاتفية من مدرسته الخاصة تحثّه على القدوم وسريعًا، ليتوجّه خالد ناحية باب غرفه المدير، ثم فتح بابها دون استئذان؛ فكل ما يهمه الآن صغيره فقط.

صدم فور أن وقعت عينيه على منظر صغيره وهو يراه يبكي بشدة داخل أحضان إحدى معلماته، لينطق حروف اسمه بذهول:
= عمر...

رفع الصغير عينيه الباكية إلى أبيه مهرولًا لأحضانه وهو يصرخ باسمه وكأنه وجد ملاذه.

وبعد فترة وجيزة حاول فيها خالد بقدر الإمكان تهدئة صغيره قليلًا، لينجح في هذا قبل أن يلتفت على صوت المعلمى:
= أسفين لإزعاج حضرتك يا خالد بيه، بس زي ما إنتَ شايف مش راضي يسكت.

ضاقت المسافه بين حاجيبه وهو يتسائل:
= هو إيه اللي وصله للحالة دي؟

شبكت المديرة يديها فوق المكتب وهي تعتدل في جلستها قائلة:
= حضرتك عمر بقاله سنتين معانا، بس إحنا في بداية السنة دي عيِّنَّا مس جديدة للكلاس بتاعه واللي هي مس رحمة، ومفيش وقت وعمر اتعلق بيها جامد والمدرسة كلها تشهد عن علاقتهم و مدى حب عمر ليها، بس النهاردة هي تعبت شوية ومحضرتش، فهو سأل زميل ليه عليها وقاله إنها مشت ومن ساعتها وهو في الحالة دي.

زفر خالد بضيق وهو يعلم أيضًا مدي تعلق صغيره بمعلمته التي لا يعلم عنها شيئًا سوى أنها تُدعى رحمة؛ فعمر دائم التحدث عنها أمامه.

ليتسائل خالد بتعجب:
= طب ومس رحمة دي مشت فعلًا ولّا في إيه؟

وعند ذكر اسم رحمة انتفض الصغير مرة أخرى باكيًا وهو يشكو لوالده عنها، ليهدأ مرة أخرى عندما أخبره والده أنهم سيذهبان إليها.

رفع خالد نظره إلى المديرة التي أجابته على سؤاله السابق:
= لا هي ممشيتش، هي تعبانه شوية وهتيجي بكرة عادي.

رفع خالد يده وهو يحك أنفه بتفكير، لينظر مرة أخرى للمديرة وهو يقول:
= تمام، أنا عايز عنوان رحمة دي.

صف خالد سيارته أسفل مبنى سكني قديم نوعًا ما، لينظر لجدرانه المتهالكة بضيق، ثم التفت إلى صغيره الممسك بيديه بحماس واضح وهو يحثه على السير:
= يلا يا بابا بسرعة.

ابتسم على حماس صغيره ثم مال ليرفعه للأعلى وهو يتقدم للداخل، حتى وصل أمام شقة رحمة ثم بدأ برن جرس الباب، ليُفتح بعد دقائق قبل أن ينصدم من تلك الحورية التي لم تتجاوز الخامس والعشرين التي ظهرت أمامه فجأة.

وقف هو مشدودًا بجمالها الفتاك، بعينيها الخضراء المستديرة وبشرتها البيضاء التي تحاكي الثلج في جمالها، وشفتيها المكتنزة باللون الوردي التي جعلته يبتلع ما في لعابه فور أن شعر برغبة ملحة في تجربتها، ليخفض بصره سريعًا فور أن عاد إلى واقعه على صوت صغيره الذي انتفض بسعادة وهو ينطلق نحوها معانقًا إياها بسعادة، لتستقبله هي معانقة إياه بشوق وحنان.

قبل أن تبتعد وهي ترفع نظرها إلى ذلك الواقف يحارب؛ حتى لا ينظر إليها، لتستقيم هي في وقفتها تتأمله بانبهار بطوله المتوسط وجسده الرياضي ذي العضلات البارزة، والذي يخفيها أسفل بذلته الفاخرة وملامح وجهه الوسيمة بتلك اللحية الخفيفة التي لم تزده إلّا وسامة.

عضت على شفاها السفلى مخفضة نظرها سريعًا بخجل وهي تتنهد براحة على عدم رؤيته لتأملها الذي كاد يفضحها، لتتنحنح بصوت وهي تتسائل:
= هو حضرتك والده؟

أجابها وهو يرفع نظره إليها متجاهلًا أمر عقله بالعكس:
= أيوة أنا المهندس خالد مدكور.

مد يده إليها لتصافحه هي بابتسامة رقيقة قائلة:
= تشرفنا يا أستاذ خالد، أنا رحمة سالم مدرسة عمر.

تنهد خالد بهدوء وهو يلتفت نحو عمر قائلًا:
= أيوة عمر حكالي عنك كتير أوي؛ علشان كده جيبتهولك.

عقدت حاجبيها بعدم، فهم ليردف هو قائلًا:
= انهاردة إنتِ غبتِ من المدرسة؛ فعمر زعل أوي وأصر إنه يجيلك، فيا ريت تخليه معاكِ لحد ما أخلص شغلي وهرجع أخده، ده لو مش هزعجك.

اتسعت ابتسامتها الرقيقة وهي تنظر نحو عمر بحنان، لتعود بنظرها إلى خالد مردفة بثقة:
= أكيد طبعًا، روح إنتَ شغلك ومتخافش، عمر في عنيّا.

بادلها خالد الابتسامة وهو يشكرها قبل أن ينحني على صغيره يقبله بحنان مودعًا إياه، ثم ذهب سريعًا وكأنه يهرب من تلك القوة التي تجذبه نحو هذه الفتاة التي لم يراها سوى الآن.

^_____________^

عاد إلى واقعه راسمًا ابتسامة حنونة فوق ثغره لتلك الذكرى الجميلة قبل أن يلتفت نحوها يطالعها بنظراته التي عبرت عمَّ بداخله جيدًا، ولكن للاسف لا يستطيع التحدث.
ليتنهد بتعب وهو ينهض متجهًا نحو المرحاض؛ ليأخذ حمامه اليومي الذي يساعده على الاستيقاظ.

^____________________^

فتح خالد باب منزله وهو يتقدم للداخل بإرهاق واضح، ليتقدم مباشرة لغرفة النوم ظنًّا منه أن رحمه تتواجد في المطبخ أو ما شابه، ليتمدد على الأريكة بعدما عاد باكرًا من عمله عندما شعر بإجهاد شديد؛ بسبب تلك الصفقة التي أخذت الكثير من وقته وسببتْ في ابتعاده عن طفله ورحمة لأكثر من شهرين.

زفر بتعب وهو يستعد لإغلاق عينيه، ولكن يبدو أن ليس مقدر لها الغلق حين التفت نحو باب المرحاض الذي فُتح للتو، لتطل من خلفه زوجته مُرتدية مئزر الحمام بلونه الوردي الذي يصل إلى منتصف ركبتيها مظهرًا ساقيها البيضاء، وشعرها الأسود الغجري يتناثر على وجهها، أعطتتها هالة مُهلكة قد أهلكته حتمًا.

وكانت الصدمة من نصيبها حين التفتت لتقابل عينيه؛ فلقد ظنت أنه سيأتي في ميعاده ولم تتوقع قدومه باكرًا أبدًا.
لترتبك ملامحها مخفضة نظرها سريعًا؛ فهذه أول مرة يراها بهذا الشكل طوال الشهرين المنصرمين.

أبعد أنظاره عنها لينظر إلى سقف الغرفه وهو يستمع لسؤالها عن حاله بعدما لاحظت حالته:
= مالك؟

أجابها وهو يرفع يده مدلكًا رقبته بتعب:
= مفيش، شوية إجهاد من الشغل.

قطعت رحمة المسافه بينهم في ثوانٍ معدودة بقلق شديدة، لتجثو على ركبتيها حتى أصبحت رأسها أعلى رأسه التي تمسكها وهي تتفحصها بقلق:
= مالك؟ حاسس بإيه؟

اعتدل خالد جالسًا فوق الأريكة وهو يبتسم بخفة على ردة فعلها، ثم مسك يديها ليرفعها يحثها على الجلوس بجانبه قبل أن يتحدث بابتسامته الهادئة وهو يحاول تهدئتها:
= اهدي يا رحمة، قولتلك شوية إجهاد وإرهاق مش أكتر، أنا بس محتاج أنام شوية وهبقى كويس.

أمسكت بيديه مرة أخرى قائلة:
= طب أعملك حاجة تشربها أو حاجة تاكلها؟

هز رأسه نافيًا قبل أن يستمع لسؤالها الآخر:
= طب أعملك إيه؟

ضحك خالد بخفة وهو يلتفت إلى الجهة الأخرى يوليها ظهر، ثم تحدث بتعب:
= اعمليلي مساج أحسن.

أومأت له بنعم قبل أن تمسك بكتفه تدلكه بأناملها الرقيقة، ليغمض هو عينيه مستمتعًا بتلك الراحة التي غزته فور أن لامسته أناملها.

التفت إليها بابتسامته الرجولية بعدما انتهت، ليتحدث قائلًا:
= تسلم إيدك، شكرًا تعبتك معايا.

أمسكت رحمة بعنقه تدلكه بخفة ونظرات القلق ما زالت تتضح بحدقتيها التي تتفحصه بهم وهي تتسائل مجددًا:
= مفيش تعب ولا حاجة، قولي بس حاسس بحاجة تاني في رقبتك؟

ارتفعتْ حرارة جسده فجأة؛ ليبعد نظره عنها يخفي عينيه التي تضاربتْ بها المشاعر عنها، يخفي توتره الملحوظ من لمسة يدها التي لم تتركه بعد وستكون السبب في كشف أمره.

لم تفهم سبب سخونة جسده المفاجئ، لترفع عينيها تقابل عينيه السوداء من شدة ما يشعر به الآن بنظراتها القلقة التي تحولت إلى تعجب شديد من تلك الدوامة السوداء التي سحبتها رويدًا رويدًا، حتى غاب عقلها عن الواقع تائهًا في عسليته.

لترتفع يديه محيطة خصرها لتقربها إليه حتى فُصلتْ المسافة بينهم، شهقتْ بخفة لتصمت مجبرة حين اقترب برأسه منها ويده الحرة تحتل بشرة عنقها الغض، ليستولي على هاتين الوردتين اللتين سلبتا عقله من أول لقاء، مبتلعًا باقي شهقتها بداخله راميًا بكل شروطهم عرض الحائط، ليكسر تلك الحدود الواهية التي صُنعت بينهم.

بينما أغمضتْ هي عينيها مستمتعة بذلك الشعور الذي احتلها فجأة؛ ليجعلها تشعر وكأنها تطير فوق سحابة وردية جالسة فوقها براحة وتلك الابتسامة السعيدة لا تفارق ثغرها.

لتشتد نسمات الرياح اللطيف مداعبة وجهها، لتتطاير خصلاتها بينهم بسعادة فور أن تحولتْ قبلته من هادئة فجأة إلى شغوفة خاصة بعدما شعر باستجابتها أسفله.

ليقربها منه أكثر ولمساته تزداد جرأة عن ذي قبل، حين بدأت يده الحرة تعبث برباط المئزر محاولًا فكه بينما يميل بها إلى الخلف؛ حتى تستلقي فوق الأريكة.

ولكن كالعادة أي شيء جميل عادةً لا يكتمل، أتت المقاطعة من جرس الباب الذي صدح فجأة مجبرًا إياه على الابتعاد، ليقف على قدميه يمسح فوق شعره بغضب لاعنًا ذلك الطارق بخفوت، ليجفل فجأة على صوت باب المرحاض الذي أغلق بقوة، ليبتسم بخفة على تلك الفتاة التي حتمًا ستصيبه بالجنون.

تنهد بهدوء حاول بثه لنفسه قبل أن يتجه نحو الباب وهو يزعم على رؤية الطارق.

بينما وقفت هي خلف الباب تعض على أظافرها بخجل قبل أن تتلمس شفتيها بأناملها، لتتجه سريعًا نحو المرآة قبل أن تطلق شهقة مصدومة فور أن وقعتْ عيناها على انتافخها الواضح.

لتخفض نظرها بخجل وهي تتذكر ما دار بينهم قبل قليل، وذلك الشعور الذي لم تشعر به إلا معه، ربما حقًّا تكون تجربة جديدة وقد أنعم الله بها عليها؛ حتى تكون عوضها عمًّ حدث في الماضي، ولكن رغم ذلك يجب أن تحذر؛ حتى لا تقع بالفخ مرتين.

****************************
*_وحشتيني.*
ابتسمت رحمة لتلك الرسالة التي وصلت لهاتفها والتي أرسلها خالد عبر إحدى التطبيقات المشهورة، لتنظر حولها بخجل كأنه أمامها؛ فذلك الخالد أعاد إليها حياتها ولم تنسَ أيضًا مدى ضيقه البارحة عندما اكتشف أنّ الطارق لم يكن سوى مربية طفله التي استقبلها بجفاء قبل أن يخلد للنوم بعدها.

فتحت هاتفها مجددًا عندما وصلها إشعار بوصول رسالة، ظنت أنها من خالد ولكنها فوجئت أنها من رقم مجهول عنها.

«مدام رحمة، يا ترى خالد باشا عرف ولا لسة؟»
بدا عقلها بالعمل وهي تحاول فهم تلك الرسالة لترسل له:-

«مين؟»

أتاها الرد سريعًا كأنه ينتظرها:-

«مش معقول مش عارفاني، أنا حبيب القلب.»

شُلت يديها عن العمل وأخذت تنظر للهاتف بصدمة، أعاد مرة أخرى بعدما بدأت حياتها مع خالد بالتحسن؟ عاد ليحطم كل هذا، وأثناء تفكيرها بُعثت لها رسالة أخرى مضمونها:-

«مش هنتكلم كتير، أنا عاوز أقابلك بكرة في مكاننا القديم، فكراه طبعًا... تيجي ولوحدك يا إما أجيلك أنا ونعرف خالد باشا ماضي المدام.»

أغلقت هاتفها سريعًا ملقية إياه فوق الطاولة التي أمامها وهي تلتفت حولها بذعر؛ خوفًا من أن يلاحظ أحدٌ من الموجودين خوفها الذي ظهر جليًّا فوق ملامحها، لتتنهد براحة فور أن وجدت الجميع منغمسًا بأعماله.

وضعت يدها فوق وجهها تخفيه عن الأنظار وهي تستند فوق الطاولة تحاول تهدئة نفسها قليلًا، لتستجمع أفكارها المشتتة وهي تتذكر حديث ذلك الندل، ليعود الخوف يستولي عليها مجددًا وهي تتخيل معرفة خالد بهذا الماضي.

هل من الممكن أن يتركها؟
استعت حدقتيها بذعر وتباطئت وتيرة أنفاسها فور أن ضربت رأسها فكرة تركه لها.

لتهز رأسها سريعًا نافيًا هذا وهي تنهر ذاتها، تحاول بث الطمائنينة بقلبها المتيم به وهي تذكر نفسها بما فعله معها، وكيف أنقذ شرفها حين كاد أن يصبح علكة جديدة على ألسنة أقاربه.

^________________^

وقفت على باب شقتهم تعبث بأظافرها بتوتر شديد حاولت تهدئت نفسها قليلًا مخبرة ذاتها أنها ليست بمفردها؛ فطفله موجود، ثم أنّ هناك الكثير من السكان وما زالوا في بداية اليوم.

زفرت بهدوء حاولت التحلي به وهي تطرق الباب بخفة، لتنتظر لثوانٍ قبل أن يفتح الباب بهيئته الوسيمة وهو يرتدي بذلته الرسمية، لتحبس هي أنفاسها مخفضة رأسها إلى الأسفل؛ حتى تتجنب تأثيره الغريب عليها.

ولم يكن بأفضل حالٍ عنها حتى وجد حركتها هي الحل الوحيد، ليتحدث بهدوء محاولًا عدم النظر إليها:
= اتفضلي يا آنسة رحمة.

دلفت إلى الداخل بخطوات مهزوزة قد ازداد اهتزازها فور أن مرت بجانبه، لتتغلغل رائحة عطره بداخل أنفها جعلتها كالمغيبة وهي تجاهد؛ لكي تبتعد عنه، لتنجح بصعوبة وهي تتجه للداخل، ليستقبلها عمر بعناقه المرح كالعادة لتبادله عناقه مربتة فوق ظهره بحنان قبل أن تعتدل في وقفتها تلتفت إلي خالد الذي كان يتابعهم، ليحدثها بجدية حاول التحلي بها:

= أنا آسف على إزعاجك، بس عمر أصر إن إنتِ اللي تيجي تقعدي معاه انهاردة بعد ما عرف إنك في أجازة، وأنا مش هقدر أسيبه لوحده في البيت؛ لإني عندي شغل، فمعلش هنتعبك.

ابتسم رحمة بخفة وهي تلتفت نحو عمر تعبث بخصلاته بحنان قائلة:
= لا تعب ولاحاجة، ومتقلقش على عمر هو في عنيا.

أومأ لها بخفة قبل أن يلتفت نحو عمر محدثًا إياه بصرامة:
= عمر بلاش تتشاقى وتتعب مس رحمة، مفهوم؟

أجابه عمر بجدية لا تناسب عمره:
= مفهوم يا بابا متقلقش.

ابتسم له بحنان قبل أن ينحني معانقًا إياه، ليتمسك عمر بقميصه مقربًا إياه إليه حين حاول خالد الابتعاد، ولسوء حظه قد قطع قميصه حين ابتعد خالد قصرًا.

لتبعد رحمة أنظارها عنه سريعًا، بينما تطلع خالد إلى قميصه الذي تفرقت جوانبه، ثم إلى عمر بنظرات غاضبة قبل أن يهتف بغضب:
= إيه اللي إنتَ عملته ده يا عمر؟

وضع عمر يده فوق فمه وهو يتطلع إلى والده بصدمة قبل أن يتحدث بأسف طفولي:
= والله ما كنت قاثد يا بابا، أنا آسف.

زفر خالد بغضب وهو يمسح على شعره محاولًا الهدوء؛ حتى لا يصفعه الآن، ليأتيه الهدوء على هيئة كلمات خافتة خرجت من ثغرها:
= تقدر تروح تغيره بسرعة وتسيبه وأنا هخيطهولك.

صفق عمر بيده بحماس ليهتف وهو يتجه نحو الغرفة:
= فكرة حلوة، وأنا هروح أجيب الخيط بسرعة.

اختفى عمر خلف الباب وهو يبحث عن الإبرة والخيط، بينما زفر خالد بضجر وهو يلتفت إليها مردفًا بهدوء:
= معلش، أنا عارف إننا أزعجناكِ بس...

قاطعته رحمة سريعًا وهي تتحدث بخفوت:
= ولا إزعاج ولا حاجة، ثم إن ده طفل وبيغلط.

أومأ لها بخفة وهو يزفر بهدوء، بينما كادت هي تموت خجلًا من هذا الموقف الذي حدث للتو، فلو كانت أجبرته على إحضار عمر إليها وعدم إخباره على تواجدها بالقرب من منزلهم لكان الوضع أفضل، ولكن تقديرها لضرورة ذهابه للعمل سريعًا هو ما جعلها تقع في هذا الموقف المحرج.

توترت أنفاسها فور أن التفت إليها بعينيها ملاحظًا تلك الحمرة التي غزت وجهها، فجأة وقد أيقن سببها جيدًا، لتعود هي إلى الخلف بخطوات متخبطة كادت تسقط بسببها لولا يده التي حاوطت خصرها مانعة سقوطها الحتمي، مقربًا إياها منه.

لتحبس أنفاسها بداخلها فور أن تلاقت غاباتها بعسليته المهلكة، التي سلبتها من الواقع لتأخذها إلى عالم آخر لم تجرب دخوله إلى الآن.

ويبدو أنها ليست الوحيدة حين ساعدها على الاعتدال في وقفتها ولا تزال يده تحتجزها، وعينيه قد أسرتهم غاباتها؛ لتنتشله من الواقع، ليهيم في جمال تلك الأعين التي لم يرَ لها مثيل.

أجفل الاثنين على صوت شهقات مصدومة أتت من جهة الباب الذي تركه خالد مفتوحًا بعد دخولها؛ حتى لا يحرجها، لتتسع حدقتيهما بصدمة مبتعدين عن بعضهم فور أن لاحظوا هؤلاء الذين وقفوا يرمقونهم بنظرات منصدمة.

توترت نظراته وهو يتابع تلك الصدمة الواضحة فوق وجوههم، ليتحول توتره في لمح البصر إلى جدية وهو يقول:
= الناس بتخبط قبل ما تدخل.

تحدثت إحدى الفتيات وهي تتطلع إليهم بغضب:
= لا والله إحنا آسفين؛ لإننا قطعنا اللحظة الخاصة دي.

تسائل خالد بهدوء خطير بث القلق بداخلهم:
= قصدك إيه يا سمية؟

رغم ذلك التوتر الذي اتضح على ملامحها إلا أنها تحدثت بشراسة:
= قصدي المسخرة وقلة الأدب دي مينفعش تتعمل هنا قدام ابنك يا خالد بيه.

حاولت رحمة الحديث محاولة شرح الموضوع ولتتحدث بخفوت وهي توشك على البكاء من كثرة الاحراج:
= حضرتك فاهمة غلط هو...

قاطعتها سمية وهي تهتف بغضب حارق:
= إنتِ تخرسي خالص، وبعدين إنتِ مش مكسوفة من نفسك لما تيجي لبيت راجل غريب وتقعدوا لوحدكم، طيب اعملي حساب لحجابك ولّا إنتِ لابساه زينة؟

هدر خالد بنبرة أخرستها، بل جعلتها تتراجع للخلف من قوتها وهو يرمقها بتحذير:
= كلمة تانية وهنسى إنك أختي، فاهمة؟

شعرت سمية بيد تمسك بها لتلتفت، إلى زوجها الذي كان يجاورها، ليحثها بنظراته على الصمت في حين أكمل خالد قائلًا:
= رحمة تبقي خطيبتي وكنا هنكتب الكتاب بعد شهر.

جحظت عينيها بصدمة حقيقية وهي ترمقهم بنظرات مذهولة وعقلها لا يستوعب بعد ما تفوه به الآن، بينما تحدثت والدته التي كانت تتابع في صمت متسائلة بتفاجئ:
= إيه؟ خطيبتك إمتى وإزاي؟ ومن غير ما تقولي يا خالد؟

تنهد خالد بهدوء حاول بثه لنفسه وهو يردف قائلًا:
= كل حاجة جات بسرعة وكنت هتصل بيكم انهاردة؛ علشان أقولكم، بس باين إني مليش نصيب.

تحدث شقيقه سامي وهو يرمقهم بنظرات شك:
= طيب هو فيه واحد وخطيبته يقعدوا لوحدهم وبالمنظر اللي شفناكم بيه ده؟

رمقه خالد بنظرة أخرسته قبل أن يتحدث بنبرة قاطعة:
= دي حاجة متخصكمش.

كادت سمية أن تهتف بردٍّ لاذع لولا دخول عمر وهو يحمل إبرة وخيط متجهًا نحو رحمة التي ما زالت ترمق خالد بنظراتها المذهولة وهي جامدة في مكانها لا تتحرك، وكأنها أصبحت صنمًا، قد فقد الحياة مما حدث للتو، هل حقًّا ستخوض تلك التجربة من جديد؟ بالتاكيد هي في حلم، لا بل كابوس وستستيقظ الآن لتجد نفسها بمكانها الآمان، لطالما تمنت أن تكون حياتها كلها مجرد حلم ولكن للأسف كانت واقع قاسٍ وبشدة.

لتستيقظ من شرودها على لمسة عمر وهو يمد يده إليها بالإبرة وللخيط، لتلتقظهم منه بيد مهزوزة قبل أن يتركها منطلقًا نحو جدته التي استقبلته بين احضانها تعانقه بحنان، ليبتعد عنها وهو يخبرها بكم اشتياقه إليها، لتبادله حديثه قليلًا حتى تدخل عمه وهو يتسائل بتعجب:
= إنتَ كنت فين يا عمر؟

أجابه عمر ببرائته المعهودة:
= أنا كنت في الاوضة بدور على إبرة وخيط؛ علشان قميث بابا اتقطع بسببي وهو عنده شغل ضروري ومس رحمة هتخيطهوله.

عض سامي شفته السفلى بإحراج وهو يرفع نظره نحو شقيقه، ليحدثه بخفوت:
= أنا آسف على اللي قولته بس...

قاطعه خالد وهو يتحدث بحدة:
= خلاص يا دكتور مفيش داعي، وبعدين إنتوا إيه اللي جابكم؟ ده من ساعة ما سلمى مراتي ماتت وإنتوا مفكرتوش تتصلوا تسألوا حتى، لحد ما فكرت إنكم نسيتونا.

تنحنحت والدته بإحراج وهي تتحدث بأسف:
= أنا عارفة إنك زعلان مني وليك حق، بس إنتَ كمان لو كنت بتسأل كنت عرفت إني كنت تعبانة وفي المستشفي.

تناسى خالد ما كانوا يتحدثون به حينما اتجه نحوها يتفحصها بقلق متسائلًا:
= ماما إنتِ كويسة؟ إيه اللي حصل؟

أجابته هي بابتسامة حنونة:
= متقلقش عليّ يا حبيبي انا بقيت كويسة، ده بس الضغط علا عليّ شوية مش أكتر.

زفر خالد بضيق قبل أن يستمع إلى حديث سمية التي أطلقته بابتسامة:
= وبعدها أصرت تيجي تزورك.

تنحنحت بخفة لتجلي حلقها وهي تتحدث بخفوت خَجِل:
= معلش يا خالد اعذرني أنا بس اتفاجئت من اللي شفته و...

رمقها خالد بنظرة أخرستها، ليتدخل زوجها محمد محاولًا تهدئة الأوضاع وهو يتحدث بابتسامة:
= طيب بقولك إيه يا خالد؟ ما بدل ما تستنى شهر ونروح ونيجي وتبقى تعب لوالدتك، ما تكتب الكتاب يوم الخميس الجاي؟ وأهو نفرح بيك قريب.

التفت إليه يطالعه بتفكير لثوانٍ قبل أن يلتفت إلى رحمة التي لم تستطيع تحمل ما بيدها، لتسقطهم فوق الأرض فور أن استمعت لحديثه، لتنتقل بنظرها إلى خالد الذي لم تجد بعينيه سوى الجمود.

لينقله إليها فور أن نطق بتلك الكلمة التي ظنت أنها ستغير حياتها للأسوأ، ولكن اتضح العكس:
= موافق.

^__________________^

فتحت عينيها مبعدة يديها عن وجهها وملامحها كانت مثالًا حيًّا للتصميم على أنهاء الماضي وغلقه تمامًا وستفعل هذا؛ فهي لا تريد خسارته أبدًا؛ فلقد أنقذها بكلمته ولن تخاطر بتركه أو فقدانه.

أمسكت بهاتفها مجددًا تنقر فوقه لثوانٍ مُرسلة إليه:

«وأنا موافقة اقابلك.»

أغلقت هاتفها مجددًا تلقيه فوق الطاولة وقد عزمت على إغلاق صفحة الماضي وإلى الأبد.
______

يتبع الفصل الخامس اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent