Ads by Google X

رواية امرأة العقاب الفصل العاشر 10 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

رواية امرأة العقاب البارت العاشر 10 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب كاملة

رواية امرأة العقاب الفصل العاشر 10

خرج صوت جهوري أسكتهم جميعًا : 
_ إيه اللي بيحصل ده !
نظرت فريدة إلى جلنار شزرًا وتحولت عيناها إلى الأحمر القاتم ، وحرارة غضبها كانت تخرج منها كلهيب النيران ، أوشكت أن تنقض على جلنار وتجذبها من خصلات شعرها لتفرغ بها شحنة غيظها .. لولا صيحة عدنان المهيبة للأبدان وهو يندفع نحوهم : 
_ فـريـــدة 
توقفت بأرضها مجبرة بعد صيحته بها ، بينما جلنار فوقفت بصمود وقالت في قوة وشراسة تليق بها : 
_ من هنا ورايح مش هسكت عن أي إهانة ليا ، وأي حد هيتخطى حدود معايا هيشوف حقيقة بنت الرازي و..... 
توقفت عن الكلام عندما جذبها من ذراعها بعنف وهو يرمقها بنظراته المميتة ووجهه الذي لا يختلف كثيرًا عن وجه فريدة ، وخرج منه صوت مريب يدوب الرعب في الأبدان : 
_ اكتمي ومسمعش صوتك .. تعالى 
كان على وشك أن يستدير ويغادر بها المنزل وهو يجذبها من ذراعها لولا فريدة التي أوقفته بصوتها الملتهب وهي تصيح : 
_ إنت ماخدها على فين من غير ما تخليها تعتذر ! 
استقرت في عيني عدنان نظرة غريبة ، كانت قوية وصارمة مما جعلها تتركه بتلقائية في تعجب من نظرته .. وأسمهان كانت تتابع ما يحدث بابتسامة ماكرة .
سار بها في اتجاه السيارة وهي تحاول التملص من قبضته هاتفة بعصبية : 
_ سيب إيدي ياعدنان 
لم يعيرها اهتمام واستمر في جذبها بقسوة حتى وصلا إلى السيارة ففتح باب المقعد المجاور له وادخلها ثم اغلق الباب بعنف مما أحدث صوتًا عاليًا ، أثار نفضة بسيطة في جسدها .. خرجت هنا من المنزل بعدما ارتدت حذائها وهرولت راكضة نحو سيارة أبيها واستقلت بمقعدها الخلفي المخصص لها ، وباللحظة التالية كان هو ينطلق بالسيارة متجهًا نحو منزله الثاني .
                                     ***
ظلت تجوب الغرفة إيابًا وذهابًا وهي عبارة عن جمرة مشتعلة وتزأر من بين شفتيها بغضب عارم .. كيف تجرأت ورفعت يدها عليها ، وما جعل النيران تزداد اشتعالًا بداخلها أكثر نظرته لها عندما طلبت أن يجعلها تعتذر ، ومن ثم مغادرتها بها ، دون أي ردة فعل منه على فعلتها ! .
ارتفع رنين هاتفها باللحظة المناسبة تمامًا فأمسكت به وأجابت على المتصل الذي كان نادر : 
_ أيوة يانادر 
نادر بمغازلة : 
_ وصلتي كويسة ياحبيبتي ؟ 
هتفت في هدوء لا يتناسب مع وضعها أبدًا : 
_ إنت مش قولتلي إنك هتتصرف مع الحقيرة اللي اسمها جلنار وتخلصني منها نهائي 
_ هي رجعت ولا إيه ؟!!! 
سألها باستغراب ودهشة فهتفت هي بانفعال بدأ يظهر في نبرة صوتها : 
_ أيوة .. هتساعدني ولا اتصرف معاها واخلص منها لوحدي
نادر بحيرة وعدم فهم : 
_ طيب فهميني حصل إيه الأول ؟!
فريدة بصيحة مرتفعة وعصبية :
_ من غير ما يحصل زفت .. أنا خلاص جبت أخري منها وهخلص منها بأي شكل كان 
_ طيب خلاص اهدي ياحياتي ، وسيبهالي أنا وهريحك منها تمامًا
أخرجت زفيرًا حارًا وبعيناها نظرات كلها وعيد وغل  ، وكلما تتذكر صفعتها لها تشتعل أكثر من الغيظ ...
                                        ***
توقفت السيارة أمام ڤيلا صغيرة لكنها مذهلة ، تحيط بها من جميع الجهات حديقة ارضها كلها عشب أخضر والأشجار العالية تزيد من جمال المنزل .
نزلت جلنار أولًا من السيارة وقادت خطواتها السريعة للداخل ووجهها الابيض يعطي لونًا أحمر من فرط الغضب ،بينما الصغيرة فنزلت من السيارة وقفزت بفرح وهي تهتف : 
_ هييه أخيرًا ردعنا (رجعنا ) بيتنا 
التفتت إلي أبيها الذي فتح حقيبة السيارة ليخرج حقائب سفرهم واقتربت منه لتقف بجواره وتقول بنظرات عابسة : 
_ بابي إنت هترجع عند نينا تاني ؟ 
عدنان بهدوء وهو يخرج الحقائب ويضعهم على الأرض :
_لا ياحبيبتي هروح الشغل 
حدقته بعينان راجية وتمتمت برقة تذيب القلب : 
_ خليك معانا .. بليييز 
خفض نظره إليها وابتسم بحنو ثم انحنى عليها ومد يده يملس على شعرها بلطف ويقول بصوت ينسدل كالحرير ناعمًا :
_ مش هينفع يابابا لازم اروح الشغل ، بليل أول ما اخلص  هاجي تاني 
هنا زامة شفتيها بحزن : 
_ وعد ! 
ضمها إليه ولثم جانب شعرها بعدة قبلات متمتمًا : 
_وعد ياهنايا .. يلا ادخلي جوا وأنا هجيب الشنط واجي وراكي 
هزت رأسها بالموافقة في وجه ظهرت عليها الابتسامة المشرقة فور حصولها على الوعد منه ، واستدارت وهرولت راكضة للداخل بينما هو فحمل الحقائب وسار بهم خلفها .
دخل المنزل واتجه إلى أعلى حيث غرفة نومه ، فتح الباب بقدمه ودخل ثم وضع الحقائب على الأرض واغلق الباب ، ووقف لثلاث ثواني بالضبط يتطلع لجلنار الجالسة على فراشها وساقيها تهتز بعنف كدليل على سخطها الشديد ثم تحرك بخطواته الواثقة نحوها وانحنى عليها يهمس في نظرة قوية وصوت خشن : 
_ اللي حصل ده ميتكررش تاني فاهمة ولا لا ! 
وكأنه سكب الماء على النار فزاد من اشتعالها حيث انفجرت به صائحة في شراسة : 
_ صدقني ده ولا حاجة .. لو غلطت فيا تاني سعتها مش هيكون مجرد قلم لا ده أنا هخليها .....
جز على أسنانه بغيظ مكتوم وهتف بهدوء ما قبل العاصفة مقاطعًا إياها : 
_ صوتك ميعلاش 
صرخت بأعلى نبرة لديها : 
_ وميعلاش ليه .. جاي تحاسبني وتقولي اللي حصل ده ميتكررش .. المفروض القلم ده كنت إنت اللي تدخولها مش أنا بعد اللي قالته ، لكن إزاي دي حبيبة القلب وقلبك ميطاوعكش تمد أيدك عليها ، لكن جلنار عادي مش كدا 
أجابها بخفوت مريب وهو يحاول تمالك أعصابه : 
_ جلنار أنا هادي معاكي متخلنيش اتعصب .. عارف وسمعت اللي قالته فريدة وليها حساب معايا لما ارجع البيت ، فبلاش تنرفزيني عليكي عشان أنا على أخري أساسًا 
ضحكت بخفة في استهزاء ثم وقفت على قدميها وتحركت نحوه حتى أصبحت شبه ملتصقة به ، فمدت سبابتها إلى وجهه تمررها على وجنته نزولًا إلى لحيته وتهمس بنبرة تحمل في طياتها الوعيد وبعين مظلمة وثاقبة كعينه تمامًا : 
_ لا وعلى إيه أنا خدت حقي خلاص بنفسي وعرفتها قيمتها .. وقريب أوي هاخد حقي وحق بنتي من الكل وأولهم إنت وبعديك علطول هتكون أسمهان هانم أصلها أذتني أوي وليا حساب تقيل معاها ، خلاص جلنار الضعيفة والمكسورة مبقتش موجودة من هنا ورايح اللي هيفكر إنه يدوس عليا أنا أو بنتي هنسفه من على وش الأرض .
صمتت للحظة ثم استأنفت حديثها بخبث وابتسامة جانبية كلها نقم :
_ والافضل إنك تطلقني بالذوق عشان لو مطلقتنيش اوعدك إنك هتندم وبعد ما اندمك هرفع عليك قضية خلع وهكسبها وهتطلقني غصب عنك ، وتبقى طلعت من المولد بلا حمص زي ما بيقولوا 
ثم ابعدت يدها عنه والقت عليه نظرة نارية بابتسامتها الباردة قبل أن تستدير وتهم بالابتعاد عنه ، لكنها أصدرت شهقة مرتفعة عندما وجدته يجذبها من ذراعها إليه فاصطدمت به بقوة ملتصقة بصدره ونزلت يده إلى خصرها يحاوطها منه بتملك وقسوة ويهمس باسمًا بازدراء ونظرة متقدة : 
_ وهترفعي عليا قضية من فين بقى .. من فلوس أبوكي اللي تحت إيدي ولا من فلوسي 
ضحكت وقالت ساخرة بثقة : 
_ مشكتلك إنك مستهون بيا بس عندك حق أنا اللي كنت ساذجة وضعيفة وسمحتلك تذلني وتهيني وتهمشني لغاية ما وصل الوضع بيا لكدا ، بس اوعدك إني هغيرلك نظرتك الخاطئة عني دي 
شدد من ضغطه عليها وهو يقربها منه أكثر كأنه يثبت لها ملكيته عليها وأنها ستظل ملكيته الخاصة طالما يريد هذا ، أكمل همسه بنبرة مثلجة ومستنكرًا تهديداتها : 
_ لو فاكرة إن كدا بتلوعي دراعي مثلًا أو بتجبريني فتبقى فعلًا ساذجة .. طول ما أنا مش عايز اطلقك مش هتطلقي لو عملتي إيه ، والصراحة حمستيني عشان أشوف انتقامك وحقك هتاخديه إزاي مني أو هتخليني اندم إزاي يارمانتي  
مازالت ترتدي حذائها العالي حتى الآن لم تنزعه ، وملامسته لها بهذا الشكل الحميمي ازعجتها بشدة ، فرفعت قدمها من على الأرض ونزلت بها على قدمه تضغط بحذائها بقوة عليه ، فارتد هو للخلف بحركة تلقائية منه بألم وحررها من قبضته ، فقالت هي بوجه مبتسم في حدة : 
_ دي عشان حذرتك كذا مرة متلمسنيش 
أيقظت الوحش النائم وآخر كلماتها استفزته بشدة ، قد كان يجاهد أن يبقى هادئًا بكل مرة تظهر فيها نفورها منه بكلمتها " متلمسنيش " لكن فاض الكيل .. جذبها إليه للمرة الثانية منحنيًا على وجهها وهذه المرة كان على وشك أن ينقض عليها ليعاقبها على كلمتها التي تكثر منها عمدًا حتى تستفزه وليشبع شوقه إليها الذي لم يستطيع إنكاره منذ اللحظة التي وجدها فيها بعد غياب لشهرين وأكثر .. لكن الطرق اللطيف على الباب قطع اللحظة وصوت هنا وهي تهتف من خلف الباب  : 
_ بابي .. ادخل ؟ 
توقف على بعد سنتي مترات لا تحسب وأغمض عيناه بغيظ مكتوم بينما هي فدفعته بعنف وطالعته بنظرة نارية ، ثم اتجهت إلى الباب وفتحت لصغيرتها التي طالعت أمها بضيق وقال بعبث : 
_ أنا وحدي برا ! 
انحنت وحملتها على ذراعيها تهتف بحنو أمومي مبتسمة : 
_ أنا آسفة ياروحي .. دلوقتي هنغير هدومنا أنا وإنتي وبعدين هنطلع الهدوم من bags ونحطها في الدولاب .
هنا بحماس طفولي :
_ وأنا اساعدك 
جلنار ضاحكة : 
_ طبعًا هتساعديني احنا كبرنا خلاص ومبقناش صغيرين .. right ؟ 
هزت رأسها بإيجاب في إشراقة وجه ساحرة ، ثم نظرت لوالدها الذي جلس على الفراش وأخذ يتابعهم بعيناه مبتسمًا فوضعت باطن كفها على فمها ضامة شفتيها ثم ابعدت كفها وارسلت له قبلة في الهواء ، قهقه هو على حركتها ورفع كفه ثم ضمه ممسكًا بالقبلة في نوع من المشاكسة اللطيفة وقرب كفه من جيب سترته العلوية ووضع قبلتها به ثم غمز لها بخبث فارتفع صوت ضحكتها العفوية على مداعبته لها ولعبهم ، نزلت من على ذراع أمها وهرولت راكضة إليه ثم قفزت عليه فتلقاها هو والقى بها على الفراش وانحنى عليها بجسده يدغدغها فانطلقت  منها ضحكات عالية وهي تتلوى بين ذراعيه وتهتف بصوت غير واضح من فرط ضحكها الهيستيري : 
_ خلاث يابابي .. شيبت ( شربت ) مايه كتير وبتتحرك 
توقف عن دغدغتها وأجابها ضاحكًا باستغراب : 
_ بتتحرك إزاي ! 
أخذت أنفاسها بصعوبة ورفعت كفيها لأعلى تهزهم يمينًا ويسارًا هاتفة بثغر مبتسم في نعومة : 
_ كدا بق بق بق بق 
انطلقت منه ضحكة رجولية مرتفعة على طريقتها اللطيفة وكذلك جلنار التي علت صوت ضحكتها بالغرفة ، بينما الصغيرة فاستقامت جالسة وتعلقت برقبة والدها تقول بمشاغبة في رجاء : 
_ إيه رأيك نلعب لعبة حلوة .. بس من غير زرزغة ( زغزغة ) 
ضحك مرة أخرى بقوة على كلمتها الأخيرة ولثم وجنتها بقوة في حب وهتف لها من بين ضحكاته : 
_ طيب نخليها بليل وهنلعب كتيييير أوي عشان دلوقتي أنا مستعجل ياروحي واتأخرت على الشغل 
عبس وجهها وزمت شفتيها للأمام بضيق فعاد ولثم وجنتيها مرة أخرى هامسًا باعتذار محب وحاني :
_ لا مقدرش على زعلك ياهنايا .. معلش ياحبيبتي ، ووعد تاني مني هنلعب كتير أوي اول ما آجي بليل ، خلاص ؟! 
رفعت كفها وقالت بسخط طفولي وهي تلقي بأوامرها عليه : 
_ هنلعب خمسة لعبة .. لا عشرة كمان 
_ إن شاء الله نلعب للصبح هو احنا ورانا حاجة 
اتسعت ابتسامتها معبرة عن رضاها أخيرًا فانحنى عليها يمد وجنته إليها هامسًا : 
_ يلا بوسة كبيرة لبابي بقى قبل ما يمشي 
طبعت بشفتيها الصغيرة قبلة قوية على وجنته ثم اتجهت لوجنته الأخرى وفعلت المثل بقوة أشد .. بينما جلنار فكانت تتابعهم بابتسامة الصافية ، رغم الخلافات الذي بينهم ونقمها عليه إلا أنها تحب كثيرًا حبه وتعلقه بصغيرتهم وتعشق رؤية لحظاتهم معًا .. ربما لحظاته وحبه وحنوه على ابنتهم هو من جعلها تستمر معه حتى الآن على أمل أنه قد يأتي يوم وتنل من هذا الحب بعضًا ، لكن اتضح أنها كانت تتوهم وتتبع سراب ! .
                                       *** 
سار باتجاه الباب وهو يفرك جبهته بقوة من الألم الذي يجتاحه منذ أن فتح عيناه .. يحاول تذكر تفاصيل الأمس ولكن لا يوجد بذهنه شيء سوى بعض الاشياء الناقصة أهمهم " نادين " ! .
فتح الباب مضيقًا عيناه من قوة الضوء ، وظهرت هي من خلف الباب .. كانت امرأة فاتنة بشدة ، متوسطة الطول تمتلك جسد انوثي جذاب وشعر بني اللون مع عينان كلون العسل وشفاه صغيرة وردية .. كل من يراها يفتن بها .
ابتسم بعذوبة وافسح لها المجال للدخول وهو يهتف بترحيب : 
_ ادخلي يانادين عاملة إيه ؟ 
دخلت وأجابت عليه في نظرات مهتمة : 
_ منيحة وإنت ؟ 
أغلق حاتم الباب وتوجه نحو الأريكة المتوسطة والقى بجسده جالسًا ممسكًا بجبهته ومرجعًا رأسه للخلف متمتمًا بألم : 
_ صداع هيفرتك دماغي يانادين 
تحركت نحوه ثم جلست بجواره وقالت في شيء من السخط : 
_ أي طبيعي بعد كل هاد الشرب يالي شربته مبارح بتحس بهيك صداع .. من متى وإنت عم تشرب ياحاتم !! 
مسح على وجهه متأففًا وأجابها بخنق : 
_ نادين ارجوكي أنا مش مستحمل تأنيبك ليا أو كلامك اللي على علطول بتسمعهوني 
اتسعت عيناها بدهشة امتزجت بالاستياء ثم غمغمت تعيد عليه جملته بعدم تصديق : 
_ مو متحملني !! .. أي تسلم أنا عن جد غلطانة إني جيت لألك حتى اطمن عليك 
ثم استقامت واقفة وهمت بالرحيل لكنه أسرع وقبض على ذراعها يوقفها هاتفًا باعتذار صادق وضيق : 
_ أنا آسف والله مقصدش .. أنا بس الايام دي مضغوط وإنتي عارفة ، اقعدي يا نادين حقك عليا 
نادين بنظرة قوية وهي تنتزع يدها من قبضته : 
_ لا نحنا الاتنين بنعرف كتير منيح إنك مانك مضغوط ولا شيء ، إنت .....
قاطعها مبتسمًا بساحرية وتمتم بهدوء : 
_ طيب بلاش نفتح السيرة دي دلوقتي واقعدي يلا وشوفيلي حل للصداع ده بدل ما إنتي قافشة عليا كدا 
صاحت به في انفعال : 
_ وليش لأشوفلك حل .. حدا خبرك إني والية امرك !  ، كل شيء نادين تعي سوى هاد .. بتنام متأخر بليل وبتيجي تقول لا تنسي تفيقيني بالصبح مشان ما أتأخر على الشغل .. نادين بدي ياكي تساعديني لأختار شو بلبس بهاي المناسبة .. نادين شو بسوى مع جلنار .. نادين .. نادين .. نادين  ، لك نادين طهقت أنا ماني امك 
قهقه عاليًا بصوته العالي ثم غمز لها في مشاكسة يجيب عليها بلهجتها اللبنانية : 
_ يقبرني هاد العصبي 
_ احترم حالك .. أنا لحد هلأ ما حاسبتك على اللي قلته مبارح 
تغيرت ملامحه وأخذت الجدية ليقول بإحراج بسيط : 
_ اللي قولته !! .. هو أنا خرفت في الكلام أوي ! 
ضيقت عيناها وسألت بعدم فهم :
_ شو يعني خرفت ؟! 
حاتم بنبرة حادة وبوجه يعطي تعبيرات الاعتذار مقدمًا : 
_ يعني قولت كلام مش لطيف يانادين ! 
هزت رأسها بإيجاب وتمتمت بصرامة ونظرات شرسة : 
_ اممم مو لطيف أبدًا ، ولولا إنك ما كنت بوعيك كنت بهدلتك 
زم شفتيه وقال معتذرًا بأدب ورقة : 
_ أنا آسف بجد .. بس نفسي أفهم إيه اللي جابك ليا من الأساس 
نادين بزمجرة :
_ كنت بتركك مثلًا وإنت بهاي الحالة ! 
ابتسم لها بمشاعر نقية وامسك بكفها يتمتم في ود جميل : 
_ ربنا يخليكي ليا .. أنا بجد من غيرك معرفش كنت هعمل إيه يانادين ، من غير زعل بس أنا بحسك امي بجد 
صرخت به بغيظ وعصبية وهي تسحب كفها : 
_ لك لا تجنني .. شو امك !! ، شايفني عجوزة لتقولي امك
عاد يضحك مجددًا وتمتم يصحح لها الفكرة ببساطة : 
_ مش المعنى كدا .. مش عارف افهمالك إزاي ، بس انا بعتبرك كدا بسبب إنك قريبة جدًا مني وتقريبا معتمد عليكي في كل في حياتي .. شغلي وحتى حياتي الخاصة انتي اللي بتظبطي ليا كل حاجة فيها ، يعني لو ماما كانت عايشة مكنتش هتهتم بيا زيك كدا 
هدأت ثورتها ولانت نظراتها فهتفت برقة رائعة مع نبرة صوتها الرقيقة : 
_ الله يرحمها 
حاتم في خفوت جميل امتزج بمداعبته وفضوله الخبيث قاصدًا إثارة سخطها : 
_ آمين .. لكن مقولتيش أنا قولت إيه امبارح صحيح ، عشان للأسف مش فاكر 
طالعته بنظرة نارية ومغتاظة فسرعان ما ارتفعت صوت ضحكته الرجولية لأنه نجح بكل سهولة في تحقيق مبتاغه من جملة واحدة ! .
                                      ***
بعد صباح مرهق ومتعب ككل يوم في العمل ، كانت في طريقها للمنزل وهي تسير في شوارع حارتها وسط ضجة الاطفال والبائعين ، وإذا بها تذكرت أنهم ينقصهم الارز بالمنزل ولن تتمكن من تحضير وجبة غذاء اليوم بدونه .. فانحرفت بقدمها لليسار نحو أحد محلات البقالة ووقفت تهتف بابتسامة خافتة من الإرهاق : 
_ ازيك يا أم سلامة 
رفعت السيدة نظرها إلى مهرة وطالعتها بعين ثاقبة ثم وقفت وقالت بهدوء : 
_ نحمدو .. أخبار الحجة فوزية إيه ؟ 
مهرة بإيجاز وهي تخرج حقيبتها الصغيرة : 
_ كويسة الحمدلله .. اديني كيلو رز يا أم سلامة 
تحركت السيدة خطوتين في محلها الصغير والتقطت كيس ارز متوسط الحجم ثم وضعته في كيس أصفر اللون وأعطته لها ، وقبل أن تلتقط منها النقود ، انحنت للأمام مستندة برسغها على سطح المنضدة الخشبية الكبيرة التي تفصل بين الشارع والمحل من الداخل وغمغمت بعين خبيثة وابتسامة ساخرة : 
_ ألا صحيح يابت يامهرة اللي عملتيه مع صابر الأعور ده ! 
رمقتها مهرة بابتسامة صفراء ومثلجة بينما الأخرى استكملت بخبث أشد : 
_ ده سيرتك على كل لسان في المنطقة .. قال إيه بنت رمضان الأحمدي بتطفش العرسان عشان لا مؤاخذة يعني مشيها بطال .. صحيح الكلام ده يابت ؟ ، قوليلي ومتخافيش ده أنا برضوا يهمني مصلحتك ، اصل لو الكلام ده غلط أنا اقطع لسان كل واحد يقول كلمة وحشة عنك 
اختفت ابتسامتها وتحولت نظراتها المثلجة إلى نيران متوهجة وتشنجت عضلات وجهها حتى أصبح وجهها اللطيف مرعبًا ، وخرج صوتها شبه عاليًا بانفعال هادر : 
_ اقولك إيه يا ولية ياخرفانة انتي .. بعدين مين دي اللي مشيها بطال ، ده أنا اشرف منك ومن عيلتك كلها ، لتكوني فكراني مفياش لسان ومش هعرف ارد عليكي لا ده أنا لساني طويل وزفر أوي كمان 
رفعت السيدة ذراعيها لأعلى وصرخت باعلى صوتها صائحة باستهزاء وغضب : 
_ بقى أنا خرفانة يابنت حليمة الشحاتة .. لكن هقول إيه ماهو صحيح تربية **** ، والدور والباقي على الحجة فوزية اللي معرفتش تربي بنت ابنها 
تجمع جميع من بالجوار من أهل الحارة على أثر صياح أم سلامة ، بينما مهرة فوصلت إلى ذروتها حيث ألقت ما بيدها من أكياس وهمت بأن تهجم على أم سلامة لولا أن إحدى الشابات بالمنطقة كبلت مهرة تمنعها وهي تهتف : 
_ خلاص يامهرة 
صرخت مهرة باعلى صوتها محدثة أم سلامة وهي تحاول التملص منها : 
_ طاب إيه رأيك أنا هوريكي التربية **** اللي على حق 
تمكنت من التملص من الشابة التي تمسك بها واندفعت نحو أم سلامة التي كانت في بداية العقد الخامس من عمرها ، وجذبتها من حجابها صائحة بأسلوب الحواري التي ترترعت به : 
_ عارفة لو سيرة أمي جات على لسانك ال*** ده تاني هكون قطعهولك ، أصل إنتي ست عايبة وبجحة ومفيس راجل عرف يحكمك
هرولت سيدات المنطقة كلهم وابعدوا مهرة عنها وهم يصرخوا بها بأن تتوقف ، بينما ام سلامة فصفقت بيديها بأسلوب منحدر وهي تهتف ضاحكة : 
_ بدل ما تتشطري عليا روحي داري على فضايحك وسيرتك اللي على كل لسان دي 
صاحت بها سيدة متقدمة في العمر : 
_ جرا إيه يا أم سلامة .. كفاية خلاص ميصحش اللي بيتعمليه ده 
ثم أمسكت بذراع مهرة تجذبها معها عنوة إلى خارج الحشد الذي تجمع على أثر المشاجرة العنيفة ، بينما مهرة فكانت عبارة عن قنبلة موقوتة والسيدة التي تمسك بها هامسة في خفوت ولطف محاولة تهدئتها : 
_ خلاص يابنتي اهدي وسيبك من كلام بدرية ما إنتي عارفة هي كدا بتحب تنكش في اللي رايح وجاي وتتخانق مع أي حد 
مهرة بحرقة : 
_ إنتي مسمعتهاش بتقولي إيه ياحجة أمينة ! 
_ سمعتها يابنتي بس انتي غلطانة مكنش ينفع تردي عليها أصلًا وكنتي سبتيها ومشيتي 
_ يعني تغلط فيا وفي أهلي واسكتلها !! 
هرول إحد الأطفال خلفها وهو يحمل أكياسها ويقول بحب بريء : 
_ خدي يامهرة الكياس بتاعتك ومتزعليش نفسك دي ست شعنونة 
هتفت أمينة بحزم وهي تجاهد في إخفاء ابتسامتها : 
_ هات الكياس دي وامشي ياولا بلاش لسان طويل 
جذبت منه الأكياس واعطتها لمهرة وهي تقول بحنو وعذوبة : 
_ خدي يلا يامهرة وروحي لجدتك يابنتي وفكي وشك كدا عشان فوزية متحسش بحاجة ، لأحسن ممكن يجرالها حاجة لو عرفت باللي حصل 
مهرة بابتسامة جميلة وهادئة : 
_ حاضر ياحجة أمينة اطمني أكيد مش هقولها .. وشكرًا بجد 
_ إنتي زي بنتي يامهرة متقوليش كدا 
اقتربت منها مهرة وعانقتها بود ثم التقطت الأكياس منها وسارت متجهة نحو منزلها وهي تشد على محابس دموعها ، فما سمعته كان ثقيل جدًا رغم أنها أظهرت القوة أمام الجميع .
                                      ***
داخل مقر شركة أل الشافعي تحديدًا بمكتب عدنان ......
 يجلس على الأريكة الصغيرة المتوسطة في منتصف الغرفة وأمامه على منضدة قصيرة مجموعة من الملفات والأوراق الخاصة بالعمل ، منشغلًا بها ومنكبًا عليها منذ  أن جاء .. يرتدي نظارته الطبية الخاصة بالقراءة ويمسك بيده قلم فخم يعمل به في تركيز ، انفتح الباب بهدوء بسيط وحرص من السكرتيرة الخاصة به التي كانت تحمل  كوب قهوة له واقتربت منه دون أن تتفوه ببنت شفة بعدما أخذت التعليمات بعدم مقاطعته بتاتًا أثناء العمل حتى لا تنل من بطشه نصيبًا ، انحنت جزعة للأمام ووضعت الكوب بجواره على المنضدة ثم انتصبت في وقفتها وهمت بالاستدارة والرحيل لولا صوته الغليظ وهو يسأل دون أن يرفع نظره عن الأوراق :
_ آدم وصل ولا لسا ؟ 
ردت عليه برسمية شديدة وارتباك خصوصًا أنها الأيام الأولى لها بالعمل : 
_ لا يافندم لسا موصلش 
انتبه لنبرة الصوت المختلفة والغير مألوفة عليه فرفع نظره لها وحدقها بنظرة دقيقة وقوية ثم تمتم بخشونة : 
_ إنتي مريم مش كدا ؟ 
هزت رأسها بإيجاب في اضطراب واضح ، فالتقط أحد الملفات التي أمامه ومده لها وهو يهتف  بنبرة صارمة وجدية يجيب عليها : 
_ طيب وصلي الملف ده لمستر نادر  .. وقوليله يخلصه خلال ساعة ويبعتهولي فورًا 
التقطت منه الملف وتمتمت بالموافقة وهي تهز رأسها : 
_ حاضر يافندم 
ثم استدارت واتجهت نحو الباب وانصرفت .. بينما هو فعاد يستأنف عمله لكن محفظة نقوده الخاصة الصغيرة سقطت من فوق المنضدة ، فانحنى ليتلقطها .. ولكنه رأى صورة تجمعه مع ابنته وجلنار كان محتفظ بها وسقطت من حافظته على الأرض ، وضع المحفظة على المنضدة والتقط الصورة ثم اعتدل في جلسته وتأمل في ملامح وجه صغيرته الذي يحملها على ذراعيه وهي تضحك بسعادة وشعرها القصير يتطاير من حولها بفعل الهواء .. أما جلنار فكانت ترتدي فستان طويل أبيض اللون وتضع فوق شعرها قبعة دائرية من اللون النبي حتى تحجب أشعة الشمس عن رأسها ، وتقف بجانبه وعيناها متعلقة على ابنتهم تنظر لها وتضحك معها بحب .. أما هو فما يتذكره أنه نظر لها وابتسم على ضحهكم ومن الواضح أن المصور قد استغل الفرصة وقام بالتقاط الصورة في هذا الوضع العائلي الدافيء .
كانت هذه الصورة منذ سنة ونصف تقريبًا عندما ذهبوا لأول مرة في رحلة قصيرة لأحد المدن الساحلية " مرسى مطروح " وقضوا أكثر من أسبوع بها .. كانت إجازة ممتعة ولطيفة وسط زيارتهم لكل مكان في المدينة وحتى تسوقهم لمحلات الملابس والمحلات النسائية لم ينساها حيث حرص على أن تقوم بشراء كل ما تشتهيه مصرحًا لها أن الاسبوع كان لها هي وصغيرته فقط في كل شيء وكل ما تطلبه هو أمر وينفذ .. وقاموا بالتقاط هذه الصورة أمام الشاطيء عندما كانوا يسيرون في الصباح أمام البحر ووجدوا بالصدفة شابًا يحمل كاميرا ويقوم بالتصوير لكل من يرغب ، ويتذكر حينها إن " هنا " أصرت على أن يلتقطوا صورة فلم يتمكن من رد طلبها كالعادة .
غاب عن الواقع للحظات يتذكر جزء من ذلك الموقف أثناء سيره معها على الشاطيء   .....
كانوا يسيران على شاطيء البحر والماء ترتطم بقدميهم بفعل المد والجذر ، بينما هنا فكانت تركض أمامهم وتلعب بالماء بقدميها الصغيرتين ، كان يسير واضعًا كفيه في جيبي بنطاله وهي تتنقل بعيناها بين البحر تارة وبين ابنتها تارة أخرى .. تتابع فرط سعادتها وهي تضحك باللعب في الماء فقالت بتلقائية محدثة إياه وهي تبتسم بعاطفة أمومية جميلة : 
_ واضح إن"  هنا " مبسوطة جدًا من Holiday دي 
عدنان بابتسامة جانبية وهو ينظر لها بتعجب :
_ هي هنا بس اللي انبسطت يعني ! 
طالعته بابتسامة هادئة وقالت في خفوت ورقة : 
_ لا وأنا كمان ياعدنان .. خصوصًا إن دي أول مرة احس باهتمامك بيا
_ ومش هتكون آخر مرة يارمانتي .. كل ما يكون معايا وقت فاضي من الشغل هختلس يومين ونطلع في إجازة لطيفة زي دي تاني
رمقته بنظرة جانبية وهي تبتسم على وصفه الدائم لها بالرمانة .. فهم مقصد نظرتها فضحك بخفة وانحنى عليها يطبع قبلة عميقة على وجنتها هامسًا في مغازلة نادرة ما تطرأ منه :
_ معايا رمانة تخطف العقل من جمالها
خجلت ربما لأنها ليست معتادة على سماع مثل تلك الكلمات منه بل لا تتذكر أنه قام بمغازلتها منذ زواجهم سوى مرتين أو ثلاثة وهذه قد تكون الرابعة ! .
عاد إلى الواقع مرة أخرى متنهدًا بقوة كانت هذه هي آخر اللحظات اللطيفة بينهم .. وما كان بعدها حتى الآن ماهو إلا شجار وجفاء مستمر ، عندما بدأت فجأة في التذمر من غيابه الدائم وإهماله ، وشجار بآخر  أوضحت عن رغبتها الصريحة في الطلاق وأصرت عليه .. فساءت العلاقة بينهم أكثر فجأة بشكل غريب ، وانتهى المطاف بهروبها بابنته بعدما وافق على الطلاق بسبب الحاحها ولكن كانت شروطه واضحة حول بقاء صغيرته معه ، فلجأت للهروب كطريق للفرار من الاتفاق الدنيء كما وصفته ! .
ارتفع صوت رنين هاتفه الصاخب فجذبه وأجاب على المتصل :
_ الو 
_ أيوة ياعدنان بيه .. كاميرات بوابة القصر اللي عطلت انتهى إصلاح التلف اللي فيها كله دلوقتي 
هتف عدنان بصوت رجولي قوي : 
_ العطل ده حصل لوحده ولا في حد عمل كدا ؟ 
_ للأسف العطل كان واضح جدًا إن في حد كان قاصد يتلف الكاميرا ويوقفها 
عدنان بصوت يحمل بعض الزمجرة :
_ طيب اقفل وابعتلي آخر التسجيلات كلها اللي كانت عليها قبل العطل
انهى معه الاتصال فورًا ثم جذب حاسوبه المتنقل الخاص به وفتحه وانتظر لدقائق حتى وصلت له رسائل بالفيديوهات الأخيرة لتسجيلات الكاميرا .. قام بمشاهدتها جميعها ولم يكن بها شيء سوى إنه لاحظ خروج فريدة كل يوم بموعد مختلف وعودتها بعد ساعات ليست بقليلة وآخر تسجيل كان في مساء الأمس للحارس الخاص بالمنزل وهو يتحدث مع رجل ملامحه ليست واضحة جيدًا ثم بدأت الصورة تهتز حتى انقطت تمامًا .
اعاد التسجيل الأخير لأكثر من مرة وقام بالتقريب على وجه الرجل في محاولة لرؤية ملامحه المبهمة ولكن دون فائدة ! .
اغلق الحاسوب وهو يحك ذقنه الكثيفة في عينان حمراء من فرط الغضب .. من جهة خروج زوجته المتكرر بشكل يثير الريبة متجاهلة تعليماته في عدم الخروج دون إذنه .. ومن جهة ظهور ذلك الرجل الغريب وتوقف الكاميرا فجأة ، كيف توقفت ! ، هناك شيء مبهم وغير مفهوم بهذا الأمر .. ولن يطول كثيرًا إلى أن يعرف كل شيء وهوية ذلك الرجل وماذا يريد ؟! 
                                         ***
في مساء ذلك اليوم ....
توقفت سيارته أمام بوابة المنزل ونزل ثم قاد خطواته إلى الداخل ، وكان الهدوء يملأ القصر بأكمله .. تحرك باتجاه الدرج وصعد درجاته في خطا قوية ثم اتجه إلى غرفته وعند وصوله وقف أمام الباب للحظة يحاول تهدئة نفسه الثائرة منذ صباح اليوم ، فهو يعلم جيدًا أنه سيجدها مستيقظة بانتظاره .
مد يده وفتح الباب ثم دخل وأغلقه خلفه ببطء مريب  ، وكانت هي تجلس على المقعد الخاص بها المقابل للمرآة .. تابعته وهو يدخل وينزع عنه سترته ليعلقها في حاملة الملابس الخشبية  .. بينما فريدة فظلت تتابعه بعيناها النارية والمغتاظة فخرج صوتها ساخرًا وملتهب : 
_ كنت عندها أكيد ! 
 يتجاهلها عمدًا فإذا حرر الوحش الذي يصرخ في أعماقه حتى يخرج فستحدث كوارث .. منذ أن رأى تسجيلات الكاميرا بالصباح وهو عبارة عن جمرة من النيران الملتهبة وتنتظر الفرصة لتمسك بأى أحد .
هبت واقفة واقتربت منه تهتف بغضب : 
_ أنا بكلمك ياعدنان 
رمقها بنظرة قذفت الرعب في أوصالها ثم وقف على قدميه وتقدم خطوة إليها حتى أصبح أمامها مباشرة وغمغم بنبرة تحمل الخفوت المرعب : 
_ هو أنا تعليماتي شفافة وكلامي ملوش لزمة ! 
فريدة بثبات مزيف : 
_ تعليمات إيه ؟! 
عدنان بوجه محتدم وهمس كان كافي لبث الرعب في قلبها  : 
_ كنتي بتطلعي بتروحي فين في غيابي يافريدة 
تحولت من وضع الهجوم إلى الدفاع ، وظهر على محياها الاضطراب الذي حاولت إخفائه بصعوبة وابتلعت ريقها ثم تمتمت بتوتر ملحوظ :
_ مكنتش بروح مكان ! 
بحركة عفوية رفع حاجبه مستغربًا وتمتم باسمًا باستنكار : 
_ بتكذبي عليا كمان !!!! .. من إمتى وإنتي بتكسري كلمتي أو بتكذبي وتخبي عني ! 
فريدة بحنق وانفعال كوسيلة لمحاولة إخفاء توترها : 
_ اخبي عنك إيه ياعدنان !! .. بعدين إنت سبت اللي عملته جلنار معايا الصبح ومن غير ما تحاسبها ولا تقولها أي حاجة اخدتها ومشيت وسبتني 
خرج عن إطار هدوئه وصرخ بها بصوته الرجولي الجهوري : 
_ احنا دلوقتي في إيه .. عشان تقوليلي جلنار ! ، اللي إنتي أصلًا غلطانة واللي قولتيه مغلطتيش فيها قد ما غلطتي فيا أنا 
أصابتها وغزة بسيطة بجسدها من صرخته وهتفت بذهول وعدم تصديق : 
_ إنت بتزعقلي عشانها ومهتمتش إنها رفعت إيدها عليا قدامك 
تراخت عضلات وجهه وجسده ، ليقف في سكون يطالعها بنظرة ثاقبة وحادة ، تتهرب من الإجابة ومن السبب الرئيسي لأنفجار بركانه وتحاول الهائه بحادثة الصباح بينها وبين جلنار ، أصبح الآن متيقنًا أن بها شيء ليس طبيعي ! .
خرج صوته هادئًا تمامًا على عكس نبرته السابقة ونظرته كانت مبهمة لكنها لا تبشر بالخير  : 
_ متتذاكيش عليا .. إنتي عارفة إن الحركات دي مبتخيلش عليا ، بس أنا هطنش كمان المرة دي بمزاجي وخليكي فاكرة إن دي المرة التانية والعداد شغال 
( ماهذه الطريقة ؟ .. هل يعقل أن يكون شك بأمري ؟! .. لا بالتأكيد لا فلو كان لديه ذرة شك واحدة لن يكون هادئًا هكذا ! .. أذا فلماذا ينظر لي بطريقة مرعبة هكذا ؟!!!  ) أسئلة كثيرة طرحتها في ذهنها من فرط الارتباك ، فلم يسبق لها ورأت هذه النظرة بعيناه ، ولم تعد تفهم مالذي دهاه وما التحول الرهيب الذي طرأ عليه فجأة بهذا الشكل ! .. لكن ما يهدأ من روعها أن رغم حالاته البركانية الجديدة لا تزال ترى وميض من حبه لها بعيناه وسط أشد لحظات غضبه منها وهو ما يمنعه عن الاستسلام لجموحه أمامها .
مد يده والتقط سترته مجددًا ثم هم بالرحيل لولا قبضتها على رسغه التي اوقفته وهي تسأل : 
_ رايح فين ؟! 
طالعها للحظات في جمود قبل أن يسحب يده من قبضتها ببطء ويبتعد متجهًا إلى باب الغرفة لكنها هرولت خلفه وسدت عليه الطريق هاتفة بشراسة : 
_ رايحلها ! 
_ فريدة ابعدي من قدامي لأني مش ضامن ردة فعلي لو اتعصبت اكتر من كدا عليكي
صاحت بغل وعناد : 
_ مش هبعد ياعدنان .. واضح إن اللي كنت خايفة منه حصل ، بس صدقني أنا مش هسمح بده أبدًا 
فهم مقصدها جيدًا وتلمحياتها حول مشاعره تجاه جلنار فمسح على وجهه متأففًا وهتف بنبرة شبه مرتفعة :
_ إنتي عايزة إيه دلوقتي .. ابعدي 
تصلبت بأرضها بقوة وقالت في نظرات كلها حقد وغيظ : 
_ عايزاك تطلقها ! 
يتبع الفصل الحادي عشر 11 اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent