نوفيلا الانسة ميم الحلقة السادسة والأخيرة بقلم منى الفولي

الصفحة الرئيسية

رواية الانسة ميم البارت السادس والأخير بقلم منى الفولي

رواية الانسة ميم الفصل السادس والأخير

صاحت محتدة باستنكار: وأنا مالي ومال الناس، أنا اللي هاعيش معه ولا هما.
زفر بنفاذ صبر: أنا سيبتك عند جدك كام يوم عشان تهدي، ده زين كان مصمم يجي بنفسه ياخدك من أيدك يوديكي لحد جوزك ولو غصب عنك، لكن أنا قولت له أنك متربية وبنت أصول وأكيد أول ما هتهدي أنت من نفسك هتقولي عايزة أرجع بيتي، لكن خلاص بكفايكي دلع، منتيش أول واحدة تسقط يعني.
يا الله، ألا لذاك الذنب من نهاية، لما يطاردها كلما ظنت أنها قد طويت صفحته للأبد، ألم يقبل الله توبتها الصادقة، ربما لأنها لم تكفر عنه بعد، فليكن إذن، فإما صفح، وإما قصاص، ليخرج صوتها قويا رغم ارتعاشه: لا هو رجل، ولا أنا متربية، ولا ابني يفرق معه في حاجة بالعكس يمكن هو مكرهش حد في حياته قد ابني اللي ربطه بيا، وبسببه اضطر يصلح غلطته ويتجوزني وأنا حامل في شهرين.
للحظات معدودة تصنم قاسم، وكأنما لم يعي ما تفوهت به، لحظات استرجع فيها عقله السرعة الرهيبة لزواجها، وحالتها الخطرة وقت الإجهاض برغم ظنه بقصر عمر الحمل وقتها، ومضات سريعة كانت بمثابة الوقود لغضبه، لتظلم عينيه فجأة وقد احتقنت دماءها تقدح شررا مخيفا، بينما تصلبت عروق رقبته حتى يخيل لك أنها ستنفجر، وتحركت كلتا يديه بسرعة رهيبة، لتمسك إحداهما بشعرها بينما أطبقت الأخرى على رقبتها بقوة، ليخرج صوته متحشرجا وهو يهدر بغضب: حكمتي على نفسك بالموت يا فاجرة، أنا كنت عارف ، كنت عارف.
احتقن وجهها باختناق لثانية واحدة قبل أن يفتح الباب فجأة ينطلق من خلاله كرسي صفوان باقصى سرعته، لتلتف يده حول جذع قاسم يجذبه باتجاهه بعيدا عن حفيدته، لترتخي يده الممسكة برقبتها دون أن يفلت شعرها، صرخت تلتقط أنفاسها ولكنه عاود إحكام قبضاه وهو يحاول التخلص من يدي صفوان، ولكن يديي صفوان تحولت لكلابات من فولاذ، يتمسك به تمسكه بالحياة، لقد أفلت يدي ابنته مرة، ولم يرها ثانية لذا لن يفلت يد ابنتها أبدا، سيتمسك بكلتهما معا ينقذ الحفيدة ويكفر عن خطأه تجاه الابنة، نهت قاسم بإجهاد ما بين مقاومتها وسحب صفوان له، لذا تحرك قاسم بها مبتعدا عن كرسي صفوان ليجبره على تركه، ليفاجأ بصفوان وقد سقط أرضا دون أن يفلته وقد ازداد تمسكا به بكل قوته، حضر العاملين بالقصر على تلك الجلبة التي سببها سقوط مخدومهم، ليهرع بعضهم بالامساك بقاسم وتكبيله بينما الباقيين يحملون سيدهم لكرسيه.
ينما وقفت هي تستند إلي الحائط تلتقط أنفاسا لاهثة وهي لا تصدق أنها قد نجت، أسرع إليها صفوان غير مباليا بحاله وهو يسألها بلهفة: مروة أنت كويسة [ أمأت برأسها ايجايا وهي تنظر بذعر لأبيها الذي يقاوم ممسكيه بشراسة وهو يزمجر كنمر جريح، ليأمرها بحزم] اطلعي أوضتك ومتخافيش.
ترددت للحظات قبل أن تفر مسرعة لتنتاب قاسم ثورة عارمة بمرورها أمامه، ليصرخ بثورة وهو يحاول الإفلات: هاقتلك يا مروة هاقتلك.
تلوى بين أيدي رجال صفوان حتى انهك تماما، وارتفع نشيجه بقهر، ليغمغم صفوان آمرا: خلاص سيبوه.
توتر الرجال وهم يتبادلون النظرات القلقة المترددة، ليطيح بترددهم صوت صفوان الحازم: قلت سيبوه واطلعوا بره، وكمان اقفلوا الباب علينا، وارجعوا كلكم لمكانكم ومحدش يقرب من الأوضة دي إلا بإذني.
تحرك الجميع بخضوع، بينما انهار قاسم على المقعد خلفه، لا يتخيل أنه يعيش واقع أبشع من كل كوابيسه، أقصى ما كان يخشاه ان يتعلق قلب ابنته بشخص غير مناسب وتضرب بموافقته عرض الحائط، ولكن لم يتخيل بأقصى كوابيسه أن تضيع شرفه كهذا، وأمام من ، أمام جدها، جدها الذي ولابد يتشفى به بعدما منيى بهزيمة أكبر من هزيمته عندما اختارته نادين وفضلته عن عائلتها بآسرها، لتتلبسه العنجهية الذكورية وهو يتمتم بتحدي: هاقتلها يا باشا هاقتلها، أنا محدش يحط راسي في التراب.
غمغم صفوان مستنكرا: تقتل بنتك.
تمتم بجمود: حكم ربنا ولازم يتنفذ.
صاح صفوان غاضبا: ربنا أرحم منك ومن أمثالك، الرجم للزانية المحصنة، البنت غلطت وهي أنسة مسبقش لها الجواز يعني مش محصنة، وحدها مش الرجم، حدها شرعا تتجلد ماية جلدة، ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ).
صاح متشدقا: عندنا الشرف ميغسلوش إلا الدم.
اشتعل غضب صفوان وهو يصرخ: يبقى متتمسحش في شرع ربنا، وأنت ماشي بشرع هواك، البنت تابت واستغفرت وربنا سترها وأنت عايز تفضح سترها.
انتفض قاسم واقفا، ليهدر وهو يتجه للباب: ربنا اللي سترها، ولا أنت عشان تتشفى فيا، وأفضل خايف من اليوم اللي اتفضح فيه، أقولهم يفتحوا يا باشا.
كان يعلم بوجود حاجز بينهما رغم مرور السنين ومحاولة تخطي الماضي، لكنه لم يتخيل أبدا أن يظن به قاسم أمرا كهذا، كاد أن يثور ويصب عليه جم غضبه، ولكن حكمة السنين ورغبته الحقيقية في إنهاء أمر ظل معلق لما يقرب من ربع القرن، جعلت صوته يلين وهو يرجوه: اقعد يا قاسم، محتاج اتكلم معك.
هدر وهو يحاول فتح الباب بالقوة: فات وقت الكلام يا باشا.
ترجاه ثانية وقد ظهر الحزن بصوته: في بينا كلام يمكن لو اتكلمناه بدري عن كده، كانت حاجات كتير تخص نادين اتغيرت، صحيح الاعمار بيدي الله، وفي كل الاحوال مكنتش هتعيش فوق عمرها يوم، لكن كانت هتعيش عمرها كله مرتاحة ولو كان عمرها يوم.
هدأت محاولات قاسم لفتح الباب، وقد فتح صفوان باب الذكريات المؤلم لكليهما، غير مصدق اعتراف صفوان أخيرا بعد كل تلك السنين: أنا باعترف أني غلطت.
لتتوقف محاولاته تماما، ويستدير إليه فاغر الفاه غير مصدق تلك الاعترافات المتتالية التي تخرج عن شخص كصفوان بذلك القهر والندم: غلطت لما ركبني الغرور وشوفت أنه مينفعش بنتي تتجوز الا اللي يليق بينا وباسم عيلتنا، غلطت لما مقربتش من بنتي وخليتها تفتح لي قلبها، غلطت لما شوفت قد أيه بنتي متمسكة بيك ومحاولتش أسأل عليك وأعرف أنت طمعان فعلا ولا.
توقف يلتقط أنفاسه بجهد قبل أن يستطرد: وغلطت لما ركبني العند وخرجتها مطرودة بدل ما اشرفها، مع أنها معملتش حاجة غير أنها استخدمت حقها في اختيار شريك حياتها، غلطت لما فضلت مقاطعها وسيباها وسطكم من غير سند ولا ضهر، غلطت لما عرفت أني بقيت جد بدل المرة اتنين، ومحاولتش اشوفها ولا أشوفهم، لحد ما ضاعت مني خالص، وبقى الفراق غصب مش رضا.
مع كل اعتراف لصفوان بخطأ له كان قاسم يقترب منه خطوة وكأنه مربوط بحبل اعترافاته التي تسحبه تدريجيا من بئر الندم وهو يرى غريمه يعترف بما حمل هو ذنبه لسنين، حتى توقف أمامه تماما، ليرفع صفوان كفه يمسح دموعه وهو يواجهه بصرامة متناقضة بشدة مع وهنه منذ لحظات: وأنت كمان غلطت.
اندفع يدافع عن نفسه، يأبى الرجوع لبئر ندم انتشل منه لتوه: أنا مغلطتيش، أنا حبيتها واتجوزتها على سنة الله ورسوله، وأنت بنفسك اعترفت أني عمري ماكنت طمعان فيها.
لينال حظه من اتهامات صفوان المتتالية في لحظة صدق، تدفعه دفعا للعودة لبئر ندمه: لا غلطت يا قاسم وأنت عارف، غلطت لما بصيت لفوق من غير ما تعمل حساب الفوارق اللي بينكم، وأن التكافؤ شرط مهم لأي جوازة، غلطت لما قويتها على أهلها وفرحت بأنها فضلتك عليهم واختارتك، من غير متفكر أنها عشان تكسبك خسرت نفسها.
اشتعلت عينيها بغضب وهو يتخيل ما لاقاته ابنته حيث أخذها: غلطت لما فكرت بمنتهى الانانية وانت راجع بيها الصعيد، ونسيت أنهم مش يفهموا اللي هي عملته وهيتعملوا معها على انها المصروية الفاجرة اللي لفت على زينة شباب بلدهم وباعت اهلها وناسها عشانه.
اندفع متشبثا بحجر التبرير يمنع سقوط روحه لقاع بئره السحيق: كنت عايزني أروح بيها فين وأعمل أيه عشان احميها منك، وأنت ايدك طايلة، وسبق وأذتني.
هتف صفوان مستنكرا: نادين مهربتش عشان تحتاج تستخبى، أنا كنت وكيلها في جوازكم وشرطي كان أني مش هاساعدها لما تعرف غلطتها، شرطي مكنش فيه بعد ولا أذى، أنا آذيتك أنت عشان تبعد عنها، ومع ذلك خرجتك أول ما هي تعبت.
ازداد عندا، هربا من ذنبا لطالما احترق به: وكنت هاعيشها منين واصرف عليها أزاي، بعد ما سبت شغلي عندك، عشان أحتاجلك وأمدلك أيدي، وتقولها أهو مش قولتلك طمعان.
هدر صفوان يضعه أمام مرآة الحقيقة: متكدبيش على نفسك، كان ممكن تسافر أسكندرية أو أي محافظة الحياة فيها قريبة للقاهرة، لكن كل كان هامك أنك تعيش مطمن وسط عزوتك وناسك، وكانت النتيجة أن هي اللي دفعت التمن؛ عاشت مذلولة وماتت مقهورة، [لم يجد ما يتشبث به بعدما واجهه بما حاول انكاره بنفسه لسنين، ليسقط على الكرسى خلفه دافنا وجهه بكفيه، ليعاجله صفوان بصربة قاضية] وولادها دفعوا التمن بعدها.
غمغم بصوت مرتعش: أنا مرتضش اتجوز بعدها وعشت عشان ولادنا، عشان أراعيهم وتبقى مطمنة عليهم.
زفر صفوان بألم: وراعتهم، ابنك اللي اتحول لسجان لأخته عشان سمعة أمه اللي شايلها على كتافه متتكررش، كده راعيته، واخته اللي عيشتوها تتدفع تمن السمعة دي وهي مش عارفة ممكن تلاقي اللي يقدرها وأنت مصمم تفضل في الصعيد، لحد ما كرهتكم وكرهت نفسها وجريت في حضن أول حد سمعها كلمة طيبة حتى لو بالكذب، كده راعيتها.
وهن صوته أكثر وهو يغمغم بخفوت: كنت خايف عليها الناس مبترحمش مكنتش عايز حد يقول ....
عجز عن تكملة جملته، ليكملها له صفوان وقد سبر أغوار نفسه: مكنتش عايز حد يقول اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها، وأنا داخل عليك وأنت بتخنقها كنت بتقولها، { أنا كنت عارف ، كنت عارف} هو ده اللي أنت كنت عارفه وخايف منه، لأنك أنت نفسك من جواك شايف أن حب نادين ليك ذنب مش عايز بنتك تكرره، عشان كده سيبت اخوها يعذبها ويحسب عليها النفس اللي بتتنفسه.
مدت يد قاسم تفك الزر الأعلى بقميصه، وهو يدلك صدره باختناق، وهو يغمغم بصوت متحشرج: قولهم يفتحوا الباب.
أطاعه صفوان مجريا اتصالا يأمر أحدهم بالقدوم، ثم يستطرد: بنتي وبنتها دفعوا تمن عقدك، أنا حاولت اكفر عن ذنبي مع نادين باللي عملته مع بنتها، كان سهل قوي اجيب الولد تحت رجلي واجبره يكتب عليها، لكن الموضوع كان هيتعرف حتى لو في اضيق الحدود، ولو بين أخواته وأنت وأخوها وخالها بس، وده اللي انها مرضيتولهش، حبيت أنها ترفع رأسها في وسط اهله وهو هيموت عليها قدامهم، حبيت أنها تشوف فرحتك بيها، حبيت أشرف بيها حتى لو متستحقش زي ما حرمت أمها أني أشرف بيها زمان وهي تستحق، فكر أنت كمان أزاي هتكفر عن ذنبك ناحية نادين وبنتها.
قدم أحدهم فتح الباب وانسحب سريعا، ليتحرك قاسم باتجاه ببطء، قبل أن يستوقفه صفوان مناديا: قاسم، بنتي غلطت ودفعت تمن غلطاتها، وأنا حاولت أعوضها بس بعد ما راحت، لكن بنتك لسه موجودة.
محاولا أن يرشده لأول الطريق الصحيح: أول حاجة ممكن تعملها، أنك تعاملها على أنها بنت الانسانة اللي حبتك وفضلتك على أقرب الناس ليها، مش على أنها البنت اللي خايفة تنقلب القدرة فتطلع لأمها، والأهم تستر عليها قدام أخوها بدل ما تفضحها وتذلها، وتأكدله ان أمه اذنبت وبنتها طلعت لها.
تطالع له قاسم بشرود وهو يخرج مغلقا الباب خلفه بهدوء يناقض ثورة الأفكار بداخله، بعدما وضعه صفوان أمام مشاعر لطالما انكرها حتى عن نفسه.
**********
انتفض زين غضبا وهو يستمع لرفض أخته للانصياع لأوامره والعودة لبيت زوجها: ومن امتى بقى لها رأي وبتقوله.
تمتم قاسم بهدوء محاولا امتصاص غضبه دون هتك ستر ابنته: يابني بتقول أنها مكنتش مرتاحة معه، وأن ربنا عمل كده عشان يفارقوا بهدوء، وبعدين كل حاجة بالخناق ألا الجواز بالاتفاق.
ضحك من منطق والده ورد متهكما : ده على أساس أني باجوزهاله، بنتك متجوزة، وكانت حامل.
تنهد بقهر تمكن منه منذ علم بحقيقة زواجها: والنصيب اتقطع لحد كده واطلقوا.
صاح زين ثائرا وهو يضرب المنضدة أمامه بيده بقوة: وتبقى أختي أول بنت تتطلق في العيلة؟ وتبقى سيرتنا على كل لسان؟ [هازئا بمرارة] أصلنا مشبعناش فبنعيده.
رد بهدوء جاهد كثيرًا للتمسك به، محاولا اقناعه لمعرفته بمدى اهتمامه بنظرة المجتمع: وهما مش هيجيبوا في سيرتنا، لما يعرفوا باللي أخته عملته؟
لوح بيديه وهتف معترضا: الكلام ده لو كان من النواحي هنا والناس عارفة اللي حصل، لكن محدش هنا يعرفه ومشفهوش غير يوم الفرح، اللي يعرفوه اللي في القاهرة، والناس هناك مبيفرقش معاها الكلام ده، وخصوصا والندل صلح غلطته وأخته اتسترت، لكن طلاق مروة هيخلينا احنا هنا في وش المدفع، ولو قولنا السبب نبقى بنفضح نفسنا واللي يصدق واللي ميصدقش، واللي استغربوا سربعة الجوازة من أساسه هيقولك لا ده الموضوع كان فيه أن من الأول.
لمست تلميحاته جرح قلبه النازف، فزفر بنفاذ صبر راغبا بإنهاء الحوار: محدش له عندنا حاجة، وخلاص أختك عند جدك وهو المسئول عنها دلوقتي لحد ما ربنا يعدلها.
ابتسم هازئا: ماهو لو جدي كان ربى زمان مكناش وصلنا للي احنا فيه دلوقتي.
كل محاولات التشبث بالهدوء طارت ادراج الرياح وهو يسمعه يقذف زوجته الراحلة، لم يحتمل تطاوله فارتفعت يده تصفعه وهو يهدر به زاجر: قطع لسانك، هي حصلت تعيب بأمك الله يرحمها، نادين دي كانت ست الستات.
فجأته صفعة والده المدوية لأول مرة بعمره فاندفع يلومه دون وعي: دلوقتي بقيت ست الستات؟ مكنتش بتقول كده زمان ليه وستي مبتندهنيش غير بابن المصراوية وكأنها شتيمة؟ مكنتش بدافع عنها ليه وهما بيتفقوا عليها ويخدموها، ولو فتحت بوقها يقولوها منتيش في سراية أبوكي الباشا ولو مش عاجبك ارجعلها لو تقدري؟ عشان عارفين كويس انها متقدرش تخطيها، جي دلوقتي تقولي ست الستات.
اتسعت حدقتي قاسم وهو يرى بشاعة صورته بأعين ولده وقد وضع أمام عينيه ما حاول التعامي عنه طوال حياتها ونسيانه بعد فقدانها، لتنهار قوته على الاحتمال تحت ثقل ما لاقاه منذ مواجهته مع ابنته، ليصيح معترفا: كنت منافق، ضحكت عليها وعلى نفسي قبل منها، فرحت بأنها فضلتني على أهلها وأنا من جوايا مش مآمن لها وباقول اللي ملوش خير فأهله ملوش خير في حد.
ضم اصابعه واشار لنفسه وملامح وجهه تشي بالخزي الذي يعتمل بصدره منذ دهر وتابع: فهمتها اني مقدر حبها وتضحيتها، والصعيدي اللي جوايا بيقول لو أختي مكانها كنت قتلتها، كنت شايف كل اللي بتقول عليه وكنت ساكت وأنا عارف أنها فعلا ملهاش مكان وهتصبر، يبقى مفيش داعي أعادي أهلي.
لينظر بعينه وهو يواجهه بوضوح ويردف: كنت منافق زي ما قولتلك بس أنت كمان منافق زيي بالضبط.
صاح مدافعا عن نفسه نافيًا التهمة التي القاءها والده بوجهه الان: وأنا ذنبي أيه أنا كنت عيل؟!
رمى بنفسه على المقعد خلفه فقد اثقلته الهموم والذنوب اكثر مما يطيق، كان صوته ضعيفًا خافتًا وهو يكاشفه بحقيقته التي تأخر كثيرًا بالبوح بها : ولسه عيل، بتحاسبنا أننا حبينا وشايف الحب عيبة وأنت غرقان لشوشتك في حب بنت خالك، على الأقل أمك حبتني زي ما حبتها، مش فرضت نفسي عليها وأنا عارف أنها بتحب حد تاني، أنت حبيتها وهي بتدرس وبتشتغل بس لحد أختك بقى التعليم دلع ملوش لازمة، وأنا من خيبتي كنت عايم على عومك ومكبرك، لولا جدك.
بهت زين من معرفة والده بحبه لابنة خاله، حبٍ لطالما حاول مداراته وكبته، ولما لم يستطع كبح جماحه اخفاه بصدره وتكتم عليه، وها هو يقف مكشوفًا امام والده وما حاول مداراته قد فُضح، والله أعلم من غير والده قد شق صدره واطلع على ما فيه.
أما قاسم فراقب تقطيبة حاجبي ولده وعلم انه بأضعف حالاته الان، رأف لحاله واشفق على قلبه المفطور، تضايق من نفسه ومن فعلته فزين ولده ايضا، ولكنه تجاوز كل الخطوط بالعيب بوالدته ومحاولته كسر اخته، وعليه ان يحميه من نفسه قبل ان يحمي من حوله منه، فاستجمع رباطة جأشه ووقف عازما أن ابنته لن تكون كبش فداء اخر لأخطاءه، لن يصنع نادين جديدة ومصير مشابه لمصيرها، واستطرد بصوت صارم زجره هو قبل ان يزجر ولده: بس من دلوقتي ملكش صالح بأي حاجة تخصها، أنا أبوها وأدرى بمصلحتها، ولو أنت ميهمكش غير نفسك وصورتك قدام الناس، فأنا يهمني بنتي وراحتها، ونصيحة أخيرة ليك الحب مش كل حاجة، في حاجات تانية كتير أهم مش موجودة بينك وبين مرام حتى لو كانت بتحبك، (زافرا بألم) وأسأل مجرب.
ألقى بكلماته الأخيرة متحركا تجاه غرفته فما أحوجه للراحة بعد يوما عصيب، تاركا إياه مشتتا بين أفكار متلاطم تقذف يه ببحر الحيرة غارقا بالألم.
***********
{هتسافر؟}
بدر ذلك التساؤل عن مرام لوالدها، الذي لمس الحزن بصوتها، فأجابها محاولا إسترضاءها: أسبوعين بس يا حبيبتي، هاحضر المؤتمر وأرجع، وأوعدك أني مش هارتبط بأي مواعيد غير لما تحددوا ميعاد الفرح وأفرح بيكي.
أطرقت مرام بصمت، فاستطر زياد واضعا إحدى يده فوق كتفها وهو يضمها لجانبه بحب أبوي: مرام يا حبيبتي أنا عارف أني مكنتش دايما موجود عشانك، لكن أنا متابعك طول الوقت ومطمن عليكي، وعارف أنك مرتاحة مع جدك.
أطرق للحظات قبل أن يلتفت مواجهها عينيها: عارف أنك شغالة في الشركة من أول ثانوي، وأكيد ده كان عبء عليكي، وأنا عارضت في الأول وحاولت أخلي بابا يأجل الخطوة دي، لكن أنا سكت لما عرفت أنك سعيدة ومتقبلة الوضع جدا، وفرحت قوي بنجاحك والوضع اللي وصلتيله في الشركة ، مش عشان بس أنت وريثة الديب، لكن كمان عشان ذكاءك وطريقتك المميزة في الإدارة.
ازدرد ريقه وهو يردف معتذرا: أسف لو سمحتله يحملك فوق طاقتك، ودخلك في طاحونة الشغل بدري قوي، لدرجة أنك بقيتي مشتتة ومش قادرة تاخدي خطوة الجواز، لأنك حاسة أنك مش قادرة تتحملي عبء جديد.
ابتسمت مرام وهي تجيبه صادقة: بالعكس أنا بأحب الشركة جدا، وبلاقي نفسي في الشغل، وبافرح قوي وأنا باثبت نفسي ومكانتي بجهدي مش باسمي وبس، وبالنسبة للجواز أنا كنت بس محتاجة أنظم أفكاري، واديني أهو وافقت ومستنين لما نلاقي ميعاد مناسب بالقاعة.
زفر بارتياح، ليبتسم بعدها بسعادة وهو يردف مشاكسا: الحمد لله، طيب المهم دلوقتي أنا وائل موسطني أكلمك، عشان تتنازلي شوية ومش لازم القاعة اللي أنت متمسكة بيها دي، خصوصا وأن الفرق بينها وبين القاعة المتوفرة حاليا مش كبير.
أجابته بدلال: بس أنا من حقي أعمل فرحي في المكان اللي نفسي فيه، حقي ولا مش حقي.
أمأ لها موافقا: طبعا حقك، بس يعني هو شايف أن مفيش مبرر أنكم تستنوا ست شهور كمان، وده أقرب ميعاد في القاعة اللي أنت نفسك فيها.
ابتسمت وهي تجيب بدلال: وأيه المشكلة، احنا مستعجلين على أيه.
ابتسم والدها بسعادة وهو يضمها لحضنه مدللا: براحتك، من حق الجميل يدلع.
تتوارت مروة وقد وصلها أخر حديثهما، ليكن بمثابة صفعة لها، نعم مرام محقة، فما وجه الاستعجال، فلا فضيحة تسعى لسترها ولا جنين تخشى أن يعلن عن وجوده غير الشرعي، فمثلها من يحق له الدلال كما أقر والدها.
***********
لمعت الدموع بأعين زين وهو يشاهد محبوبته كملكة متوجة بثوب زفافها ناصع البياض، ولكن يالحسرته وقد أرتدته لغيره لتكن ملكة حياته ورفيقة دربه، لاحظ أن العريس قد تم سحبه من قبل أصدقاءه للاحتفال به بينما التفت صديقاتها حولها يهنئونها ويتبادلن الدعابات والضحكات، أقترب مسحورا كمأسور، وهو يسمع ضحكتها الخلابة، ليستمع لحديثها السعيد: بجد أنا مبسوطة أني صممت على القاعة دي، التنظيم يجنن.
هتفت إحدى صديقتها بحماس: عندك حق، أنا كمان بإذن الله هاقول لخطيبي يحجز لنا هنا.
بينما تسائلت أخرى بفضول: هو أنتوا قررتوا تقضوا شهر العسل فين.
ابتسمت مرام بسعادة: المالديف، بس هما أسبوعين بس للأسف عشان الشغل.
احتجت أخرى مستنكرة: أيه ده وأزاي توافقي، هو هيتلكك من أولها.
تعالت ضحكة مرام المرحة: الحقيقة أنا اللي بتلكك، لأن أنا اللي مضطرة أرجع عشان المناقصة اللي رسيت علينا، هو فعلا كان عامل حسابه على شهر كامل، لكن لما لقى أننا بين اختيارين، ياما نكتفي بأسبوعين كشهر عسل، أو أننا نأجل الفرح، أختار نتجوز بميعادنا خصوصا بعد التأجيل بتاع القاعة.
استمع لحوارهما وكلمات والده عن عدم كفاية الحب وحده تردد بعقله، فحتما لم يكن ليرضى بأن تقلص حبيبته شهر عسلهما لصالح عملها على هذا النحو المهين له من وجهة نظره، هذا في حالة أن وافق على عملها من الأساس، ليدرك أن كلا منهما من عالم مختلف.
وفي أقصى مقعد بالقاعة كانت تجلس مروة بسكون، تقارن ما بين يوم عرسها وهذا الحفل البهيج، فأن ساوى جدهما بينهما، بالبذخ ومظاهر الفرح، ولكن شتان ما بينها وبين مرام، تلك التي تشع سعادة وتنطق عينيها بالغرام بينما عريسها يحاوطها من كل جانب وكأنما سيختطفها أحدهم، وبين خزيها وقتها وخوفها من أن يلمحها عريسها من خلف الوشاح فتفضح ويهتك سترها، ولكن هنيئا لمرام بفرحتها التي استحقتها بجدارة بعدما حفظت الأمانة، وليسامحها الله على التفريط.
********
تحركت شيرين بتثاقل واضعة الصحن بيديها فوق المائدة بصمت لتتوارى بعدها داخل الغرفة كعادتها منذ مجيئهما جميعا لدبي.
تابع فادي انصرافها بصمت وهو يتسائل كيف وصلوا لتلك الحالة، بالماضي كان يلتقي باخواته أياما معدودة كل عاما، وكانوا يملأون الدنيا صخبا حتى تضج والدتهما بضحكاتهما المدوية، والأن هاهم يعيشون سويا، ولكن كلا منهما منعزل بعالمه، شيقتقه تقوم بخدمتهما صامتة، لتحبس نفسها بعدها بغرفتها، تتحاشى التقاء عينيها بعيني أيا منهما وتزداد انطوائيها وخزيها اطرادا مع زيادة حجم بطنها، أما شقيقه فهما لا يلتقيان تقريبا، فهما يعملان بنفس العمل تبادليا، فيعمل أحدهما طوال النهار، ليتسلم منه الأخر المناوبة الليلية، ليقتصر لقاءهما على تلك الدقائق المعدودة وقت تسليم نوبة العمل، ارتفعت الصرخات من التلفاز أمامه، الذي كان يعرض إحدى مبارايات كرة القدم، وقد أحرز فريقه هدفا، ولكنه لم يبالي ولم يصدر عنه أي رد فعل، بعدما فقد شغفه بالعالم كله، لا كرة القدم فقط، شرد ذهنه عن المباراة الدائرة لينتبه على ذلك الصوت الصادر عن هاتفه مشيرا لوجود إشعار من أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مد يده ملتقطا هاتفه بلا مبالاة، ليجد إشعارا بطلب صداقة من إحدى الفتيات، تطلع لصورة مرسلة الطلب ليجد صورة لفتاة جميلة تشبه شقيقته كثيرا، بينما يتصدر أسمها طلب الصداقة.
{ميار} ردد أسمها بقهر قبل أن يلقي بهاتفه باتجاه التلفاز محطما كلاهما، ليختلط صوت تحطهمهما بصراخه المقهور: ميار، ميرو، الآنسة ميم.
تمت.. النهاية
اقرا ايضا رواية ضحية عنيد الجزء الثاني كاملة عبر دليل الروايات للقراءة والتحميل.
google-playkhamsatmostaqltradent